الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

أحجار على رقعة الشطرنج.. أموال ودماء!




 
 
 
 
للألوان والرموز دلالات كبيرة ومهمة بالنسبة للحركات السرية فى العالم عبر العصور.. وأكثر الألوان شهرة فى كل تلك الحركات، اللون الأحمر.. بداية ارتباط هذا اللون بالحركات السرية، ترجع إلى العام 1750.. حيث تروى الموسوعة اليهودية حكاية الصائغ اليهودى «امشل موسى باور».. الذى أنهكه التجوال فى أوروبا الشرقية.. فاستقر فى النهاية فى فرانكفورت.. وافتتح محلا للصرافة، رافعا على بابه درعا أحمر اللون.. وتلك كانت المرة الأولى التى يعلن فيها شخص عن أفكاره لـ«جماعته» برفع هذا اللون.. قبل أن تنتشر الشارات الحمراء فى حركات الثورة العالمية فيما بعد.. بل إن العلم الأحمر تحول إلى رمز للثورة الفرنسية نفسهاوكذلك فعلها «لينين» فى الثورة البلشفية فى روسيا، بل إنه ذهب لأبعد من ذلك بأن تحول علم بلاده بعد الثورة إلى اللون الأحمر تعلو طرفه المطرقة الشهيرة والمنجل.. ونجمة داود!
 
 
امبراطورية المال اليهودية فى فرنسا
 
 
 
أما سر الصائغ اليهودى «أمشل موسى باور».. فيكمن فى ابنه «امشل باير باور» الذى دربه على كل ما يتعلق بأمور مهنة الصياغة والربا.. بدأ حياته كاتبا فى مصرف «اوبنهايمر».. ولما أظهر براعة وموهبة فى شئون عمله.. كافأه أصحاب المصرف بإدخاله شريكًا فيه.. ولكنه عاد إلى فرانكفورت ليدير الأموال التى تركها والده بعد رحيله.. ولأنه يعرف الدلالة السرية التى يعنيها الدرع الأحمر المعلق على باب محله.. فقد قرر أن يتخذ اسما جديدا لعائلته.. ولما كانت كلمة «الدرع الأحمر» باللغة الألمانية تعنى «روتشيلد.. فقد اختفى اسم عائلة «امشل باور» من الوجود.. ليعلن ميلاد عائلة «روتشيلد».. التى مولت لقرون طويلة الحركات السرية فى العالم.

أخطاء الثورة الإنجليزية

دعا «ماير روتشيلد» عام 1773 اثنى عشر رجلا من رجال المال والصرافة والأغنياء لإقناعهم بتجميع ثرواتهم وتأسيس مجموعة عمل واحدة.. تقوم بتمويل كل الحركات السرية الناشئة.. وبدأت اجتماعاتهم بشرح تمويلهم للثورة الإنجليزية، والأخطاء التى وقعوا فيها.. ومنها البطء الذى انتاب تلك الثورة.. واللين الذى تم التعامل به مع الذين قاوموها.. ورغبتهم فى تصحيح ذلك فى الثورة الفرنسية.. بالسرعة المناسبة.. والعنف والقسوة الكافيين لإنهائها كما ينبغى.. وهو ما اعتمد على المناورة بثروتهم الضخمة المجمعة لدعم تلك الثورة.. وخلق ظروف اقتصادية ضاغطة تدفع إلى تفشى البطالة بصورة شاملة بين الفرنسيين.. فيصبحون على شفا المجاعة.. وأولئك الجوعى يجب أن ينصب جام غضبهم على الملك والنبلاء والكنيسة ورجال الصناعة والأعمال.. وهى مرحلة مبدئية يتم بعدها الدفع برجالهم بين صفوف الشعب.. مطالبين بالانتقام من كل أولئك.. فيلصقون بهم كل الاتهامات الممكنة، الحقيقية والباطلة.

 
أما الخطة التى بدأ «روتشيلد» بشرحها لرجال المال.. فهو ما تم تنفيذه فيما بعد.. وهو بالمناسبة نص ما ورد فى الكتاب المنقح لـ»بروتوكولات حكماء صهيون».. قال: «إن الوسيلة المثلى للحصول على أفضل النتائج هى استخدام العنف والإرهاب.. وليس استخدام المناقشات العلمية الهادئة.. وقوانين الطبيعة تقول إن الحق هو القوة».. العنف والإرهاب الذى قصده «روتشيلد» يجب أن يكون موجها لأصحاب الفكر والسياسيين والمثقفين والنخبة.. الذين يستطيعون التأثير فى المواطنين.. دفعهم إلى الخوف من قول رأيهم.. وتشويههم بصورة متواصلة.. وإلصاق كل التهم الممكنة بهم.. حتى يفقد العامة الثقة فى أى أفكار يحاولون إقناعهم بها.

 
أما الحرية السياسية فهى – وفق ما يرى – ليست سوى فكرة لا يمكن أن تصبح حقيقة.. فالهدف هو الوصول للحكم، وما على أى راغب فى السلطة سوى التبشير بالحرية السياسية بين الجماهير.. حتى تؤمن بتلك الفكرة.. وإذا ما آمنت بها قبلت التنازل عن بعض حقوقها دفاعا عن تلك الفكرة.. ومن ثم يستطيع الانتهازيون بسهولة حصد تلك الحقوق فى شكل امتيازات، مبعدين أولئك الحالمين بالحرية!!.. أما من أوجه شبه بين هذا وما يحدث الآن على أرضنا ومن حولنا؟!
وأعلن «روتشيلد» أن الوصول إلى الهدف يبرر استخدام أى وسيلة.. وأن الساعى إلى السلطة لا يجب أن يتمسك بالصدق مع الجماهير.. وقال بوضوح: «على الراغبين فى الوصول إلى الحكم استخدام الخداع والدسائس والكذب على الجماهير.. فالاستقامة والإخلاص من آفات السياسة الكبرى»!!
الثورة الفرنسية.. تعويض عن سابقتها!

 لم تعلن «جماعة النورانيين» عن خطتها بالتخلص من الجميع فى فرنسا.. فقط أعلنت عن رغبتها فى «التطهير».. تطهير السياسة من الحكام الحاليين واتباعهم.. وبالتالى استقطاب كل اعداء هؤلاء الحكام إلى حين.. وهنا وقع الاختيار على الدوق الطامح «دولريان» وصديقه «تاليران».. وتم تعريفهما بالأب الروحى لـ«الجماعة».. «وايزهاوبث». الذى تولى بدوره تعريفهما بأسرار محفل الشرق الأكبر الماسونى.. حيث قام «دوليريان» بإدخال طقوس وأسرار ماسونية الشرق الأكبر إلى الماسونية الفرنسية الحرة.. وكانت إلى ذلك الوقت بعيدة عن الشبهات التى أحاطت بالماسونية فيما بعد.. ولم يأت عام 1789 إلا وكان هناك أكثر من ألفى محفل فى فرنسا تابعة لماسونية الشرق الأكبر.. التى هى ساتر لـ«جماعة النورانيين».. وهكذا تمكنت النورانية اليهودية من النفاذ إلى قلب الماسونية الفرنسية.. خطورة الأمر يكمن فى أنه داخل تلك المحافل تشكلت اللجان الثورية السرية، القاعدة الصلبة للحركة الثورية فى فرنسا.

 
ودارت عجلة تهيئة المناخ للثورة بأسرع ما تكون.. وانتشر افراد اللجان الثورية فى كل مكان يثيرون الفتن والشائعات.. وتذكر كتب التاريخ أن الملكة «مارى أنطوانيت» كانت امرأة لعوبا خليعة متهورة، أفسدت القصر وخانت زوجها مع أحد أصدقائه.. يذكر ذلك كحقيقة واقعة.. والواقع أن ذلك كله لم يكن سوى الصورة التى قامت برسمها الحركات السرية داخل الماسونية الفرنسية.. فى نطاق حملة التشهير الواسعة التى شنت عليها.. وهو ما ساعدهم فيما بعد على دفع الشعب الفرنسى وسط هذه الحمى إلى المطالبة برأسها بعد الثورة.. وما يؤكد ذلك ما تركه المؤرخون عن كذب وافتراء كل تلك الادعاءات.. كما يذكرون الأنفة التى واجهت بها مصيرها.. والشجاعة التى تحلت بها وهى تخطو نحو المقصلة.. يكفى فقط أن توضع صورك فى لافتات.. أو تنشرها «جماعة» بعينها على أنك عدو لها.. يكفى فقط أن ترفع صوتك وسط جماهير غاضبة مضللة جرت لها عملية غسيل مخ ممنهجة بأن تقول: «هذا هو عدو الثورة».. أو «هذا عدو الشعب».. أو» هذا عدو الإخوان».. لتنهال عليك هتافات تلك الجماهير فى أفضل الأحوال.. فيتم تشويهك فى يقين اولئك البسطاء.. ولو إلى حين!

الفوضى الشاملة تغرق فرنسا

بلغت أوضاع الحكومة الفرنسية درجة كبيرة من السوء.. فوجدت نفسها مضطرة إلى طلب قروض لتمويل الحروب التى انجرت إليها.. وهنا وافق الصيارفة على منح الحكومة القرض شريطة أن يضعوا هم بنود العقد.. وكان اهم شرط أن يتم تعيين مندوبهم «نيكر» وزيرا للشئون المالية فى المجلس الاستشارى للملك.. وبعد 4 سنوات على تعيينه.. قام بتوريط الحكومة الفرنسية مع المرابين اليهود.. حتى بلغت قيمة القرض الوطنى 170 مليون جنيه استرلينى.. وبينما كانت منشورات الدعاية التشهيرية تسرى فى فرنسا كالنار فى الهشيم ضد رجال الكنيسة والحكومة والمثقفين.. كانت عمليات التدريب السرية الواسعة لمن سيعتلون المسرح بعد قيام الثورة.. وأولئك المنتقون للهجوم على سجن الباستيل.. وقد وضعت القوائم بأسماء النبلاء وأنصار الملك والذين يخشى منهم لو تحدثوا وصدقهم الناس.. لتتم عملية تصفيتهم بسرعة.. وأطلق سراح المجرمين المعتقلين ليثيروا الذعر والقتل بين الناس.. وعمت البلاد «الفوضى الشاملة»..وكان بعض رموز تلك الحركة السرية التى عاثت فى فرنسا فسادا وقت الثورة «دانتون» و«روبسبير».. وعندما اتما مهمتهما حانت لحظة الخلاص منهما.

 
وقد اكتشف الكاتب البريطانى الشهير السير «والتر سكوت» فى كتابه «حياة نابليون» الأيدى الخفية وراء الثورة الفرنسية.. والجذور اليهودية للمؤامرة.. فيشير إلى أن الشخصيات الرئيسية التى حركت كل الخيوط كانت أجنبية.. كما لاحظ أن تعابيرها كلها يهودية مثل: «المدراء» و«الحكماء».. كما يشير إلى أن «مانويل» الذى تم تعيينه مدعيا عاما فى باريس، كان مسئولا عن اعتقال آلاف الضحايا فى سجون باريس.. وهم من قضوا فى المجزرة الكبرى التى جرت فى سبتمبر 1792.. وذهب ضحيتها 800 سجين فى باريس وحدها.. كما أن مجلس مقاطعة باريس، صار بيد الجماعة الدموية المعروفة باسم «اليعاقبة».. وكان شعارهم الشهير: «فلنسفك المزيد من الدماء اليوم».. أما الأهم من كل ذلك، فهو أن هذا الكتاب «حياة نابليون» المكون من 9 مجلدات ضخمة.. والذى يروى الكثير من الأسرار والخفايا عن الثورة الفرنسية.. قد اختفى ولم يعثر أحد على نسخه منه.

 
روبسبير ونابليون.. نهاية واجبة!!

 
أما نهاية «روبسبير» فقد أوردها الكاتب «ج.رينيه» فى كتابه «حياة روبسبير» الذى يورد فيه: «فى اليوم الثامن والعشرين من يوليو 1794.. ألقى روبسبير خطابا طويلا أمام الجمعية العمومية.. شن فيه هجوما عنيفا على من أسماهم المتطرفين فى الجماعات السرية.. ورغم ان هجومه تضمن عبارات غامضة.. تحمل اتهامات غير محددة بالنسبة للعامة.. إلا أنها كانت موجهة لأطراف بعينها.. فقد قال إننى لا أجرؤ على تسميتهم الآن.. كما أننى لا أستطيع تمزيق الحجاب الذى يخفى هذا اللغز منذ أجيال سحيقة.. لكنى أؤكد أن من بين هؤلاء أعضاء فى المذهب القائم على الإفساد والإسراف.. وهما الوسيلتان الأكثر فعالية اللتان اخترعهما أولئك الغرباء لتفسيخ أركان الدولة.. وأعنى بهم أولئك من كهنة الإلحاد».. ويرى «رينيه» أنه لولا تفوه «روبسبير بهذه الكلمات لكان من الممكن أن ينتصر.. فقد تلفظ بأكثر مما يجب.. لذا فقد تلقى طلقة نارية أصابته فى فكه.. فأخرسته حتى اليوم التالى حيث اقتيد إلى المقصلة.. فسكت إلى الأبد!!.. وهكذا تم القضاء على ماسونى أتيح له أن يعلم أكثر مما ينبغى.. وكل من جرى التخلص منهم بعد الثورة الفرنسية، كان محددا منذ البداية اللحظة التى سيتم فيها التخلص منهم.. لكى تقلب الصفحة.. ويبدأ الاستعداد لتاليتها.. وقد تم افتتاح فرع لمؤسسة «روتشيلد» فى لندن.. بهدف توثيق الصلة بين الصيارفة العالميين فى انجلترا والمهيمنين على مصارف فرنسا وهولندا والمانيا.. استعدادا للخطوة التالية.. باستخدام «نابليون بونابرت» كأداة يطيحون عن طريقها بعدد من العروش الأوروبية الأخرى.. فى سلسلة حروب عرفت بالحروب النابليونية.

 
ففى الوقت الذى كانت جيوش «نابليون» تجتاح أوروبا.. معلنا نفسه «إمبراطورا» عام 1804.. كانت إمبراطورية أخرى تسيطر على تلك القارة عبر المال.. فقد صار «ناثان روتشيلد» وإخوته الأربعة السلطة الخفية التى تحرك الأمور من وراء ستار.. متخذين من سويسرا مقرا لهم.. لذا فقد حافظوا على حياديتها بعيدا عن كل الحروب التى دارت رحاها كل تلك السنوات.. سيطروا على مصانع السلاح، ليتحكموا فى أماكن اندلاع الحروب وأوقات بدايتها ونهايتها.. سيطروا على صناعة السفن والمناجم والصناعات الكيماوية وصناعة الأدوية.. سيطروا على الأسواق التجارية.. الشىء الوحيد الذى كان يثير قلقهم، هو التحول الذى اعترى «نابليون» فقد صار أكثر صلفا وغرورا.. بل ذهب إلى الخروج عن السياق الذى وضعوه لهم وفضح تآمرهم.. فكتب بنفسه آخر سطر فى مغامرته معهم.

 
فالذى ذكرته بعض كتب التاريخ عن أسباب انهيار حملات «نابليون».. البرد القارص فى روسيا ليس صحيحا.. الحقيقة أن سبب هزيمته هو تخريب خطوط الاتصال ومنع وصول الإمدادات والمؤن والذخائر لجيوشه.. والخطة كانت تقوم على وضع عملاء سريين فى المراكز الرئيسية للجيش.. تقوم بتخريب عمليات التجهيز وقطع أوامر الاتصال وإصدار أوامر متناقضة.. تلك الخلايا التى يتم دسها فى الجيش تعادل عشرة آلاف رجل فى ساحة المعركة.. وهى بعينها الوسائل التى استخدمت فيما بعد لتحطيم جيوش روسيا القيصرية أمام اليابان عام 1904 وعام 1917 بعد قيام الثورة الروسية.. وفى الجيش الإيطالى والألمانى عام 1918.. ثم لاحقا فى الجيش الأسبانى عام 1936.
يجدر بنا الإشارة هنا إلى أن نضوجا ما قد اعترى رجال الصرافة.. وتطورا كبيرا قد لحق بوسائلهم وأساليبهم للسيطرة على الثورات على الأرض.. محققين نجاحا كبيرا فى تصدير فكرة أن «الكذب» على الجماهير هو الوسيلة المثلى للسيطرة عليها وتحريكها.. مثبتين أن سلاح الشائعات والاغتيال المعنوى لأصحاب الفكر والمثقفين.. هو السلاح الأكثر تأثيرا على عموم المواطنين.. فهو يفقدهم الثقة فيما يقول هؤلاء.. ويضمن للأطراف المحركة تمكنا تاما من عقول البسطاء.. يستطيعون عن طريقه توجيهها إلى حيث يبغون.. ولا مانع من التلويح بالحريات السياسية وصولا إلى الأهداف المرجوة!!
 
 

 

 
نابليون بونابرت