الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

منهج «الجماعة» وراثة الأنظمة الساقطة والقضاء على الشرعية الدستورية




الجماعات السرية.. من طول اعتيادها على التحرك تحت الأرض.. عندما تواتيها الفرصة للعمل فوق الأرض.. ترتبك ويعتريها القلق.. وتبدأ سلسلة من الأخطاء القاتلة.. قد تؤدى فى النهاية إلى القضاء على تلك الجماعات.. ومشكلة تلك الجماعات، أنها لا تؤمن بالثورات.. هى جماعات إصلاحية.. بمعنى أنها جماعات لا يقوم فكرها على تغيير الأنظمة التى تعمل ضدها.. وإنما إزاحة رءوس تلك الأنظمة.. واتخاذ أمكنتها وإجراء بعض الاصلاحات عليها.. هى جماعات يقوم فكرها على الإبقاء على أوضاع المواطنين متردية.. وهنا يسهل لها السيطرة عليهم.. جماعات فى تكوينها الهرمى ليست ديمقراطية بطبيعتها.. ولا تؤمن بالديمقراطية ولا الحريات وحقوق الإنسان.. تؤمن بفكرة القائد صاحب الأمر الذى يجب أن يسمع، فيطاع.. علاقتها بالجماهير تقوم دائما على فكرة التعامل مع «القطيع».. يحركونهم كقطع الشطرنج بحسب الحاجة.. لذا فهى دائما وأبدا جماعات على خلاف حاد يصل إلى العداء مع الحركات الثورية التى تؤمن بالبشر.. لكنها فى ذات الوقت – أقصد الجماعات السرية – تجيد القفز على تلك الثورات عندما تلوح فى الأفق بوادر انتصارها.. ليبدأ انتقامها مع أولئك الذين يملكون أفكارهم ويقدرون حقوق الإنسان.. فيصبح العداء سافرا.. بتشويه صورهم وإلقاء الاتهامات عليهم.. والاتهام الأشهر الذى بدأ منذ الثورة الإنجليزية فى القرن السابع عشر.. وحتى الثورات العربية الأخيرة، هو اتهام أنهم من «الفلول»!!
 
 
اعترافات ماسونية.. وتحذيرات وطنية
 
 
تلك الجماعات السرية القديمة.. ومنها «جماعة النورانيين».. استطاعت اختراق صفوف الماسونية الأوروبية.. فكونت داخلها ما يسمى بمحفل الشرق الأكبر.. وبين آلاف الماسونيين الأوروبيين لم يكن أحد يدرى ما يدور فى الخفاء.. حتى تنبهت بعض قياداتهم فى انجلترا لحقيقة ما يحدث.. وهو ما دعاهم إلى توجيه نداءات وتنبيهات لكل الماسونيين فى أوروبا، يحذرونهم فيه من الاتصال أو الارتباط بأى من ماسونى محفل الشرق الكبير..
 
وقد حاول الكاتب «وليم جاى كار» أن يبرهن على حقيقة الدور الذى لعبوه أثناء الثورة الفرنسية.. فقد أورد محاضر نقاشات حول هذا الموضوع فى مجلس النواب الفرنسى عام 1904.. بعد أن تقدم المركيز «روزانب» حول ما إذا كانت حركة الماسونية الحرة هى صانعة الثورة الفرنسية.. قال: «إننا متفقون الآن على أن الماسونية كانت الصانع الوحيد للثورة الفرنسية.. وما أسمعه الآن يبرهن على أن بعض الموجودين الآن يعلمون ذلك مثلى تماما».. فرد عليه أحد النواب –جومل – وهو أحد أعضاء محفل الشرق الكبير قائلا: «نحن لا نعلم ذلك فحسب.. بل إننا نعلنه على الملأ»!!..
 
وفى عام 1923 أثناء حفل عشاء حضره شخصيات سياسية عديدة ومنهم من كانت له علاقات بمنظمة عصبة الأمم.. فى هذا العشاء اقترح رئيس محفل الشرق الأكبر فى فرنسا أن يشربوا نخب الجمهورية الفرنسية وليدة الماسونية الحرة.. ونخب الجمهورية العالمية التى ستولد من الماسونية العالمية.. فى هذه الفترة نجح الصيارفة فى فرنسا فى دفع عملائهم إلى مناصب استشارية حساسة.. وكان أعظم نصر لهم هو وصول مندوبهم السيد «هيريو» إلى موقع النفوذ فى فرنسا عام 1924.. أصبح رئيسا للحكومة.. وهنا صار بإمكان قادة محفل الشرق الأكبر وضع مشروعاتهم وسياساتهم الداخلية موضع التنفيذ خلال عام واحد.. والأحداث التاريخية القادمة تبرهن على أن «جماعة النورانيين» فى محافل الشرق الأكبر سيطرت على سياسة فرنسا تماما.
 
فى يناير عام 1923 أصدرت محافل الشرق الأكبر قرارا بإلغاء السفارة الفرنسية فى الفاتيكان.. ونفذ البرلمان هذا القرار فى اكتوبر 1924.. وفى عام 1932 طالبت تلك «الجماعة» بتطبيق فكرة العلمنة.. التى سرت بعدها بعامين.. 1923 طالبت «الجماعة» بمنح عفو عام عن المساجين والخونة، استفاد منه الزعماء الشيوعيون البارزون مثل «مارتى» الذى تبين فيما بعد أنه كان منظمًا للكتائب المسلحة التى حاربت فى صفوف الشيوعيين فى أسبانيا عام 1936.. وفق مجلس النواب على مشروع العفو هذا عام 1924.. وهكذا أضاعوا على الشعب عقاب مجموعة من المجرمين الذين تحركهم تلك «الجماعة».
 
يقول الكاتب «وليم جاى كار»: حتى لا يتهمنى القارئ بالمبالغة فى تقدير حجم نفوذ تلك الجماعة.. أحيله إلى كتاب «دكتاتورية الماسونية الفرنسية» لمؤلفه «أ.ج.ميتشل».. فهو يثبت فى هذا الكتاب أن قادة «الجماعة» فى محفل الشرق الأكبر فى فرنسا أصدروا قرارا بضرورة السيطرة على عصبة الأمم عام 1924.. وجعلها أداة فى يد الماسونية الحرة فى فرنسا.. وهو ما أكده «تروتسكى» فى كتابه «ستالين» حين قال «الآن يملك ستالين برج بابل جديد فى خدمته.. وأحد المراكز الرئيسية فى هذا البرج جنيف مهد المؤامرات».. حيث مقر عصبة الأمم.
 
وشأن أى جماعة سرية بغض النظر عن أيديولوجيتها.. يسارية أو إسلامية.. فـ»الجماعة» تعتبر أنه من الضرورى القضاء على كل أشكال الحكم الدستورية.. جمهورية أو ملكية.. فإقامة الديكتاتوريات فور سنوح الفرصة هدف أسمى بمجرد أن تلوح أى فرصة لاغتصاب السلطة.. وقد كشف ضباط المخابرات الأمريكية والبريطانية.. الدور الذى لعبه الصيارفة العالميون فى الثورة الروسية.. ألا يشبه هذا ما يحدث الآن؟!
 
 
 
 
 
 
 
 
 
إرهاصات الثورة الأمريكية
 
 
فى الصفحة 98 من وثيقة مجلس الشيوخ الأمريكى رقم 23.. كتب «روبرت.ل.أوين» الرئيس الأسبق للجنة البنوك والنقد فى الكونجرس الأمريكى تقريرا عن مقابلة جرت بين شركاء «روتشيلد» و«بنجامين فرانكلين» ممثلا عن رواد إنشاء المستعمرات الأمريكية.. يذكر التقرير أن السؤال الأهم لفرانكلين كان عن سبب ازدهار الحياة الاقتصادية فى المستعمرات الأمريكية.. فأجاب «فرانكلين» نصا: «إن الأمر بسيط.. نحن نصدر عملتنا بأنفسنا.. ونسميها الأوراق المالية.. وحين نصدرها نفعل ذلك بما يتناسب مع حاجات الصناعة والتجارة لدينا».. وتلك كانت البداية.. فقد أدرك «آل روتشلد» أن الفرصة الكبرى الآن صارت سانحة لجنى أرباح طائلة.. يكفى فقط استصدار قانون بمنع المستعمرات من إصدار عملتها بنفسها.. وإرغامها على الاعتماد على المصارف التى تكلف بذلك.. وكان «روتشيلد» وقتها مازال مقيما فى المانيا.. يمد الحكومة الانجليزية بالمرتزقة، مقابل 8 جنيهات استرلينية عن كل جندى.. لذا فنفوذه كان طاغيا لاستصدار القانون المطلوب بشأن إصدار النقد الأمريكى.. وهكذا أصبحت أوراق النقد الأمريكى السابقة لا قيمة لها.. وأصبح لزاما على سلطات المستعمرات الأمريكية أن تودع فى بنوك انجلترا مبالغ وضمانات، للحصول على المال المطلوب للقيام بالأعمال والأشغال..
 
 
يقول فرانكلين: «أما بنك انجلترا فقد رفض أن يقدم أكثر من 50% من قيمة الأوراق المالية الأمريكية التى عهد بها إليه بموجب القانون الجديد.. وهذا يعنى أن قيمة السيولة النقدية الأمريكية خفضت إلى النصف تماما».. أما السبب المباشر للثورة الأمريكية، كما أورد الباحثون والمؤرخون، فقد كان ضريبة الشاى الشهيرة.. يقول «فرانكلين»: «كانت الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة عن طيب خاطر لتقبل مثل هذه الضريبة ومثيلاتها.. لولا إقدام انجلترا على انتزاع حق إصدار النقد من الولايات المتحدة.. مما خلق حالة من البطالة والاستياء».
 
 
عمت حالة الاستياء من الاختناق الاقتصادى عموم الولايات المتحدة.. وحدثت الصدامات المسلحة الأولى فى 19 ابريل عام 1775.. بين البريطانيين وأهالى المستعمرات فى لكسنجتون وكونكورد.. وتوالت الأحداث بعد ذلك.. ففى العام التالى مباشرة عقد المؤتمر الثانى للكونجرس.. وجرى تعيين «جورج واشنطن» قائدا للقوات البحرية والبرية.. حيث أعلن الكونجرس تبنيه لوثيقة إعلان الاستقلال.. وتلك كانت الشرارة التى أشعلت الصراع الدامى لمدة 7 أعوام متتالية.. نشط الصيارفة العالميون فى تمويل تلك الحرب.. جنت خلالها مجموعة «روتشيلد» أموالا طائلة.. والحقيقة أن الرجل الانجليزى العادى لم يكن يحمل ضغينة للأمريكى، بل على العكس كان يضمر تعاطفا داخليا مع القضية الأمريكية.. وفى 1781 أعلن القائد البريطانى الجنرال «كورنواليس» استسلامه.. واستسلام الجيش البريطانى بأكمله بمن فيه من جنود مرتزقة من الألمان.. وبعدها بعامين أعلن استقلال الولايات المتحدة الأمريكية رسميا فى عام 1783.. وكان الخاسر الأكبر الشعب البريطانى فقد ازداد الدين القومى البريطانى بشكل مذهل.. وكانت تلك الخطوة الأولى للصيارفة لتفكيك الإمبراطورية البريطانية.
 
 
 
بنك أوف أمريكا.. كلمة السر لقيام الثورة!
 
 
 
ولأن التدخل المفرط من جانب الصيارفة العالميين فى شئون الولايات المتحدة.. فقد أورد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة فى محضر اجتماعهم فى فيلادلفيا عام 1781.. وجوب إصدار بعض القوانين التى تكفل لهم الحماية من استغلال أولئك المرابين.. فكانت الفقرة الخامسة من القسم الثامن فى المادة الأولى للدستور: «الكونجرس هو صاحب السلطة فى إصدار النقد وتحديد قيمته».. وهذا أمر لم يدفع اليأس إلى نفوس المرابين.. فقد عين مديرو مصرف انجلترا مندوبا لهم فى أمريكا هو «ألكسندر هاميلتون».. ودارت عجلة الدعاية لتقديم الرجل على أنه زعيم وطنى.. وبهذه الصفة تقدم باقتراح لإنشاء مصرف اتحادى، شرط أن يكون تابعا للقطاع الخاص.. وهذا كان مناقضًا تماما للدعوات بإبقاء حق إصدار النقد والإشراف عليه بيد الحكومة التى ينتخبها الشعب مباشرة.. يقضى اقتراح «هاميلتون» بأن يكون رأسمال المصرف الاتحادى 12 مليون دولار.. على أن يقرض مصرف انجلترا من هذا المبلغ 10 ملايين دولار.. ويسهم بمبلغ المليونين الباقيين أثرياء أمريكا.. ولم يأت عام 1783 إلا وكان «هاميلتون» وشريك له «روبرت موريس» قد أقاما مصرف أمريكا «بنك أوف امريكا».. وكان «موريس» هو المراقب المالى فى الكونجرس الأمريكى.. وهو من أودى بالخزينة الأمريكية إلى حالة عجز بعد 7 سنوات من الحرب.
 
 
فطن قادة الاستقلال الأمريكى إلى خطر تسلط مصرف انجلترا على مصرف أمريكا.. وبالتالى تسلطه على الاقتصاد الأمريكى.. فتدخلوا لدى الكونجرس واستطاعوا حمله على رفض منح مصرف «بنك اوف امريكا» حق إصدار النقد.. لكن الأحداث تسارعت بوفاة «بنجامين فرانكلين» عام 1790.. فقد أسرع الصيارفة بتعيين «هاميلتون» وزيرا للمالية.. الذى استطاع منح «بنك اوف امريكا» حق إصدار النقد المستند إلى قروض عامة وخاصة.. بحجة أن النقد الذى سيصدره الكونجرس سيكون عديم القيمة فى الخارج.. وهكذا وقعت الولايات المتحدة ضحية لـ»الجماعة».. وعندما أنهى «هاميلتون» مهمته الكبرى.. وصار يعرف أكثر مما ينبغى.. كان لزاما أن يختفى من المشهد.. فافتعلت مبارزة بينه وبين مبارز محترف لقى فيها مصرعه.. وصدرت بعدها تعليمات «الجماعة» بزيادة السيولة فى الأسواق.. والتوسع فى منح القروض والضمانات.. وعندما غرق الأمريكيون فى مستنقع القروض واللهاث وراء المشتروات الاستهلاكية.. صدرت الأوامر مرة أخرى بغلق صنبور الموال.. وضغط مقادير العملة المتداولة فى الأسواق.. وهنا ولدت الأزمة.. ثم الانهيار الاقتصادى.. وذهبت تحذيرات القادة الوطنيين هباء..
 
 
 
 
 
 
 
 
 
روتشيلد تحارب على المكشوف!
 
قال فيها «توماس جيفرسون»: «أنا أؤمن بأن هذه المؤسسات المصرفية أشد خطرا على حريتنا من الجيوش المتأهبة.. فقد خلقت بوجودها ارستقراطية مالية.. أصبحت لديها سلطة تتحدى الحكومة.. ولا سبيل سوى استرجاع امتياز اصدار النقد من تلك المؤسسات وإعادته إلى الشعب صاحب الحق الأول فيه»
 
فما كان من «روتشيلد» إلا أن وجه التحذير التالى: «إما أن توافق الحكومة الأمريكية على طلب تجديد امتياز مصرف أمريكا.. وإلا فإنها ستجد نفسها فجأة متورطة فى حرب مدمرة»!!.. وأعتقد انه ليس أوضح من هذا التحذير الكاشف.
 
فرد عليه «ندرو جاكسون»: «إن أنتم إلا مغارة لصوص ومصاصى دماء.. ولسوف أعمل على تحطيمكم بل أقسم بالله إننى سوف أحطمكم»!!
 
وهنا فقد «روتشيلد» هدوءه قائلا لـ«جماعته»: «علموا أولئك الأمريكيين الوقحين درسا قاسيا.. وليعودوا إلى الاستعمار وما قبل الاستقلال»!!
 
 
 
 
 
 
 
 
 
وبدأت الحكومة البريطانية الحرب عام 1812 بهدف إفقار الخزانة الأمريكية.. وفى عام 1816 جدد الكونجرس الأمريكى امتياز مصرف «بنك اوف امريكا» لإصدار العملة.. واتهم بعض أعضاء الكونجرس بالرشوة والتآمر على الشعب.
 
وفى عام 1857 عقد قرآن ابنة «روتشيلد» على ابن عمها.. فهذه «الجماعة» ترى وجوب إبقاء النسب فى إطارها.. ومن النادر الخروج عن هذا الواجب.. كان الحفل مناسبة اجتمع فيها عدد كبير منهم وقال فيها «بنجامين درزائلى» رئيس الوزراء البريطانى: «لقد اجتمع الآن تحت هذا السقف رؤساء «روتشيلد» الممتدة فى كل عواصم العالم.. وإذا أردتم.. سنقسم الولايات المتحدة إلى شطرين.. نعطى أحدهما إلى جيمس.. والآخر إلى ليونيل.. وسوف يقوم نابليون الثالث (امبراطور فرنسا وقتها) ما أمليه عليه بالضبط»!!
 
ودارت بعدها عجلة «الجماعة» بسرعة.. فاحتل «نابليون الثالث» المكسيك.. وقدمت اموالا طائلة للجنوبيين فى حربهم ضد الشمال.. ودخلت روسيا على الخط فوضعت سفنها الحربية فى الموانىء الشمالية لخدمة «لينكولن».. وبحسب الخبراء العسكريين والمؤرخين.. فإن هذه الحرب كان يمكن لها أن تنتهى فى غضون أشهر قليلة.. لولا خزائن «الجماعة» التى فتحت على مصراعيها للجميع.. وغرقت أمريكا فى الحرب حتى أذنيها.