الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تجارة المقابر.. الثراء على جثث الموتى!

تجارة المقابر.. الثراء على جثث الموتى!
تجارة المقابر.. الثراء على جثث الموتى!




تحقيق - عمر حسن

أصبح شراء المدافن يمثل عائقا على كاهل المواطنين وأرباب الأسر، خاصة فى الوقت الذى يجول فيه بخاطرك السؤال الشهير «إذا مِت.. أين أُدفن؟!»، حينها يفكر البعض فى مقابر العائلة بالصعيد أو بالقرية التى نشأ فيها، والأخر يتجه إلى شراء مدفن خاص بالمدن الجديدة مثل مدينتى «مايو - 6 أكتوبر»، لاحتوائهما على التصاميم الجديدة والشوارع المنظمة بعيدا عن المجتمعات العمرانية.
وحين ذهاب المواطنين إلى الوحدات التى تطرحها الدولة للاستعلام عن الأسعار، تكون المفاجأة هى أن المدفن الواحد يصل لـ 40 ألف جنيه على أقل تقدير، فضلا عن أن تكدس المجتمعات السكنية بالعقارات وامتلاء وسط القاهرة بالمقابر جعل من الضرورة الخروج بها إلى الصحراء بعيدا عن التجمعات، الأمر الذى عكس بدوره ارتفاع سعرها وأصبحت تجارة يعيش عليها فئة كبيرة من العمال والمقاولون.
فكما لم يسلم الأحياء من غلاء المعيشة لا يسلم الأموات أيضا من ارتفاع أسعار غلاء المدافن، حيث لا تستطيع بعض الأسر على شراء مدفن خاص بهم فتكون مقابر الصدقة التابعة للجمعيات الخيرية هى المثوى الأخير لموتاهم، وعلى النفيض تجد هناك مقابر يسيطر عليها معالم البزخ والترف بدءا من السلم الرخام والشاهد المرصع بالحلى ومياه الذهب والمساحة الشاسعة التى قد تصل إلى 80 مترًا أحيانا، مزودة بالاستراحات وربما التكييفات.
وهناك فئة ثالثة لا تفكر فى الموضوع بشكل من الأساس وتتركها للظروف إما هربا من غلاء الأسعار أو تشاؤما من شراء المدفن، ظنا منهم أن المدفن إذا أصبح جاهزا أخذ صاحبه بداخله، وذلك كله وفقا لمعتقدات مرتبطة بثقافة المقابر التى ترسخت فى الأذهان أبا عن جد.
يقول خالد أمين، 38 سنة، إنه من غير المنطقى البحث عن مدفن قبل الحصول على شقة صالحة للسكن والإقامة، خاصة أنه لا يزال حتى هذا الوقت يسكن فى شقة إيجار مقابل 800 جنيه شهريا و يجد قوت يومه بصعوبة شديدة فى ظل غلاء الأسعار، قائلا: شراء مدفن فكرة لا بد من طرحها قبل الممات للتذكرة قبل أى شىء ولأن الأسعار فى تزايد مستمر فيستحسن الشراء قبل الغلاء وارتفاع الأسعار خاصة أن أسعار مواد البناء متقلبة فى الفترة الحالية.
وتضيف أميمة محمد، 54 سنة: قد اشتريت بالفعل مدفن بمدينة مايو الجديدة بـ 42 ألف جنيه، بمساحة 21 مترًا، ما يعتبر أقل سعر ممكن لشراء أصغر مساحة فى المدافن الجديد، إلا أنها تتميز بجودة التنظيم عن المقابر العشوائية فى المناطق الأخرى.
وتستنكر أيات محمد، 44 سنة، من ارتفاع سعر المدافن، منوها إلى أن الدولة لابد أن توفر المقابر بسعر مجانى لغير القادرين، قائلة: «لا هتوفر لنا شقق سكنية فى الدنيا ولا مقابر فى الأخرة».
بينما يقول محمد توفيق، مقاول بناء مقابر بمدينة مايو و6 أكتوبر، إننى أعمل بالمجان منذ أكثر من 10 سنوات عقب الانتهاء من الدراسة، لافتا إلى أنه اختار تلك الوظيفة تحديدا بسبب ندرتها وقلة العاملين فيها، ما جعلها سلعة عقارية نادرة ومجالاً خصبًا للاستثمار يدر عائدا ليس بالقليل على العالمين فيه، شأنه شأن أى استثمار عقارى مثل الشقق  والعقارات وشركات السمسرة، إلا أن ارتفاع أسعار مواد البناء المستخدمة قد منعت الكثير من الاقبال على تلك الخطوة.
ويلفت المقاول إلى أن بناء المدفن ما هو إلا عبارة عن اجراءات قانوينة لازمة لعملية الشراء، تبدأ المحافظة بطرح قطع من الأراضى مقسمة ومرقمة بشكل معين فى أماكن صحراوية مثل مدينة مايو أو طريق الواحات أو السويس، على أن تكون بعيدة عن المناطق المكتظة بالسكان، مسعرة طبقا لموقع الأرض، منوها إلى أنه توجد قطع أرض تقع على «الناصية»، وهناك قطع أخرى وجه بحري، وثالثة وجه قبلي، وأخرى فى شوارع جانبية.
ويتابع: بناء عليه يتوجه راغبو الحجز إلى مبنى المحافظة الذى أعلن عن طرح تلك الأراضى، ويشترى كراسة الشروط، والتى تشتمل بندًا أساسيًا ينص على عدم انتفاع المتقدم بأحد مدافن الدولة من قبل وتختلف الشروط من محافظة لأخرى، وفورها يحصل على محضر الاستلام ويسدد المبالغ المقررة، وعند الشروع فى بناء المدفن تظهر أحد أشكال النصب التى يمارسها البعض منها بيع الأرض لأكثر من مشتر، لذلك من الضرورى الاطلاع على رخصة الأرض والتأكد من هوية مالكها الحقيقى لتجنب السرقة والاحتيال.
ويشير توفيق إلى أن عملية بناء المقابر تضم العديد من التخصصات منها «الحجار ـ النحات ـ الخطاط ـ عامل الرخام ـ النجار المسلح ـ الحداد المسلح ـ ولوادر الحفر»، وتمر عملية البناء بمرحلتين، وتستغرق عملية البناء والتشييد نحو أسبوعين على الأكثر، الأولى تأسيس البنية التحتية للقبر، والمرحلة الثانية البناء الخارجى للفناء من بناء السور والسقف والاستراحة إن سمحت المساحة بذلك، وآخر ذلك تركيب الباب الخارجى للمدفن، فضلا عن أن المرحلة الأولى تحدد شكلها الدولة.
ويقول المقاول: إن هناك شركات أصبحت متخصصة فى هذا المجال ورغم ذلك فإن عدد المقابر التى يتم طرحهات أقل بكثير عن العدد المطلوب، مطالبا الدولة بضرورة دراسة إقامة وتخصيص قطع أراض أخرى لإقامة مدافن عليها، ولإحداث انخفاضات فى الأسعار الحالية التى ارتفعت عنان السماء، لافتا إلى أن الأسعار الحالية تتراوح بين 40 ألف جنيه لمساحة 20 مترا، و60 ألف جنيه لمساحة 40 متراً، لتصل قطعة أرض لـ 350 ألف جنيه حسب الطلب وموقع المدفن.
جدير بالذكر أن سعر المقبرة فى وقت مضى كان 400 جنيه فقط، وازدادت فجأة لتصبح 4 آلاف جنيه، حتى تحولت فى عصر وزير الأسكان الأسبق لـ 20 ألف جنيه، فى الوقت الذى وصلت فيه الآن إلى 68 ألف جنيه طبقا لطرح المقابر الأخير الذى أعلنت عنه الدولة، ويتم السداد على مرحلتين ويضاف إلى المبلغ 5 آلاف جنيه مصاريف صيانة، أى أن سعر المقبرة يصل إلى 73 ألف جنيه «كاش»، الأمر الذى دفع المقاولين فى  الآونة الأخيرة إلى الاعتماد على التسويق الالكترونى فى الترويج لسلعتهم النادرة.
ويطالب توفيق بأهمية زيادة الحراسة على أراضى المدافن خاصة بسبب سرقة الأبواب الحديدية للمدفن وبيعها من قبل الخارجين عن القانون لغياب الخفراء عنها، ولحفظ الجثث الموجودة ومنعا لبيعها من قبل ضعاف الأنفس.
من جانبه صرح على عبد المهدي، وكيل وزارة الأوقاف، بتحريم التجارة فى المقابر، لكونها تجارة لا تجوز بأى حال من الأحوال، خاصة بعد أن أصبحت مجالا للاستثمار فى المقام الأول، لافتا إلى أنه من المفترض أن تقوم الدولة ببناء عددا من المقابر فى الجبال البعيدة، حيث الصحراء الشاسعة المهدرة وغير المستخدمة من جانب الدولة دون أن يكلفها شيئًا، إلا أن الدولة تأبى ذلك للخوف من وجود أى شبهة جنائية فى الموتي.
ويشير عبد المهدى إلى أن هناك مشكلة خطيرة تواجه المقابر وهى سرقة الجثث وبيعها لطلبة كلية الطب أو غيرهم، حيث يستخدمونها للأغراض الدراسية، لذلك لا بد من الحفاظ على حرمة الميت من خلال تعيين «تربي» موثوق فيه يحافظ على «الأمانة» التى وكل بحمايتها أمام الله ثم أهل المتوفى.
استنكر وكيل وزارة الأوقاف من مظاهر البهرجة التى يقوم بها البعض فى بناء مقابرهم وكأنها مسكن 5 نجوم، فيبنون السلالم الرخام القيمة ويضعون الحلى على الشواهد وينحتون اسم المتوفى على لوح من الرخام غالى الثمن وقد يصل بهم الأمر فى بعض الأحيان إلى تركيب تكييف الأمر الذى يعكس بدوره ارتفاع الأسعار بشكل جنونى لا يمكن أن يتخيله عقل.
ويوجه عبد المهدى بضرورة التزام الدولة ببناء مقابر مجانية لغير القادرين خاصة بعد وصول الاسعار لمبالغ خيالية قد تصل إلى مائة ألف جنيه وأكثر فى بعض الاماكن، ولكن قبل ذلك لا بد من ايجاد حل جذرى لمشكلة ساكنى المقابر الذين وصل عددهم إلى 4 ملايين شخص وهو الرقم الأكبر، وتوفير شقق سكنية لهم.
ويتطرق وكيل وزارة الأوقاف إلى وجود مظاهر أخرى تحدث أمام القبور مثل تناول الطعام والشراب وتبادل السمر وجعل زيارة القبور مناسبة اجتماعية، فضلا عن تخصيص بعض الأيام عن غيرها بالزيارات، قائلا: الدين وضع أدبيات محددة لزيارة المقابر وأوضح لنا أن الغرض منها التذكرة بالموت والدعاء للميت فقط، كذلك لا يجوز زيارة القبور فى أيام العيد التى خصصها الله للفرحة والسرور، فالعزاء ثلاثة أيام فقط غير ذلك بدعة من اختراع العادات و التقاليد.
ويختتم عبد المهدى حديثه بتوجيه نداء إلى عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية ومحافظ القاهرة بأن يتم بناء مقابر جديدة على نفقة الدولة وتمنح لأصحاب المقابر التى توجد داخل القاهرة بنفس المساحة مقابل إزالتها ونقل رفات موتاها إلى المقابر التى سيتم إنشاؤها، ثم يتم تحويل تلك الأراضى إلى حدائق ومنتزهات عامة تخلق متنفس للهواء النقى، أو بناء نواد اجتماعية، وذلك للحفاظ على شكل القاهرة الحضارى.