الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فى ذكراه الأولى: «الفاجومى».. سفير الفقراء

فى ذكراه الأولى: «الفاجومى».. سفير الفقراء
فى ذكراه الأولى: «الفاجومى».. سفير الفقراء




لم يمت «أحمد فؤاد نجم» فى ذلك اليوم الحزين منذ عام.. لأن أشعاره العابرة للزمان والمكان ستظل ماثلة فى العقل.. رابضة فى الوجدان.. باقية فى ذاكرة وطن كان هو صوته الأثير والمؤثر.. الطاغى والمفزع.. يهز عروش الاستبداد ويؤرق مضاجع الظالمين.. ويبشر دائماً - وإن طال الحلم وبعد - بمصر جديدة تشرق بالعدل وتحتفل بإنصاف الفقراء والمعذبين فى الارض.. فهو لم «يدهن الكلام ألواناً».. ولم يقل للقرد يا قمر الزمان.. المخوزق يشتم السلطان.. واللى يعرف ابويا يروح يقول له.. واللى بيجيب لى العشا يحوشه.. «قدرت اقول كلمتى بالصوت العالى ورزقى على اللى رازق الدودة فى بطن الحجر.. لان الشعر ربانى وعلمنى لا أبلع لسانى ولا اجز على أسناني»..
اصبح «الفاجومي» فى التراب.. بعد أن كان منذ عام فقط هو الحياة نفسها فى صخبها وضجيجها وعنفوانها ووهجها وألقها وقهرها وعبثيتها وعذاباتها.. صعلوكا ملهما.. وثأئراً صنديداً.. ومناضلاً عتيداً.. ومشاغباً عنيداً وسجيناً حراً رغم الاغلال والاقامة الدائمة فى سجون ومعتقلات الطغاة.. متفائلاً بحلم مصر بهية أبية رغم عداوة الايام وقسوة المحن وبطش الحكام.
غاب سفير الفقراء ومندوبهم الدائم ولسان حالهم بعد أن صافحهم مودعاً فرداً فرداً فى الازقة والحوارى والمقاهى وبيوت الزلزال وحوش آدم.. وعشوائيات عزبة القرود وارض اللواء.. وتقاسم معهم اللقمة.. وشاركهم العناء والغناء وشظف العيش والزنازين.. فوضعوه فى حدقات العيون.. وأشعلوا بأشعاره الملتهبة الميادين والشوارع والجامعات.. واثاروا الرعب فى قلوب الجلادين.. وهزأوا معه وبه من النخبة الرخوة والافنديات ذوى الياقات المنشاة والالسنة المتحذلقة.. وسخروا معه من ازدادوا جيتهم وفصامهم.. ورددوا معه: «يعيش المثقف على مقهى ريش.. محفلط مزقلط.. كثير الكلام عديم الفعل».
لخص نجم قبل أن يرحل وجود الفقراء الاليم فى الزمن الضنين بكلمات بليغة موجعة تقول: «يا أهل مصر المحمية بالحرامية.. الفول كتير والطعمية والبر عمار».
ويقارن بين حالهم وحال الأثرياء فى تضاد يبرز الفوارق الطبقية الكبيرة يقول: «يعيش التنابلة فى حى الزمالك/ وحى الزمالك مسالك ممالك/ تحاول تفكر تهوب هناك / تقول حياتك بلاش المهالك / لذلك إذا عزت توصف حياتك / تقول عندنا مش كذلك».
يقابلها مقطع يقول: «يعيش الغلابة فى طى الجوع / نهارهم سحابة وليلهم دموع / سواعد هزيلة لكن فيها حيلة / تبدر تخضر جفاف الربوع / لكن شغل كايرو / ما يتعيش دايرة/ لا يأكل ولا يقدر حتى يجوع»
إن نجم الذى تنبأ بالثورة فى وطن لا يحب الفقراء.. بل يزدريهم ويستمتع بإهانتهم.. وينتشى بتعذيبهم.. انهم لا يستحقون الحياة وعليهم إن وجدوا بها أن يقدموا دائما اعتذارهم عن هذا الوجود.. رأى انه من المنطقى أن تتوحد اشكال القهر.. والظلم وانعدام العدالة الاجتماعية متجسدة فى ملايين البشر الذين تدفقوا بالملايين يقودهم سنابل الوطن الزاهرة.. وقاموا بثورة (25) يناير التى أسقطت نظاماً ديكتاتورياً عتيداً سقوطاً تاريخياً مدوياً ورفعت شعارات العيش والكرامة الانسانية.. والعدالة الاجتماعية.. انها ثورة الفقراء التى جاءت من أجل التعبير عن احلام البسطاء الذين يمثلون أغلبية الشعب البائس فى حياة أكثر عدلاً وإنسانية..  
غاب «الفاجومي» سفير الفقراء ومندوبهم الدائم ولسان حالهم بعد أن صافحهم مودعاً فرداً فراداً فى الازقة والحوارى والمقاهي.. وبيوت الزلزال.. وحوش ادم.. وكل العشوائيات.. وتقاسم معهم اللقمة.. وشاركهم العناء والغناء وشظف العيش.. ورقة الحال.. فوضعوه فى حدقات العيون.. واشعلوا بأشعاره الملتهبة الميادين والشوارع والجامعات.. وأثاروا الرعب فى قلوب الجلادين.. مات وهو ينعى اليهم العدالة الاجتماعية الضائعة التى تصدرت شعارات ثورتين.. وعاصرت نظماً سياسية متعاقبة.. ولم يتحقق منها النذر الضئيل.