الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تجدد اضطهاد الأب «متى المسكين» بعد رحيله

تجدد اضطهاد الأب «متى المسكين» بعد رحيله
تجدد اضطهاد الأب «متى المسكين» بعد رحيله




تحقيق - روبير الفارس
 

جاء البابا تواضروس بانفراجة كبرى لعشاق الأب متى المسكين.. حيث رحب بتوزيع كتبه.. والاحتفاء بتلاميذه ولذلك حققت كتبه التى ظل البابا شنودة يهاجمها لمدة 40 عاما أعلى مبيعات فى معرض الكتاب الأول الذى نظمته أسقفية الشباب العام الماضى.. ولكن فجأة وبطريقة تعيد للأذهان شكل محاكم التفتيش يتم منع كتب الأب متى المسكين مجددا.. ويرفض عرضها فى الدورة الثانية لمعرض الكتاب التى افتتحت أمس الأحد ومنع توزيعها فى الكنائس.. الامر محير وغريب ويؤكد أن الخطوات الاصلاحية للبابا ترجع للخلف تحت ضغوط قوية من الحرس القديم الذين يلتحفون بعباءة البابا شنودة.. ويجدون فى السماح بكتب الاب متى إهانة لذكراه؟
ويقول الدكتور ماجد عزت.. فى البداية الأب متى المسكين يعد أول صيدلى يلتحق بالرهبنة فى بداية النصف الثانى من القرن المنصرم، وصاحب مدرسة متميزة فى الرهبنة القبطية وإذ جاز لنا التعبير الرهبنة «المقارية» نسبة لدير «أنبا مقار» بناحية برية شيهيت أو شيهات أو «ميزان القلوب» كما تسمى فى الوثائق والمخطوطات القبطية.

كما أنه ترهب فى العديد من الأديرة منها دير السريان العامر ببرية شهات بمنطقة وادى النطرون محافظة البحيرة ودير الأنبا صموئيل بجبل القلمون بالصحراء الغربية ناحية محافظة المنيا ومنطقة الصف بالصحراء الشرقية ومنطقة الفيوم بوادى النطرون، كل هذا التنوع والتنقلات من دير إلى آخر اكتسب خبرات كبيرة فى الرهبنة وفى التعليم الشفاهى والتسلم من شيوخ الرهبنة الكبار خاصة من شيوخ دير البراموس كما ذكر على لسانه فى أحد تسجيلاته الصوتية.
كل هذا التنوع من أساليب ومبادئ وسلوكيات الرهبنة ومفاهيمها وطقوسها وقوانينها شكل الأب القديس «متى المسكين» كما أنه تميز بكثرة القراءة والاطلاع على المصادر والدراسات الآبائية الأولية فى بلاد الغرب والشرق.
ومن هنا امتلك مهارات الكتابة العلمية الحديثة خاصة فى مجالات اللاهوت والدراسات الآبائية والتاريخية والاجتماعية لذلك من يطلع على دراساته التى وصل عددها إلى نحو «182» كتاباً يجد صدق ما اقوله فإن هذا الرجل يستحق أن نطلق عليه «فيلسوف المسيحية فى القرن العشرين».
أما من يقولون بأن الأب القديس «متى المسكين» كتابته خارج التعاليم القبطية الأرثوذكسية هؤلاء لابد من مراجعة أنفسهم وغالبيتهم لا يستطيعون قراءة وفهم كتاباته ويضيف الدكتور ماجد.
أما منع كتبه فهذا أمر طبيعى.. اعتاد الأقباط عليه منذ أواخر الثمانينيات للقرن المنصرم، وكل ذلك جاء كرد فعل لموقف الراحل قداسة البابا شنودة الثالث (1971-2012م) لعلاقة الرئيس السادات بالأب متى فى ظل موضوع» أزمة الكنيسة والدولة زمن السادات «ولكن أعتقد أن زيارة البابا شنودة الثالث لـ«الأب متى المسكين» فى 1996 ورأى الجميع كيف تم استقبال البابا بحفاوة كبيرة فى دير أنبا مقار وانتهت الأمور، ولكن المشكلة لا توجد فى منع كتب الأب متى المسكين أما لب المشكلة فى «شلة الأرزقية» وفى «جماعة النفاق» أو «جماعة الشللية» التى ربما يكون قداسة البابا «تواضروس الثانى» يسعى لتطهير الدار البطريركية منهم، وعلينا القراءة قبل الاعتراض والفهم والسؤال قبل النعرات التى لا تهدف إلا إلى الحقد والكراهية علينا أن نعيد دراسة وتقييم كل شىء من أجل كنيستنا ووحدتنا.
ويقول الدكتور ماجد كشهادة للتاريخ..فقد اطلعت على العديد من الوثائق واكتشف بعضها بمحض الصدفة الخاصة للأب القديس متى المسكين والتى كتبها بخط يده، فوجدت نفسى فى حيرة كبيرة امام راهب زاهد، ومدرس ومعلم للأجيال، وفيلسوف فى الدراسات الآبائية وإذ جاز لى أن أقول عالم لاهوتى، ومحاسب وإدارى.. حتى أننى قد قمت بكتابة دراسة علمية وثائقية حول هذا الأب القديس واتمنى من الله أن تصدر قريبا وهى ترد على كل شىء، واتمنى من قداسة البابا «تواضروس الثانى» أن يصدر أمرا ببناء مزار خاص للأب القديس «متى المسكين» فى ذات مكان مدفنه وربما هذا هو أقل شىء لعالم أثرى المكتبة القبطية والمكتبات العامة المحلية والعالمية بدراسته حتى أنها أصبحت منبعا للباحثين من راغبى الماجستير والدكتوراة فى فكرة الأب متى المسكين لما له من مكانة ومنزلة بين العلماء والآباء!
أما الدكتورة مرفت النمر فتقول جرت العادة لقادة الكنائس الأرثوذكسية أن تلغى كل ما هو قديم لتوهمها انها تظهر وحدها وهذا جهل بالشعب وعدم خبرة بتاريخ الكنيسة وتذوق الشعب للكلمة الروحية.. وجميع كتب الأنبا متى المسكين تلمس الشعب لأنها تخرج من القلب والذى يخرج من القلب يدخل إلى القلب.. هذه النوعية من الكتب.. تمس حياة الناس وتمس مشاكلهم إذا كانت روحية أو حياتية ولأن البابا شنودة كان فى خلاف مع الاب متى المسكين فقد استغل بعض المغرضين فى الكنيسة هذا الخلاف المعلن بين القطبين الكبيرين وأخذ يستبعد هذه الكتب القيمة والتى تمثل حقبة قيمة للكنيسة ولأنها تعتبر تاريخا وأدبا قبطيا للمسيحيين وتوثيقا لرهبنة وفكر هذا القديس المعاصر ولكن مهما فعل بعض المنتفعين من منع هذه الكتب الروحية والاجتماعية سيظل تاريخ هذا القديس رمزا للمسيحية والرهبنة الحقيقية راهب الجبل الزاهد والنقى والطاهر والمتعفف والذى ترك العالم ونظر الى الله فقط وتخلى عن كل شىء فى الحياة هذه هى الرهبنة وهذا هو الراهب رغم أنف المغرضين والمنتفعين والمنافقين.
ويرى بيشوى البسيط أن كتب الأب متى المسكين ذات مستوى بحثى لم يعهد به حتى أغلب أساقفة المجمع المقدس ولغته ليست صعبة إنما هم الذين يحيون داخل الجلباب الأسود.. والنقطة الثانية أن أبحاثه تصدمهم بأخطائهم المتوارثة والتى يسلمونها للكهنة فى معظم الطقوس الكنسية وصدماتهم لسبب اصرارهم على جهلهم وعدم سعيهم فى البحث والتنقيب فى مخطوطات الكنيسة.. المضحك أن الكتب كلها على الإنترنت ويظهر عجز هؤلاء الأساقفة أنه لا يوجد بينهم واحد استطاع أن يرد عليه فمنعوه!!
ويقول الباحث مجدى أبودخانة: هناك بعض الأخطاء التى وقع فيها الأب متى فى كتابته مثل محاولته الاشادة بالاشتراكية.. وغيرها وبصرف النظر يجدر بنا الاشادة بفكر الأب متى المسكين كإحدى محاولات تجديد الفكر اللاهوتى القبطى الذى ظل متجمدا فترة طويلة جدا.. وطبعا ضد المنع لأنه لايناسب عقل الشباب الآن.
باهر عادل يقول: قرار منع كتب الأب متى المسكين من معرض الكتاب القبطى قرار عجيب غريب كئيب! ولا نعرف ما هى اسباب هذا القرار!.. ولا استطيع أن أتفهم موقف الكنيسة القبطية -الرسمى - من أبونا متى المسكين ولماذا هذا الاقصاء المريب؟! فأبونا متى المسكين كتابته «منقوعة» فى كتابات الآباء الأولين، فكتابه «حياة الصلاة الأرثوذكسية» الذى تم نشره فى القرن الماضى (صدر سنة 1953م) يعتبر مرجعا آبائيا أصيلا، وبه كم هائل من كتابات واقتباسات وأقوال آباء الكنيسة.. فالأب متى المسكين فخر الرهبنة القبطية فى القرن العشرين وأحد نوابغ الكنيسة القبطية فى القرن الماضى وتتميز كتابات أبونا القديس بالعمق اللاهوتى والروحى، والتشبع بكتابات وأفكار الآباء، والانفتاح والاطلاع على الفكر الغربى !...ولا نعرف ماسبب هذا التعنت مع كتاباته؟! إلا لارضاء بعض الأصوات المتعصبة «والمنتمية بعصبية زائدة الى المتنيح البابا شنودة».. فلماذا الآن نعيد ونصفى حسابات الماضى؟ لماذا يريد قادة الكنيسة الآن بمثل هذه القرارات بتجديد صراعات وهمية؟! وتحزبات بغيضة بروح تنافى روح المسيح ذاته!
وإن كانوا هم - باعتبارهم تلاميذ للمتنيح البابا شنودة - مختلفين على كتابات أبونا متى - جدلاً-، فلماذا الاصرار على الاقصاء؟! هل إقصاء كتبه واضطهاد كل من تتلمذ على كتاباته هى الحل عند هؤلاء؟! لماذا لايتركون الكتابات ولماذا لايفتحون الباب لحرية الرأى «حيث إنه لايوجد خلاف جوهرى فى عقائد ولكن الخلاف فى شرح العقائد فقط»؟ لماذا وضعوا أنفسهم أوصياء على الناس؟! ولا يجب أن يحتج احدهم - ببلاهة - بخطورة كتاباته!! فأبونا القديس كتابته روحية لاهوتية مستنيرة بروح الآباء يمكن أن نختلف معه فى بعض الاشياء الصغيرة كأى كاتب لانه لا يكتب كتابات معصومة! ومن يشكك فى ذلك يعوزه أن يراجع أرثوذكسيته أولاً أو يراجع ضميره! ولكن يبدو أن كتابات أبونا متى تكشف «عورة التعليم السائد الآن» (المهتم بممارسة الطقوس على حساب التعليم واللاهوت) فأبونا متى يكشف ويفضح ضعف الفريسين، باستنارة روحه فقرروا أن يقصوه، وبرغم عدم اهتمام الشعب بالقراءة، وبفرض انهم تركوا كتبه فالشعب المصرى عموما لايقرأ كثيراً! فما هو السبب وراء هذه المنع؟ ولماذا الخوف والرعب والجزع من كتابات ابونا متى المسكين؟
ولكن عزاؤنا الوحيد هو أن الأب متى المسكين لم تكن حياته على الأرض سهلة وناعمة ولم يكن طريقه مفروشاً بالورد، ولكن حياته كانت مليئة بالتجارب والاضطهاد والآن كتبه تصارع من أجل البقاء! ولكنها ستبقى.. لأن الحق أبقى!!
المفكر عادل جرجس قال: ستظل مؤلفات المتنيح القمص متى المسكين تثير الجدل الى سنوات قادمة عديدة ولن يتوقف هذا الجدل إلا إذا توقفنا عن مسلك النقد المخون مع سبق الاصرار والترصد فيجب علينا التعامل مع تلك المؤلفات كنتاج ثقافى وبحثى وليس كاعتقاد دينى والاشكالية التى تثيرها تلك المؤلفات والتى تبلغ 181 كتابا لا تكمن فى محتواها ولكنها تتمحور على ثلاثة محاور الاول محور تاريخى ويتمثل فى الصراع بين القمص متى المسكين والبابا شنودة الثالث وهو صراع بين فليسوف الكنيسة وثائرها فالرجلان أرادا التغيير داخل الكنيسة ولكن الاول آثر التغيير من خلال العقل فى حين فضل الآخر التغيير من خلال الفعل القمص متى المسكين كان يرى أنه بتجديد مسلك الفكر القبطى يمكن تغيير الكنيسة ككل لم يكن ثائراً ولا صادما ولا منتقماً ولكن كان لكلماته مفعول السحر على كل من يقرأها اهتم بخلاص ونمو الروح وراهن على أن توهج الروح الجمعى يمكن له أن يخرج الكنيسة من حالة الجمود اللاهوتى التى وصلت لها أما البابا شنودة فقد كان ثائراً حقاً ويظهر ذلك بوضوح فى كل مقالاته فى مجلة مدارس الأحد قبل رهبنته كان النظام الكنسى هو شغله الشاغل وكثيرا ما هاجم البابا يوساب الثانى وسعى إلى تغيير النظام عندما اعتلى الكرسى المرقسى اهتم البابا بالشكل وأهمل المضمون نجح فى خلق كنيسة عالمية مترامية الأطراف وتوسع فى حركة ديرية أصبحت الظهير الحاكم للكنيسة وشاءت الأقدار أن يكون الرجلان رفيقا الدرب فى التغيير داخل الكنيسة أن تدب بينهما الغيرة الثقافية فلقد كانت غزارة إنتاج المسكين وتميزها طفرة فى الثقافة القبطية ذاعت وراجت ولاقت قبولا ليس داخل الكنيسة فقط ولكن فى الكنائس الأخرى وبدأ هذا التميز مع كتاب «حياة الصلاة الأرثوذكسية» وكان سببا فى شهرته والذى قال عنه المطران جورج خضر مطران جبل لبنان للروم الأرثوذكس: «لأول مرة يتتلمذ الروم على كتاب قبطى» وهو ما أثار حنق البابا الذى عرف بأنه بابا التعليم فى الكنيسة فيجب أن يكون الإنتاج الثقافى البابوى هو الأوحد فى الكنيسة ولكن البابا لا تمكنه ملكاته من مجارة المسكين فى البحث العلمى فلجأ الى حيلة ذكية وهى تفريغ كل عظاته فى كتيبات وإطلاق مسمى (مكتبة البابا شنودة) عليها فخرجت كتيبات هزيلة لا تروى عطشا أو تشبع جوعا فى مواجهة موسوعات متى المسكين وكان لابد من تحطيم وتدمير الفكر المتاوى كما أطلق عليه البابا شنودة نسبة للقمص متى المسكين وكانت وسيلة البابا فى ذلك وضع الفكر المتاوى فى نطاق البدع والهرطقات وأطلق البابا رجالاته لتشويه الرجل ونتاجه الفكرى الكونى المبدع أما المحور الثانى فى اشكالية مؤلفات القمص متى المسكين فهو وقوع القمص متى المسكين فى شرك المرجعيات الآبائية وظل أسيراً لها وهو من يريد التمرد على تلك المرجعيات فالباحث اللاهوتى يدرك أن ليست كل أقوال الآباء يعتد بها وأن هناك شططاً كبيرا عند البعض منهم بل أنه تأويل نص الإنجيل بحسب الآباء يأتى فى الكثير من تراثهم ساذجاً ولا يتناسب مع تطور العقل البشرى ولكن المسكين لم تكن له القدرة على التمرد صراحة وحاول أن يستنطق الآباء بما لم يجل بخاطرهم من الاصل وأظن أن مسلك ترقيع تراث الآباء عند المسكين أغل يده وعقله عن الانطلاق فى براح التجديد فى البحث فالمسكين اهتم بتأويل النص الإنجيلى من خلال تراث الآباء وليس من خلال القصد الإلهى فى النص وهو ما أرهقه بحثياً وكانت تلك الثغرة هى منفذ معارضيه لمحاولة نقد نتاجه البحثى أما آخر المحاور وثالثها فهى التنطع والاجتزاء فى نقد تراث المسكين من قبل معارضيه فكل ما تعرض له المسكين من نقد لم يكن نقداً لفكره الكلى ولكن تصيد عبارات وإخراجها من سياقها وعمل تباديل وتوافيق من تلك العبارات لتوحى بهرطقة أو بدعة أو شىء من هذا القبيل وهو المسلك الذى لجأ اليه البابا نفسه عندما أخرج سبعة كتيبات ينتقد فيها فكر المسكين ولكن بعيداً عن الاشكاليات التاريخية والصراعات التى التى أحاطت بالتراث (المتاوى) لا يجب علينا أن نضع هذا النتاج الثقافى فى سلة واحدة فعلى الرغم من كونه إنتاجا فرديا إلا أنه متعدد التوجهات فكثير من تراث القمص متى المسكين تراث شخصى لا يعمم ولا يمكن لنا نقده لأنه افراز حالة خاصة جدا به كراهب ومتأمل ومتعبد وتظهر كثيراً جهاداته الرهبانية فى ذلك فهى روحانيات فوق العادة لتجربة صوفية خاصة جدا ولا يمكن لنا تحميلها محمل الاجتهادات العقائدية... القمص متى المسكين كان بداية الفكر المسيحى فيما بعد الحداثة وليس نهايته وليس متفرداً فى ذلك فلدينا الكثير من هذا الفكر عند الآباء السريان المحدثين وكذلك عند بعض القادة الإنجيليين بعيداً عن تعصب طائفى أو مذهبية مقيتة.