السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مخاطر تعامل «عدنان الرفاعى» مع رسم القرآن الكريم

مخاطر تعامل «عدنان الرفاعى» مع رسم القرآن الكريم
مخاطر تعامل «عدنان الرفاعى» مع رسم القرآن الكريم




كتب : عبد الله النجار

يقدم دكتور اسمه عدنان الرفاعى برنامجاً أسبوعياً على قناة دريم عن المعجزة الكبري، وقد بدا لى من مشاهدة إحدى حلقات هذ البرنامج أن مقدمه المذكور لا يتعامل مع ألفاظ القرآن الكريم تعاملاً منضبطاً بالقواعد المقررة للتعامل مع هذا الكتاب الكريم أو فهم الأحكام المأخوذة منه، أو مبادئ الهداية المقصودة من أحكامه، فإن هذا الكتاب الكريم لم ينزل، الوحى ليكون جملة الغاز أو فوازير يفتن بها البعض، ويعتقدون أن فهمهم قد أحاط بمنتهى معانيها، وانما هو كتابة هداية كما قال الله تعالى: «ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون»، ومعنى هذا النص القرآنى وغيره أن القرآن الكريم كتاب هداية وليس كتاب ألغاز أو أحاجى لا يستطيع فك طلاسمها إلا أصحاب الخواطر كالدكتور الرفاعى وأمثاله ممن فتنوا بهذا الأسلوب فى التعامل مع كتاب الله الكريم، وهو أسلوب خائب لا حظ له من القبول.
لم يتعامل الدكتور الرفاعى مع القرآن الكريم بالقواعد التى سنها سلف الأمة وعلماؤها وفقهاؤها، ولكنه يتعامل معه تعاملاً خاصاً يعتمد على قدرته الذاتية وخواطره الشخصية، وهى مليئة بالمخاطر والألغام على الرسم العثمانى وعلى القرآن الكريم الذى كتب بهذا الرسم العثماني.
ومن علامات الشطط فيما قاله عن اختلاف رسم كلمة (دعاء) حيث وردت فى القرآن الكريم، كما سبق همزة  مفردة بعد الف ووردت فى آية أخرى مرسوم بهمزة على واو هكذا (دعؤ)، وذلك فى قول الله تعالى على لسان خزنة جهنم عندما سألهم الكفار وهم يعذبون فى النار ان يدعوا ربهم ليخفف عنه يوماً من العذاب، حيث جاء هذا الرسم فى الآية الكريمة: «قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات، قالوا: بلي، قالوا فادعوا وما دعؤ الكافرين إلا فى ضلال» فقال الدكتور الرفاعى فى البرنامج: إن هذا الرسم يدل على التفرقة بين دعاء الدنيا ودعاء الآخرة، وان الرسم الذى وردت فيه الهمزة على الواو خاص بدعاء الآخرة، وأما الرسم العادى فإنه مختص بدعاء الدنيا، وفقاً لما زعمه هذا الرجل.
وهذا خطأ، لأن الدعاء عبادة، كما وردت الأدلة الشرعية بذلك فى قول الله تعالى «وقال ربكم ادعونى أستجب لكم»، وقوله تعالي: «وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداعى إذا دعان فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى لعلهم يرشدون» ومن السنة ما جاء دالاً على ذلك، ومنه حديث: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء»، ومنه «الدعاء مخ العبادة»، ومنه ما جاء دالًا على طلب الدعاء فى العبادات المختلفة والأوقات المتباينة، وهذا يدل بوضوح على أن الدعاء من العبادات المطلوبة للشارع بل ان الصلاة فى معناها العام لا تخرج عن الدعاء والخضوع لله سبحانه. ومعلوم أن موضع الدعاء هو الدنيا، فإنها هى دار التكليف والعمل، وأما الآخرة فإنها دار الجزاء وليست دار العمل، ومن ثم فإنها لا تكليف فيها ولا عبادة، لأن زمان العبادة قد انتهى بقيام الساعة، ووضع الميزان للحساب ثم الجزاء وبدلت الأرض غير الأرض والسماوات.
ولم يثبت لدى أهل العلم ان الدعاء بمعناه المطلوب شرعاً، سيكون مطلوباً فى الآخرة، وإذا ورد لفظ الدعاء فى موطن من مواطن الآخرة، فإنه لن يكون مقصودًا به الدعاء حتى يقال: إن هناك دعاء مختصاً بالدنيا له رسم، ودعاء مختصاً بالآخرة له رسم اخر كما قال الرفاعي، بل إن الدعاء فى الآية التى رسمت الهمزة فيها على الواو (دعؤ) يراد به طلب تخفيف العذاب ممن يظن الكافرون أن لهم من المكانة عند الله ما يجعل توسطهم مقبولاً عنده، ناسين أنهم لا يستحقون الشفاعة، وان دعاءهم سوف يذهب هباء، وقد جاء لفظ الدعاء هنا  من باب النظائر اللفظية المتشابهة فى لفظها مع اختلاف معناها، وذلك كثير فى القرآن الكريم وقد خصص له كل من الزركشى فى البرهان، والسيوطى فى الاتقان باباً خاصاً فى مؤلفيهما البرهان للزركشي، والإتقان للسيوطى وكلاهما فى علوم القرآن، أسمياه باب (الوجوه والنظائر) فى الألفاظ القرآنية، حيث يرد اللفظ بمعنى واحد ومعان متعددة مختلف كل منها عن الآخر اختلافاً يحتاج إلى يقظة وإحاطة، ومنه لفظ الدعاء، الذى قد يراد به العبادة المخصوصة وقد يراد به التشفع عند الله كما فى اللفظ المذكور، وشتان ما بين المعنيين، وقد جاء رسم الكلمة على نحو ما ورد به (دعؤ)، لأن الهمزة المضمومة بين ساكنين، فكان رسمها على الوار المظهرة لضم الهمزة أمراً ملائماً، ولعله من أهم اختصاصات الرسم العثمانى لأنه تفصيل للنطق. وأما رسم كلمة (إبراهيم)، فقد جاءت فى سورة البقرة بدون (ياء) المد، هكذا (إبرهم) مع وضع ياء صغيرة بين الهاء والميم أعلى الكلمة، وفى غير سورة البقرة وردت الكلمة (بالياء) هكذا إبراهيم، ولعل سبب اختلاف الرسمين فى الكلمة ان المد بالياء يفيد تفخيم النطق بالاسم، وهو غير ملائم فى سياق مواقف الابتلاء والاختبار التى اتسمت بها معظم المواقف التى جاءت فى سورة البقرة عن أبى الأنبياء كقول الله تعالى «وإذا ابتلى إبرهم ربه بكلمات فأتمهن» وقوله تعالى «وإذ قال إبراهم رب اجعل هذا بلدا آمناً» وقوله تعالى «واذ يرفع ابرهم القواعد من البيت»، وهذه الآيات وغيرها من سورة البقرة يغلب عليها مقام الابتلاء البعيد فى رسم الخطاب عن تفخيم الاسم بالمد.
وفى غير سورة البقرة جاء اللفظ فى مواطن الإشادة بنبى الله إبراهيم ودعوته وملته ومقامه وما آتاه الله من الحكم والنبوة، واصطفاء الله له، وأنه كان أمة قانتاً الله، وكان صديقاً نبياً، وأنه سلام عليه وقد صدق الرؤيا وانه إبراهيم الذى وفى، وهى مواطن تقتضى الإشادة بنبوته وملته وصدقه فى الصبر والابتلاء، ومظنة ذلك هى تفخيم الاسم بمد النطق به بالياء.
وقد قال الدكتور عدنان كلاماً خاطئاً وبعيداً عن هذا المعنى.
وتفخيم النطق بالاسم لا يقتصر على هذا النبى الكريم، بل يشمل العمل الصالح كما فى لفظ الصلاة، فقد رسمت فى مواطن التعبد لله عز وجل على هذا النحو الذى يقتضى تفخيمها إعلاء لشأن الحق فرسمت هكذا (صلواة) فى كل موطن يطلبها الله عز وجل، وقد وردت بدون الواو هكذا (صلاة) بدون تفخيم، إذا كانت لغير الحق سبحانه، فرسمت علي هذا النحو، فى ذكر صلاة المشركين عند البيت، كما قال سبحانه «وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية»، وذلك من باب ترك التفخيم والتشريف لعمل لم يكن يقصد به وجه الله سبحانه، وهذا الرسم نفسه وارد فى كلمة الزكاة فقد رسمت هكذا (الزكوة) حيث لم ترد فى القرآن الكريم إلا مطلوبة للشارع وخالصة له، وليس أرقام الكلمة كما زعم.
إن الرسم العثمانى أمر توقيفى غايته رسم النطق بالكلمة وفقاً لما يريده الشارع ولما يقتضيه المعنى القرآنى ومن التعظيم والتفخيم، وخواطر الدكتور عدنان الرفاعى بعيدة عن هذا الأدب القرآنى الرفيع.