الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

آثار مصر المسروقة




لم تكن ثورة 25 يناير مجرد رفض لاوضاع اجتماعية بقدر ما فجرت فى نفوس أغلب المصريين شعورا جارفا تجاه كل ما هو مصرى ويمت لها بأى صلة كانت فما بالنا بالآثار المصرية ذلك الكنز الذى تعرض لعمليات سلب ونهب خلال الأحداث التى أعقبت الثورة ليزيد ذلك هما أكثر مما هو موجود فى نفوس المصريين بسبب الاثار المصرية التى خرجت من مصر بطرق أحيانا كانت قانونية وأكثر الوقت كانت غير شرعية وموجودة فى الخارج لدى جهات ودول عديدة.
ما هو مصير هذه الآثار؟ هل مازلنا قادرين على المطالبة بها؟ وما هى فرص عودتها؟ كل هذه الاسئلة وأكثر نحاول الاجابة عنها فى هذا التحقيق.
ربما يكون ما سبق هو الذى دفع الدكتور بسام الشماع المحاضر فى كلية الآثار والذى تسببت آراؤه فى مشاحنات وخلافات بينه وبين المسئولين فى وزارة الآثار للدعوة لاول حملة مليونية شعبية من نوعها فى التاريخ لاستعادة الاثار المصرية الموجودة بالخارج وذلك عن طريق جمع مليون توقيع مصرى لتقديمها لمنظمة اليونسكو لاسترداد اثار مصر المهربة بالخارج.
ومن أشهر الاثار التى طالبت بها مصر من الدول الموجودة فيها ولم تجد استجابة لردها رأس الملكة نفرتيتى وتمثال «حم ايونو» وهو المهندس الذى بنى الهرم الاكبر وهما وموجودان بألمانيا وحجر رشيد الموجود فى بريطانيا ولوحة الزودياك «التقويم» الموجودة فى متحف اللوفر ببارس، كذلك المسلات الموجودة فى أمريكا وميدان الكونكورد بفرنسا خاصة أن دولة مثل إيطاليا لنا أن نتخيل أن بها ما يقرب من 15 مسلة مصرية.
ورغم أن ما تعرضت له الاثار من سرقة ونهب خلال العام الماضى وضعت وزارة الاثار تحت ضغوط كبيرة إلا أننا مازلنا قادرين على اتخاذ خطوات من شأنها تقوية موقف مصر فى المطالبة باستعادة آثارها من الخارج، وآخرها الندوة الدولية التى نظمتها الوزارة بالتعاون مع المجلس الدولى للمتاحف «الايكوم» للاعلان عن قائمة الطوارئ الحمراء للاثار المصرية المعرضة للخطر.
وأكد ممثلو وزارة الاثار فى الندوة ضرورة التنسيق التام مع السفارات المصرية بالخارج بتتبع الاثار المصرية المعروضة بصالات المزادادت وابلاغها المستمر عن وجود اثار غير معلن عنها وطريقة خروج الاثر بطرق مشروعة من عدمه، خاصة أن الكثير منها اما مناصفة حيث كان قانون الاثار المعمول به قبل عام 1983 ينص على حصول البعثة الاثرية على نصف الاثار المتكررة فى الحفائر أو خرج عن طريق الاهداء مثل معبدى دندرة الصغير ودابوت حيث أهدتها الحكومة المصرية لكل من أمريكا وإسبانيا.
 
د.أحمد مصطفى استاذ الاثار المصرية بكلية الاثار جامعة 6 أكتوبر والرئيس السابق لادارة الاثار المستردة بوزارة الاثار أشار إلى أن مصر نجحت خلال العام الماضى رغم الظروف التى تمر بها فى استعادة الكثير من الاثار التى كانت مهربة بالخارج ومنها 122 قطعة اثرية تعود الى عصور فرعونية ويونانية ورومانية كانت قد خرجت من مصر بطرق غير مشروعة، حيث كان هو رئيس الوفد الذى استعادها.
ومن أبرز تلك القطع تمثال نصفى نادر من حجر الجرانيت وتمثال للإلهة ماعت مصنوع من الزجاج يعود لعصر الدولة الحديثة، ومجموعة من تماثيل الاوشابتى من الدولة الحديثة وعصور فرعونية اخرى وتمثال من البرونز للعجل أبيس يرجع لعصر الاسرة السادسة والعشرين، وتمثال اخر من البرونز للإله أوزوريس ورأس صغير من الحجر الجيرى يرجع لعصر الدولة الوسطي، وغطاء لآنية كانوبية يمثل الإله إميسى وهو أحد أبناء حورس ويرجع لعصر الدولة الوسطي، وتمثال من البرونز لافروديت من العصر اليونانى الرومانى.
ويواصل استعادة القطع الاثرية من استراليا تمت من خلال جهود مشتركة بين وزارتى الاثار والخارجية بالتعاون مع السفارة المصرية فى مدينة «كانبرا» باستراليا وشرطة مدينة «ملبورن» التى قامت بضبط هذه القطع الاثرية أثناء مداهمتها لصالة مزادات هناك تدعى: «Mossgreen Auctions» كانت تعرض القطع الاثرية للبيع.
ومن المكسيك استعدنا قطعة اثرية مصرية من عصر الدولة الحديثة كانت موجودة بالمتحف الوطنى للثقافة بالمكسيك وهى عبارة عن لوحة من الحجر الجيرى عليها نقش يمثل رأس أحد الفراعنة كان متحفظ عليها منذ ثلاثة اعوام بالمكسيك بعد أن تم ضبطه مع أحد المسكيكيين حيث تسلمته وزارة الاثار عبر الحقيبة الدبلوماسية لوزارة الخارجية.
كما أن وزارة الاثار والمجلس الأعلى للاثار والسفارة المصرية بلندن بالتنسيق مع المتحف البريطانى هناك نجحوا فى وقف أمريكى يهوى جمع التحف حاول بيع أربع قطع اثرية خاصة بالملك أمنحتب الثالث حجرية منقوشة بالحفر الغائر ومنزوعة من قاعدة تمثال من المعبد الجنائزى للملك امنحتب الثالث بالبر الغربى بالاقصر و19 قطعة اثرية ترجع لعصر الملك توت عنخ آمون كانت موجودة بمتحف المتروبوليتان للفنون بنيويورك الذى قرر اعادتها الى مصر بعد مفاوضات ومباحثات بين الجانبين المصرى والأمريكى وانتهت بتوقيع مذكرة تفاهم لاستعادتها خاصة أنها كانت ضمن الاثار التى عثر عليها داخل مقبرة الملك عنخ آمون واكتشفها هيوارد كارتر عام 1922 بوادى الملوك بالبر الغربى بالاقصر.
 
د.مصطفى أمين الأمين العام للمجلس الأعلى للاثار أوضح أن استعادة الاثار المهربة للخارج تتطلب خطوات جادة وفاعلة، مشيرا إلى إحدى هذه الخطوات والمتمثلة فى مذكرة تفاهم بين مصر وأمريكا يتم بمقتضاها تتبع وملاحقة تجار ومهربى الاثار داخل الحدود الامريكية ومصادرة ما يضبط بحيازة كل من يتم القبض عليه من اثار واتخاذ الاجراءات القانونية لاستعادتها لمصر مرة أخرى.
ويعول البعض على تلك الاتفاقية للحد من محاولات تهريب الاثار من مصر الى أمريكا والتى يشترك فيها أطراف من دول عديدة مثل ثلاثة أشخاص ضبطتهم السلطات الامنية الامريكية متورطين فى الاتجار بالاثار المسروقة ضمن عصابة دولية كبيرة ويحمل الجنسية الاردنية ويعيش بالامارات العربية المتحدة، كانوا على وشك تهريب شحنة اثار من عدة دول منها 10 قطع أثرية من مصر.
 
وفيما يتعلق بالقوانين اشار د.أسامة النحاس مدير عام الاثار المستردة بوزارة الاثار الى أن اتفاقية اليونسكو الموقعة عام 1970 أكدت حق الدول الاعضاء فى استعادة اثارها المسروقة والمهربة بعد هذا التاريخ، أما اية اثار سرقت قبل ذلك فالاتفاقية غير ملزمة بإعادتها وهو ما يعنى فى هذه اللحظة اللجوء للاتفاقيات الثنائية بين الدول وبعضها أو الطرق الدبلوماسية والودية.
وأوضح أن قانون الاثار الحالى وان كان غير ذى صفة وغير ملزم خارج مصر الا أننا يمكننا رفع القضايا على الدول التى تحوز الاثار المصرية أمام القضاء المصرى وإعلام تلك الدول بعد ذلك.
 
وأشار إلى أن مصر ربحت الشهر الماضى قضية فى بروكسل وحكم القضاء هناك لصالحها وأحقيتنا فى استعادة مجموعة قطع اثرية فرعونية تعود لعصور مختلفة وكانت بحوزة أحد المواطنين هناك، فيما توجد قضية أخرى فى برشلونة بإسبانيا مقامة حاليا لاستعادة 8 قطع أثرية مصرية كانت قد سرقت من كوم الخماسين بسقارة.
وعن الخطوات التى تتخذها الادارة لاستعادة الاثار قال النحاس إنهم يقومون حاليا باعداد قاعدة بيانات موثقة للاثار المسروقة خاصة ما بعد الثورة اطلقنا عليها «القائمة الحمراء» وسنقوم بتوزيعها على المنافذ والمطارات.
كما أننا خاطبنا وزارة الخارجية للاستعانة بالملحقين الثقافيين بالخارج ومساعدتنا فى تتبع تلك الاثار فى الدول التى يعملون بها حيث إنهم الاقدر على ذلك بسبب طبيعة عملهم، ونفكر جديا فى التواصل مع الدارسين المصريين بالخارج لتوعيتهم بالاثار وأهميتها ليكونوا على دراية بها وفى حال ظهور أى من المسروقات يبلغونا عن طريق المكاتب الثقافية أو الاتصال بنا مباشرة.
 
القضايا التى ترفعها مصر بالخارج لاسترداد اثارها تكون مكلفة جدا وهو ما أكده د.أحمد مصطفى المسئول السابق عن ملف الاثار المستردة، مشيرا إلى أنه رغم ذلك قد نخسر بعض القضايا مثل 3 قطع اثرية مصرية موجودة فى اسبانيا ورفعنا قضية لاستردادها كلفتنا نحو 25 ألف يورو وخسرناها مما جعلنا نلجأ الى التشديد فى التعامل الاثرى مع الاسبان ووضعهم فيما يشبه القائمة السوداء أى لا بعثات ولا معارض مما جعلهم يلجأون للتفاوض معنا، والقطع فى طريقها للعودة لكن ستستغرق بعض الوقت.
 
ومن القضايا التى حكم فيها لصالح مصر فى لندن هى رأس أمنحتب الثالث وكلفت الدولة 40 ألف جنيه استرلينى ونجحنا فى استعادته بالفعل، كذلك قضية فى بلجيكا حكم فيها القضاء هناك لصالحنا وحقنا فى استعادة 80 قطعة اثرية ضبطتها السلطات هناك بحوزة سيدة مصرية داخل 6 صناديق قالت إنها قامت بتهريبها لصالح ضابط شرطة مصرى متقاعد يعيش بين بلجيكا ولندن وهذه القطع ستعود الى مصر قريبا.
 
ويوضح د.أحمد مصطفى أن قانون الاثار فى السابق كان يعطى الحق للبعثات الاجنبية فى الحصول على نسبة من الآثار التى تستخرجها شريطة ان تكون تلك الاثار مكررة أى توجد منها عدة نماذج الا أنه تم إلغا ذلك بقانون الاثار الصادر عام 1983 خاصة أنه ادى لخروج اثار كثيرة من مصر ويصعب استعادتها.
 
واشار الى أن عالم الاثار الألمانى «بورخارت» يعد اشهر مهرب للاثار لانه استخدم الغش والتدليس فى تهريب رأس نفرتيتى بعد عثوره عليه ضمن اثار كثيرة أخرى، حيث قام بوضع طبقات من الطمى عليها من الخارج لتبدو وكأنها ليست قيمة ويسهل خروجها خاصة أن القانون حينها ومازال يمنع خروج القطع النادرة مثل رأس نفرتيتي.
المصريون.. متهمون!
 
د.محمد عبدالمقصود نائب رئيس قطاع الاثار المصرية بوزارة الاثار كان له رأى صادم، حيث قال إن المصريين أنفسهم لهم دور كبير فى تهريب الاثار للخارج بدليل أن عددهم أكبر من الاجانب فى مثل هذه القضايا، وأشار الى أن مصر من كثرة وحجم تهريب الاثار فيها يطلقون عليها فى الخارج دولة مصدرة للاثار فى حين أنها دولة مسروقة ومنهوبة.
وأكد أن تهريب الاثار لا يرتبط بشخص ما فلا نستطيع القول إن عهد الرئيس مبارك كان الاكثر تهريبا للاثار لأن ذلك يرتبط بصورة أكبر بالقصور فى اداء القائمين على العمل الاثرى بما يؤدى لتهريب الاثار أكثر من الحفاظ عليها.
 
وأضاف: هل لنا أن نتخيل وجود عدد كبير من المواقع الاثرية لم يصدر لها حتى الآن قرارات ضم أو اخضاع للاثار، وبالتالى من السهل سرقتها وتهريبها للخارج لانها غير مسجلة وحتى اذا اثير الموضوع قانونيا، قد لا يحصل الفاعل على أى عقوبات لان الموقع فى النهاية ليس خاضعا للاثار.
ولذلك قررت اللجنة الدائمة للاثار المصرية فى اجتماعها الاخير اعطاء مهلة 3 شهور لمديرى المناطق والمواقع الاثرية للاخضاع والضم طبقا للقانون واذا لم يحدث ذلك يتحمل مدير المنطقة المسئولية.
حسن رسمى رئيس الادارة المركزية للوحدات والمنافذ الاثرية بوزارة الاثار أوضح أن مهربى الاثار يبحثون دائما عن طرق جديدة للتهريب ويتفننون فى ذلك وخلال العشرين عاما الماضية حدث تطور رهيب وكبير فى عمليات التهريب، مشيرا إلى أن إحدى وسائل التهريب تكون من خلال وضع طبقة شمعية على التمثال وأخرى من الجبس ثم يصبون عليه تمثالا مزيفا ليبدو وكأنه قطعة مقلدة.
 
كما أن البعض يستغل كونتيرات نقل البضائع فى الموانئ لتهريب الاثار ومن أكبر عمليات التهريب التى احبطناها كانت فى ميناء السخنة بالسويس حيث ضبطنا 4 كونتينرات كبيرة وكانت معدة للتهريب الى الخليج بها محتويات قصور ملكية عثمانية.
وأشار إلى أن الحقائب الدبلوماسية واحدة من وسائل التهريب المحتملة بصورة قوية كونها لا يمكننا تفتيشها لانها لا تعرض علينا اساسا ومحتمل جدا أن تهرب فيها اثار، لافتا أن اسبانيا والخليج اكثر الدول التى يتم ضبط شحنات مصدرة إليها وتهرب بداخلها الاثار.

لوحة المكسيك

قطعة عائدة من المتروبوليتان

آثار كانت  معدة للتهريب إلي الخارج