الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

التلمود فتاوى أعطاها الحاخامات قدسية «زائفة» والترجمة أنهت الأساطير بالعقلية العربية

التلمود فتاوى أعطاها الحاخامات قدسية «زائفة» والترجمة أنهت الأساطير بالعقلية العربية
التلمود فتاوى أعطاها الحاخامات قدسية «زائفة» والترجمة أنهت الأساطير بالعقلية العربية




حوار ـ سيد مصطفي
 

تدور الأسئلة داخل العقلية العربية عن بماذا يؤمن اليهود ليقوموا بفظاعاتهم، وظلت تلك الأسئلة عالقة لفترات طويلة حتى قام الدكتور مصطفى عبدالمعبود بترجمة «المشناه» وهو الشق التشريعى فى التلمود، الكتاب المفسر للتوراة، ويقوم بإزالة الغموض حوله فى أول حوار يجريه مع صحيفة، وهو أستاذ بكلية الآداب قسم اللغات الشرقية، له من الأبحاث الكثير وخاصة ما يتعلق بالديانة اليهودية.

 ■  هل التلمود كتاب مقدس بحق؟ و ما هى الأدلة على تزييفه؟


ـ لا، طبعاً التلمود كتاب وضعه حاخامات اليهود فى القرون التى تلت كتابة التوراة، وهى فتاوى دينيه أكسبها أصحابها صفة «القدسية»، و التلمود كلمة عبرية تعنى الدراسة  وهو كتاب تعليم الديانة اليهودية، وبتعريف آخر: هو تدوين لنقاشات حاخامات اليهود حول الشريعة اليهودية، الأخلاق، الأعراف، وقصص موثقة من التراث اليهودى، وهو أيضا المصدر الأساسى لتشريع الحاخامات فى الدعاوى القانونية، وابتدعت فى الأساس لأن العهد القديم وعوده لم تتحقق.


■ ما موقع «المشنا» من التلمود؟


ـ من المعروف أن التلمود مركب من عنصرين، الميشناه وهى النسخة الأولى المكتوبة من الشريعة اليهودية التى كانت تتناقل شفويا، والجمارا وهذا القسم من التلمود يتناول الميشناه بالبحث والدراسة أحيانا يستعمل أحد المصطلحين تلمود أو جمارا للدلالة على المصطلح الآخر، لكن بينما يصنف الجمارا كتعليقات على الميشناه وككتابات للحاخامات الحكماء، نراه أيضا يخوض مواضيع أخرى فى التناخ ويتناولها بالشرح الواسع، الجمارا: إذا هو المبادئ الأساسية لجميع قوانين شريعة الحاخامات وهو علاوة على ذلك اقتباسات من مؤلفات أدبية لحاخامات آخرين.


 ■ كيف كتبت المشنا؟


ـ الشريعة اليهودية الشفوية دونت بواسطة الرابى يهوذا هاناسى أو يهوذا الأمير وعرفت باسم الميشناه عام 200 م، وقد دونت التقاليد الشفوية لكى تحفظ من الضياع بعدما بات وجود اليهود وتعاليمهم موضع تهديد فى فلسطين.
حاخامات الميشناه عرفوا باسم تانايم  ومفردها تانا، وهناك تعاليم عديدة فى الميشناه تنسب إلى اسم تانا معين.
فى القرون الثلاثة اللاحقة خضعت الميشناه للتحليل والدراسة فى كل من فلسطين وبابل، أكثر أماكن تواجد اليهود فى العالم فى ذلك الزمان، ذلك التحليل والدرس عرف باسم الجمارا، وحاخامات الجمارا عرفوا باسم أمورايم بمعنى «تراجمة» مفردها أمورا، تحليلات الأمورايم بشكل عام تركز على إيضاح مواقف وكلمات ورؤى التانايم.


■ ما معنى المشنا؟


ـ كلمة «مشنا» وهى كلمة عبرية مشتقة من الفعل العبرى «شناه» ومعناها بالعربية يثتى أو يكرر ولكن تحت تأثير الفعل الآرامى «تانا» نطور معناها ليدرس، ثم أصبحت الكلمة تشير بشكل محدد إلى دراسة الشريعة الشفوية، وهى أول ما ألف فى التوراة الشفهية، وتتضمن الشرائع ومجموعة واسعة من الشروح والتفاسير تتناول أسفار العهد القديم التى قالها التنائيم. وهناك آراء مختلفة حول بداية صياغة المشنا، لكن تم الاتفاق على أن تحريرها وصياغتها النهائية تمت فى نهاية فترة التنائيم، فى بداية القرن الثالث، بواسطة الرابى يهوذا الناسى وحكماء جيله.


■ لماذا ترجمت المشنا؟


ـ هناك تخصصات بقسم اللغات الشرقية كان من بينها تخصص الديانة، وكان الجميع يعتمد فيه على  العهد القديم، وبه أعمال كثيرة تمت فلم يكن هناك من اهتم بالدراسات التلمودية، فكنت أول متخصص فيه بقسم اللغات الشرقية، وكان تخصصا جديدا، لفترة طويلة، ووجهة نظر الباحثين العرب عن الديانة اليهودية كانت قاصرة على العهد القديم والدراسات المتعلقة به، ومن أراد أن يضيف كان يعود للمرجع الثانى وهو التلمود ولكن من خلال الكتابات الأجنبية له، ولكن أصبح له نظرة أشمل، لأنه أصبح لديك تراجم المرجع الأول، ومتن المرجع الثانى، فوجد شموليهع للدرس اليهودى، وخاصة أن المصدر الثانى هو مصدر مفسر وشارح للتوراة، ومكمل لها.


■ ما أهمية ترجمة المشنا؟


ـ نظراً لعدم وجود ترجمة عربية للتلمود ظل الاعتماد عليه غير مكتمل فى الدراسات اليهودية باللغة العربية، وظل التلمود فى العقلية العربية محاطاً بالأساطير والخرافات حول طبيعة مادته. لذلك كله تظهر أهمية الترجمة، ولذلك قمت بترجمة الجزء التشريعى من التلمود وهو الذى يضم أجزاء المشنا ذات الأهمية العظيمة على المستوى التشريعى. فالمشنا لها أهميتها كمصدر تفسيرى للعهد القديم، وكمصدر تشريعى للديانة اليهودية.
ومن المعروف احتواء المشنا على ستة أجزاء أو نظم وهى زراعيم المختص بالأحكام الخاصة بالزراعة، ومواعيد الخاص بالأعياد وخاصة السبت، وناشيم الخاص بأحكام النساء، ونزيقين الخاص بالقوانين المدنية والجنائية، وقداشيم الخاص بالأحكام المنظمة للخدمة فى الهيكل والقرابين وأحكام الطعام وغيرها، وطهاروت الخاص بأحكام الطهارة والنجاسة. ويجب على من يقوم بهذا العمل الجرىء أن يكون  مؤهل علمياً جيداً فى مجال الدراسات التلمودية؛ وتخصص فيه وعلى معرفة ممتازة بمصطلحات هذا التخصص ومفاهيمه.


■ كيف تقسم المشنا؟


ـ كل سيدر ينقسم لمسخوت- إجماليها 63، وكل مسيخت تنقسم لأجزاء. كل فصل ينقسم لقطع تسمى «هلخوت» الاسم الذى كان منتشرًا قديما أو «مشنيوت» الاسم المنتشر حاليا وبينما كان تقسيم الفصول ثابتًا نسبياً ومتبعًا فى معظم المخطوطات، فإن تقسيم الهلخوت يشهد اختلافاً وعدم ترابط بين المخطوطات المختلفة. وحجم الفصول لا يختلف فيما بينها، ويبدو أن هذه كانت الرؤية الأساسية فى تقسيم الفصول، وليس فقط حسب التقسيم الموضوعى. يوجد فى المشناه 523 فصلاً، لكن معظم النسخ المطبوعة حالياً تتضمن الفصل الرابع من مسيخت بيخوريم وهو الفصل 11 والأخير فى سيدر زرعيم، والتى فى الأصل كانت جزءاً من الإضافات، وكذلك فصل «كنيان توراة» الذى أعاد صياغة الفصل السادس من مسيخت أفوت.


■ هل المشنا المصدر الرئيسى للتشريع الإسرائيلى؟ وكيف تبدو تشريعاته؟


ـ نعم، ولكن فى أجزاء  المشناه يتواجد جدال فكرى، فمثلا يتواجد ثلاثة آراء مختلفة حول نهاية وقت صلاة شمع. ونظراً لأن صلاة شمع يتم تعلمها شفهياً، ويتم كتابة المشناه أحياناً على هيئة حوار أو أسئلة وأجوبة، فكثيراً ما تنتهى تلك الاختلافات بدون حسمها شرعياً. كما أن المشناه أيضا لاتقدم خلفية أساسية للمواضيع التى تناقشها، مثل حقيقة وجوب تلاوة صلاة شمع فى كل مساء وفى كل صباح، أو حتى تعريف صلاة شمع ولماذا يجب تلاوتها، والأبعد من ذلك أنها موجهة من الرب إلى كتاب المشنا، ولذلك تستهل المشناه فقط بسؤال «منذ متى؟». للإجابات التى وردت عن سؤال متى يجب تلاوة صلاة شمع، ويظهِر الاختلاف فى المشناه بين القديم والجديد، فهى لا يستدل عليها بواسطة الإشارة إلى مدلول طبيعى مثل ظهور النجوم أو ساعات اليوم، بل يتم تحديد وقتها وفقاً للمناهج المتبعة لدى الكهنة، ويختلف الباحثون بشأن ما إذا كانت صلاة شمع فى المساء متبعة عند الكهنة فى المعبد، أم تم اتباعها بعد ذلك. ولكن دون أدنى شك، فإن المشناه تربط بين تلاوة دعاء شمع وبين الهيكل الذى دمر قبل تأليفها بخمسمائة عام، ويظهر الجدال الفكرى القائم فى أحيان كثيرة بين التجديد من عدمه، وتحدد المشناه ترتيب نظام الحياة اليهودية فى العالم الذى دُمِر فيه الهيكل، وإن العبادة لم يبتدعها الكهنة ولكنها منزلة من الرب. من جهة نجد أن المشناه تربط بين نمط الحياة الحديث وتمزجه بنمط الحياة القديم، ولكن المشناه فى الوقت نفسه فى افتتاحيتها تربط نظام الحياة الجديد وفقاً للنظام الذى كان متبعاً فى الهيكل.


■ هل المشنا يقوم على الخلاف؟


ـ إن المتأمل فى حكم للمشنا يكتشف على الفور أن مايميزها من بدايتها حتى نهايتها هو الخلاف. وهذه السمة الخاصة بالمشناه أصبحت عنصراً محورياً لكل كتابات «خزال» وهى  كتب التفاسير الشرعية وتفاسير الأساطير والتلمود، هذا النوع من الأدب كان فى وقته بمثابة خطوة جديدة، وتغييراً جوهرياً فى النسخ المنقولة الخاصة بالاختلاف، التى لم تعط كشريعة واضحة ولكن كمجموعة مناقشات واختلافات. والاختلافات تحدث تحولاً عميقاً بين نموذج الأنبياء ونموذج الكهنة،فالأنبياء يستمدون صلاحياتهم وسلطتهم من وحى مباشر من الرب، الأمر الذى يحول دون وقوع أى اختلاف لأن هناك قول رب واحد وحقيقة واحدة فقط وإذا حدث اختلاف بين نبيين فمعنى ذلك أن أحدهما كاذب، وفى مقابل ذلك يستمد الحاخامات سلطاتهم وصلاحياتهم من كونهم مفسرين، وتلك الصلاحيات استمدت من كونهم أمناء على الطقوس ونقلها للجمهور ومن هنا أيضا تكمن قدرتهم على شرحها وتعليمها، لذلك يجب أن يكون هناك اختلاف بين المفسرين نتيجة أنهم لا يتحدثون باسم الوحى. فالمشناه هنا ترمز لعهد جديد فى نمط تعليم التوراة حيث لا يتم الحديث باسم الأنبياء بل باسم الحاخامات، ومنبع هذا المنهاج هو المعابد.


■ علاقة الأحزاب المتشددة فى إسرائيل بالتلمود؟


تتمسح الأحزاب الدينية بالتلمود، فيسمى التلمود ومن ضمنه الجمارا بشكل تقليدى بوصفه شاس كاختصار عبرى لعبارة شيشة سيداريم أى الدرجات الست للميشناه»، وهو نفس اسم أشهر الأحزاب الدينية فى إسرائيل.


■ كيف ترى علاقة التلمود بالمسيح؟     


ـ كان يذكر التلمود أحاديث عن السيد المسيح، وعن التكذيب والطعن فيه، ولكن فى العصور الحديثة، أدرك الحاخامات خطورة ذلك، وكيف يثبت كتابته ومعلوماته بعد ولادة المسيح، وكانت تتحدث عن أنه جاء من الزنى، ولكن بعد حرق نسخ التلمود فى أوروبا، حذفت منه كل الكلمات التى تشير للمسيح أو للسيدة مريم، وعوض بدلاً منها بـ«الأغيار»، ولكن اليهود يفهمون من المقصود بها، ولذلك حذفت وأصبحت تعلم «شفوياً» بالمعابد، حتى لا تكون حجة على اليهود، وقد حدث هذا الحذف فى أول طبعة للتلمود فى القرن الـ16.


■  كم استغرقت المشنا معك وقتًا فى الترجمة؟


ـ استغرق العمل بالترجمة 10 سنوات فترة الماجستير والدكتوراة، الماجستير كان الجزء الأخير وهو العبرى «الطهاروت» والدكتوراه كانت على الجزء الخاص بالعقوبات، ويتزامن مع الاثنين باقى فترة ما بعد المعيد، ولكن المجهود الحقيقى بدأ بعد حصولى على الرسالتين الأساسيتين وهما الماجستير والدكتوراة، حيث بدأ التفرغ الحقيقى لترجمة باقى فصول المشنا.


■  دليل قيام دولة إسرائيل فى المشنا؟


ـ كتابيهم يؤكدون على الوارد بالتوراة أن أرض الميعاد من النيل للفرات، هم أحبوا ان يبنوا احتلالهم لفلسطين على هذا الأساس الدينى، ولكن تاريخهم نفسه أكد أنهم كانوا إحدى الجماعات التى عاشت بفلسطين، معللا جماعات أخرى، الجنس العربى كان هو الجنس الذى له الغلبة، فلم يدخل بنى إسرائيل على أرض مفرغة سكانياً وإنما دخلوا على أرض بها سكان، فمنطقة بلاد الرافدين والشام كان بها هجرات قديمة، وتأثروا بالكنعانيين وعبدوا آلهتهم، وبهذا المنطق يمكننى أن أطرد الإسبان من أسبانها، أو الأمريكان من الولايات المتحدة، هذا ما أدى الى الفرق اليهودية لأن فى الفكر الأبرثوزكسى أن اليهود سيكون لهم دولة أخرى فى آخر الزمان، ولكن من سيأخذهم إليها هو المسيح المخلص، ولكن المشنا لم تتطرق للمسيح المخلص وأوصافه، ولا كيف سيأتى أو ماذا سيفعل.
بعض الفرق اليهودية تقدمه على التوراة ،لأنهم يعتبره هو التطور النهائى للفكر اليهودى ،لأنه نزل بعد ما نزلت التوراة ولم تتحقق وعودها.


■ هل تدخل التشريعات التلمودية بالسياسة؟


ـ اسرائيل بطبعها علمانية بالرغم من الكتلة الحرجة المتدينة فيها، التعاليم الدينية اقتصرت على بعض الأحكام الشخصية كالزواج والطلاق والميراث، ولكن الدولة لا تستعمله إلا فى الأسماء الخاصة بالمعارك العسكرية، لتصورها بأنها جهاد دينى، وعدا ذلك فأحكام التلمود حبر على ورق.