الأربعاء 18 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تفجير دمياط.. وتحريم الطماطم والخيار والبطاطس!

تفجير دمياط.. وتحريم الطماطم والخيار والبطاطس!
تفجير دمياط.. وتحريم الطماطم والخيار والبطاطس!





أشرف بدر

اخشى ان تتبلد مشاعرنا تجاه حوادث الإرهاب التى ننام ونستيقظ عليها «برا وجوا وبحرا»، وقتل النفس التى حرم الله إلا بالحق، وترويع الآمنين فى منازلهم ووسائل النقل العامة مثلما، تبلدت مشاعر أكثرنا، ونحن نرى يوميا أو نسمع عن عشرات الحوادث التى تزهق فيها أرواح الأبرياء وتسيل دماء طاهرة لأطفال وشيوخ ونساء  فى العراق وسوريا وفلسطين وليبيا واليمن وغيرها من المناطق الملتهبة، حتى «مصمصة الشفايف»، أول قول «حسبى الله ونعم الوكيل» فى المجرمين الذين ارتكبوا هذه المجازر لم نعد نقولها، بل استخسرنا نقولها، وكان هؤلاء ليسوا أشقاءنا  فى العروبة والدين والجوار!
أقول ذلك لأننا فوجئنا بأن الدولة ووسائل الاعلام لم تهتم بضحايا الهجوم الذى استهدف دورية للقوات البحرية المصرية شرق ميناء دمياط والذى يعد تغييرا جذريا فى تكتيك الإرهاب على مستوى العالم وليس فى مصر فقط، وبما يعنى وجود نوع جديد من الإرهاب يتبنى أفكارا متطرفة جديدة.. ولم تعلن 3 أيام حدادًا على المفقودين، ولم نجد اى بيانات رسمية – حتى منتصف نهار امس السبت – سوى بيان المتحدث العسكرى الأول عن الحادث الذى أعلنت داعش مسئوليتها عنه!
والشىء الذى لفت النظر أن معظم برامج «التوك شو» والصحف الخاصة ومواقع التواصل الاجتماعى اهتمت فقط بموضوعات تافهة مثل «عنتيل الغربية» الذى  فضحه الله  على رأس الأشهاد هو ومن ينتسب الى جماعته التى تحلل ما حرم الله. واستحوذت فيديوهاته على أكثر من 3 ملايين أعجاب، وتزامن معه الفعل الشائن من محافظ الإسماعيلية الذى لا يقل عن فعلة «العنتيل»!
الغريب فى الأمر أيضا اننا فوجئنا بمن يسطحون ويقللون من فداحة حوادث الإرهاب، وجورها على النفس والمال والعرض، محاولين الخروج بالناس من حالة الحداد النفسى، وكأنها تعليمات صادرة للعاملين فى الإعلام بضرورة شغل الرأى العام وإلهائهم مثلما كان يحدث فى الخمسينيات والستينيات بكرة القدم والأفلام!
أما فى هذه الأيام فقد تغيرت الحيل وتبدلت الاهتمامات، ووجدت الضالة –كالعادة – فى العزف على وتر الدين الذى استغله «قليلو الدين» فى ارتكاب مجازرهم  وتطرفهم العقلى والنفسى ضد بنى جلدتهم وإنسانيتهم  ودينهم.
ورأينا استضافة العديد من الشيوخ وعلماء الدين بوسائل الإعلام المختلفة وفى خطبة الجمعة يتحدثون عن أن وقوع  هذه الأحداث والأفعال الشائنة هى من علامات الساعة الصغرى التى تتمثل فى كثرة القتل، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج.. قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟  
 (قال، القتل، القتل)، وكان هناك تعليمات صدرت لهم – على شاكلة تحديد موضوع خطبة الجمعة – ليعزو أن ما يحدث شىء متوقع وتم التحدث عنه من 1400 عام وما يزيد.
ثم خرج علينا الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، ليقول: إن علامات الساعة الصغرى تتحدث كلها عن انتشار الفساد فى الأرض، والذى سيكون عرفا وأمرًا مقبولًا بين الناس.. وأن هناك 3 علامات تعد مدخلًا للعلامات الكبرى وقعت وتحققت، ومنها «جفاف نخل بيسان بالأراضى المحتلة بالشام».. وأوضح أن العلامة الثانية، هى انخفاض بحيرة طبرية، وقد تحقق وانخفضت للحد الذى هدد إسرائيل بالعطش، ولهذا أقدمت إسرائيل على دخول جنوب لبنان، لتحويل مياه نهر الليطانى للبحيرة.
وأشار د.على جمعة إلى أن العلامة الثالثة، هى «انخفاض عين زغر»، وهى قرية بالأردن، بجانب البحر الميت، وبالفعل انخفضت مياهها!
وهذا لايفهم منه عدم تصديقنا أو ايماننا بالساعة – حاشا لله – وانما لغرابة الربط  الذى يفرض علينا التسليم بالتواكل، وعدم الاستعداد والمبادأة فى مواجهة جماعات القتل والإرهاب، بحجة ان ذلك ذكر فى القرآن او من علامات الساعة التى حددها الرسول صلى الله عليه وسلم.
وإلا فإنه وفقا لما جاء فى علامات الساعة من انتشار للربا والزنى وغيرهما مما ذكرها النبى الكريم فإننا نترك أولادنا وأعراضنا وضمائرنا عرضه دون مجابهة لهذه الآفات، التى بالفعل ملأت زماننا - والعياذ بالله -وتم الجُهر بها حتى أصبح الربا والزنى من أسباب التقدم والرقى، ومن مظاهر المدنية والحضارة فى بعض الدول غير الإسلامية.
 أما القتل فحدِّث عنه ولا حرج، فقد عمَّ وطمَّ، فسفكت الدماء الحرام، وأزهقت الأرواح، تحت مسميات شتى، ومآرب متعددة.
ولاننا نتحدث عن علامات الساعة الصغرى، فنسوق ما روى عنها أيضاً من ظهور «المعازف واستحلالها» فعن أبى مالك الأشعرى قال سمعت النبى «ص» يقول:  ليكوننَّ من أمتى أقوامٌ يستحلون الحر - الفروج -  والحرير، والخمر، والمعازف. وقد أضحى هذا الزمان صورة حية، وشاهد صدق على صحة ما أخبر به النبى، فقد استحلت المعازف وعلا شأنها، وارتفعت قيمتها، حتى أصبح المغنون والمغنيات - عند كثير من الناس - أعظم شأناً، وأرفع قدراً من الدعاة والمصلحين، واستحق هذا العصر لقب عصر الغناء بجدارة. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ومن علامات الساعة الصغرى أيضا: عودة أرض العرب مروجاً وأنهاراً، فعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  (لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً)، وقد اكتشف العلم الحديث هذه الحقيقة، وأخبر علماء الجيولوجيا بمثل ما أخبر به النبى، قبل ما يزيد على أربعة عشر قرنا من الزمان.
ومن علامات الساعة الصغرى ارتفاع شأن المفسدين فى الأرض، واستيلاؤهم على مقاليد الأمور، قال صلى الله عليه وسلم:  «إنها ستأتى على الناس سنون خدّاعة، يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرُّوَيْبِضَة، «قيل وما الرُّوَيْبِضَة؟ قال: السفيه يتكلم فى أمر العامة»!
هذه بعض من علامات الساعة الصغرى التى أخبرنا عنها النبى، وهى بمجموعها تنطبق أشد المطابقة على هذا العصر الذى نعيش فيه.. غير أن قتامة هذه الصورة التى نعيشها لا تدفعنا إلى اليأس والقنوط، بل إن ما تحقق من علامات الساعة يزيدنا إيماناً ويقيناً أن بقية العلامات التى أخبر عنها النبى آتية، مثل خروج المهدى، ونزول عيسى بن مريم عليه السلام، وعودة الحكم إسلاميا ربانياً. والأعظم والأهم قيام الساعة التى يفصل الله فيها بين عباده.
إننا أمام نفوس أزهقت، ودماء سالت على الأرض من رجال الجيش، وهؤلاء  من المصريين الذين لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الالتزامات، والغريب فى الأمر أنه لم يسلط الضوء على هذه النفوس التى أزهقت بشكل كاف، فلم نسمع من أحد – فيما أعلم – أنهم شهداء، وأنهم سيأخذون ما يأخذه شهداء الثورة، ولم يسلط الاعلام الضوء بشكل كاف على هذه المسألة!
إن الجندية شرف لا يدانيه شرف، لأن حماية الوطن والدفاع عنه من الإسلام، والجندى الذى يؤدى واجبه من أجل حماية بلده ووطنه هو فى جهاد ما دام على هذه الحال، وهذه النية.
وقد ورد عن ابن عَبَّاسٍ قال سمعت رَسُولَ اللَّهِ يقول «عَيْنَان لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ عَيْنٌ بَكَتْ من خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فى سَبِيلِ اللَّهِ».
  هؤلاء المجاهدون الذين يمثلون جيلا قرر أن يضحى بنفسه وماله فى سبيـل الله، لأنهم علموا أن هذا هو طريق الانتصـار ـ طريق الشهادة والحرص على الموت ـ وهو السلاح الذى لا يملكه الطواغيت وأعوانهم الذين يعبدون راتبهم وأجنداتهم ومنابهم وكراسيهم من دون الله.
وللمرة المليون لا يفهم أننا نقلل أو نسفه من أقوال علماء الدين او التكذيب بعلامات الساعة وإلا كان من باب أولى ان ننال من الفتاوى التى جعلت الدنيا تسخر من  الأمة ورجال دينها. أشهرها الاجتهادات السريالية، التى  لا تبيح  تناول الطماطم، باعتبارها “طعامًا مسيحيًا” وبالتالى يحرم استهلاكها.. واستندت الجماعة التى تطلق على نفسها «الرابطة الشعبية المصرية الإسلامية»، لإصدار فتواها على ظهور الصليب، رمز الديانة المسيحية، فى لب الطماطم عند تقطيعها إلى نصفين!
وقد قرأت تقريرا عن هذه الفتاوى العصرية. وأسوق من أن جماعة أخرى،دفعها خيالها وتهيئتها الجنسية الطافرة، إلى إصدار فتوى يصعب على كل ذى عقل سليم تصديق صحتها وهى حرمة الخلط بين «الطماطم والخيار»، باعتبارهما مختلفى الجنس، ما قد يدفع المرء إلى الوقوع فى شَرك تخيلات وتهيئات، تجعله ينزلق نحو هاوية الفسق والفجور!
ومسألة تحريم الخضروات والفواكه، ليست ماركة مسجلة للعقل السلفى الحديث، بل هى تقليد عريق، قد ابتدعه أجدادنا الفطاحل، غفر الله لهم ورضى عنهم وأرضاهم أجمعين. فى بطون كتب التاريخ، نجد أن العباسين حرموا أنواع من الأطعمة، فقط  لأنها كانت محببة للأمويين، بل إنه مع وصول كل خليفة إلى سدة الحكم، كانت تصدر تحريمات وقوانين، تمنع بعض  الخضروات  أو تلك، فقط لأن الخليفة السابق كان يعشقها ويشتهى أكلها.
الطماطم قد جعلت خيال العرب أوسع من الكون، هاته النبتة التى استقدمها المستعمر الأوروبى من أمريكا اللاتينية، حيث كان الأنديز والأزتيك والمايا يحضرون بها أشهى أطباقهم، تطير منها أهل الشام والعراق، لأنها ليست خضراء اللون كباقى الخُضر، واعتبروها نبتة ملعونة، أطلقوا عليها اسم «مؤخرة الشيطان». استخدمها بعض أهل البلاد فى تزيين المنازل وقلة قليلة من أهل الطب فى معالجة أمراض عسر الهضم والإمساك.
هاته التقليعات والفتاوى «المطبخية» الغريبة لم تكن حكرا على العالم الإسلامى.  سنة 1786 قدم الصيدلى أنطوان بارمنتى «بطاطس» للملك لويس الرابع عشر، لتمكينه من إسكات وملء الأفواه الجائعة لشعبه، الذى أصبح قاب قوسين أو أدنى من ثورة ستعصف بمَلكية البلاد. فهذه النبتة “السحرية” تنمو بسرعة وتمنح انتاجا وفيرا.. غير أن القساوسة  الفرنسيين قد تطيروا من هذا النبات الذى ينمو داخل الأرض «فى مجال الشيطان» ولا تلمسها شمس  «نور الرب».  
إن توجس الإكليروس الفرنسى من البطاطس والذى يبدو فى ظاهره أنه دينى وعقدى، كان فى باطنه اقتصاديًا ونفعيًا، فالكنيسة كانت تحتكر إنتاج الحبوب، وأدركت مبكرا أن البطاطس ستزعزع  هذا الاحتكار القيودى الذى كان يتمتع به القساوسة والأساقفة!
ولا أجد أبلغ ولا أنفع من هذه الآية القرآنية لاختتم بها هذا المقال «واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب» صدق الله العظيم.