الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حرمة ومشروعية «العمل السرى» وممارسات الجماعات المتطرفة

حرمة ومشروعية «العمل السرى» وممارسات الجماعات المتطرفة
حرمة ومشروعية «العمل السرى» وممارسات الجماعات المتطرفة




تحقيق - محمد فؤاد

اعتادت الجماعات الإسلامية والتنظيمات الارهابية التى تعمل وتتاجر باسم الدين الاختباء فى الجحور السرية حينما ترتب إلى أمر معين من أمورها أو تعمل على التدخل فى شئون البلاد بعيدا عن أعين الأمن وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا فدارت التساؤلات عن المشروع والممنوع فى العمل السرى فى الاسلام، فأيد بعض العلماء هذا وعارض الآخر معتبرا أن العمل السرى انتهى فى عهد النبى  صلى الله عليه وسلم ـ ومن فعل غير ذلك فقد وقع فى اثم كبير.
فيقول الدكتور عويس النجار رئيس المركز الاسلامى بكندا إن العمل السرى فى الدعوة لا مجال له اليوم، حيث إن الدعوة السرية وقتها انتهى حينما جهر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالدعوة ونزل قول الله تعالى: «فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين» والأمور الدينية والدعوية لا حاجة فيها إلى سرية والسرية فيها تحوم حولها علامات استفهام، وتشوبها الريبة والشكوك، وبصفة عامة الإسلام دين الوضوح والمكاشفة بامتياز أما حكم الشرع على الذى يجتمع سراً


ومن جانبه قال الشيخ عبدالناصر بليح مفتش بالقطاع الدينى بوزارة الاوقاف إن العمل السرى فى الاسلام يكمن فى أمور كثيرة ينبغى على المسلم كتمانها من أجل المصلحة لأن من الاخلاق الحميدة والصفات الفاضلة كتم السر وعدم إفشائه، ولا يقدر على ذلك إلا ذو الشهامة والمروءة، ولهذا قيل: ادنى صفات الشريف كتم السر، واعلاها نسيان ما أسر به إليه، وقيل صدور الاحرار قبور الاسرار.
أما أولئك المفشون للاسرار الناشرون لما استودعوا من الاخبار فليس لهم مثل الا المنخل أو الغربال، فالحذر كل الحذر ان تفشى سرك وتبوح بما يهمك، خاصة لمن لو عهد إليه بأمر يخفيه أو سر يكتمه لضاق به صدره وبالغ فى إفشائه ونشره، ولهذا جاء فى الاثر: «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذى نعمة محسود».
بالإضافة إلى ما ورد فى فضل كتم السر وعدم إفشائه فقد روى عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ انه قال: «من أسر إلى أخيه سرا فلا يحل له أن يفشيه عليه» كما قال ابن عبدالبر، أما ما يتعين كتمانه من الاسرار ويحرم إفشاؤه المجاهرة بالمعاصى لمن ستره ربه، والمجاهرة بما يدور بين الزوجين من الرفث والقول والفعل ولا يحل للاجراء والوكلاء كشف سر المهنة وشئون التجارة وكشف الامتحانات ونتائجها ولا يحل للطبيب أو المعالج أن يكشف العاهات والامراض التى يسر لهم بها بعض المرضى وعلى المفتى أن لا يبوح ويكشف ما يخبره به المستفتون والمستشار مؤتمن وأمناء السر بـ«لجان الترقيات ومجالس التأديب عليهم أن لا يفشوا سرا متعلقا بذلك».
وتابع لكن لا يجوز عقد اجتماعات سرية للتخريب وضد مصلحة الوطن مثل أعمال الاخوان والجماعات الاسلامية وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، فهؤلاء هم الاخسرون أعمالا كما قال عنهم المولى عزل وجل: «قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا».
وأضاف أن الدعوة كانت سرا على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندما كان الكفر والشرك منتشرا والطغاة ينكلون بمن يجهر بدينه وظل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعو سرا طيلة ثلاث سنوات حتى جاء الأمر من الله عز وجل أن يجهر بدعوته «وأنذر عشيرته الأقربين» النبى عليه الصلاة والسلام أمر فى هذه الآيات أن ينذر عشريته الأقربين، والاقربون أولى بالمعروف، الأقربون إليك أولى بتوجيهك، الأقربون أولى بعنايتك، الأقربون نسبا، والأقربون مكانا، والأقربون فى العمل، المؤمن يبدأ بمن حوله، يبدأ بأهله وأولاده، ويبدأ بإخوته، وأخواته، ويبدأ بعشيرته، ويبدأ بأبناء حيه، وبزملائه بالعمل ويبدأ بجيرانه، هكذا كان توجيه الله تعالى لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبالطبع الاسلام لا يعرف العمل السرى داخل بلاد المسلمين.
وتابع أن كل من يعمل فى الخفاء فى بلاد الاسلام من أجل الخروج على المجتمع المسلم أو الحاكم المسلم فهو آثم، وقال صبرة القاسمى الأمين العام للجبهة الوسطية والقيادى السابق بتنظيم الجهاد أن الاصل أن الاسلام ليس فيه إلا جماعة واحدة وكل ما نعيشه من فرقة وشتات ليس من الاسلام فى شىء وكل محاولات تشتيت وتفريق المسلمين وشق الصف المسلم غير شرعية.
وأضاف خلاصة الأمر أن التنظيم السرى ثبت تاريخيا وواقع بأنه مشروع فاشل لا تقوم عليه نهضة ولا تصلح به أمة ولا شعب، ولم ننكر وصول بعض التنظيمات إلى أهدافها التى أرادت ولكنها أثبتت أنها نكبة تؤرخ بها الشعوب أحداثها.
وقال ياسر سعد الداعية السلفى إنه فى الاصول أتاحت السرية عرض مذهب أهل الحديث على أنه المذهب الوحيد لأهل السنة والجماعة وفى الفقه عرض مذهب الحنابلة على أنه المذهب الذى صحت أدلته وفى السياسة كان مذهب الخروج هو الحق والقتال هو الوسيلة الشرعية فالسرية تتيح الاحتكار الفكرى والسياسى والعلانية ضمانا لمراجعة المسلمين للفكر اذا اعوج.. ومن لجأوا إلى الدعوة السرية داخل البيوت لوقعوا فى الاثم ألم يقل ربنا «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون».
وقال أسامة حافظ مفتى الجماعة الإسلامية إن العمل السرى استهوى كثيرا ممن سبقونا ابتداء من تنظيم الإخوان المسلمين السرى.. وحتى تجربة الجماعة الاسلامية مرورا بتنظيمات يحيى هاشم ومحمد البرعى وصالح سرية وشكرى مصطفى.. وعشرات من التنظيمات المتنوعة.
وتابع أن العمل السرى يستلزم فى إدارته وحاجة أفراده للتخفى كثيرا وهو من المخالفات الشرعية.. كترك الهدى الظاهر والكذب لإخفاء الاعمال التنظيمية.. والمراوغة والخداع واظهار ما يخالف الباطن.. وهى أشياء مع تكرارها واعتيادها توهن المعصية فى القلوب وتضعف الالتزام بالدين.. وتخفف من تمسك الفرد بالطاعات وتضعف من تمسكه بالدين.. حتى تصبح المعصية مألوفة يراها الأخ فلا ينزعج منها.. ويفعلها فلا يحزن لفعلها.
وأضاف أن الحرمان من التربية الجماعية فى المساجد وغيرها فى العمل السرى يحرم الافراد عادة من التربية الجماعية وذلك حفاظا على السرية.. فيحرم هؤلاء جميعا من الاجتماع على قيام الليل وصلاة الجماعة والاعتكافات ومجالس العلم والذكر وغيرها.. وهذا يوهن ارتباط الافراد بالجماعة المسلمة.. بل وبالدين نفسه وقد عانت كل التنظيمات التى مارست العمل السرى من هذه الآفة.. ومن مشاكل التعصب من خلاف وتمزق وانشقاق.. وقلة الحرص على روح الاجتماع والحب وعدم قبول الآخر.
مشيرا إلى نشأة التشوهات الفكرية من أخطر الأشياء التى تنشأ عن العمل السرى بسبب الانغلاق الفكرى.. فالحوار العام واللقاءات العامة والمدارس العلمية وملاقاة العلماء والسماع منهم تضبط الفكر وتصحح المسار المنحرف وتكشف الاخطاء وتصححها بالمناقشة والحوار المستمر الذى يثرى العقل ويمحص الفكر ويطور الانسان الى الافضل والأحسن ويوسع أفقه.. وحتى عندما تفشل فى التصحيح فإنها تكشف هذا الخلل للآخرين وتعزل المنحرف.. أما اقتصار الحوار على المجموعات التنظيمية الصغيرة ـ الخلية ـ وتدارسها هكذا مع نفسها.. ونقاشها منفصلة عن المجموع وعن العلماء بأنواعها فإنه يجعل لتلك المجموعة أو الخلية رأيا خاصا قد يخالف رأى المجموع مهما احتطنا لذلك.. ويتبلور بعيدا عن رأى القيادة وعينها وعين المجتمع، بل قد يتحول هذا الرأى الى موقف يختلف عن مواقف المجموع وسياسة الجماعة فتتحول هذه الخلية الى جيب فكرى متمرد.. لها فكرها ومواقفها التى تنبع منها.. خاصة بين الشباب حديث السن قليل العلم سريع التقلب شديد الحماسة.. الذى لا يعرف من الألوان الا الابيض والاسود.. ويتعامل بحدة مع ما يراه خطأ.. وبصورة يصعب ضبطها أو التحكم فيها.
وقال إن ضعف الولاء العام للمسلمين والمجتمع تعمقه السرية ونظام الخلايا الصغيرة وروح انتماء الافراد لهذه الخلايا وقيادتها الجزئية بما تمارسه هذه القيادات من التفرد بإدارة شئون المجموعة فى حاجاتها حفاظا على السرية.
وهذا يضعف بمرور الوقت من الولاء العام للمسلمين وللمجتمع المسلم وللجماعة بعمومها لصالح هذا الانتماء الجزئى والفرعى.. وهى مشكلة التمزقات التى عانت منها كل الجماعات التى اتخذت من العمل السرى وسياستها فصنعت داخلها ولاءات متعددة ومتنوعة.. كثيرا ما كانت تطغى على الولاء العام، ثم تضخم الذات والغرور هو أحد هذه الآفات المنتشرة فى التنظيمات السرية وذلك أنه كثيرا ما يكون فى تكوينات البرامج التى يعد بها أفراد خلايا التنظيم اشعارهم بأنهم انما يقومون بعمل متميز عن غيرهم وأنهم أفراد قد تم اختيارهم من بين الناس لصلاحيتهم لعمل لا يصلح له غيرهم.
ومن جانبه قال الدكتور محمد سعيد رسلان الداعية السلفى وامام معهد الفرقان لإعداد الدعاة ان الاجتماعات السرية فى الاسلام قال عنها ابن أبى عاصم فى التذكير والذكر باسناد صحيح قال بلغ عمر بن الخطاب أن قوما يجتمعون عند فاطمة الزهراء رضوان الله عليها فذهب إليها عمر وقال لها يا بنت رسول الله ما كان أحد أحب إلينا من أبيكى غيرك فقد بلغنى أن قوما يجتمعون فى بيتك فلا ينتهى هؤلاء إلا سأحرق البيت ثم أتا القوم إلى فاطمة فقالت جاءنى ابن الخطاب وتوعد بحرق البيت وما أراه الا فاعلا فانصرفوا وأخذ عمر البيعة وقال الأوزاعى إن عمر بن العزيز قال إذا رأيت قوما يتناجون فى شىء من دين الله فى خاصة دون العامة فهم على ضلالة كما أن الرسول أوصى بالعلانية والابتعاد عن السر فى دين الله وهذه النصوص عن النبى والخلفاء الراشدين فعلى المسلمين العمل فى وضح النهار أمام العامة والمتمسكين بأن النبى دعا فى مكة سرا فهذا يعود بالامة الى الجاهلية ولكن أمر الله نبيه بالجهر فقال تعالى «فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين».. وهنا انتهت السرية وبدأ العمل بالجهر إلى يوم الدين.
وقال أحمد حسن عضو الجماعة الاسلامية لم تكن فكرة العمل السرى تلقى رواجا فى بدايتها بين أبناء الجماعة إذ اعتدنا ممارسة دعوتنا بصورة علنية عامة وكنا نخطب وندرس ونكتب بصورة واضحة.. نشارك الناس ويشاركوننا دعوتنا لا يقلق المجتمع منا مع ما قد يحدث من تجاوزات منا أو منه ولا نقلق منه ولا يقلق منا.
وكنا نجتمع ونتخذ قراراتنا.. كبرت تلك القرارات أو صغرت فى غرفة المسجد.. أو فى مدرج الجامعة أو فى حجرات المدينة الجامعية دون تخف أو احتراز.. ودون أن نخشى أن يتسمع أحد على ما نقوله أو يسعى لمعرفته فلم يكن فيما نقول سرا نخشى أن يعرفه أحد.
وتابع فلما ظهرت فكرة العمل السرى فى أواخر السبعينيات فى بعض قيادات الجماعة لم يستجب لها فى البداية الا القليل.. بينما تلقاها البعض باستهانة متوقعا أن ينصرف عنها أصحابها عندما تقابلهم عقبات التنفيذ ومشاكلهما.
بينما استنكر البعض الآخر الفكرة وهاجموها وحذروا منها بشدة حذرا من النتائج المترتبة عليها.
وحتى نهايات سنة 1981 كان أصحاب الدعوة للعمل أو التنظيم السرى قلة بالنسبة لعموم الجماعة.
وقال بعدما نجحت عملية اغتيال الرئيس السادات غابت تحت تأثير نشوة هذا النجاح اعتراضات المعترضين وأخطاء التخطيط وآفات العمل السرى لتصبح فكرة العمل السرى مطروحة وبشدة على الواجهة.. وليدخل فى تكوينها كجزء أساسى فى عمل الجماعة.. خاصة بعد كثرة المداهمات والمواجهات والتحقيقات والاعتقالات.
وهكذا استمرت الجماعة سنوات عدة بعد ذلك تمارس العمل السرى المسلح وتجعله جزءا من دعوتها وعملها، وهو وان لم يكن عملها الاساسى الا أنه كان أكثر أعمالها ضجيجا واثارة للمجتمع.
وتابع ثم جاءت مبادرة وقف الاعمال القتالية لتطرح قضية العمل السرى على بساط البحث ضمن ما طرحت من قضايا.. خاصة بعد أن أعلنت الجماعة حل ذلك التنظيم السرى أو العسكرى.
وأشار إلى أنه كان طبيعيا أن نحرص على نقل تجربتنا مع العمل السرى للاجيال من بعدنا.. لكى لا يبدأوا من حيث بدأنا.. وانما ليستفيدوا من تجربة من سبقوهم.. لكى لا يقعوا فيما وقعوا فيه من أخطاء.. ولكى يثمروا ويطوروا ما كان فى أعمالهم من صواب.مثل الإخوان والجماعة الإسلامية أنا شخصيا ضد الاجتماعات السرية على طول الخط.