السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«الأمن العربى» فى مرمى نيران الترسانة النووية لـ«إيران» و«إسرائيل»

«الأمن العربى» فى مرمى نيران الترسانة النووية لـ«إيران» و«إسرائيل»
«الأمن العربى» فى مرمى نيران الترسانة النووية لـ«إيران» و«إسرائيل»




عرض ـ خالد عبد الخالق

يواجه الوطن العربى تحديات كبيرة ومتعددة ، شكلت فى مجملها تهديدا لأمنه القومى؛ وتبرز قضية انتشار الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى، كأحد ابرز التحديات التى تواجه أمن الوطن العربي. لقد شكلت قضايا نزع أسلحة الدمار الشامل جل اهتمام الدول العربية وشاغله الأكبر منذ سبعينيات القرن الماضى وعلى الرغم من تبنى العديد من الدول العربية لمبادرات ترمى إلى إخلاء منطقة الشرق الأوسط من جميع أسلحة الدمار الشامل إلا انه حتى الآن لم ترتق تلك المبادرات والدعوات إلى المستوى المطلوب، وعلى الرغم من انه كان يحزونا الأمل نحن الدول العربية بعد تبنى مؤتمر الأطراف فى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية والتى عقدت فى نيويورك «3-28/5/2010» بتوافق الآراء الوثيقة الختامية الصادرة عنه والتى اعتمدت فى الجزء الخاص بالشرق الأوسط، الخطوات العملية لتنفيذ «قرار الشرق الأوسط لعام 1995» من خلال عقد مؤتمر فى عام 2012 بشأن إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وجميع أسلحة الدمار الشامل الأخرى فى الشرق الأوسط؛ إلا انه وللأسف لم يحدث اى تقدم يذكر.


بل ظلت تلك المبادرات والقرارات الدولية أسيرة التوازنات الدولية ولم  تر نتائج المؤتمر النور خاصة فى منطقتنا العربية وظلت ولا تزال دولًا تمارس نشاطها واستفزازها للعالم اجمع وكأنها فوق القانون أو هو الواقع الذى كشفت عنه الممارسات العملية، ولعل خير دليل على ذلك أنه على الرغم من إعلان دول المنطقة المشاركة التحضير فى مؤتمر 2012 الذى دعت له الوثيقة الختامية لمؤتمر المعاهدة 2010 ، إلا أن المماطلة والتسويف والتعنت من جانب إسرائيل هو الذى عرقل عقد الاجتماع فى موعده المحدد ، بل يمكن القول انه تم وأده ، ومما يؤسف له أن الدول الراعية والمتبنية لقرار الشرق الأوسط المشار إليه، لم تقم بالدور المنوط بها بل إنه بتخاذلها وتراجعها وعدم ضغطها على إسرائيل تعد بذلك شريكة لها وداعمة فى قرارها المخالف للاتفاقيات والقرارات الدولية.
لقد انحازت الأطراف المنظمة لوجهة النظر الإسرائيلية التى تهدف إلى تفريغ المسار من مضمونه وتحويله إلى منتدى لمناقشة القضايا الأمنية الإقليمية من وجهة النظر الإسرائيلية. إننا اليوم مطالبين بأن نؤكد ضرورة الالتزام بالقرارات الدولية ذات الصلة باعتبارها المرجعية الأساسية عند الحديث عن إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى.
كانت الجهود الدولية والعربية لإخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل جوهر الأمن القومى العربى ولقد كان موضوع انتشار الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى ووسائل حملها إلى أهدافها يمثّل جانبًا مهمًا من التباحث حول مسألة الأمن فى منطقة الشرق الأوسط منذ سبعينيات القرن الماضي. فمنذ ظهور فكرة «المناطق الخالية من الأسلحة النووية»، فى الأمم المتحدة عام 1956، توالت المشروعات الخاصة بإقامتها ليصل عددها إلى ما يزيد على 25 مشروعًا، تشمل أقاليم العالم جميع تقريبًا. إلا أن عدد التجارب الناجحة التى كتب لها النجاح كان محدودًا ، وبينما نجح التقدم عمليًا فى اتجاه إنشاء مناطق خالية من الأسلحة النووية فى خمس حالات، هى أمريكا اللاتينية، والبحر الكاريبى «معاهدة تلاتيلولكو، عام 1967»؛ ومنطقة جنوب المحيط الهادى «معاهدة راراتونجا، عام 1985»؛ ومنطقة جنوب شرق آسيا «معاهدة بانكوك، عام 1995»، وقارة إفريقيا «معاهدة بليندايا، عام 1996»؛ ومنطقة وسط آسيا «معاهدة ألماتا، عام 1997»؛ واجهت العملية أقاليم العالم الأخرى، «كمنطقة الشرق الاوسط» وغيرها مشكلات مختلفة.
ففى عام 1975، قُدمت للجمعية العامة للأمم المتحدة دراسة شاملة للمناطق الخالية من الأسلحة النووية، من كل جوانبها. واهتمت تلك الدراسة بصفة خاصة بمنطقة الشرق الأوسط، بوصفها من أكثر مناطق العالم توتراً، لضبط تسلحها النووي، بفعل القناعة السائدة حول إدخال إسرائيل تلك الأسلحة عمليًا إلى مسرح العمليات الإقليمى، على ضوء أن الشكل المحتمل للمنطقة الخالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط لن يكون تقليديًا.
إن نقطة البداية لإنشاء مناطق خالية من الأسلحة النووية يتطلب إقامة ترتيبات أمنية اختيارية بين دول الإقليم، لتحقيق مجموعة من الأهداف، يتمثل أهمها فيما يلي: تقليص التهديد النووى لدول الإقليم، وتسهيل عملية ضبط التسليح على جميع المستويات، بما يدعم أمنها المتبادل، فضلا عن  حماية دول الإقليم من التعرض لمخاطر استخدام الأسلحة النووية، والحصول على ضمانات من الدول النووية بعدم استخدام، أو التهديد باستخدام، الأسلحة النووية ضدها، إضافة إلى تسهيل وتشجيع الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، مع ضبط التداول غير المشروع للمواد النووية.
كما أن هناك أربعة شروط رئيسية مسبقة، تمثل محددات عامة لإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية فى منطقة الشرق الأوسط، يؤدى توافرها إلى تسهيل إقامتها، أولها أن تمثل المنطقة نظامًا استراتيجيًا متمايزًا نسبيًا عن النظم الإستراتيجية المجاورة له؛ فثمة علاقة بين إمكانية تعيين نطاق جغرافى واضح الحدود على أسس استراتيجية، وبين إمكانية إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية، والعكس صحيح، وثانيها غياب الصراعات الإقليمية الرئيسية، أو التوترات السياسية الممتدة بين القوى الإقليمية الكبرى فى المنطقة. فثمة علاقة بين عدم وجود تلك الصراعات، وبين إمكانية إقامة مناطق خالية من الأسلحة النووية، وثالثها وجود توازن نووى نسبى بين الأطراف الرئيسية فى المنطقة، سواء على مستوى الأسلحة النووية، أو القدرات النووية، إلى ذلك أن تلتزم القوى الدولية الكبرى باحترام مركز المنطقة الخالية من الأسلحة النووية، فثمة علاقة بين استعداد القوى الدولية ذات المصالح للالتزام بأهداف إنشاء المنطقة، وبين إمكانية إقامة مناطق خالية من الأسلحة النووية.
وبتطبيق تلك المعاير أو الشروط على منطقتنا العربية أو منطقة الشرق الأوسط يتضح أنها تمثل حالة ذات أبعاد خاصة فهو يشهد مشكلة نووية شديدة التعقيد بفعل تعدد الأطراف ذات العلاقة المباشرة بها واختلاف رؤيتها بشأن عملية إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، فإسرائيل ترغب فى تجنب طرح الملف النووى الإسرائيلى على أجندة أى اجتماع دولى أو إقليمى، وحتى وان تمت مناقشة تلك الأمور فإنها تضع شروطًا مسبقة وتطلب إدراج موضوعات جديدة تتعلق بقضايا الأمن الإقليمى، وبذلك يحتل مشروع إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط موقعا خاصًا بين جميع الأطر والمقترحات المتصلة بالتعامل مع المشكلة النووية؛ إلا أن بدء تطبيقه عمليا لا يزال محاطا بالعديد من المشكلات وهى الربط  بين القضية النووية وعملية السلام وبقية موضوعات التسليح خاصة الأسلحة الكيماوية والأسلحة التقليدية مع وجود فجوة كبيرة بين مواقف الأطراف الرئيسية المرتبطة بالمسألة النووية.
لقد حظيت منطقة الشرق الأوسط بالعديد من المبادرات الرامية إلى إخلاء المنطقة من جميع أسلحة الدمار الشامل وكانت المبادرات إما صادرة عن أطراف عربية أو غير عربية لكن لم يكتب لاى مبادرة النجاح حتى الآن، ومع استطرادنا لتلك المبادرات يكفى القول إن هناك مبادرة مصر والتى أعلن عنها آنذاك الرئيس حسنى مبارك لعام 1990، ومقررات مؤتمر القمة عام 1990، وإعلان دمشق «مارس 1991». وهناك أيضا المقترحات المصرية التى قدمها وزير الخارجية فى خطاب إلى الأمين العام للأمم المتحدة فى 4 يوليو 1991. وهناك أيضا جهود كبيرة للأمم المتحدة بدأت لأول مرة عام 1974، وكذلك الدور الذى بذله مجلس الأمن، خاصة عقب تدمير إسرائيل للمفاعل العراقى عام1981، حيث أصدر قرارا يدعو إسرائيل لوضع منشآتها النووية تحت إشراف وكالة الطاقة النووية».
ناهيك أن هناك مبادرة الرئيس الامريكى جورج بوش التى قدمها فى مايو 1991 التى دعت دول المنطقة لتطبيق حظر إنتاج وحيازة المواد النووية التى تستخدم فى صنع الأسلحة الذرية، والانضمام لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ووضع جميع المنشآت النووية تحت إشراف الوكالة الدولية. وهناك الدور الذى لعبته الدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن، حيث عقدت اجتماعا على هامش اجتماع باريس يومى 8 و9 يوليو 1991 وأصدرت بيانا أعلنت فيه تأييدها الشديد لجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، وإخضاع دول المنطقة أنشطتها النووية لنظام ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وحظر استيراد وصناعة المواد المستخدمة فى صناعة الأسلحة النووية».كما طالب البيان السياسى لقمة منظمة المؤتمر الإسلامى التى عقدت بداكار فى ديسمبر 1991 إسرائيل بتقديم بيان كامل عن مخزونها من المواد النووية لمجلس الأمن والوكالة الدولية للطاقة الذرية. أما عن الجهود الأوروبية فهناك بيان المجموعة الأوروبية الذى ألقاه رئيس المجموعة بالجمعية العامة فى 4 نوفمبر 1992 وجاء فيه أن الدعوة إلى إقامة منطقة خالية من أسلحة التدمير الشامل فى الشرق الأوسط، تستحق الدعم الكامل من المجتمع الدولى».
فضلا عن تبنى مؤتمر الأطراف فى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لاستعراض المعاهدة عام 2010 «نيويورك، 3-28/5/2010» بتوافق الآراء، الوثيقة الختامية الصادرة عنه، والتى اعتمدت، فى الجزء الخاص بالشرق الأوسط، الخطوات العملية التالية لتنفيذ «قرار الشرق الأوسط لعام 1995»، والتى تمثلت فى أن يدعو الأمين العام للأمم المتحدة ومقدمو قرار عام 1995، بالتشاور مع دول المنطقة، لعقد  مؤتمر فى 2012، تحضره جميع دول الشرق الأوسط، بشأن إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وجميع أسلحة الدمار الشامل الأخرى فى الشرق الأوسط، على أساس ترتيبات تتوصل إليها دول المنطقة بحرية، وبدعم كامل ومشاركة تامة من جانب الدول الحائزة للأسلحة النووية. ويستمد مؤتمر عام 2012 اختصاصاته من قرار عام 1995، وأن يعين الأمين العام للأمم المتحدة ومقدمو مشروع قرار 1995، بالتشاور مع دول المنطقة، مُيسرًا تتمثل ولايته فى دعم تنفيذ قرار عام 1995 عن طريق إجراء مشاورات مع دول المنطقة فى هذا الشأن، والقيام بالأعمال التحضيرية لعقد مؤتمر عام 2012. ويساعد الميّسر أيضًا فى تنفيذ خطوات المتابعة التى اتفقت عليها الدول الإقليمية المشاركة فى مؤتمر عام 2012. وسيقدم الميّسر تقريره  إلى مؤتمر الاستعراض لعام 2015 واجتماعات لجنته التحضيرية.
على أن يسمى الأمين العام للأمم المتحدة ومقدمو مشروع قرار عام 1995، بالتشاور مع دول المنطقة، الحكومة المضيفة للمؤتمر عام 2012، إلى جانب اتخاذ خطوات إضافية تهدف إلى دعم تنفيذ قرار 1995، منها الطلب من الوكالة الدولية  ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية وغيرها من المنظمات الدولية ذات الصلة، إعداد الوثائق الأساسية لمؤتمر عام 2012 بشأن طرائق إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل ووسائل إيصالها، مع  العمل المنجز والخبرة المكتسبة فيما سبق فى الاعتبار، وأن ينظر فى جميع العروض التى تهدف إلى دعم تنفيذ قرار عام 1995، بما فى ذلك العرض المقدم من الاتحاد الأوروبى لاستضافة حلقة دراسية لمتابعة الحلقة التى نظمت فى يوليو 2008.
ورغما من صدور قرار دولى بشأن عقد مؤتمر لإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل يعقد فى 2012 إلا انه لم يعقد المؤتمر حتى الآن وذلك لعدم وجود موقف دولى داعم للطرح العربى أو الموقف العربى ؛ فالأطراف المعنية «الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا» الدول المودعة للمعاهدة والمتبنية قرار الشرق الأوسط تباطأت فى التحرك للتحضير لمؤتمر 2012 ، وتباين موقفها من المؤتمر فالولايات المتحدة وبريطانيا يدعمون الموقف الإسرائيلى ويتبنون موقفا يدعو إلى أن المسألة تتطلب توافقا بين الدول العربية وإسرائيل حول الموضوع وأنهم فقط على استعداد لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه بين دول المنطقة بينما موقف كل من روسيا والأمم المتحدة يرى أهمية الالتزام بنتائج مؤتمر 2010 بشكل عام ويدعو إلى مرونة عربية لجذب إسرائيل لمائدة التفاوض حيث يتفق مع الآخرين انه لا يمكن التحرك بدون موافقة كل أطراف المنطقة .
وفى حين أعلنت إيران رسميا فى شهر نوفمبر 2012 عن مشاركتها فى مؤتمر 2012 استمرت إسرائيل فى موقفها المتمثل بعدم الإعلان رسميا عن رفضها المشاركة وان كانت كل تصريحاتها تعبر عن رفض فكرة المؤتمر والهجوم عليه ، فالموقف الإسرائيلى يرغب فى تجنب طرح الملف النووى الإسرائيلى على أجندة أى اجتماع دولى أو إقليمى لذا فإسرائيل تهدف إلى إعادة التفاوض على كل ما نجح العرب فى تحقيقه خلال مؤتمر 2010 لمراجعة المعاهدة ، والتوصل إلى آلية جديدة تركز على قضايا الأمن الإقليمى التى تهمه مثل التسلح التقليدى والصواريخ قصيرة المدى والتطبيع والعلاقات الدبلوماسية، كما يرفض الموقف الإسرائيلى انعقاد المؤتمر تحت مظلة الأمم المتحدة أو آلية مراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وهو موقف يفرغ الجهود والمطالب العربية من مضمونها .
فيما بذلت الدول العربية والأمانة العامة لجامعة الدول العربية على مدار أربعة عقود جهدا كبيرا للوصول إلى قرار من الجمعية العامة معنون «بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط والذى يمر سنويا فى الجمعية العامة دون تصويت إضافة إلى قرار الشرق الأوسط لعام 1995 والذى تم تبنيه فى مؤتمر مراجعة وتمديد معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية عام 1995 علاوة على تضمين الوثيقة الختامية لمؤتمر مراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لعام 2000 مطالبة إسرائيل بالانضمام للمعاهدة بوصفها الدولة الوحيدة فى الشرق الأوسط التى لم تنضم للمعاهدة. إضافة إلى تضمين الوثيقة الختامية لمؤتمر مراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية عام 2010 جزءا خاصا بالشرق الأوسط يتبنى آلية عملية لتنفيذ قرار 1995 حول الشرق الأوسط تهدف إلى إطلاق مسار تفاوضى بين دول المنطقة حول الموضوع .  والذى يمثل هذا نقطة تحول فى مسألة إنشاء المنطقة الخالية ؛ حيث لم تعد مجرد مبادرة عربية يدعمها المجتمع الدولى بل تحولت إلى التزام دولى يفرض مسئوليات بعينها على أطراف دولية محددة . علاوة على تبنى المبادرة المصرية التى طرحها وزير خارجية مصر أمام اجتماع الجمعية العامة للام المتحدة (سبتمبر2013 )  فى دورتها العادية « 68» لتصبح مبادرة عربية تتضمن ثلاث خطوات عملية: دعوة جميع دولِ الشرقِ الأوسطِ، وكذلك الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن.. لإيداعِ خطاباتٍ رسميةٍ لدى السكرتيرِ العام للأممِ المتحدة، بتأييدِها لإعلانِ الشرقِ الأوسطِ منطقةً خاليةً من أسلحةِ الدمارِ الشامل، النوويةِ والكيميائيةِ والبيولوجية، ثانيا قيام دولَ المنطقةِ غير الموقعةِ أو المُصادِقـةِ على أى من المعاهداتِ الدوليةِ الخاصةِ بأسلحة الدمار الشامل أن تلتزم، قبلَ نهايةِ العامِ الجاري.. بالتوقيـعِ والتصديقِ على المعاهداتِ ذاتِ الصلةِ بشكلٍ متزامن.. وأَنْ تُودِعَ هذه الدولُ ما يؤكدُ قيامَها بذلك لدى مجلسِ الأمن.. وأدعو السكرتيرَ العامَ للأممِ المتحدة، لتنسيقِ اتخاذِ جميع هذهِ الخطوات بشكلٍ متزامن، كشرطٍ أساسى لنجاحِها.. وهوَ ما يَعنى تحديدًا انضمامَ إسرائيلَ إلى معاهدةِ منعِ الانتشارِ النووى كدولةٍ غيرِ نووية.. وتصديقَها على اتفاقية الأسلحةِ الكيميائية.. وتوقيعَها وتصديقَها على اتفاقية الأسلحةِ البيولوجية، تصديقَ سوريا على اتفاقية الأسلحةِ البيولوجية.. واستكمالَ الخطواتِ التى تعهدَت بها بشأنِ اتفاقية الأسلحةِ الكيميائية، زد على ذلك تصديقُ مصرَ على معاهدةِ اتفاقية الأسلحة البيولوجية.. والتوقيعُ والتصديقُ على اتفاقية الأسلحةِ الكيمائية، وذلك مقابل استكمال جميع دول الشرق الأوسط إجراءات الانضمام للمعاهدات الدولية لحظر أسلحة الدمار الشامل والمعاهدات والترتيبات المتصلة بها، وآخرها مواصلةُ الجهودِ الدوليةِ لضمان سرعةِ انعقاد المؤتمر المؤجل عام 2012 لإخلاءِ الشرقِ الأوسطِ من أسلحةِ الدمارِ الشامل ليتم عقده قبل نهاية هذا العام وكحدٍ أقصى فى ربيع عام 2014. ولتحقيق هذا الهدف، فإنه يتعين مضاعفة الجهد من السكرتير العام، والدول الثلاث المودعة لديها معاهدة منع الانتشار والميسر لعقد هذا المؤتمر.
وبينما تم اتخاذ إجراءات عبر السنوات من أهمها وقف انضمام الدول العربية التى لم تنضم بعد إلى المعاهدات والاتفاقيات ذات الصلة بمنع الانتشار وفقا لقرار مجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية. واتخاذ موقف موحد معارض للقضايا ذات الأهمية للمجموعة الغربية فى إطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمطالبة بوقف مشروعات التعاون الفنى القائمة بين الوكالة وإسرائيل لحين انضمامها لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية كدولة غير نووية وإخضاع جميع منشآتها النووية لنظام الضمانات الشاملة التابع للوكالة. كما تم اتخاذ قرار على مستوى وزراء الخارجية العرب بتشكيل لجنة كبار المسئولين من وزارات خارجية الدول العربية للتحضير للمشاركة فى مؤتمر 2012 تعاونت مع ميسر المؤتمر وناقشت معه Non Paper  حددت فيها رؤيتها من ترتيبات عقد المؤتمر . إلا أن تلك الإجراءات التى اتخذتها الدول العربية اتضح عدم جدواها والدليل هو انه حتى كتابة هذه الورقة لم يطرأ أى جديد بشأن تنفيذ الوثيقة الختامية الصادرة عن مؤتمر المراجعة لعام 2010.
على الرغم من نجاح الدول العربية فى الحصول على بعض المكتسبات إلا أنه وجدت بعض الإشكاليات الاستراتيجية العربية خلال الفترة السابقة وهي: قرار الجمعية العامة المعنون « إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط والذى يمر سنويا فى الجمعية العامة دون تصويت إضافة إلى قرار الشرق الأوسط لعام 1995 والذى تم تبنيه فى مؤتمر مراجعة وتمديد معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية عام 1995 علاوة على تضمين الوثيقة الختامية لمؤتمر مراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لعام 2000 مطالبة إسرائيل بالانضمام للمعاهدة بوصفها الدولة الوحيدة فى الشرق الأوسط التى لم تنضم للمعاهدة، وأيضا قرار القدرات النووية الإسرائيلية الذى تم اعتماده فى الدورة العادية 53 للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2009، إلى جانب تضمين الوثيقة الختامية لمؤتمر مراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية عام 2010 جزءا خاصا بالشرق الأوسط يتبنى آلية عملية لتنفيذ قرار 1995 حول الشرق الأوسط تهدف إلى إطلاق مسار تفاوضى بين دول المنطقة حول الموضوع.
ويمثل هذا نقطة تحول فى مسألة إنشاء المنطقة الخالية حيث لم تعد مجرد مبادرة عربية يدعمها المجتمع الدولى وتحولت إلى التزام دولى يفرض مسئوليات بعينها على أطراف دولية محددة. علاوة على تبنى المبادرة المصرية لتصبح مبادرة عربية أعاد الربط بين إخلاء الشرق الأوسط من الأنواع المختلفة لأسلحة الدمار الشامل.
على الرغم من جملة المكتسبات السابقة إلا أن الاستراتجية العربية قد عانت من إشكاليات عديدة وافتقرت إلى مقومات مهمة تمثلت فى عدم التزام الدول العربية بمواقف تدعم الرؤية العربية وتقوى أوراقها التفاوضية،  فقامت لأسباب متنوعة بالتوقيع كل منفردة على هذه الاتفاقيات  دون اشتراط توقيع إسرائيل عليها مما افقدها اغلب أوراقها التفاوضية واضعف موقفها على الساحة الدولية ، فكانت النتيجة أن وقعت جميع الدول العربية على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وصدقت 20 دولة عربية على اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية «CWC» فى حين صدقت 15 دولة عربية على اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية، وبقيت إسرائيل ترفض الانضمام أو التصديق على أى من هذه الصكوك، ملتزمة برؤيتها وإستراتيجيتها التى تضمن تفوقها العسكرى والأمنى أما إيران فقد أودعت الاتفاقيات الثلاث المذكورة فى حين لم تصادق على أى منها، ونظرا لقيام الدول العربية بالتصديق على هذه الصكوك دون مقابل، لم يجد أى طرف فاعل على الساحة الدولية دافعا أو مبررا للضغط على إسرائيل سياسيا بل تم التوسع فى التعاون معها فى مجالات الطاقة النووية.
والمفتقر الثانى هو تكريس الخلل الإقليمى من الناحيتين القانونية والواقعية ، فقد أصبحت الدول العربية كلها ملزمة بتنفيذ تلك الصكوك ومن يخالفها يتعرض للمساءلة والعقاب دوليا ، بينما إسرائيل غير ملزمة بأى من القيود المفروضة على الدول العربية وأصبحت المطالب العربية بإجبار إسرائيل أو الضغط عليها للانضمام إلى هذه المعاهدات مطالب غير واقعية.
وكان الثالث هو عدم ترجمة الاستراتيجية العربية والمبادرة إلى خطوات تكتيكية محددة وجماعية تهدف إلى تحقيق الهدف البعيد المدى بإنشاء المنطقة الخالية، الأمر الذى يفتح الباب أمام قيام بعض الدول العربية منفردة باتخاذ إجراءات لا تخدم الهدف العربى بل تخالف القرارات العربية بحجج مختلفة منها القرار السيادى، المصالح الوطنية، الضغوط الدولية وهى كلها أمور لا يجب أن تتعارض من حيث المبدأ مع قضية ندعى عربيا أنها تمثل امنًا قوميًا إقليميًا ذات أبعاد خطيرة .
والرابع هو موقف الأطراف المنظمة غير متجانس حيث تدعم الولايات المتحدة وبريطانيا الموقف الإسرائيلى ويتبنون موقفا يدعو إلى أن المسألة تتطلب توافقا بين الدول العربية وإسرائيل حول الموضوع وأنهم فقط على استعداد لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه بين دول المنطقة بينما موقف كل من روسيا والأمم المتحدة يرى أهمية الالتزام بنتائج مؤتمر 2010 بشكل عام ويدعو إلى مرونة عربية لجذب إسرائيل لمائدة التفاوض حيث يتفق مع الآخرين انه لا يمكن التحرك بدون موافقة كل أطراف المنطقة.
ليكون المفتقر الخامس والأخير هو أن مسألة إخلاء منطقة الشرق الأوسط من جميع أسلحة الدمار الشامل هى جوهر الأمن القومى العربى إلا انه كان هناك تفاوت فى الاهتمام بهذه المسألة ودرجة أولويتها من دولة عربية إلى أخرى ومن فترة زمنية لأخرى، بل اعتبرها البعض مسألة فنية يتولاها الخبراء فى مجالات نزع السلاح وليست مسألة سياسية و أمنية وبالتالى تأتى فى مرتبة متأخرة على سلم الأولويات .
مما سبق يتضح ان التفاعلات الدولية مع المساعى العربية لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وجميع أسلحة الدمار الشامل كشفت عن تباين كبير بين الدول العربية من جهة والدول الأطراف فى منطقة الشرق الأوسط من جهة أخرى «إسرائيل وإيران» ومن جهة ثالثة القوى الدولية الراعية والضامنة لتنفيذ قرار الشرق الأوسط الصادر عام 2010 . ومن ثم فانه لابد من السعى من أجل الحصول على الضمانات الدولية لجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، ويكون ذلك من خلال التحرك على عدة مستويات:
المستوى الأول هو دعوة الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن للتعهد باحترام أهداف ومقاصد إنشاء المنطقة، والطلب إلى الأطراف المنظمة لعقد مؤتمر إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة لنووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى قبل نهاية 2015 طبقا للتكليف والمرجعيات التى حددها المؤتمر. وأن يعقد المؤتمر تحت رعاية الأمم المتحدة وفى إطارها وبمشاركة جميع الأطراف فى المنطقة «الدول العربية – إسرائيل – إيران». والتأكيد على أهمية خروج مؤتمر 2012 المؤجل بالتزام جميع الأطراف بإنشاء المنطقة الخالية وتبنى برنامج تفصيلى للتفاوض وإطار زمنى للانتهاء لا يتعدى مؤتمر المراجعة لعام 2020. والالتزام بعدم قبول إصدار وثيقة ختامية أو قرارات من المؤتمر حول أى قضية إذا لم تتم الاستجابة للمطالب العربية والتأكيد أن الدول العربية قد حذرت مرارا من عمليات التسويف والمماطلة وأنها لا يمكن أن تقبل التجاوز عن الالتزامات التى سبق الاتفاق عليها فى مؤتمرات المراجعة السابقة لان ذلك يمثل تهديدا لأمنها الإقليمي.
أما الثانى فهو ضرورة القيام بعمل مواز لدعم الجهود السياسية التى تقوم بها الجامعة العربية ممثلة فى التحرك على صعيد منظمات المجتمع المدنى من اجل التوعية بأخطار انتشار أسلحة الدمار الشامل فى المنطقة، كما يتعين على البرلمان العربى القيام بدور مواز للمساعى والجهود التى تقوم بها الجامعة العربية والدول العربية وذلك على صعيد المؤسسات البرلمانية فى الدول الأوروبية وعدد من العواصم العالمية لحشد الدعم والمساندة على الصعيد الشعبى لمساندة العمل الدبلوماسى الرسمى فى هذا الصدد.
فضلا عن أن المستوى الثالث والأخير هو أن تحدد الدول العربية موقفها خاصة قبل اجتماعات اللجنة التحضيرية الثالثة لمؤتمر 2015 وتحديد مواقف قوية فى حال محاولة الأطراف الدولية المعنية التملص من التزاماتها وعدم قبول ضغوط دولية لتفتيت أو إضعاف الموقف العربى الجماعي.
ويرى الدول العربية عندما نجحت فى تضمين الوثيقة الختامية لمؤتمر مراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية عام 2010 جزءا خاصا بالشرق الأوسط يتبنى آلية عملية لتنفيذ قرار 1995 حول الشرق الأوسط سارعت إلى إعلان موقفها من المؤتمر وأكدت الدول العربية على أنها ستشارك بوصفة محفل دولى يفضى إلى إجراءات لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل ؛ إلا أن الدول العربية أغفلت جانبًا على قدر كبير من الأهمية ؛ وهو عدم دراسة تبعات وآثار التحرك العربى نحو إنشاء المنطقة الخالية فى حال نجاحه ، فإذا تم انعقاد المؤتمر والتوصل إلى نتائج تؤدى إلى تقدم نحو الهدف فهل تدرك الدول العربية تأثير ذلك على العلاقات الإقليمية وما يتطلبه إنشاء المنطقة من التزامات ومسئوليات بل وتغير استراتيجى فى العلاقات مع إسرائيل وإيران أم أننا نرغب فى إقامة المنطقة الخالية دون تغيير فى معادلة العلاقات الإقليمية ؟ تمثل هذه المسألة إشكالية تتطلب مصارحة عربية وتفكيرًا عميقًا حيث إن إقامة المنطقة الخالية بمفهوم يتعدى مسألة التوقيع والتصديق على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية يتطلب ضمنا فى مرحلة ما تعاونا إقليميا، مثل التحقق والتفتيش إقليميا وإقامة منظمة إقليمية لتنفيذ المعاهدة.
من الناحية النظرية والعملية يصعب إجراء أى اتفاق حول نزع السلاح بمعزل عن ترتيبات إقليمية للأمن، فما هو المنظور العربى من هذه المسألة آخذين بعين الاعتبار أن إسرائيل تطرح هذه القضايا بوصفها تسبق الحديث عن إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل أو على الأقل مصاحبة لها، ولكن هل تقبل الدول العربية أن يكون موضوع الأمن الإقليمى مرحلة لاحقة لمؤتمر إنشاء المنطقة الخالية من أسلحة الدمار الشامل؟.