الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

التجديد فى فقه الولاء والبراء

التجديد فى فقه الولاء والبراء
التجديد فى فقه الولاء والبراء




كتب : د. عبدالله النجار

نشأ فقه الولاء والبراء فى ظل الأفكار التى تقسم الناس إلى قسمين، أو فريقين، أو فسطاطين هما: فسطاط المؤمنين، وفسطاط الكافرين، أو حزب الله وحزب الشيطان، أو ما إلى ذلك من المسميات التى تتفق مع تلك التقسيمات فى المسمى أو فى المضمون، وجاء موقعه من الدراسات الفقهية فى باب السياسة الشرعية التى تبحث حدود العلاقات والتعامل على المستوى الدولي، أو بين الأفراد الذين ينتمون إلى جنسيات مختلفة عن هوية الدولة الإسلامية بمفهومها العام الذى يتجاوز الحدود الدولية المقررة بمفهوم العصر إلى خارج تلك الحدود الدولية لتشمل المسلمين الذين يعيشون فى تلك البلاد.
وفى إطار هذا التقسيم، الذى يزاوج بين العلاقات الدولية، على مستوى الدول، وعلى مستوى الأفراد الذين يدينون بالإسلام، ويعيشون فى دول غير إسلامية، يتحدد مفهوم مصطلح (الولاء والبراء) ويتحدد نطاقه فى مجال التطبيق العملي، وذلك كما يلي: على مستوى التعامل بين الدول:
فإن فكرة الولاء والبراء تعنى نفى الولاء بين الدول الإسلامية وغير الإسلامية بما يمنع تأييدها فى أى موقف من المواقف حتى لو كان موقفاً إنسانياً يتصل بحفظ مقومات الحياة كالمخاطر التى تهدد النفوس أو الأموال، وربما وصل الأمر إلى حد الشماتة فيما يجرى لا قدر الله على تلك البلاد من الكوارث التى تهلك الحرث والنسل، واعتبار ذلك نوعاً من عقاب الله لمن يستحقونه، وأن الولاية لايجوز أن تكون إلا للمسلمين فقط، وأما ما عدا ذلك من الولاءات المبنية على أفكار جاهلية أو كفرية أو قومية، أو وطنية، فإنها لا يصح أن يكون لها من الولاية أو النصرة نصيب، فالمسلم أخو المسلم فى أى بقعة كانت، وان دار الإسلام هى دار كل مسلم فى جميع أنحاء الأرض.
وأما ما عدا المسلمين، فلهم المعاداة  والتبرؤ منهم ومن أفعالهم وعقائدهم، وذلك كالكفار والمشركين والمرتدين، وان الإيمان لا يجتمع مع حب الكفر وأهله، والموالاة هى مظهر هذا الحب المنافى للإيمان فلا يجوز أن توجد، ومن مقتضى ذلك: التأكيد دائماً على تلك القضية، وتذكير المسلمين بأن العداوة يجب أن تكون قائمة بينهم وبين العالم كله.
وعلى مستوى التعامل بين الأفراد:
فإن روح العداء والمقاطعة التى يجب أن تسود بين المسلمين وغيرهم لا يجوز أن تقتصر على المستوى الدولي، بل يجب أن تشمل الأفراد، فلا يجوز أن يكون هناك ود بين المسلم وغير المسلم حتى وقع الخلاف بينهما فى الرأى هل يسلم عليه، أو لا يسلم، وهل يجامله فى المناسبات الشخصية والاجتماعية أو لا يجامله؟ انه يجب التبرؤ منه ولا تجوز موالاته أو نصرته، وبتعبير أدق: لا يجوز أن يحبه، لأن الولاء والنصرة هما مظهر حبه وعلامته، ومع أن موضوع الولاء والبراء موطنه فى دراسة الفقه الإسلامي، باب العقيدة أو الفقه الأكبر، وليس فقه الفروع، إلا أن تطبيقاته قد تجاوزت مجال الاعتقاد إلى العمل، واصبح لهذا المبدأ أثر كبير فى قطع دابر التعاون الدولى والإنسانى الذى يجب أن يكون حاصلاً بين المسلمين، وغيرهم فى عمارة الأرض والمحافظة على قيم الأديان وهو ثابت بنصوص الكتاب والسنة، ومنها قول الله تعالي: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان» وقوله تعالي: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ان الله يحب المقسطين»، وقوله تعالي: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأثنى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عن الله أتقاكم» وقول النبى  - صلى الله عليه وسلم - «الناس سواسية كأسنان المشط»، وقوله عليه السلام «كلكم لآدم وآدم من تراب لا فضل لعربى على عجمى ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوي»، فإن هذه النصوص الشرعية وغيرها تدل على أن مبدأ البراء والولاء لا سند له شرعاً، لكن القائلين به لم يعدموا حيلة فى تقديم بعض النصوص بطريقة ملتوية وفهم غبي، وأفكار مدعمة لها منها كلام ابن تيمية وابن القيم، طمسوا به تلك الأدلة الصحيحة، وانحرفوا بمبادئ الدين عن مسارها الصحيح، ثم قبروها فى فهمهم الغبى لها.
الولاء والبراء والواقع المر الجديد:
وأصحاب فكرة الولاء والبراء مع تجاهلهم لصحيح الدين وانحرافهم عن مقصده الصيح حين قالوا بها، عللوا ما قالوه  بأن موالاة غير المسلمين لن يرجى منها خيراً، وأنها ستظل باب شر إلى يوم القيامة، واستدلوا لذلك بقول الله تعالى «ياأيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين،» وبآيات أخرى تفيد هذا المعني، وفسروا الطاعة هنا أن يظلوا فى صراع مع الدنيا إلى يوم القيامة، فلا يتفرغون لعلم أو صناعة أو زراعة وغيرها، وهى نفس الفكرة التى قال بها أصحاب مزاعم العداء الدولى التى تذهب إلى أن الأصل فى علاقة المسلمين بغيرهم هو الحرب والقتال حتى ترتفع رايات الإسلام على كل بقاع الأرض، ويدخل الإسلام قلب كافة البشر، مع أن القتال لم يشرع إلا استثناء وللدفاع عن النفس ممن يقاتلوننا فعلاً أو يعتدون على حدود بلادنا.
ومعنى أن تلك العلاقة لن يرجى منها خير، أنها ستكون مصدر شر ووقيعة فى الهلاك، وان المسلمين لن يجنوا من تلك العلاقة، إلا التآمر عليهم، وعمل كل ما يضرهم، وعليه يجب الحذر منهم، وتجنب معاملاتهم أو الاختلاط بهم أو التعاون معهم، فالولاء والبراء مبرر بتلك التخوفات المحققة عندهم وليس بعيداً عن مجال إدراك تلك العلة أو هذا المعنى فيه.
ومع وضوح تلك العلة فيه، إلا أن القائلين بتلك الفكرة تنكروا لها فى سلوكهم وتصرفاتهم، وفعلوا ما يناقضها تماماً، فاتخذوا من هؤلاء الكفار أهلاً للنصرة على البلاد الإسلامية ومنها مصر، وارتموا فى أحضان تلك البلاد يسبحون بحمدها، ويخطبون ودها ويستجدون نصرتها حتى تجلسهم على الكراسي، أو تنصب أحدهم خليفة للمسلمين، أو تقيم لهم دولة الخلافة، إنهم يحبون الكفرة والمشركين فى فكرتهم أكثر من المسلمين، بل صاروا يكذبون فى كل أمر يشوه صورة المسلمين ويجد قبولاً لدى هؤلاء الكفار - بلغتهم- كإهدار حقوق الإنسان وما إلى ذلك مما يستنهض القوى الكفرية على البلاد الإسلامية التى ينتسبون لها، والتى سبق أن قالوا: إنها يجب أن تبرأ من الكفرة والمشركين، ولا تواليهم، وأقاموا لذلك فكرة الولاء والبراء.
كما أن الولاء والبراء مبرر عندهم بالأذى من الدول الكفرية المتآمرة على البلاد الإسلامية، لكنهم لم يفسروا لنا ما يقع من بعض الدول الإسلامية بحق بعض الدول الإسلامية الأخرى وعلى سبيل المثال: ما تفعله تركيا وقطر بحق مصر، والدول الإسلامية التى مزقتها الفتن والخلافات والقتال حتى كاد أن يقضى عليها بعد أن أهلك الحرث والنسل فى تلك البلاد الإسلامية مثل ليبيا وسوريا والعراق ولبنان والسودان.
والمنطق الفقهى يقتضى التجديد الملائم فى تلك المسألة، فإذا كان الأمر في الولاء والبراء مبنياً علي نفع المسلمين وضرهم، فإن الولاء والبراء يجب أن يكون من حظ المتآمرين على الإسلام، وعلى البلاد الإسلامية، حتى لو كان أولئك المتآمرون ممن ينتسبون للإسلام، أو يرفعون رايته أو يدثرون بشعارات إسلامية، لقد انضموا إلى فسطاط الكفر وتمرغوا على أعتابه يخطبون وده وينشدون نصرته، وينتصرون به من دون الله، ولهذا يخطر الولاء لهم، ويجب التبرؤ منهم ومن أفعالهم اللعينة، وذلك ما يمثل وجهاً من وجوه التجديد فى تلك المسألة الفقهية الشائكة.