الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الفساد فى وزارة الزراعة لـ«الركب»

الفساد فى وزارة الزراعة لـ«الركب»
الفساد فى وزارة الزراعة لـ«الركب»




 تحقيق - إبراهيم رمضان
 

  لم يكن من الممكن أن تمر جملة  «الفساد فى وزارة الزراعة للركب» التى قالها المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، مرور الكرام، دون أن نكشف جانبا من هذا الفساد فى صورته المباشرة وغير المباشرة، فى سلسلة تحقيقات صحفية، موثقة بالمستندات، والأدلة.
 أولى سلسلة التحقيقات الصحفية التى سنبدأ فى عرضها هى تلك المستندات التى توضح أن حكومة «محلب» تعمل فى جزر منعزلة، دون تنسيق فيما بينها، خاصة فى ذلك الملف الشائك المتعلق بأراضى الدولة والاستيلاء عليها من خلال المستندات التى تكشف عن موافقة وزارة الزراعة على الاستجابة لطلب نقابة الفلاحين، ومنحها 1024 فدانا بمنطقة وادى النطرون، فيما تقدمت وزارة القوى العاملة ببلاغ للنائب العام تتهم النقابة بـ«النصب والاحتيال».

 فعلى الرغم من أن الهدف الواضح من أسمائها وأغراض تأسيسها هو خدمة الفلاحين وتذليل العقبات التى تواجههم، والعمل على تسهيل عملية تسويق محاصيلهم، والتواصل مع المسئولين بالجهات الحكومية المختلفة لتسهيل حصولهم على مستلزمات الإنتاج، ولكن هذه الأهداف اختفت لتصبح هذه الاتحادات والنقابات بوابة خلفية، للتجارة فى أراضى الدولة.
 ولعل تراجع وزارة الزراعة عن طرح أراض لصغار الفلاحين، دفع إحدى هذه النقابات لاستغلال تلك النقطة، والمتاجرة بالأراضي، من خلال تقسيم مساحة وصلت لـ1600 فدان بمنطقة وادى النطرون، وتقسيمها على قطع وبيعها بسعر يتراوح ما بين 40 إلى 50 ألف جنيه للفدان الواحد!
 بلاغ للنائب العام
قادت «روزاليوسف» لفتح هذه القضية ما حصُلت عليه من مستندات، على رأسها المذكرة المقدَّمة من وزيرة القوى العاملة الدكتورة ناهد عشرى للسيد المستشار النائب العام، التى توضّح فيها أن وزارة القوى العاملة تلقت شكوى من عيد عبد الناصر عبد السلام بصفته المستشار القانونى للنقابة العامة للفلاحين، والذى يتضرر فيها من قيام النقابة العامة للفلاحين بتوزيع أراض على صغار الفلاحين، وتحرير إيصالات تفيد باستلام مبالغ مالية نظير حجز تلك الأراضى بمنطقة وادى النطرون.
وتوضح وزيرة القوى العاملة فى مذكرتها أن الإيصالات المقدمة من الشاكى قد استهلت بـ«جمهورية مصر العربية، وزارة القوى العاملة والهجرة، النقابة العامة للفلاحين «على الرغم من عدم تبعية النقابة المذكورة للوزارة من قريب أو بعيد، وأن دور الوزارة بالنسبة لمثل تلك النقابات يقتصر على قبول إيداع أوراق تأسيسها وتمارس النقابة بعد ذلك أنشطتها وفقا للائحة نظامها الأساسى بصفة مستقلة باعتبارها من أشخاص القانون الخاص».
 وتتابع وزيرة القوى العاملة تَبرئ الوزارة من أفعال هذه النقابات قائلة، إن الوزارة لم تشارك فى هذه التصرفات محل الإيصالات، وهو الأمر الذى يشكل فى ظاهره شبهة النصب والاحتيال لاستغلال النقابة المذكورة اسم الوزارة لإضفاء قدر من المشروعية على تلك التصرفات بالمخالفة للواقع والقانون.
وتطالب وزيرة القوى العاملة فى نهاية مذكرتها لدى النائب العام، بإجراء التحقيقات اللازمة فى هذه الواقعة؛ حرصا على حقوق وأموال أعضاء النقابة، ودرء الشبهات عن الوزارة.
 مذكرة «الزراعة» لقاضى التحقيق
ولم تقتصر مخاطبات وزارة القوى على المذكرة المقدمة للمستشار النائب العام، ولكن تم إرسال خطابين لمدير بنك مصر فرع النوبارية، وآخر لمدير مكتب بريد جامعة القاهرة بتاريخ 22 يوليو الماضي، تطالب فيهما بتجميد حساب نقابة الفلاحين كإجراء احترازى لازم للحفاظ على أموال أعضاء النقابة ولحين الفصل فى الدعاوى القضائية، وانتهاء التحقيقات التى تجرى بمعرفة النائب العام.
 ويبدو أن البلاغ الذى تقدمت به وزارة القوى العاملة لم يكن الأول من نوعه ضد هذه النقابة، فقد حصلت «روزاليوسف» على نسخة من بلاغ تقدم به المهندس هشام فاضل، رئيس قطاع المشروعات الزراعية، رئيس الإدارة المركزية للملكية والتصرف، بهيئة التعمير والتنمية الزراعية، فى شهر فبراير 2013، للسيد المستشار أحمد إدريس، رئيس محكمة الاستئناف، مستشار التحقيق فى قضايا وزارة الزراعة، ورئيس لجنة استرداد أراضى الدولة،  نص على أن نقابة الفلاحين برئاسة نقيبها السابق محمد عبد القادر - قد اشترت من شركة «الدياب للتنمية والاستثمار الزراعي»، التى يمثلها عبد الفتاح صبح عبد الفتاح بصفته رئيس مجلس إدارة الشركة مساحات من الأراضى الخاضعة لولاية هيئة التعمير والتنمية الزراعية، بناحية وادى النطرون.
ويضيف «فاضل» فى خطابه: إن النقابة اشترت الأراضى من الشركة المذكورة بملايين الجنيهات بموجب شيكات تم تحصيلها من النقابة، مطالبا المستشار أحمد إدريس باتخاذ اللازم ضد الشركة مع تجميد المبالغ كافة لدى بنك التنمية والائتمان الزراعي.
ولكن المفاجأة التى لم تكن متوقعة هو أنه رغم أن هيئة التعمير ممثلة فى رئيس قطاع المشروعات قد تقدم ببلاغ ضد هذه النقابة فى فبراير 2013 -بحسب المستندات التى بحوزتنا- إلا أن الدكتور أيمن فريد أبو حديد، وزير الزراعة السابق، ومجلس إدارة هيئة التعمير والتنمية الزراعية، قد وافق على التصرف بالبيع لمساحة 1024 فدانا لنقابة الفلاحين من إجمالى مساحة 1600 فدان وفقا لنص قرار مجلس إدارة هيئة التعمير والتنمية الزراعية فى 28 مايو 2014. إلا أن الموافقة على طلب نقابة الفلاحين بمنحها مساحة 1024 فدانا بمنطقة وادى النطرون فى عهد وزير الزراعة السابق.
موافقة الوزير أيمن فريد أبوحديد، ليس على قرار منح النقابة الأرض ليس غريبا خاصة  إذا وجدنا أن السيد الوزير هو أحد الأعضاء المؤسسين لهذه النقابة قى 2011، وعضو بلجنة العلاقات الخارجية بنقابة الفلاحين، بحسب محضر اجتماع مجلس إدارة النقابة بتاريخ 2 إبريل 2012، إلا أنه استقال من عضوية النقابة فور اختياره وزيرا فى 16 يوليو 2013 خلال حكومة «الببلاوي» وحتى خروجه من حكومة «محلب» فى 16 يونيو 2014.
تواصلت «روزاليوسف» مع واحد  ممن حصلوا على أراض من النقابة، إلا أنه رفض – ذكر اسمه – خشية تنكيل النقابة به، وطرده من قطعته، مؤكدا أن المساحة التى وافق مجلس إدارة هيئة التعمير على التصرف فيها للنقابة وهى 1024 فداناً تم تقسيمها على قطع كل قطعه 5 أفدنة، مقابل دفع كل صاحب قطعة 60 ألف جنيه كمقدم، يدفع لحساب نقابة الفلاحين ببنك التنمية والائتمان، ودفع قسط سنوى قيمته 7 آلاف جنيه على مدار 10 سنوات، لافتا إلى أن النقابة تقوم بتحصيل 100 ألف جنيه مقابل القطع الجديدة يتم دفعها حاليا بمقر النقابة .
وتابع صاحب قطعة الأرض: إن المشكلة الأساسية التى وقع فيها الفلاحون الحاصلون على هذه الأرض، هى أن قرار هيئة التعمير بالتصرف فى الأرض باسم نقابة الفلاحين، هو مايجعل الفلاحين تحت رحمة النقابة، التى قد تطرد أى شخص من أرضه فى حال تأخره فى سداد أحدالأقساط، لافتا إلى أنهم تقدموا بإلتماس لمجلس إدارة هيئة التعمير كى يتم التصرف بالبيع للفلاحين الذين اشتروا هذه الأرض من النقابة، خاصة أن الفلاحين يسعون حاليا لتأسيس جمعية باسم الفلاح يكون أعضاؤها هم أصحاب تلك الأرض، لتعديل هذا الوضع القانوني، لضمان عدم ضياع حقوقهم.
إلا أن الغريب فى الأمر أنه خلال الفترة من شهر فبراير 2013 وحتى يوليو 2014، وهى الفترة ما بين البلاغ المقدم من وزارة الزراعة والبلاغ المقدم من وزيرة القوى العاملة، ظل أسامة الجحش- رئيس النقابة العامة للفلاحين– بعيدا عن أى مساءلة، بل إنه يشارك فى الاجتماعات والمؤتمرات الرسمية كافة، التى كان آخرها فى سبتمبر 2014 فى احتفالية عيد الفلاح.
 الزراعة واتحاد النقابات
ولم يكن قاصرا على النقابة العامة للفلاحين فقط، فقد حصلت «روزاليوسف» على مستند آخر، هو عبارة عن خطاب مرسل من المهندس أيمن المعداوي، رئيس قطاع استصلاح الأراضى السابق بوزارة الزراعة، ردّا على الدراسات التى تقدم بها محمد صبحى دبش، رئيس الاتحاد العام لنقابة فلاحى مصر والعضو الاحتياطى بلجنة صياغة الدستور، والذى يوضح أن دراسات الجدوى التى تقدم بها صبحى دبش لقطاع الاستصلاح والخاصة بمناطق الفيوم «1و2» والواحات والعلمين ووادى النطرون وأسوان، وهى الدراسات التى وجد قطاع الاستصلاح أنها غير وافية، ولا تتناسب مع طبيعة مشاريع شباب الخريجين.
 ورغم أن بعض الكيانات سعت للتجارة فى الأراضي، بموجب المستندات التى كشفنا عنها، إلا أن هناك كيانات أخرى رفضت المشاركة فى تلك اللعبة تماما.
فيعتبر فريد واصل، رئيس نقابة الفلاحين والمنتجين الزراعيين، أن قيام بعض النقابات بالحصول على أراض بزعم توزيعها على صغار الفلاحين أمر يتنافَى مع أساس فكرة النقابات التى تهدف للدفاع عن أعضائها، لافتا إلى أن توزيع الأراضى هو مهمة الدولة ممثلة فى وزارة الزراعة.
ويتابع «واصل»، قائلا: إن الكيانات التى لجأت لمثل هذا الفعل تعتبر نفسها حكومة موازية، وتدخل فى دائرة سماسرة وتجّار الأراضي، إلا إذا حددت الحكومة شروط المستحقين لهذه الأراضي، وساعدتها هذه النقاباتُ فى تسليم هذه الأراضى لمستحقيها.
 ويوضح نقيب الفلاحين والمنتجين الزراعيين، أنه للأسف لا يوجد قانون يحكم عمل النقابات المستقلة للفلاحين، وفى غياب هذا القانون يفعل كل كيان يدّعى أنه يدافع عن الفلاحين ما يشاء، لافتا إلى أن الكيانات التى تتحدث حاليا باسم الفلاحين هى كيانات تم إشهارها بموجب اتفاقية الحريات النقابية، التى وقعت عليها مصر سنة 1948، والتى قام الدكتور أحمد البرعي، وزير القوى العاملة الأسبق، بفتح باب العمل بها، مما أوجد حاليا 1500 نقابة مستقلة لجميع فئات العمال والفلاحين.
 وعن اللوائح الداخلية ولوائح التأسيس الخاصة بالكيانات المستقلة للفلاحين والآليات التى تحكم العمل فى هذه النقابات، يقول فريد واصل: إن الأصل فى اللوائح الداخلية لأى نقابة أو اتحاد هو أن يتماشَى مع القانون الحاكم، فإذا كنا فى حالات نقابات الفلاحين والنقابات المستقلة لا يوجد قانون ينظم عمل هذه النقابات، فإن النقابات قد تغيّر وتبدّل لوائحها كل ساعة لتضع أى نشاط ترى أنه قد يتناسب مع أغراضها كنشاط بيع وتجارة الأراضي، وغيرها، موضحا أن هذه الكيانات والنقابات خرجت للنور بموجب نص اتفاقية دولية مرّ عليها 66 عاما، و3 ثورات، مطالبا بضرورة إصدار قانون ينظم عمل هذه النقابات.
 ويشير محمد فرج، رئيس اتحاد الفلاحين المستقل، إلى أن الهدف من النقابات والكيانات التى تتحدث باسم الفلاحين هو توعية الفلاحين بحقوقهم، والدفاع عنهم، وليس من بين أغراضها توزيع وتجارة الأراضي، فالدولة هى مَن تقوم بدور توزيع الأراضى على المستحقين فقط.
 آليات العمل النقابى
 وتابع حديثه، قائلا: ربما تكون هناك نقابات أو اتحادات طَرحت خلال الفترة الماضية أراض، ولكن هذا يعود إليها ولا علاقة لنا بها، رافضا أن تكون للنقابات والاتحادات التى ترفع شعار الدفاع عن الفلاحين أى علاقة بتوزيع الأراضي، فهذا دور الدولة ممثلة فى وزارة الزراعة.
ويطالب «فرج»- بنبرة شديدة اللهجة- بأن تكون رقابة الدولة صارمةٌ على مثل تلك الكيانات التى تتحدث باسم الفلاحين، حتى لا يتعرض «الفلاحون الغلابة» لعمليات نصب من جانب من يدّعون أنهم «ممثلوهم».
ويعلق رئيس اتحاد الفلاحين المستقل على قرار مجلس إدارة هيئة التعمير والتنمية الزراعية بمنح نقابة الفلاحين أراض، قائلا: إن القرار لم يوضّح الشروط التى ستوزع بها الأرضُ، موضحا أن الغريب فى الأمر أن مجلس إدارة هيئة التعمير لم يأخذ فى الاعتبار البلاغات المقدَّمة من وزارة الزراعة نفسِها ضد هذه النقابة، ولم تتم معالجة ذلك فيما بعد على الرغم من تقدم وزارة القوى العاملة ببلاغ للنائب العام.
ويشدد الدكتور شريف فياض، أستاذ الاقتصاد الزراعى بمركز بحوث الصحراء، أن لجوء مثل هذه النقابات للحصول على أراض وتوزيعها على الفلاحين، هو بمثابة سلْب لدور الدولة الأساسى فى هذا الأمر، وخروجٍ عما هو مألوف عن دور النقابات والاتحادات من الدفاع عن حقوق الفلاحين، والعمل على حل مشاكلهم المختلفة من خلال التواصل مع المسئولين.