الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

القَبلة الخاطئة وشرعية الصلاة

القَبلة الخاطئة وشرعية الصلاة
القَبلة الخاطئة وشرعية الصلاة




تحقيق - محمود ضاحى

تدور أسئلة كثيرة فى عقول المسلمين عن الحكمة من وضع قبلة للصلاة نحو البيت الحرام، ولماذا لا يصلى المسلمون فى أى اتجاه حتى لا يحتارون إلى أى اتجاه ستكون القبلة الصحيحة.
علماء الدين أكدوا أن اتجاه القبلة أساس لصحة الصلاة، لكن فى حالة صلاة الفرد فى اتجاه قبلة ثم ثبت بعدها بسنوات أنه خاطئ فلا ذنب عليه، لكن تحاسب فى هذا الأمر اللجنة الهندسية فى الأوقاف، فعلى الرغم من مرور ما يزيد على 1400 عام من تحويل القبلة من المسجد الاقصى الى المسجد الحرام فإن رواد مسجد صدر الدين القاضى بأسيوط ظلوا ما يقرب من 270 سنة وهم يصلون فى الاتجاه الخاطئ، ولا يزالون يبحثون عن اتجاه قبلتهم منذ إنشاء المسجد.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لو رأينا شخصا يصلى منحرفا يسيرا عن محاذاة القبلة، فإن ذلك لا يضر، لانه متجه الى الجهة، وهذا فرضه، وأما إن كان الانحراف عن جهة الكعبة كثيرا، بحيث تكون الصلاة الى غير الجهة التى فيها القبل، فما دام الانسان قد بنى عمله على قول من يعلم اهتمامهم بأمر الصلاة، وتعظيمهم لقدرها، وكان فى ظنه أنهم أدرى منه باتجاه القبلة، فلا شىء عليه، وصلاته التى صلاها صحيحة، حتى ولو كان مخطئا فى اتجاهه الذى صلى إليه، لان الانسان إذا اجتهد وتحرى فقد فعل ما يجب عليه لقول الله تعالى: «فاتقوا الله ما استطعتم» التغابن/16.


وفى فتاوى الشيخ ابن باز إذا اجتهد المؤمن فى تحرى القبلة، حال كونه فى الصحراء، أو فى البلاد التى تشتبه فيها القبلة، ثم صلى باجتهاده، وبعد ذلك ظهر انه صلى إلى غير القبلة، فإنه يعمل باجتهاده الاخير، إذا ظهر له أنه أصح من اجتهاده الاول وصلاته الاولى صحيحة، لانه أداها عن اجتهاد وتحر للحق.
ويقول الدكتور محمود عاشور وكيل الأزهر السابق إن ربنا عز وجل وضع الكعبة المشرفة كأول بيت وضع للناس حتى نكون فى جهة واحدة ودين واحد ورسولنا واحد فقال تعالى فى كتابه: «إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين (96) فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا».
وأضاف: قال الله عز وجل للنبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ «قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره»، مشيرا إلى من صلى فى اتجاه قبلة خاطئ دون قصد فصلاته مقبولة إن شاء الله.
وطالب كل من لايدرى بالقبلة أو يشك فى اتجاه القبلة أن يستخدم البوصلة، مضيفا إن الملائكة بنت الكعبة.
ويقول محمد يحيى «موظف وأحد رواد مسجد صدر الدين القاضى فى أسيوط»: فوجئنا بتغيير قبلة مسجد صدر الدين القاضى الذى كان يصلى فيه أجدادنا وأباؤنا وتعودنا على الصلاة فى اتجاه هذه القبلة الخاطئة وهو ما  أحدث جدلا شديدا حيث امتنع رواد المسجد عن الاستجابة للتغيير فى بداية الأمر مؤكدين أن المسجد كما تذكر الوثائق منذ بداية إنشائه فى عام 1154هـ، (1741م» أى ما يقرب من 270 عاما أن أجدادهم يصلون لهذه القبلة.
ويضيف الشيخ عبدالله عبدالمجيد مدير الدعوة الاسبق بأسيوط وأحد مسئولى لجنة رسم وتحديد القبلة للمساجد الجديدة إن موضوع مراجعة جميع المساجد القديمة بأسيوط من الاهمية بمكان، خصوصا بعد توافر الوسائل العلمية الحديثة، وهو ما لم يكن متوافرا من قبل، مضيفا: إنه عند وضع ورسم القبلة للمساجد الجديدة التى تبنى فى أسيوط تبين وجود انحراف شديد فى اتجاه القبلة بالنسبة لمساجد كثيرة بنيت منذ فترة ويرتادها آلاف المصلين ومنها مسجد عوض بهجات أحد أشهر مساجد مدينة القوصية حيث تم تغيير اتجاه القبلة به جهة اليسار بنحو 70سم على الاقل.
وفى هذا السياق قالت الهيئة العامة للشئون الاسلامية بالسعودية إن من علم بعد الفراغ من صلاته انه صلى فى الاتجاه الخاطئ للقبلة، فيستحب له أن يعيد الصلاة ما دام فى وقتها، واذا خرج وقتها فلا تستحب له الاعادة.
ويضيف الشيخ محمد صالح المنجد أحد دعاة السعودية إن استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة، والواجب على كل مصل أن يتحرى جهة القبلة فى صلاته، وان يجتهد فى ضبطها لصلاته، إما عن طريق العلامات أو الآلات الدالة عليها ان كان يمكنه ذلك، أو عن طريق خبر الثقات من أهل المكان، الذين لهم معرفة بجهة القبلة، مشيرا إلى أن الانحراف عن القبلة كان يسيرا، لا يضر ولا تبطل به الصلاة، لان الواجب على من كان بعيدا عن الكعبة ان يتجه الى جهتها، ولا يشترط فى حقه أن يكون اتجاهه إلى عين الكعبة، لما رواه الترمذى «342» وابن ماجه «1011» من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ «ما بين المشرق والمغرب قبلة» صححه الألبانى فى الارواء.
الدكتور مختار مرزوق عميد كلية اصول الدين جامعة أسيوط أكد أن أول من أخبر عن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو عبدالله بن زيد بن عبدربه، وقال له يا رسول الله رأيت كذا وكذا فى المنام، فقال له قم إلى بلال وألقها فهو اندى منك صوتا ـ صدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم.
وأضاف: إن الحكمة من اتجاه الناس للبيت الحرام لانه أعظم بيوت الله البيت الحرام فهو أول من وضع للناس على الأرض لعبادة الله عز وجل كما قال تعالى: «إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا»، من أجل هذا وضع الله سبحانه وتعالى قبلة المسلمين تجاه البيت الحرام، مضيفا إن من فضائل القبلة كما ثبت عن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذى له ذمة الله وذمة رسوله فلا تخسروا الله فى ذمته رواه البخارى.
وأشار إلى أن هناك لجنة هندسية فى وزارة الأوقاف هى المسئولة عن اتجاه القبلة الصحيح فى المساجد، وهى من تحاسب فى حال صلاة الناس خطأ، ومن دخل المسجد أحد من الناس وصلى فى اتجاه القبلة التى يصلى عليها الناس فصلاته صحيحة، مشيرا إلى أنه فى حال عدم معرفة القبلة يجتهد الفرد ويصلى وإن شاء الله صلاته صحيحة.
ومضى يقول: المطالع لأحوال النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يستقبل القبلة عند مناداته لربه عز وجل ويتضح ذلك فى مواقف كثيرة ففى دعاءالاستسقاء عن عبدالله بن زيد الانصارى أن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ خرج إلى المصلى وأنه لما دعى استقبل القبلة رواه البخارى، كما كان النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستقبل القبلة عند الوقوف بعرفة وقد ورد عن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وورد فى صحيح مسلم فى كتاب الحج باب حجة النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن صلوات الله وسلامه عليه استقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس، كما استقبل النبى القبلة فى دعائه على المشركين فى غزوة بدر.
الداعية الاسلامى الشيخ الشافعى محمد إمام بالاوقاف قال إن الحكمة فى وضع قبلة للمسلمين قد تكون علامة على وحدتهم إله واحد ونبى واحد وقبلة واحدة ولا يشترط أن نعرف العلة لكل الاحكام، وانما نحن مأمورون بعبادة الله كما أمر عرفنا العلة والحكمة أم لم نعرف صدقا لقوله تعالى: «إنما كان قول المؤمنون إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا».
وأشار إلى أنه على المسلم أن يتحرى عن القبلة ويبحث عنها ويسأل المقيمين فى المنطقة قبل أن يصلى لأن الاتجاه للقبلة شرط لصحة الصلاة فإن عجز عن ذلك صلى فإن تبين خطأه أعاد صلاة الفريضة دون النافلة.
وقال الشيخ جمعة محمد على خطيب التحرير إن النبى  صلى الله عليه وسلم ـ كان يريد أن يخالف المشركين واليهود فى اتجاه القبلة من المسجد الاقصى الى المسجد الحرام وكان دائما ينظر للسماء يريد هذا الطلب فقال تعالى: «قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شرط المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره»، مشيرا إلى أن الله عز وجل كان يعلم بما فى نية النبى وتأذيه من الصلاة فى اتجاه نفس القبلة التى كانوا يصلون بها اليهود لكن ربنا عز وجل كان له وقت معين فى تغيير اتجاه القبلة نحو البيت الحرام.
وأضاف جمعة: إن توحيد القبلة لتوحيد صف المسلمين وتوحيد العبادة، لذلك اليهود يحسدون المسلمين على صلاة الجماعة فى اتجاه واحد قال تعالى: «سيقول السفاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها قبل لله المشرق والمغرب يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم، فربنا عز وجل جعل للمسلمين قبلة بعيدا عن أى تشبه بالآخرين.
ولفت إلى أن أى خطأ فى اتجاه القبلة سواء فى أى قرية سواء أسيوط أو غيرها اللجنة الهندسية فى وزارة الاوقاف هى من تتحمل وزر خطأ اتجاه القبلة لكل السنوات الماضية التى صلى فيها الناس خطأ، موضحا أن صلاة الناس بدون علم صحيحة لان من شروط صحة الصلاة استقبال القبلة وهناك آية تقول: «فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم»، مضيفا إن هؤلاء من صلوا تجاه قبلة خاطئ لهذه الفترة البعيدة صلاتهم صحيحة.
ويقول الشيخ محمد جودة داعية ومفتش وزارة الاوقاف إن لكل أمة من الأمم وجهة فى صلاتها، والقبلة ليست ركنا فى الدين كتوحيد الله تعالى والإيمان بالبعث والجزاء، فإبراهيم وإسماعيل كانا يوليان الكعبة، وكان بنو إسرائيل يستقبلون صخرة بيت المقدس، وترك النصارى ذلك الى استقبال المشرق، وكان الانبياء المتقدمون يستقبلون جهات أخرى، ولما كان الامر من الله لنبيه أن يتجه إلى بيت المقدس وكان نفوس المسلمين متعلقة بالبيت الحرام، وكان النبى ومن معه يولون وجوههم إلى بيت المقدس من خلف الكعبة فكانت الكعبة وبيت المقدس قبلة لهم معا حتى هاجر النبى إلى المدينة فشق عليه ذلك فكان يقلب وجهه فى السماء داعيا ربه أن يولى وجهه الى البيت الحرام فكان التحويل المعلوم والحدث المشهور وهو تحويل القبلة.
ولفت إلى أنه فى شهر شعبان وبعد مرور ستة عشر شهرا من استقبال بيت المقدس وبعد دعوات النبى الكريم استجاب الله له بقوله: «فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره»، وفرح النبى وأول صلاة صلاها المسلمون كانت صلاة العصر.
وأضاف جودة السؤال الذى يطرح نفسه الآن ما مدى أهمية القبلة، وما الحكم لو أخطأ المسلم القبلة فى صلاته على مدى أعوام أو صلى إلى قبلة فتبين خطأه فى اجتهاده وما حكم من تعمد ذلك والجواب أن الاحناف قالوا إن اشتبهت عليه القبلة وليس له من يسأل اجتهد وصلى، ولا يعيد وان أخطأ، لما روى أن جماعة من الصحابة اشتبهت عليهم القبلة فى ليلة مظلمة، فصلى كل واحد منهم الى جهة وخط بين يديه خطا، فلما اصبحوا وجدوا الخطوط إلى غير القبلة، فأخبروا بذلك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: تمت صلاتكم، والمالكية قالوا لا تجب عليه الاعادة إن فعل لكنها فى حقه سنة وأما الشافعية فالواجب عندهم القضاء بكل حال ما دام قد تبين الخطأ، وأما الحنابلة ففرقوا بين الحضر والسفر، فأوجبوا الاعادة على من أخطأ جهة القبلة فى الحضر مطلقا ولا قضاء على من كان فى حضر بشرط أن يجتهد فى تحديد القبلة قدر استطاعته. ومضى يقول: الصحيح بأدلته قول الاحناف أى أنه لا يجب عليه القضاء ما دام قد أخطأ وأما من ترك القبلة عامدا فلا تصح منه الصلاة بالاجماع.