الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مصطلح «العدالة النسبية» يثير غضب القضاة

مصطلح «العدالة النسبية» يثير غضب القضاة
مصطلح «العدالة النسبية» يثير غضب القضاة




العدالة النسبية مصطلح قضائى ظهر لأول مرة فى تاريخ القضاء المصرى منذ عدة أيام وأثار حفيظة غالبية القضاة وأدى إلى الكثير من الجدل بينهم كبار وشباب.
المصطلح الذى جعل قضاة مجلس الدولة يقفون أمامه ويرفضون ذكره فى توصيات مؤتمر مجلس الدولة قبل عدة أيام والذى كان عنوانه «دور القضاء الادارى فى ارساء دولة القانون فى مصر ودول الاتحاد الأوروبى».
هذا المصطلح «العدالة النسبية» ذكر فى الجلسة الثانية فى المؤتمر وحملت هذه الجلسة عنوان «دولة القانون والمساواة فى المعاملة بين الاحزاب السياسية»، ترأس هذه الجلسة المستشار عبدالفتاح أبوالليل نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس الدائرة الاولى فحص بالمحكمة الادارية العليا وتحدث فيها المستشار مصطفى حنفى نائب رئيس مجلس الدولة وممثل الاتحاد الاوروبى فريدرك ديو المستشار بمجلس الدولة الفرنسى.
الجلسة بدأت بمناقشة أحد الاحكام النهائية الصادرة من المحكمة الادارية العليا بمجلس الدولة حمل عنوان «المساواة فى المعاملة بين الاحزاب الحكم حصل على رقم 14400 لسنة 55 قضائية عليا وجاء بعد دعوى قضائية أقيمت أمام محكمة القضاء الادارى من حزب مصر العربى الاشتراكى طالب فيها بإصدار حكم قضائى بإلزام رئيس اتحاد الاذاعة والتليفزيون بتخصيص جانب من وقت الارسال فى الاذاعة والتليفزيون بصفة منتظمة للحزب لعرض اتجاهاته الفكرية الرئيسية على الرأى العام وقت الانتخابات.
وحكمت محكمة القضاء الادارى برفض الدعوى وجاء أسباب الحكم أن الحزب لم يقدم آراء ودراسات وحلولا للقضايا العامة المطروحة فى المجتمع لم يعرضها الاعلام المرئى والمسموع.
وطعن الحزب على الحكم أمام المحكمة الادارية العليا التى أصدرت حكما قضائيا نهائيا بإلغاء حكم محكمة القضاء الادارى وألزمت اتحاد الاذاعة والتليفزيون للاحزاب السياسية فى ميقات زمن مواكب للانتخابات بإتاحة شرح برامجها للشعب وللدعاية الانتخابية وذلك طبقا للمادة الثانية من قانون اتحاد الاذاعة والتليفزيون رقم 13 لسنة 1979 وقانون الاحزاب السياسية.
وبعد عرض الحكم تحدث المستشار مصطفى حنفى نائب رئيس مجلس الدولة مؤكدا أن المعاملة فى الحقوق والواجبات بين الاحزاب السياسية لابد أن تكون متساوية فى المساحة الاعلانية للظهور فى التليفزيون فلابد أن تكون المساحة الزمنية لظهور الاحزاب حسب حجم كل حزب وقوته فى الشارع المصرى وحصوله على مقاعد مجلس الشعب فى الدورات السابقة وهنا لابد أن نطبق العدالة النسبية فى مساحة الوقت المحدد لكل حزب فى الاعلام.
وهنا اعترض بعض القضاة الحاضرين فى المؤتمر على ما يسمى بالعدالة النسبية مؤكدين لابد من المساواة بين جميع الاحزاب، وتحدث فريدرك ديو ممثل الاتحاد الاوروبى المستشار بمجلس الدولة الفرنسى، مؤكدا فى فرنسا تقوم الدولة بدعم الاحزاب ماليا وتراقب كيف سرقت هذه الاموال، وأن الاعلام الفرنسى مجبر أن يساوى فى وقت المساحة الاعلانية للاحزاب سواء كان هذا الاعلام خاصا أو حكوميا وأن الحزب الصغير تحاول الدولة أن تدعمه حتى يكبر.
تحدث الكثير من المستشارين الحاضرين فى المؤتمر وانتهت الآراء إلى أننا فى مصر فى حاجة الى اصدار قانون يحدد مثل هذه المسائل، وفى نهاية المؤتمر وأثناء قراءة التوصيات طالبت إحدى التوصيات بالعدالة النسبية للمساحة الاعلانية فى وسائل الاعلام للاحزاب وقت الانتخابات.
رفض معظم الحاضرين هذه التوصية وطالبوا بتغيير العدالة النسبية الى العدالة المطلقة ومع اصرار البعض على كتابة العدالة المطلقة، أكد المستشار منير عبدالقدوس نائب رئيس مجلس الدولة وعضو الدائرة الاولى بالمحكمة الادارية العليا مطالبا بشطب هذه التوصية من التوصيات لانه لايجوز التحدث فى مثل هذه الأمور فى مؤتمر يتكلم عن العدالة والاحكام وأن المناقشات فى الاحكام تكون داخل المداولات داخل المحكمة وان العدالة عدالة ولهذا لابد من رفع هذه التوصية وتمت الموافقة على رفع هذه التوصية.
والسؤال الآن هل فى القضاء المصرى ما يعرف بالعدالة النسبية أم هو مصطلح جديد يرفضه البعض ويؤيده البعض؟
المستشار أحمد الخطيب رئيس محكمة استئناف القاهرة قال لنا: القانون والقضاء لايعترفان بذلك المصطلح الدخيل المسمى بالعدالة النسبية فالقاضى لايقوم بتجزئة العدالة أو الحكم بالتراضى بين جميع الاطراف.
وانما تصدر أحكامه استنادا على عقيدته وقناعته النابعة من واقع الاوراق والمستندات وشهود النفى والاثبات وما تحتويه من أدلة وبراهين بعيدا عن أى مواءمات أخرى.
وأكد المستشار الخطيب هناك مجالات أخرى يمكن قبول ذلك المصطلح فيها شريطة أن تكون بعيدا عن عمل القاضى فالمساواة بين الرجل والمرأة مساواة نسبية وليست على الاطلاق فهى لا تؤدى الخدمة العسكرية مراعاة لظروفها الجسمانية وطبيعتها الخاصة والرجل يختلف عنها فى هذه الجزئية وهذا الامر مستقر عليه فى أحكام الشريعة الاسلامية ذاتها فقواعد الميراث تختلف بالنسبة للرجل بالمقارنة للمرأة فى حدود طبيعة التزامات كل منهما اتجاه الاسرة والمجتمع.
وأضاف المستشار الخطيب التشريعات الحالية لم تأخذ بالمساواة على اطلاقها ايضا مثل اجازة الوضع تحصل عليها المرأة ولا يحصل عليها الرجل.
فمن الصعب تحقيق المساواة المطلقة فى الوظائف العامة فهناك مساواة نسبية بين من تتوافر فيهم شروط خاصة تؤهلهم لتتولى أعباء مهام تلك الوظائف مثل اللياقة والصحة البدنية اللازمة للقبول فى الكليات العسكرية فلا يمكن أن يتولى قيادة طائرة أو حفظ الأمن من هو غير لائق صحيا خاصة فى ظل تطور مستوى الجريمة ومعدلاتها فضلا عن أن المساواة بين جميع الطلاب تقضى توفير جميع المقومات الاساسية للتعليم ولكن لا تعنى أبدا عن إهدار الكفاءات الخاصة للمتفوقين فى الالتحاق بالجامعات من خلال مكاتب التنسيق التى تمنح الاولوية للطلبة المتفوقين للالتحاق بكليات القمة.
وكل هذه الاعتبارات السابقة مقبولة قانونا وعقلا ولكن لا يمكن تطبيقها امام المحاكم فى اقتصار الحقوق فالمساواة ـ الكلام مازال للمستشار الخطيب ـ بين جميع الخصوم تكون فى منحهم فرصة فى الدفاع عن أنفسهم وتقديمهم للمستندات والمعاملة بالمثل بينهم، ولكن لا يمكن اصدار أحكام لصالحهم جميعا فالخصوم تقوم على تعارض المصالح وتضاربها والعدالة لا تحتمل سوى حكم واحد لمصلحة أحد الخصوم، والقانون كفل المساواة بين جميع المرشحين فى وسائل الاعلام وهنا يتعين ـ والكلام مازال المستشار الخطيب ـ توضيح وسائل الاعلام الحكومية المملوكة للدولة فقط باعتبارها ملكا للشعب ولايجوز محاباة طرف على حساب طرف آخر بحجة أنه ضعيف وعليها أن تقوى نفسها بنفسها بعيدا عن امكانيات الدولة لأن القول بغير ذلك يجعل الدولة تحابى حزبا دون غيره.
أما وسائل الاعلام الخاصة فهى حرة كيفما تشاء مع الاحزاب فلها أن تمنح كم الوقت لشخص أو حزب أو تحرم الآخر باعتباره إعلاما خاصا منحه الدستور حرية التصرف فيه واستغلاله طالما لم يرتكب جريمة، فمن حق كل وسيلة إعلامية خاصة أن تتبنى الدفاع عن مصالحها الفكرية والسياسية والاقتصادية ولا يمكن اجبارها على المساواة بين جميع المرشحين والاحزاب.
المستشار سامى زين الدين رئيس محكمة استئناف القاهرة قال لنا عن العدالة النسبية: كلمة العدالة النسبية كلمة غير موفقة فالعدالة عدالة والعدالة عمرها ما كانت نسبة فالعدالة مطلقة، فلو جاءنا وقسمنا عيش وأعطيت الشخص البالغ رغيفين والطفل نصف رغيف هذه عدالة مطلقة وليست نسبية والعدالة فى الاحكام مطلقة فى كل الاحكام ولا يمكن أن نقول إن القاضى عندما يحكم على شخص متهم فى جنحة ستة أشهر وأخرى يحكم عليه بثلاث سنوات نقول إن هذه هى العدالة النسبية بل هى عدالة مطلقة فأنا كقاض لا يمكن أن أساوى بين من ضرب شخص بخشبة ومن ضرب بمطواة أو شخص فى خناقة أصاب شخصا آخر وهذا أول حادث له لا يمكن أن أساويه بين شخص اعتاد الخناقات وله سوابق وجرائم مماثلة أخرى، فالحكم لابد أن يتناسب مع الجريمة وهذه هى العدالة المطلقة وهذا فلسفة التشريع والقوانين التى أعطت للقاضى سلطة تقديرية فى الاحكام فجميع القضاة يحاولون الوصول الى العدالة المطلقة وهذه قمة العدالة ولابد أن نؤكد أن الكل أمام القانون والدستور متساو لا يمكن أن نفضل شخصا على آخر ونقول عدالة نسبية فالعدالة عدالة والعدالة مطلقة.
المستشار عادل فرغلى رئيس محاكم القضاء الادارى السابق قال لنا عمرى ما سمعت عن العدالة النسبية فالعدالة عدالة والعدل هو الخط المستقيم والعدل يطبقه القضاء طبقا للقوانين والدستور التى نصت على العدل والمساواة بين الناس، فمنذ وقت طويل كان حزب الوفد حزبا كبيرا لديه القدرة على التواصل بين الناس والمجتمع كله وكان الكثيرون من المصريين يطلقون على أنفسهم بأنهم وفديون والآن جميع الاحزاب أصبحت مختلفة عن زمان وأصبح حزب الوفد يقول إن الاخوان نجحوا فى الحصول على مقاعد كثيرة فى مجلس الشعب فى عصر مبارك بتوزيع السكر والزيت على الناخبين فى المقابل لم نجد حزب الوفد يتقدم ببرنامج لمكافحة الفقر والدعوة للكفاح والعمل فنحن الآن ـ الكلام مازال للمستشار فرغلى ـ لانجد حزب كبير له جمهوره الذى يقول عليه «حزبا كبيرا» يستحق الحصول على مميزات وحتى لو وجد هذا الحزب الآن فلا يمكن أن نميزه عن باقى الاحزاب فالعدالة يجب أن تكون واحدة بين الاحزاب حتى لو كان الحزب له تأثير.
ويؤكد المستشار فرغلى القضاء الادارى لا يعرف العدالة النسبية وإنما يعرف الاحكام النسبية بمعنى أن ما تصدر محاكم القضاء الادارى هى أحكام نسبة كل مواطن فعندما يقيم أحد المواطنين دعوى قضائية أمام المحكمة وتقدم أوراق ومستندات المحكمة تحكم له فى ضوء هذه الادوات والسندات وهو حكم نسبى تختلف عن حكم قد تصدره المحكمة لمواطن آخر أقام دعوى شبيهة لنفس دعوى سابقة فتصدر المحكمة له حكما مختلفا ويظهر هذا فى أحكام رصيد الاجازات فبعض الوظائف طبيعتها تمنح العاملين فيها الحصول على جميع اجازاته مثل رجال الشرطة هنا عندما يحكم القاضى يعطى له القاضى جميع اجازاته بمقابل نقدى هذا يختلف عن موظف عادى أن يحصل على اجازاته فى أى وقت ويكون قد حصل عليها، وبالتالى لا يمكن فى النهاية أن تكون لدينا عدالة نسبية وانما نقول لدينا أحكام نسبية.
أما أحمد عبدالمطلب المحامى بالنقض فقال لنا: لايوجد فى القانون أو الدستور المصرى ما يسمى بالعدالة النسبية لان جميع الدساتير المصرية المتعاقبة ساوت بين جميع المواطنين فلا يوجد فرق بين مواطن وآخر بسبب الجنس والدين أو اللون وبالتالى ليس هناك فرق بين حزب كبير وحزب صغير، لأن العدالة هى العدالة ولابد أن تكون مطلقة حتى لايحدث ظلم فى المجتمع وأكد عبدالمطلب ان مصطلح العدالة النسبية مصطلح غريب لاول مرة يقال على منصة القضاء ولو كان هناك عدالة نسبية إذن سيكون هناك أحكام قضائية نسبية خاصة بالاحزاب الكبيرة والاقتصاديين الكبار وكبار الوظائف فى الدولة وهى احكام مختلفة عن الاحكام التى تصدر للمواطن الفقير والضعيف، وإذا كانت محكمة الجنايات تحكم فى إيصالات الامانة أو الجناية بأحكام مختلفة حسب كل قضية هذه ليست عدالة نسبية إنما هى سلطة تقديرية للقاضى فبالتأكيد الشخص الذى يوقع على إيصال أمانة بمائة جنيه عقوبته أخف من الذى يوقع على إيصال أمانة بمائة ألف جنيه.
أما نصر الدين حامد المحامى بالاستئناف فقال لنا: أنا مع كلمة العدالة النسبية لان كلمة نسبية تعنى أنه لايوجد أحد على الارض يعلم الحقيقة المطلقة وهذه حقيقة لأن العدالة المطلقة لله وحده فالقاضى عندما يحكم فى أى قضية يحكم من خلال تحريات المباحث وتحقيقات النيابة والمستندات والحقائق المقدمة إليه وهذه الاحكام لا يمكن أن تكون عدالة مطلقة لان العدالة المطلقة لله وحده لهذا فأنا أرى أن كل الاحكام التى يصدرها القضاة هى نسبية وبالتالى فالعدالة نسبية ويقول حامد إن أى قاض يحكم من خلال مبدأ فى الاول مبدأ القانون مهمة القاضى أو مبدأ الحكم عنوان الحقيقة، فبالنسبة للمبدأ الاول القانون مهمة القاضى بمعنى أن النيابة ممكن ان تقدم أوراق القضية للقاضى وتكيفها على أنها جنحة سب وقذف بينما يرى القاضى أن هذه القضية لا ترقى الى مستوى السب والقذف وهنا يمكن للقاضى أن يصدر حكم ببراءة المتهم أو يحكم على أنه تسبب فى ضرر فقط وهذا القاضى يحكم كيفما يشاء لانه يطبق القانون.
أما بالنسبة للمبدأ الثانى الحكم عنوان الحقيقة فيظهر هذا المبدأ فى قضية الرئيس السابق محمد حسنى مبارك الذى حصل على حكم ضده فى أول درجة بأقصى عقوبة القتل السلبى فى قانون العقوبات وهى السجن 25 عاما ولانه قتل سببا بمعنى أنه امتنع كرئيس عن إنقاذ المتظاهرين فى القتل ولهذا طبق القاضى مبدأ القانون مهمة القاضى.
ثم استئناف مبارك هذا الحكم وذهبت القضية الى قاض آخر وحصل مبارك على البراءة لان القاضى هنا حكم بمبدأ الحكم عنوان الحقيقة بمعنى أن القاضى اعتمد فى حكمه على الادوات المقدمة إليه فى القضية وهذه الاوراق قدمت ناقصة فالجميع قصر فى تقديمها بما فيهم محامو المتظاهرين ومصابو الثورة وأسر الشهداء ولهذا حصل مبارك على البراءة وهنا يمكن أن نقول إن العدالة نسبية.
وقال حامد إذا كان البعض رأى أن الحزب الكبير يحصل على أوقات أكثر من التليفزيون فى أوقات الانتخابات من الحزب الصغير هنا نقول إن العدالة نسبية وتتناسب وطبق القاضى هنا مبدأ القانون مهمة القاضى ويمكن للقاضى أن يحكم بالتساوى بين جميع الاحزاب فى الحصول على وقت فى التليفزيون وهنا طبق القاضى مبدأ الحكم عنوان الحقيقة ورأى أن الجميع أمام القانون متساون والدستور لم يفرق بين أحد وأن الحزب الصغير لابد أن يحصل على وقت مساو لما أخذه الحزب الكبير بل أكثر منه حتى يثبت نفسه ووجوده ووجوده ويكبر خاصة أن لجنة شئون الاحزاب لم توافق على تأسيس أى حزب متشابه لحزب موجود على الساحة وهذا يعنى أن الحزب الصغير لديه أفكار جديدة عن الحزب القائم الكبير.