الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

هيبة الدولة.. وقوانين «الغيظ»!!

هيبة الدولة.. وقوانين «الغيظ»!!
هيبة الدولة.. وقوانين «الغيظ»!!




كتب : وليد طوغان

الدعوة لتعديلات على قانون العقوبات جيدة.. ممتازة.. رغبة الدولة فى إعادة دراسة ما يحتاجه أى قوانين من تعديلات ضرورى وهام لا جدال فيه ولا طعن.. كثير من قوانينا فى حاجة إلى دراسة.. تشريعات كثيرة فى حاجة الى مزيد من التصليح والتنقيح.. الدولة معنية بهذا.. الدولة قوية لو فعلت.. لكن الخطير صدور تلك الدعوات.. واقرار تلك الدراسات بعد الحكم ببراءة مبارك.
الاصل أن تسعى الدولة لتمام التشريع وكمال القوانين بصرف النظر عن براءة مبارك أو إدانته.. بصرف النظر عن إدانة أى مواطن أو براءته.. قوة الدولة من تمام تشريعاتها.. هيبتها من كمال قوانيننها.. القوانين لا تفصل على اشخاص.. التشريعات لا تعدل نكاية فى هذا.. ولا تعاد دراستها غيظا من هذا.
التشريعات فى الدولة صورة من صور السيادة.. ملمح من ملامح السلطان.. تستمد الانظمة قوتها من قدرتها على فرض قوانين «ما يخرش الميه».. المطالبات بتعديل قانون ما لعوار هنا او ثغرات هناك يمنح مزيداً من ابناط السيطرة وفرض نفوذ النظام.. النظام الناجح قدرة ونفوذ.
مصطلح «الدولة» يعنى القدرة على السيطرة.. مصطلح الدولة مرادف لبسط السلطان واقرار القانون.. القوانين مجموعة من القواعد الآمرة لتنظيم العلاقات داخل المجتمع وفرضها جبرا عند الاقتضاء.. قوة الدولة فى فرض القانون.. انفاذا للقانون لا استجابة لتظاهرات محدودة هنا.. أو تجمعات تحت اى مسمى على «البراءة» هناك.
تعديل قانون العقوبات استجابة لتظاهرات فى محمد محمود.. أو عين شمس ضعف.. دعوة الدولة لتعديل تشريعى بمناسبة براءة الرئيس الاسبق أزمة.
فى جلسة خاصة قال الدكتور محمود كبيش أستاذ القانون انه بعد اخلاء سبيل الرئيس الاسبق العام الماضى لاستنفاده مدة الحبس الاحتياطى، صدر تعديل تشريعى أطلق مدة الحبس الاحتياطى فى الجرائم المعاقب عليها بالاعدام أو المؤبد!
فتح المدة يعنى إطلاقها، بلا سقف زمنى، مهما طالت وبدون حد اقصى.. حتى صدور الحكم!!
كان التعديل نكاية فى الرئيس الاسبق أيضا.. كانت محاولة لاحتواء غضب بعضهم فى الشارع.. ترتب على «النكاية» ومحاولة احتواء الغضب تعديل قانونى اقرب الى العوار.. تعديل ابعد عن العدالة.. واقرب الى «موسيقى القرب».
لا عدالة على ظهر الكوكب تبيح حبس متهم دون حد زمنى.
كانت سقطة.. أو قل معضلة.. دفع اليها الغيظ.. وأدت اليها «النكايات»..
لا تصدر القوانين «نكاية».. لا يحكم التشريعات الغيظ.. فى الدول الديمقراطية تصدر القوانين لضمان تمام وجه العدالة.. لا تصدر القوانين لاحتواء الغضب.. لا يقرونها خوفا من غضب.. القانون قانون.. لا يصدر الشارع القانون.. التشريع منوط به رجال التشريع.. على الشارع الامتثال.. لو دخل الشارع فى القانون.. انفجر البركان.
تشريعات النكاية تتكرر الآن.. الدعوة لقوانين الغيظ تتجدد.. حكم المستشار الرشيدى بانقضاء دعوى التربح ضد مبارك صدر فى جرائم قيل انها وقعت عام 1997.. يفترض القانون انقضاء الدعوى عام 2007.. قدم مبارك للمحاكمة عام 2011.. مر على الجريمة اكثر من 10 سنوات.. طالب المستشار الرشيدى بتعديل قانونى يحسب مدة انقضاء الدعوة من تاريخ تقديم المتهم للمحاكمة، لا من وقت ارتكاب الجريمة.
مطالبة فى محلها.. دعوة لها وجاهتها.. ثغرة قانونية يجب تجاوزها.. كله تمام.. لكن الذى ليس تمام أن تتصاعد الدعوة إلى التعديل لأجل مبارك.. نكاية فى مبارك.. الكارثة أن تتحرك اللجان.. ويلهث القانونيون استجابة لمبادرات عنف من متظاهرين فى طلعت حرب وعبدالمنعم رياض.
اقرار الدولة بالحاجة الى تعديلات على قانون ما انفاذا للسطوة.. ومدا للسلطان جائز.. قرار موفق.. دولة قوية.. لكن إقرار التعديل استجابة لمطالب تجمعات شبابية تهدد بقلة الأدب والتكسير.. ضعف وتراخى ولين.
طب سيبك من مبارك.. ماذا عن عشرات المتهمين انقضت الدعوى فى حقهم بالتربح على أساس نفس القاعدة.. وبمقتضى نفس القانون الذى برأ مبارك؟
بالمناسبة.. حديثنا ليس عن اشخاص.. لا تحيزا لهذا أو ضد هذا.. قانونا.. لا ينطبق أى تشريع حديث على مبارك، حتى لو صدر الآن.. القاعدة أن المتهم لا يحاكم بقانون صدر بعد بدء محاكمته.. لكن الكلام عن مفهومنا للقانون.. الحديث عن مدى احترامنا لاحكام القضاء.. مدى تقبلنا لحكم محكمة فى دولة يقولون انها قامت بثورتين تنفيذا للقانون.. لا يجوز أن يخرج المنادون بتطبيق القانون للتظاهر فى الشارع ضد حكم قضائى.. فتسعى دولة القانون لاستيعابهم بتعديل على القانون!
لا تقر القوانين فى الدول القوية على الكيف والهوى.. قوة الدول فى تشريعات تصدر للضرورة.. لا تجنى الدول قوتها من محاولات احتواء غضب من اقتربوا بنا من حافة الجبل.