الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

التفسير المضلل للوحى الإلهى فى المسيحية لسيطرة رجال الكهنوت

التفسير المضلل للوحى الإلهى فى المسيحية لسيطرة رجال الكهنوت
التفسير المضلل للوحى الإلهى فى المسيحية لسيطرة رجال الكهنوت




الوحى فى المسيحية قضية خطيرة وشائكة لأن هناك الكثيرين يهربون من مواجهتها. رغم أن عدم التعامل معها بصراحة ووضوح يسبب العديد من المشاكل للأقباط  فمن منطلق عدم فهم معنى الوحى فى المسيحية. يحتار القبطى فى كيفية قبول آباء للكنيسة بلائحة 38 التى كتبها أتقياء من الكنيسة وأباحت الطلاق لعدة اسباب، وقبلها عدد من البطاركة بل ويرفض الكاثوليك الطلاق بصورة قاطعة على الرغم من أن النص المقدس يسمح به (لعلة الزنى) ؟  
ومن ناحية اخرى نجد الحرب التى تشن على كتب الأب متى المسكين لأنه يتعامل بروح علمية مع النص المقدس  فرفض المجمع المقدس للكنيسة القبطية كتابة عن تفسير انجيل مرقس لانه يقول إن آخر 12 آية غير موجودة فى المخطوطات الاصلية ويتهمونه بالتحريف. بل إن حملة البابا شنودة الثالث عليه فى كتاب (بدع حديثة) اعتمد على الاستشهاد بالاسلام لكى يتهمه بالتحريف والشرك بالله! وتم ايصال صورة مشوشة على الوحى المسيحى من خلال العظات الشعبية السمعية على مدار 40 عاما. ومن هنا تحارب الكنيسة ترجمات الاباء اليسوعيين– الجزويت– للكتاب المقدس والترجمة العربية المشتركة لذلك لا بد ان يكون هناك فهم ومواجهة علنية وشرح لمعنى الوحى فى المسيحية. وفى البداية يقول فادى كريم:  الوحى المسيحى لم يكن يتشابه يوما ما مع نظيره الاسلامي، انه ليس رسالة مباشرة منقولة عبر وسيط سماوى وإنما هو تصور بشرى عن جلال الله ومقاصده من خلال تأثير الروح القدس العامل فينا.. وهو أداة الاتصال الرئيسية بين الشخص والمجال القدسى وليس حكرا على احد او شخص بعينه  بدليل ان احد اهم اركان العقيدة كانت مراكمات الإسهامات الآبائية التى شكلت ركن رئيسياً  واساسياً من العقيدة  المسيحية.
تأويل النص المقدس ومرونته فى المسيحية ووجود مستويات للقراءات  والمساحة الكبيرة  الجدلية بين النص والقارئ كانت العامل الرئيسى لتطور العقيدة من عصر لاخر مع الحد الادنى من التصادم.
لأن تلك المرونة ساهمت بشكل كبير لإخضاع النص لاليات الفهم الانسانى وبالتالى أنسنة العقيدة  وتنقيحها من داء اللاهوت القامع الذى ساد فى عصور التخلف والتحجر.
 ويقول الدكتور ماجد عزت ان المسيحية شريعة لها مصدران هما: التنزيل ويتمثل فيما أوحى الله به لكتبة أسفار العهدين (القديم التوارة - الجديد الإنجيل) بنصوص ثابتة لا فكاك منها لضرورة التقييد بما ورد بها من أحكام، أما الفقه فيتمثل فى مصادر أهمها التقليد، وهو ما صدر عن البشر فى ظروف خاصة بهم، وفى تقدير الحكماء منـهم حتــى فى عصرهم، إنها آراء تحتمل الخطأ، وإن كانت فى عهدهم صواباً، بينما آراء غيرهم خطأ يحتمل الصواب، وهذه تخضع للنقد والرد، ويجرى عليها التغيير بتغير الزمان والمكان، وتنوع منابع التقليد إلى تعاليم رسل السيد المسيح وتلاميذهم الرسوليين واللاحقين لهؤلاء وأولئك، وقرارات المجامع المسـكونية والمحليـة، دون أن تكـون واردة فى نصـوص الأسفار المقدسة، ولكن بشرط أن تكون موافقة لهذه الأسفار حتى يمكن القول بصحتها، ومن هنا، إما أن تكون آراء الفقهاء بديلة لنصوص تشريعية وارادة فى الكتاب المقدس (العهدين)، وإما أن تحل محلها فهذا أمر يرفضه عاقل حكيم؛ وهو ما أوقع الكنيسة فى أنحاء عديدة من العالم فى أخطاء، ولأن هذه الآراء -  وإن اتفقت ظروف زمانها -  قد ثبت مجافاة بعضها لمنطق غيرها من العصور، وهو ما باتت الجماهير مع بداية القرن الحادى والعشرين تطالب بتصحيحه حتى تظل على إيمانها متمسكة بعقائدها وتراثها،وإن كان لا يجوز للبشر أن يستبدل بنص إلهى فكراً بشرياً مهما كانت درجة قائله أو وظيفة مروجه، فلا شك أن من يحرم حلالاً أو يحل حراماً هو مجرم فى حق الله، فإن ما تعانى منه الكنيسة اليوم من متاعب جراءة مخالفاتها لنصوص إلهية صريحة وملزمة، سطرته صحائف التاريخ - على مر العصور– لكفيل بأن يسعى المصلحون لتصحيحه بشجاعة وصراحة ودون تردد. متذكرين قول الكتاب المقدس: «وتعرفون الحق والحق يحرركم».وهناك مصادر للتشريع منها الكتاب المقدس الدسقولية (قوانين الرسل) قوانين المجامع المسكونية وقوانين آباء الكنيسة، وبطاركة الإسكندرية وكتب الطقوس.
بينما يقول المفكر عادل جرجس قبل الدخول فى إشكالات الوحى الالهى فى المسيحية علينا بداية ان نقف على المعنى اللغوى والانجيلى للكلمة فلغويا الكلمة تعنى أشار أو ألهم اما انجيليا فترجمة الكلمة ليست دقيقة لانها فى الاصل  تأتى فى اللغة اليونانية الأصلية «ثيوبينستوس qeopenstoV»، وفى اللغة الإنجليزية «Theopneustos»، وهى كلمة مركبة من «Theo» بمعنى الله، و «pneustos» بمعنى نفخ، وتركيب الكلمة فى الأصل اليونانى يأتى فى المبنى للمجهول، وعليه تكون ترجمة «موحى به من الله» أى «نُفِخت من الله»، بمعنى أن الكتب المقدسة صيغت بروح الله. فهى ليست إذن إملاء من الله أو كلام الله ولكن الانجيل -  وهو موضوع هذا الوحى - ما هو الا صياغة البشر لخبر سار هو التجسد والفداء الالهى والقول بأن هؤلاء البشر كتبة الانجيل كانوا مسوقين بالروح القدس فإن هذا لا يعد أمراً اختصوا به دون غيرهم فكل البشر وليس المسيحيين أو رسل المسيح فقط،  فبعد المسيح وقيامته جميعهم مسوقون بالروح القدس (لأَنَّ مَوْهِبَةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ قَدِ انْسَكَبَتْ عَلَى الأُمَمِ أَيْضًا ) الذى حل على التلاميذ يوم الخمسين (لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِى قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا) فاستنارت عقولهم وتكلموا بألسنة أى أفكار وليس بلغات ولم يكن حلول الروح القدس على من فى العلية فقط من تلاميذ المسيح بل كان على من خارج العلية الذين استنارت عقولهم أيضا ففهموا ما يتكلم به الرسل (فَبَيْنَمَا بُطْرُسُ يَتَكَلَّمُ بِهذِهِ الأُمُورِ حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ كَانُوا يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ) والقول بأن الرسل تكلموا لغات مختلفة هو عبث فى تأوييل النص الانجيلى لان الثابت بعد هذه الحادثة ان الرسل كانوا يكلمون بعضهم البعض ويرتبون أمور الكرازة، فلو كان كل منهم يتكلم لغة مختلفة عن الاخر لما فهموا بعضهم البعض وما انتشرت دعوة المسيح، ومن هذه الحادثة تتجلى فكرة المسيحية فالمسيحية ليست ديانة فى فروض ووصايا فلقد أسقطت كل تلك الفروض بمجىء المسيح (مُبْطِلاً بِجَسَدِهِ نَامُوسَ الْوَصَايَا فِى فَرَائِضَ) ولكن التحول الذى جاء به المسيح هو التحرير المطلق للعقل البشرى، تلك المساحة من الحرية التى لم نستطع استيعابها بعد، ونصر على التعامل مع الله من منطلق شرائع نخلقها لأنفسنا (لِمَاذَا يُحْكَمُ فِى حُرِّيَّتِى مِنْ ضَمِيرِ آخَرَ؟)  أن المسيح حول الشريعة العامة فى الناموس اليهودى الى شريعة خاصة فكل أنسان هو من يشرع علاقته بالله حسب ما استنار بالروح القدس وأى قوانين دينية وضعية لشرائع جمعية هى ضد المسيحية وتهدر عمل المسيح الفدائى للبشرية كلها (إِنِّى عَالِمٌ وَمُتَيَقِّنٌ فِى الرَّبِّ يَسُوعَ أَنْ لَيْسَ شَيْءٌ نَجِسًا بِذَاتِهِ، إِلاَّ مَنْ يَحْسِبُ شَيْئًا نَجِسًا، فَلَهُ هُوَ نَجِسٌ) فالانسان هو مشرع لنفسه، فالوحى إذن ضد المسيحية لأنه كيف يحرر الله العقل البشرى ثم يعود ليضع محددات ويملى على هذا العقل ما يكتب عند حديث البشر عن الله؟ وهناك فرق بين انبياء العهد القديم ورسل المسيح فالانبياء كانوا يملون ما يكتبون فى احيان كثيرة من قبل الله لأن النبى يتحدث نيابة عن الله فلا بد ان ينطق بكلامه (وَأَجْعَلُ كَلاَمِى فِى فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ) تثنية 18 :18 أما الرسل فقد أرسلهم المسيح لتبليغ البشارة بالانجيل الى العالم كله (فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ)  فالأمر تحول من الحديث بلسان الله للحديث عن الله، وهو حديث ليس عن الله كما هو ولكن حديث عن الله كما عرفناه واختبرناه، وكل الشواهد الكتابية التى يتخذها البعض للدلالة على ان الكتاب المقدس كله وحى هى التى تثبت عكس ذلك فقول بولس الرسول فى رسالته الى تلميذه تيموثاوس (كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ) يعنى ان حديث الرسول عن كتاب ليست رسالته تلك ضمن هذا الكتاب تلك الرسالة التى اعتبرت فيما بعد ضمن الكتاب وجزءًا من الوحى وهو نفس الامر فى رسالة القديس بطرس الرسول الثانية (لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ) فالحديث هنا خاص بالنبوات فى العهد القديم ولا ينسحب على العهد الجديد، وهناك من القضايا الخلافية بين كتبة الانجيل التى لم تحسم مثل الخلاف الذى نشأ بين بولس الرسول ويعقوب الرسول حول التبرير هل بالايمان أم بالاعمال فيرى بولس (إِذًا نَحْسِبُ أَنَّ الإِنْسَانَ يَتَبَرَّرُ بِالإِيمَانِ بِدُونِ أَعْمَالِ) بينما يرى يعقوب (مَا الْمَنْفَعَةُ يَا إِخْوَتِى إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَانًا وَلكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ، هَلْ يَقْدِرُ الإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟) فهل لم يكن الوحى يعلم هل التبرير والخلاص بالايمان أم بالاعمال؟ إذن من من الرسولين القديسين على صواب؟ الحقيقة ان الاثنين على صواب لان كلًا منهم أعمل عقله الذى استنار بالروح القدس وهى هبة المسيح لنا، فرأى كل منهم طريقه الخاص نحو التبرير والخلاص إذن من نتبع منهم طريقاً للخلاص؟ وهذا السؤال كارثى لأننا لم ندرك بعد أننا نأخذ عن الرسولين طريقة تفكيرهما وإعمالهما العقل أيًا كانت النتائج ولا ننقل عنهم نصوصاً وتشريعات.. وهو ما يحيلنا الى قضية تقديس النص على اعتبار انه وحى وكلام الله ونسلك من خلاله مسلك النقل وليس أعمال العقل ومن أشهر إشكاليات النقل أعتناق الكنيسة لما يسمى بسلطان (الحل والربط) فلقد فهم كلام المسيح عن التحذير من إقصاء اى إنسان على انه سلطان يعطى للبعض ويستند هؤلاء الى قول المسيح لبطرس الرسول (فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِى السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِى السَّمَاوَاتِ) والمقصود هنا هو ربط قوى الشر التى تعيق نشر المسيحية فالأصل هو أن الجميع قد حل فى دم المسيح وهى حالة خاصة ببطرس الرسول لا يقاس عليها ولا يمكن إخراجها من سياقها، أما النص الثانى فهو قول المسيح لتلاميذه (مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ) ويلاحظ على الناس أن غفران الخطايا يكون خاصًا بمن (تُغْفَرُ لَهُ) أما إمساك الخطايا فغير محدد بمن أمسكت عليه لأنها هنا تكون أمسكت على من أخطأ بسبب خطيئته ومن أمسك عليه هذه الخطية لأنه وقع فى الدينونة فالله لم يأت ليدين البشر (وَإِنْ سَمِعَ أَحَدٌ كَلاَمِى وَلَمْ يُؤْمِنْ فَأَنَا لاَ أَدِينُهُ، لأَنِّى لَمْ آتِ لأَدِينَ الْعَالَمَ بَلْ لأُخَلِّصَ الْعَالَمَ) فكيف يتجرأ إنسان ويدين أحدًا؟ هى إذن مشكلة تقديس النص الموحى به دون محاولة فهم المعنى العام للنص والتأويل الحرفى للنص بعيداً عن القصد الالهى وهو ما يلزمنا بإعادة إحياء الفهم العقلى للمعنى الانجيلى وهو قصد المسيح فى خلقه.
 الوحى المسيحى لم يكن يتشابه يوما ما مع نظيره الاسلامى، انه ليس رسالة مباشرة منقولة عبر وسيط سماوى وانما هو تصور بشرى عن جلال الله و مقاصده من خلال تأثير الروح القدس العامل فينا.. و هو أداة  الاتصال الرئيسية بين الشخص والمجال القدسى وليس حكرا على احد او شخص بعينه  بدليل ان احد اهم اركان العقيدة كانت مراكمات الاسهامات  الأبائية التى شكلت ركنًا رئيسيًا من العقيدة المسيحية.
مؤسس التيار العلمانى كمال زاخر يقول الوحى فى المسيحية هو توصيل رسالة او تحذير او ايضاح او تقنين او توجيه من الله للبشر عبر اشخاص بعينهم، وهو تفاعل بين المرسل وحامل الرسالة، يكتبها ويبلغها كما هى او كما استوعبها، وعبر عنها بلغته وأدوات عصره ومفرداته.
والقضية المحورية فى الوحى فى المنظور المسيحى هى اعداد البشرية لفهم واستيعاب «تدبير الخلاص» وهو مصطلح يعنى خطة الله فى تصحيح الخطأ الذى ارتكبه الإنسان بإرادته بقراره عدم الالتزام باتفاقه مع الله وانفصاله عن الله والبحث عن مصادر اخرى للمعرفة، لتفسد طبيعته ونرث نحن فساد الطبيعة، ويحمل العهد القديم من الكتاب المقدس على امتداد زمنه تراكمات تدبير الله لعودة الانسان الى مظلة الله مجددا فى مصالحة تمت فى التجسد الذى أعلنه لنا السيد المسيح الذى انتهى الى قمة الإعلان عن اتمام الخطة الالهية على الصليب ثم القيامة، لينتصر للإنسان وبه ويعود الى معية الله. كما يخبرنا به العهد الجديد من الكتاب المقدس.
.مجدى أبو دخانة ملخصا القضية فقال
الوحى المسيحى إنسان يكتب كلام الله.