الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

وعكة أبو الهول الصحية.. شاردة ثقافية ضرورية

وعكة أبو الهول الصحية.. شاردة ثقافية ضرورية
وعكة أبو الهول الصحية.. شاردة ثقافية ضرورية




 

د.حسام عطا

هل تصبح عروض الصوت والضوء مزارا منتظما لطلاب المدارس والجامعات لاستعادة الهوية الحضارية الثقافية  وحتى لا ينسى المصريون أن مصر عرفت الحضارة والدولة بينما كان العالم كله يعيش فى ظلام بدائى كبير
عندما تسير إلى مدخل مسرح الصوت والضوء تشعر بحق كم أهملنا فى شأن التنسيق الحضارى وتشعر حقاً أن الوطن هو مجموعة التفاصيل الصغيرة جنباً إلى جنب وعندما تجلس لترى الإضاءة العشوائية وعدداً من المبانى الحديثة القبيحة تحيط بك كخلفية لأعرق وأشهر ملمح من ملامح صورة مصر الحضارية ألا وهو حرم تمثال أبو الهول تشعر بغضب ممتلئ بالخجل، خاصة أن جلال المكان وهيبته وجمال ما صنعه الأجداد يتناقض تماماً مع ضجة وعشوائية الطريق المؤدى إليه، ثم يبدأ عرض الصوت والضوء وهو العرض الذى ذهبت كى أتمتع به، فكان أن ساهم فى تجديد مشاعر الحزن على ما صار من امتداد يد القبح إلى كثير مما هو جميل فى مصر.
لكن ما يحدث فى مصر الآن من اهتمام بالتفاصيل المهمة المتراكمة من مختلف مناحى الحياة اليومية لهو الرد العملى على الإهمال واللامبالاة والعدمية القديمة وموجات الإرهاب الأسود، إذ إن عقد النية على الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة المعبرة عن جودة الحياة اليومية لهو الرد العملى المنظم فى مجالات التعليم وتنظيم الإعلام إلى جانب الملفات الرئيسية كالأمن والحدود والاقتصاد والوضع الإقليمى والعلاقات الدولية، وهو السعى المهم لفتح نافذة الأمل.. ولعل واحداً من الملفات المهمة الدائمة فى مصر هو التراث المصرى الفرعونى القديم.
وواحد من أهم عناصر الفنون المسموعة المرئية والتى تشكل عنصراً شديد الجاذبية لكل ضيوف مصر.
ومصدر للفخر والمتعة والسعادة للمصريين هى عروض الصوت والضوء فى جميع المناطق الأثرية، وأبرزها عرض القاهرة الشهير على خلفية الأهرامات وأبى الهول حارس بوابة الخلود.
أما زيارة المهندس إبراهيم محلب لمنطقة الأهرام خلال الأيام الماضية لمتابعة الترميمات العاجلة وسط كل التحديات المصرية الصعبة، فهى التى ذكرتنى بعرض الصوت والضوء، لعل هذا العرض يكون فى اهتمام الحكومة وهى تتابع الوعكة الصحية التى ألمت بأبى الهول الخالد المبهر الجميل المهيب.
ولقد استمتعت بمشاهدة العرض الشهير منذ فترة قريبة جداً، ولاشك أن الإضاءة الملونة للأهرامات الثلاثة شديدة الجاذبية المصاحبة للعرض البصرى والصوتى رغم جمالها إلا أنها يمكن أن تصبح أجمل بتطويرها حيث حدثت طفرة فى عالم الضوء الاحتفالى وتقنياته، ولا شك أن التسجيل الصوتى للأداء التقليدى القديم لعظماء التمثيل فى حقبة الازدهار الفنى فى خمسينيات مصر، قد أصبح الآن ينتمى إلى حساسية قديمة فارقتها مدارس الأداء التمثيلى الحديث والمعاصر، إلا أنها ممتعة ومهيبة ومتسقة مع الهيبة التاريخية للمكان.
 ولكن الغريب المزعج والذى يحتاج للتغيير فوراً أمرين واضحين:
الأول: الجزء المتكرر الذى يركز على الخرافة والسحر كسمة من سمات الحضارة الفرعونية، إذ يحكى الصوت القديم أن الكاهن صنع تمثالاً من الشمع على هيئة تمساح شرس كى ينتقم من غريمه، ثم قرأ تعويذته فدبت الروح فى الشمع وتحرك التمساح المفترس ليخطف عدوه ويهبط به فى نهر النيل، وهى مسألة حتى وإن وردت على سبيل المجاز الأسطورى فى حكايات فرعونية قديمة، فالتركيز عليها فى سياق يسرد أجزاء من تاريخ مصر الفرعونى لهو خطأ فى الصياغة الدرامية، لأن الحكى يتم وكأن الأمر حقيقية فى إطار تكريس خرافة سحرية، والحضارة الفرعونية بأدبها وفنونها وعمارتها ودينها وعلومها أرحب بكثير من مجرد إدراج مجاز سحرى فى سياق تاريخى.
الثاني: أن شريط العرض الضوئى القديم الملون المعروض على كتل حجرية تبدو كشاشة عرض بيضاء، والذى هو تصوير محترف بالغ الدقة لأوراق بردى ونقوش من المعابد وصور من جدران الآثار الفرعونية وغيرها من مصادر الفن التشكيلى المصرى القديم بالألوان الأصلية ذات الصيغة الفرعونية الخاصة، امتدت إليه يد غريبة عبر استخدام مبالغ فيه للإضاءة بأشعة الليزر الخضراء اللون الفاقعة الزاهية غير المتجانسة مع الصور شديدة الحساسية التى هى للمادة الأصلية المصورة، مما جعل اللون الأخضر الدخيل المتكرر بأكثر من تكوين هو تشويه واضح، واستخدام شديد السوء للتكنولوجيا الجديدة، ولذلك كل ما هو متاح الآن العودة للضوء القديم لأن تاريخيته وقدمه قيمة فى حد ذاتها تحمل التكوين الجمالى المتسق مع بعضه البعض ومع قيمة الخلفية التاريخية التى هى محط أنظار العالم.
وفى هذا الإطار لا يمكن أن ننسى إمكانية تطوير عروض الصوت والضوء فى إطار فنى علمى يقوم به خبراء مختصون، وما أكثرهم فى مصر.
وجدير بالذكر أن واحداً من الأحلام الثقافية المرتبطة بالتراث الفرعونى القديم هو وجود عروض فنية حية ربما تكون موسمية أو منتظمة وهو ما كان يحلم به د. ثروت عكاشة عندما حاول تأسيس فرقة دائمة من خريجى المعهد العالى للفنون المسرحية تقدم الفن المسرحى الفرعونى بأعضاء دائمين، وجدير بالذكر أيضا أنه قد ترجم إلى العربية مسرحية لعبة الرياح الأربعة، وهى قطعة فنية شديدة الرقة تقوم على الرقص التعبيرى والغناء الجماعى، وهى تصلح لأن تكون احتفالاً بالكرنك ربما يكون حدثاً ثقافياً فرعونياً منتظماً بشكل موسمى وغيرها من عناصر الفنون الفرعونية التمثيلية الاحتفالية الطابع، فهل يمكن النظر لهذا الملف المهم فى إطار إعادة إنتاج تفاصيل مصر الكثيرة والصغيرة والمهمة، وهل تصبح عروض الصوت والضوء بالعاصمة والأطراف مزاراً منتظماً لطلاب المدارس والجامعات المصرية لاستعادة الهوية الحضارية الثقافية المصرية، وحتى لا ينسى المصريون بينما لا تنسى الدنيا كلها أن مصر عرفت الحضارة والدولة بينما كان العالم كله يعيش فى ظلام بدائى كبير.