الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

النصب الدينى بـ«كرامات الأولياء»

النصب الدينى بـ«كرامات الأولياء»
النصب الدينى بـ«كرامات الأولياء»




الاعتقاد فى كرامات الأولياء أصبح ظاهرة يغفلها القائمون على العلم الشرعى فى البلاد وسار النصابون ينصبون شباكهم باسم الأولياء حول الأضرحة والمقامات ويصنعون من الظواهر الطبيعية أمر خارقًا حتى ينطلى على العوام وعن رأى العلماء والمتخصصين حول الحكم الشرعى للاعتقاد فى الكرامات وإنكارها والفرق بين الكرامة والدجل وكيف يعرف الولى من النصاب.

يقول الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية إن الكرامة قال عنها العلماء أنها امر خارق للعادة يظهرها الله تعالى على يد عبد تفريجا له من شدة ودليل ذلك فى القرآن قال تعالى «كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقًا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب» وغالبا ما تفرج كربا عن عبد صالح وقد تكون بشارة له.
مضيفا أن الكرامة خاصة بالأولياء الحقيقيين لا المزيفين وهم لا يطلبونها ولا يتباهون بها والاعتقاد بها حق فى الكتاب والسنة كما أن فى التراث الصوفى يذكر أن الولى يستحى من الكرامة كما تستحى المرأة من حيضها وقد وقع الكثير من الكرامات لآل بيت رسول الله وأصحابه ولكنهم لم يتباهونا بها لأنهم اتقياء لله والدار الآخرة.
وتابع الحديث أما ما يلجأ إليه النصابون من مدعى الولاية وما أكثرهم من الراكضين حول الأضرحة والصالحين فهؤلاء لا يلتفت إليهم وأفكارهم خيالية لمن يريدون تحليق الناس حوله ومنهم من يستحضر ويبالغ فى احداث عادية على أنها كرامات لينسج الأساطير التى تنطلى على العوام وتظهر فى المتصوفين فكل أمر عندهم قل أو كثر يدخل خوارق العادة.
مشيرا إلى أن الإمام أبى الحسن الشاذلى قال إذا رأيت إنسانًا يطير فى الهواء أو يمشى على الماء وهو مخالفا للشرع فاعلم انه شيطان. وقال الشاطبى مخالفة الخوارق للشريعة دليل على بطلانها فى نفسها وذلك أنها قد تكون فى ظواهرها كالكرامات وليس كذلك بل من أعمال الشيطان.
ومن جانبه قال الدكتور جمال زايد أستاذ الحديث بجامعة الأزهر إن أولياء الله عز وجل هم المؤمنون المتقون كما قال الله تعالى: «ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون» فكل مؤمن تقى فهو ولى لله عز وجل بقدر إيمانه وتقواه وقد يظهر الله على يديه من خوارق العادات وهى ما يسمى بالكرامات.
مضيفا أن الكرامة أمر خارق للعادة يجريه الله على يد بعض الصالحين من أتباع الرسل إكراما من الله له ببركة اتباعه للرسل. وليس كل ولى تحصل له كرامة وإنما تحصل لبعضهم إما لتقوية إيمانه أو لإقامة حجة على خصمه المعارض فى الحق والأولياء الذين لم تظهر لهم كرامة لا يدل ذلك على نقصهم كما أن الذين وقعت لهم الكرامة لا يدل ذلك على أنهم أفضل من غيرهم.
وتابع الحديث أن كرامات الأولياء حق بإجماع أئمة الإسلام والسنة والجماعة، وقد دل عليها القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وإنما ينكرها أهل البدع من المعتزلة ومن تابعهم وهذا إنكار لما هو ثابت فى القرآن والسنة، ففى القرآن الكريم قصة أصحاب الكهف وقصة مريم وفى السنة الصحيحة مثل نزول الملائكة كهيئة الظلة فيها أمثال السرج لاستماع قراءة أسيد بن حضير رضى  الله عنه، وسلام الملائكة على عمران بن حصين رضى الله عنه.
مشيرا إلى أنه قد حدث فى موضوع كرامات الأولياء التباس وخلط بين الناس، فطائفة أنكروا وقوعها ونفوها بالكلية، وهم الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم، فخالفوا النصوص وكابروا الواقع، وطائفة غالت فى إثباتها، وهم العوام وعلماء الضلال، فأثبتوا كرامات للفجرة والفساق ومن ليسوا من أولياء الله، بل من أولياء الشيطان، واعتمدوا فى إثبات ذلك على الحكايات المكذوبة والمنامات والخوارق الشيطانية، فادعوا الكرامات للسحرة والمشعوذين والدجالين من مشايخ الطرق الصوفية والمخرفين، حتى عبدوهم من دون الله أحياء وأمواتا، وبنوا الأضرحة على قبور من يزعمون لهم الولاية ممن حيكت لهم الدعايات العريضة ونسب إليهم التصرف فى الكون وقضاء حوائج من دعاهم، وطلب منهم المدد واستغيث بهم، وسموهم الأقطاب والأغواث بسبب تلك الكرامات المزعومة والحكايات المكذوبة.
وقال فقد اتخذت دعوى الكرامات ذريعة لعبادة من نسبت إليه، وربما سموا الشعوذة والتدجيل والسحر كرامة، لأنهم لا يفرقون بين الكرامة والأحوال الشيطانية، ولا يفرقون بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، وإلا فمن المعلوم أنه حتى من ثبت أنه ولى الله بنص من القرآن أو السنة، وإن جرى على يده كرامة من الله، لا يجوز أن يعبد من دون الله، ولا أن يتبرك به أو بقبره، لأن العبادة حق لله وحده.
ومن جانبه قال الدكتور نصر القرحى أستاذ الفقه المقارن أن هناك فروقًا بين كرامات الأولياء وخوارق السحرة والمشعوذين والدجالين وذلك أن كرامات الأولياء سببها التقوى والعمل الصالح وأعمال المشعوذين سببها الكفر والفسوق والفجور وأن كرامات الأولياء يستعان بها على البر والتقوى أو على أمور مباحة وأعمال المشعوذين والدجالين يستعان بها على أمور محرمة، من الشرك والكفر وقتل النفوس كما أن كرامات الأولياء تقوى بذكر الله وتوحيده وخوارق السحرة والمشعوذين تبطل أو تضعف عند ذكر الله وقراءة القرآن والتوحيد.
مضيفا أن هؤلاء المشعوذين والدجالين، يستغلون هذه الأحوال الشيطانية التى تجرى على أيديهم لجلب الناس إلى تعظيمهم والتقرب إليهم وعبادتهم من دون الله عز وجل، حتى كون كل واحد منهم له طريقة خاصة وجماعة تسمى باسمه، كالشاذلية، والرفاعية، والنقشبندية، وغيرها من الطرق الصوفية.
وفى نفس السياق قال الدكتور أحمد الدراملى الباحث فى شئون الصوفية إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بالكرامات التى يجريها الرب تبارك وتعالى على أيدى أوليائه. حيث قال شيخ الإسلام ابن تيمية «من أصول أهل السنة التصديق بكرامات الأولياء، وما يجىء الله على أيديهم من خوارق العادات، فى أنواع العلوم والمكاشفات، وأنواع القدرة والتأثيرات. والمأثور عن سالف الأمم فى سورة الكهف وغيرها. وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر فرق الأمة. وهى موجودة فيها إلى يوم القيامة.
مضيفا أن كرامات الأولياء حق. وقد دل عليها الكتاب والسنة والآثارُ المتواترة عن الصحابة والتابعين وقد تواترت نصوص الكتاب والسنة، ودلت الوقائع قديمًا وحديثًا على وقوع كرامات الله لأوليائه المتبعين لهدى أنبيائهم. والكرامة أمر خارق للعادة، يجريه الله على يد ولى من أوليائه، معونة له على أمر دينى أو دنيوى. ويفرق بينها وبين المعجزة بأن المعجزة تكون مقرونة بدعوى الرسالة، بخلاف الكرامة.
مشيرا إلى أن الولى: كل مؤمن تقى، أى قائم بطاعة الله تعالى على الوجه المطلوب شرعا اما الكرامة فهى أمر خارق للعادة يــظهره الله تعالى على يد ولى من أوليائه تكريما له أو نصرة لدين الله «وكذلك إن ما ادعوه من اشتباه الساحر بالولى غير صحيح، لأن الولى مؤمن تقى تأتيه الكرامة من الله بدون عمل لها ولا يمكن معارضتها، أما الساحر فكافر منحرف يحصل له الأثر سحره يتعاطاه من أسبابه، ويمكن أن يعارض بسحر آخر».
وقال يجب التنبه إلى أن ما يقوم به الدجالون والمشعوذون من أصحاب الطرق المُبتدعة الذين يسمون أنفسهم بالمتصوِّفة من أعمال ومخاريق شيطانية، كدخول النار، وضرب أنفسهم بالسلاح، والإمساك بالثعابين، والإخبار بالغيب.. إلى غير ذلك، ليس من الكرامات فى شىء، فإن الكرامة إنما تكون لأولياء الله بحق،  وهؤلاء أولياء الشيطان.
وتابع بأن ما يحدث للولى من العلم ما لا يحدث لغيره، أو يكشف له من الأمور الغائبة عنه ما لا يكشف لغيره، كما حصل لعمر بن الخطاب رضى الله عنه حين كشف له وهو يخطب فى المدينة عن إحدى السرايا المحصورة فى العراق، فقال لقائدها واسمه سارية بن زنيم الجبل يا سارية. فسمعه القائد فاعتصم بالجبل. ويسمع العبد ما لا يسمعه غيره، أو يرى ما لا يراه غيره يقظة أو منامًا، أو يعلم ما لا يعلمه غيره.
وقال كمال التركى أستاذ الفقه المقارن إن الاعتقاد فى الأولياء بالنفع أو الضر باطل، وهذا من لعب الشياطين، أما كونهم يتقربون للأولياء بالحلوى إلى قبورهم، أو بالذبائح، أو بغير هذا يرجون بركتهم، أو شفاعتهم هذا من الشرك الأكبر فالواجب على المؤمن أن يحذر هذه الخرافات التى يفعلها الكثير من الناس، فلا يجوز له أن يعتقد فى المقبورين سواء سموا أولياء أم لم يسموا أولياء لا يجوز أن يعتقد فيهم أنهم يشفعون لمن ذبح لهم، أو دعاهم من دون الله، بل هم يشفعون لأولياء المؤمنين، المؤمن يوم القيامة يشفع للمؤمن لا للمشرك، فالأنبياء يشفعون والملائكة يشفعون والمؤمنون يشفعون والأمراض يشفعون، لكن لمن رضى الله قوله وعمله، كما قال تعالى: «ولا يشفعون إلا لمن ارتضى».
مضيفا يجب الحذر من هذه الخرافات والضلالات التى هى من أعمال الشياطين، ومن أعمال المشركين، فلا يدعى مع الله أحد لا ولى ولا غيره ولا نبى ولا غيره ولا ملك ولا غيره بل يدعى الله وحده ويسأل ويطلب منه قضاء الحاجات وتفريج الكروب سبحانه وتعالى، أما المؤمن الميت يدعى له بالمغفرة والرحمة والحى فيدعى له بالثبات على الحق والأنبياء يصلى عليهم ويدعى لهم أن يجزيهم الله عنا خيرًا ولا يعبد مع الله سبحانه وتعالى، العبادة حق الله، قال تعالى: «وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء»،  وقال تعالى: «فلا تدعوا مع الله أحدًا»، وقال سبحانه: «ذالكم الله ربكم له الملك، والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير، إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم» سماه شركًا فالواجب الحذر وقال تعالى: «من يدع مع الله إلهًا آخر لا برهان له به، فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون».