الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قراءة متأنية لتقرير لجنة تقصى الحقائق

قراءة متأنية لتقرير لجنة تقصى الحقائق
قراءة متأنية لتقرير لجنة تقصى الحقائق





د. عبدالله النجار


أعلنت اللجنة المستقلة لتقصى الحقائق فى أحداث ما بعد 30 يونيو وفض اعتصامى رابعة والنهضة التقرير النهائى عن تلك الأحداث بعد عمل دءوب استمر قرابة العام، حيث بدأت اللجنة عملها فى 25/12/2013، ونشرته فى مؤتمرها الصحفى المعلن فى 25/11/2013، وما يتبع ذلك من أعمال.
أى أن عملها استمر أحد عشر شهرا أو عاما متواصلاً لم تفتر عزيمة أعضائها فى تلك المدة لحظة، بل اتسم عملها بالدقة واليقظة والنزاهة دون كلل أو ملل، ولم يترك موردا صحيحا، أو مصدرا دقيقا للحصول على المعلومات المتعلقة بتلك الأحداث أو تمحيصها إلا وطرقته، وتعاملت معه بمهنية الباحث المدقق وحرفيته فى التمحيص والتدقيق والتوثيق بتحرى مصدر المعلومات ومدى ما يتمتع به من صدق وموضوعية وقد كانت اللجنة وهى تمارس عملها ملتزمة بالحياد التام والنزاهة المطلقة التى تبغى الوصول إلى الحق ابتغاء وجه الله وحده حتى يقف الناس على حقيقة الأمر، فيما أثاره أنصار تيار الإسلام السياسى بين أكاذيب ومبالغات قلبت الحقائق رأساً على عقب، وضللت الناس فى مختلف أرجاء الدنيا بمعلومات كاذبة، وأخبار ملفقة فيها من التضخيم والمبالغة ما لم يؤثر عن أكبر الناس ايغالا فى الخيال أو انقيادا للوهم، وقد سمع الناس من أشخاص كانوا محل ثقة عندهم لمكانتهم الدينية أو الوظيفية أو الأدبية أرقاما عن عدد القتلى فى فض أحداث رابعة العدوية والنهضة أوصلوها إلى عشرة آلاف أو أكثر، وربما تواضع بعضهم فى خبث فجعلها بضعة آلاف، ولأن الناس لم يكن لديهم ما يرد على تلك المبالغات الكاذبة أصبحوا على شفا تصديقها أو التأثر بها، كما صور البعض أحداث فض هذين الاعتصامين مجزرة أرادت الدولة أن تنتقم فيها من أصحاب هذا التيار الذى خلع على نفسه وصف الإيمان، كما اختص نفسه بحماية الإسلام. فجعلوا هذا العمل الذى اسماه مجزرة قام بها العسكر ضدهم انتقاما وكيدا، وليس فضا لعمل إجرامى قطع فيه المعتصمون الطرق وخطفوا المارة وأدخلوهم عنبر التعذيب الذى أقاموه فى بيت الله المتمثل فى مسجد رابعة العدوية، وأقاموا ما يشبه إمارة داخل الدولة بعد أن تمردوا على القانون والنظام، واستباحوا لأنفسهم فعل كل شىء، حتى كانوا يطرقون الأبواب على السكان الآمنين فى وحداتهم السكنية بالعمارات والأبراج التى يسكنون فيها طالبين من أصحاب تلك الشقق رجالا أو نساء أن يستحموا أو يناموا، وهى جليطة أخلاقية، وبربرية سلوكية لاتصدر إلا من أناس لم يعرفوا طعم الأدب ولا رائحة الأخلاق.
وقد استمرت تلك الجريمة فى الميدانين البئيسين مدة جعلت الناس يصرخون ويجأرون بشكواهم لله أولا وللمسئولين عن الأمن فى هذا الوقت الحاسم ثانياً، فلما عزمت الدولة على وضع حد لتلك الجريمة وإنهائها واجهوا القائمين بالفض بالنيران والأسلحة والقنابل من مختلف الأنواع، فصار وضع حد لتلك الجريمة، جريمة فى نظر سدنة هذا التيار نسجوا حولها الأساطير والأوهام، وقلبوا فيها حقائق الأشياء رأساً على عقب.
أعلن تقرير اللجنة المستقلة الموقرة بعد تلك الدراسة المتأنية النزيهة، وبعد أن كان قد صدر تقرير لمنظمة «هيومن ريتس» اتسم بالهوى والشطط وتأليف الأرقام والموضوعات بخيال واسع وهوى بعيد عن الصدق والموضوعية، فجاء تقرير اللجنة المستقلة لتقصى الحقائق فى وقت فاصل كان المصريون والعالم كله بحاجة إلى معرفة ما فيه حتى يستطيع أن يقف على حقيقة الأمر فيما جرى.
لقد كشف التقرير عن العدد الحقيقى للقتلى، وأنه لا يتجاوز ستمائة قتيل أو أكثر قليلا، كان بعضهم من عامة الشعب واصيبوا فى الأحداث أثناء مرورهم أو تواجدهم فى مقر سكنهم بالمنطقة التى شهدت تلك الموقعة، ونصف هذا العدد لم يتم معرفة سبب موته ووقته من جراء رفض الإخوان بتشريحه، وهذا ما يرجح الرأى القائل بالمبالغة فى أرقام القتلى وأنهم أقل من ستمائة قتيل، كما تؤكد المعلومات والأخبار التى أشيعت عن إحضار جثث لموتى من أنحاء مختلفة ووضعهم مع قتلى رابعة حتى يزيدوا من عددهم، مع أنهم قد ماتوا ميتة طبيعية، أو لأسباب مرضية بعيدة عن رابعة وأحداثها.
كما أثبت التقرير أن المعتصمين هم الذين يدبرون بإطلاق النيران، وأن الذين كلفوا بفض الاعتصمام ردوا على ذلك، وتوالى تبادل التقاتل على هذا المنوال حتى انتهى الأمر وفرَّ الجميع بعد أن هرب قادتهم، ولم يعثر لهم على أثر حتى هدأت الأمور وقبض عليهم فى أماكن هروبهم بعد ذلك.
لقد استمعت اللجنة إلى أقوال كل طرف، وإن كان الكثيرون من قادة تيار الإسلام السياسى قد رفضوا التجاوب معها كما استمعت لكل إنسان يريد أن يبرئ ذمته أمام الله بكلمة حق يشهد بها عن تلك الأحداث، ووقفت على السبب الحقيقى الذى مات به كل قتيل، وعزمت اللجنة على السفر للخارج طلبا للحقائق ممن يُظن أنهم يمكن أن يقدموا للحقيقة فيها شيئًا، كما أوفت كل مرحلة من الأحداث حقها فى التحقيق والتمحيص والدقة والنزاهنة والموضوعية حتى جاء التقرير بما يجاوز أكثر من سبعمائة وخمسين صفحة من الحجم الكبير شاملة الحقائق ومصادرها وأساليب الحصول عليها وترتيب ورودها وفقا لما جرت عليه فى الواقع، وذلك دون اخلال بالتوصيات القيمة حول ما يجب اتخاذه من إجراءات لمنع حدوث ذلك، أو تعويض الضحايا الذين أضيروا أو قتلوا فى تلك الأحداث المؤسفة، وقد بلغ حياد اللجنة حدا جعلها تتعفف عن توصيف الأحداث بما يفيد الحكم عليها، أو إدانة أصحابها حتى ذكرت «30 يونيو» فى موضوع تقريرهم مجردًا دون أن يقولوا إنه ثورة، كما ألتزمت اللجنة بالدقة التامة فى انتقاء الألفاظ والعبارات حتى يتم التعبير عن الواقع  بلغة دقيقة، وألفاظ صحيحة بعيدة عن أساليب الإنشاء وتركيبات البيان الخطابى الذى يخرج بمعانى الألفاظ من الحقيقة إلى المجاز إن تقرير اللجنة المستقلة لتقصى الحقائق يعتبر علامة فارقة.
جاءت فى وقت كان الناس يتعطشون فيه إلى معرفة الحق فيما التبس عليهم من تلك الأحداث التى نسجت حولها الأساطير والأكاذيب، واراحت الناس من جهة الاحاطة بمعرفة المتسبب الحقيقى فى القتل، وطريقة قتل الضحايا من خلال مسار القذائف المسلحة على أبدانهم، وقد استبان أن عددا كبيرًا من القتلىقد رمى بالرصاص من الخلف، ولم يكن خلفه أحد سوي من يقاتلون بالأسلحة من الموجودين بالاعتصام معه، وحقائق أخرى كثيرة لا يمكن الإلمام بها إلا بالقراءة المفصَّلة لهذا التقرير الذى يحتاج إلى مثل تلك القراءة المفصلة، بل والمتأنية.
ومن العدل أن يشكر كل من ساهم فى اعداد هذا التقرير وما كابده من مشقة فى انجازه دون مقابل مادى يذكر إلا ما انفق بالورقة والتعلم على أدوات إنجازه، وليس مكافآت أعضائه فقد قاموا بعملهم حسبة لله، ورجاء عفوه وفضله، يحددهم فى ذلك ضمير إنسانى حى، وحس وطنى صادق، لا تشوبه كدرة، ولا تكدره شائبة شكر الله للعالم الجليل الأستاذ الدكتور فؤاد عبدالمنعم رياض رئيس اللجنة، والأستاذ المستشار إسكندر غطاس نائب رئيس اللجنة، والأستاذ المستشار عمر مروان أمينها العام، ولجميع أعضائها ومعاونيها جهودهم الطيبة وشهادتهم الصادقة فى هذا التقرير الذى سيظل علامة وطنية فارقة فىالتاريخ المصرى تنتصر للحق، وتبدد الكذب، وتضع الحقائق فى إطارها الصحيح.