الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ياهوووه على الأخلاق

ياهوووه على الأخلاق
ياهوووه على الأخلاق




فى ظل العولمة تنمو وتتقدم الأمم والدول المدنية.. ونحن عدنا إلى أحضان الدولة المدنية بعد ثورة 30 يونيو.. بعد أن كاد الإخوان يحولونها إلى دولة دينية عانيت الأمرين حتى وافق الأستاذ «شريف عبدالحق» مدرس مادة الفيزياء على أن يعطى ابنتى درساً خصوصياً.. وأن يلحقها بالمجموعة الأولى من السنتر الذى يضم مائتى طالب وطالبة بعد أن نلت من توبيخه الشىء الكثير.. فقد اتهمنى بالتسيب.. والاستهتار والغفلة التى تشى بانعدام الأخلاق وموت الضمير لعدم حرصى على مستقبل كريمتى بإهمالى الاتصال به لحجز مكان لها منذ نهاية العام الدراسى السابق.. ثم أصر على أن يتقاضى أجر عشر حصص مقدماً.. فلما أبديت دهشتى.. وطلبت منه تفسيراً لذلك.. أفحمنى برجاحة منطقه وشفافية تبريره قائلاً:
- فلنفترض أن نجلتك تخلفت عن حضور إحدى الحصص.. أليس ذلك معناه أنها قد اجرمت فى حق زميلة لها وحرمتها من فرصة الالتحاق بالسنة.. والاستفادة من التحصيل؟! إن أقل عقاب لها أن تتحمل أجر الحصة وفى هذا إرساء لقيمة العدل.. والعدل لو تعلم أحد المبادئ الأخلاقية المستقرة التى اتبعها دائماً.
صحت مبهوراً: ياهوووه على الأخلاق.
بينما استدرك هو مؤكداً:
- هل تعلم أن وزارة التربية والتعليم قررت استحداث مادة جديدة اسمها الأخلاق سوف يتم تدريسها ابتداء من العام المقبل لطلاب وطالبات المراحل التعليمية المختلفة من الصف الأول الابتدائى وحتى الثالث الثانوى.. فنحن فى حاجة إلى إعلاء القيم الأخلاقية والإنسانية وإعادتها إلى المجتمع.
أعربت عن دهشتى وأنا أردد ساخراً:
إن هذا اعتراف صريح بأننا أصبحنا مجتمعاً بلا أخلاق.
وقبل أن أسترسل فى الإفصاح عن عدم قناعتى بأن تدريس مادة الأخلاق «كفيل بخلق مجتمع جديد تسوده الأخلاق.. ولابد من الربط بين عودة الأخلاقيات.. والسلوكيات الحميدة إلى الطلاب واقتدائهم بها .. وبين عودتها إلى المجتمع ككل.. قبل أن أسترسل فى ذلك فاجأنى مقرراً:
وهل تعلم أننى كلفت بتدريس تلك المادة الجديدة ابتداء من العام الدراسى المقبل من خلال كتيب قامت بتأليفه مجموعة من خبراء التربية والتعليم ليعلم الطلاب بعض سلوكيات وأخلاق غابت عن المجتمع.. ونحن فى حاجة إلى استعادتها الآن بعيداً عن الاختلاف السياسى.. والتربية الدينية..
تملكنى الذهول وأنا أردد له:
- كيف وأنت تخصصك الفيزياء وهى مادة علمية.. تدرس الأخلاق وهى مادة أدبية؟!
ضحك ملء شدقيه فى استهزاء وحدجنى بنظرة احتقار وهو يردد فى استعلاء:
- يبدو أنك لا تعيش زماننا يا آخر .. ألم يخبرك أحد أننا نحيا فى كنف زمن العولمة؟!.. وما العولمة؟!.. إنها تعنى أن العالم قد صار قرية واحدة أزيلت فيها الحدود بين الدول والقارات.. وانزاحت الحواجز والأسوار.. واختلطت الثقافات والمعارف.. وتداخلت وامتزجت الشخصيات. وفى ظل العولمة تنمو وتتقدم الأمم والدول المدنية.. ونحن عدنا إلى أحضان الدولة المدنية بعد ثورة (30) يونيو.. بعد أن كاد الإخوان يحولونها إلى دولة دينية ضد التقدم وضد العلم وضد الحضارة.. أم يا ترى أنت مازلت تتصور أننا مازلنا نعيش فى دولة الإخوان؟!
هل أنت إخوانى؟! اعترف
صحت على الفور فى حسم وقوة:
- لا.. أنا أرثوذكسى
ما لبث الأستاذ «شريف عبدالحق» أن نصحنى بأن أحجز مكاناً لابنتى فى السنتر الذى يزمع تكوينه من الآن لإعطاء دروس خصوصية فى تلك المادة.. والدفع مقدماً.
لم أجد مفراً من أن أصيح:
- ياهوووه على الأخلاق.
***
قالت لى ابنتى: إذا كان هناك إصرار على تدريس تلك المادة فلماذا لايدرسونها أولاً لسائقى الباصات بالمدرسة؟!
أبديت دهشتى وسألتها:
اشمعنى يعنى السائقين بالذات؟!
قالت موضحة:
- لأننى إذا تأخرت نصف دقيقة عن الميعاد.. ينصرف السائق ويتركنى.. بينما يظل واقف منتظراً زميلتى (نانا) أكثر من نصف ساعة حتى توقظها أمها.. وترتدى زى المدرسة.. وتمشط شعرها وتتناول طعام الإفطار.. ذلك لأن والدها الثرى ينقده مبلغاً شهرياً محترماً؟!
قلت ناصحاً:
يجب ألا تكونى متشائمة وتنظرى إلى نصف الكوب الفارغ.. ألم تقرئى فى الصحف عن جرار زراعى موصل به مقطورة مغلقة بقفص حديدى كبير تحول إلى وسيلة نقل تلاميذ حضانة فى مدينة قويسنا بالمنوفية .. والسائق يحصل على أموال مقابل عملية نقل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين (3) و (5) سنوات.
من الأخلاق الحسنة أن تشعرى بالرضا بحالك بالمقارنة بحال هؤلاء الأطفال الصغار أحباب الله.. الذين ينحشرون فى وسيلة غير آدمية ليذهبوا الى مدارسهم.
هتفت صائحة ساخرة مقلدة:
- ياهوووه على الأخلاق.
ثم استدركت:
- ثم لماذا لا يدرسون تلك المادة لبواب المدرسة الذى يرفض دخولى المدرسة إذا تأخرت ويفتح الباب على مصراعيه لـ«طاطا» حتى لو وصلت بعد انتهاء الحصة الأولى للسبب نفسه الخاص بـ«نانا»؟!.. ثم لماذا لا يدرسون تلك المادة للمدرسين والمدرسات؟!.. هل تعلم أن مس «عفيفة عبدالرحيم» تتوعدنى بالرسوب لأنها لا تعطينى درساً خصوصياً.. بينما انحنت فى امتحان نصف السنة الماضى لتلتقط البرشامة التى وقعت من «ظاظا» على الأرض وقدمتها لها مرددة بحنو وحنان بالغ:
- خدى يا حبيبتى.. دى وقعت منك..
والسبب أيضاً معروف..
- صحت بحسم مؤنباً:
- مازلت تتصيدين الأخطاء.. بدلاً من أن تشيدى بمجهودات السيد الوزير للقضاء على الغش فى الامتحانات ابتداء من البرشامة حتى الغش بالموبايل.. وهذه خطوة إصلاحية جبارة لو تعلمين.
أما بالنسبة لسلوك المعلمين والمعلمات فلست فى حاجة إلى أن أذكرك بوقائع مؤلمة تصدرت الصحف والفضائيات.. و«الفيس بوك» و«التويتر».. منها المشرفة التى أدانت الطفلة التى فقدت بصرها بعد أن سقطت عليها نافذة بالفصل المدرسى.. وصرحت أنها كان يمكن أن تنجو من العمى لو لم ترفع رأسها إلى أعلى حينما أحست بالنافذة تسقط عليها.. والأخرى التى اعتدت على طفل بالصف الأول (حضانة) وأحدثت جرحاً قطعياً برأسه إثر ضربة بمسدس الشمع اللاصق.. وذلك المدرس الإرهابى بمدرسة «بسنطا» الذى ضرب تلميذاً بالخرطوم وكوى لسانه بملعقة بعد تسخينها.