الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«المؤسسة» وسطية.. و«الحكم» يلزمه إنكار الشهادة والوحدانية

«المؤسسة» وسطية.. و«الحكم» يلزمه إنكار الشهادة والوحدانية
«المؤسسة» وسطية.. و«الحكم» يلزمه إنكار الشهادة والوحدانية




تحقيق - محمود ضاحى
 

بدأت قصة تكفير الازهر لتنظيم داعش بحديث مفتى نيجيريا الشيخ إبراهيم صالح الحسينى والذى كفر داعش فى كلمته التى ألقاها بمؤتمر المجلس الإسلامى للإغاثة والدعوة  لمواجهة العنف والتطرف، الأمر الذى فتح بابا جدلياً كبيراً للأزهر ليضعه فى خندق جعله يخرج يحرم تكفير داعش الذى قتل وسفك دم الكثير من الأبرياء من الأطفال والشباب خاصة.

ففى اليوم التالى من حديث مفتى نيجيريا وتكفيره لداعش خرج الأزهر الشريف ببيان أشار خلاله إلى أن عبارات مفتى نيجيريا لم ترد صراحة ولا تلميحًا حول تكفيره لداعش، بل كل ما قاله «المبتدعة الذى قاموا بأفعال التطرف قاموا بكل ألوان الفساد، فالمتطرفون و(داعش) بُغاةٌ من حيث ادعائهم الخلافة الإسلامية، وهم محاربون، فقاموا بإشاعة الفساد، وهتك الأعراض، وقتل الأنفس، ثم انتهوا إلى تكفير الأمة فتحقق فيهم الحرابة والبَغى، فهم أشد من بدعة الخوارج، وقتال المسلم كفر، وقد قتلوا المسلمين، فقد حكموا على أنفسهم بالكفر بأفعالهم».
وأوضح الأزهر الشريف أن الشيخ إبراهيم صالح الحسينى مفتى نيجيريا لم يفت بتكفير داعش أو غيرها، وإنما يوضح أن أفعال هؤلاء ليست أفعال أهل الإسلام، بل هى أفعال غير المسلمين، ولم يلزم من هذا حكم بكفرهم.
ولفت الأزهر إلى أن كلاً من علماء الأمة يعلمون يقينا أنهم لا يستطيعون أن يحكموا على مؤمن بالكفر مهما بلغت سيئاته، بل من المقرر فى أصول العقيدة الإسلامية أنه لا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحد ما أدخله فيه، وهو الشهادة بالوحدانية ونبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الذنوب مهما بلغت لا يخرج ارتكابها العبد من الإسلام، مشيراً إلى أن  المؤتمر الدولى للإرهاب الذى عقده الأزهر فى الأساس عقد لمواجهة فكرة تكفير الآخر وإخراجه من الملة، مشيراً إلى أنه لو حكمنا بكفرهم لوقعنا فى فتنة التكفير، وهو ما لا يمكن لمنهج الأزهر الوسطى المعتدل أن يقبله بحال.
لكن على النقيض قبلها أدان شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، «الجرائم البربرية» التى يرتكبها تنظيم «داعش» فى العراق وسوريا، وذلك خلال مؤتمر دولى ينظمه الأزهر لمواجهة التطرف والإرهاب. يقول الدكتور محيى الدين عفيفي، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، إن هناك خلطا فى أذهان الناس بين الجماعات التكفيرية وشروط تكفير أى من الأفراد والتنظيمات، مؤكدا نفى تكفير الأزهر لداعش.
وأشار عفيفى فى تصريحات صحفية إلى أن مذهب أهل السنة يؤكد أن الإيمان أصل والعمل فرع، وعدم وجود العمل لا ينفى الإيمان وهذا ما استند عليه الأزهر فى عدم تكفير داعش.
وأضاف: إنه يغيب عن المواطنين أن قضية الكفر لا يملكها جماعة أو الأزهر أو تنظيم فهى قضية شرعية لا يملكها أحد ولها أسبابها وشروطها ولا يمكن القول بأن الأزهر يعقد مؤتمرا لتكفير داعش أو أى تنظيم آخر.
وقال إنه لو كفر الأزهر داعش لفتح الباب لتكفير الكثير مثلما حدث من قبل الخوارج حينما كفروا الإمام على بن أبى طالب والكثير من المسلمين فى ذلك الوقت، موضحاً أن التكفيريين يعتبرون أن العمل ركن من أركان الإيمان ولذلك يكفرون على أساس العمل ولا يكتفون بالإيمان.
وأكد أن الأزهر لا يعتبر أنصار داعش كفارا طالما يقولون: «لا إله إلا الله محمد رسول الله». وأشار إلى أن التكفير لا يقابل بالتكفير أبدا مثلما حدث فى الفهم الخاطئ للخوارج وتكفيرهم للمسلمين.. مضيفا: «هذا ما فعله الأزهر عندما رفض تكفير داعش».
وفى السياق نفسه أكد وكيل الأزهر، الدكتور عباس شومان، أن الأزهر كمؤسسة رسمية لم يحكم بكفر داعش ولا إسلامهم، ولا يحق له ذلك لا مع داعش ولا مع غيرهم من التنظيمات المسلحة التى تتبنى العنف المسلح.
وأوضح «شومان»، فى تصريحات صحفية أن مفتى نيجيريا الذى كان أحد المشاركين فى مؤتمر الأزهر الأخير، طلب نفى تكفيره تنظيم داعش الإرهابي، خلال كلمته التى ألقاها فى المؤتمر، بعد أن تناقلت بعض وسائل الإعلام هذا عنه، فكان من واجب الأزهر بصفته منظما للمؤتمر أن يظهر رأى أحد مشاركيه كما أراده، مضيفا إن المتابعين لوسائل الإعلام فسروا بيان الأزهر على أنه يدعم داعش، واتهموا الأزهر بأنه يفرق فى أحكام التكفير، كما ادعوا باطلا أن الأزهر كفر بعض الأدباء والمفكرين، وهو ما يعد جهلا منهم بتاريخ الأزهر.
وقال وكيل الأزهر: إن الأزهر كمؤسسة رسمية لم يكفر على مدار تاريخه أحدا من الناس أو جماعة من الجماعات، فالتكفير مسألة تتعلق باعتقاد يجب أن يصدره القاضى بعد التحقيق والتدقيق لمعرفة قصد القائل بقوله أو فعله المنسوب إليه، مع وجوب الحذر من إطلاقه على الناس.
وشدد «شومان» على أن الأزهر لم يحكم بكفر داعش ولا إسلامهم، ولا يحق له ذلك لا مع داعش ولا مع غيرهم من التنظيمات المسلحة التى تتبنى العنف المسلح وسيلة لترويع الآمنين والاعتداء على دمائهم أو أموالهم أو أعراضهم مثل تنظيم بيت المقدس أو الإخوان أو غيرهم، فالحديث عن كفرهم أو إسلامهم، يتعلق بآخرتهم، ونحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر، مشيرا إلى أن كفر هذه التنظيمات الإرهابية من عدمه لا يمنع من استخدام القوة لردعهم وتخليص المجتمعات من شرورهم.
أما شيخ الأزهر، خلال المؤتمر الدولى للإرهاب الذى حضره قادة دينيون من عشرين دولة،قال عن داعش إنها تنظيمات وفصائل مسلحة ترتكب هذه الجرائم البربرية النكراء وتدثرت بدثار هذا الدين الحنيف وأطلقت على نفسها اسم الدولة الإسلامية فى محاولة لتصدير صورة إسلامهم الجديد المغشوش».
وقال: «إننا لا ينبغى أن نغض الطرف عن أفكار الغلو والتطرف التى تسربت إلى عقول بعض من شبابنا ودفعت بهم دفعاً إلى تبنى الفكر التكفيرى واعتناق التفسيرات المتطرفة والعنيفة، مثل تنظيم القاعدة والحركات المسلحة، التى خرجت من عباءتها وتعمل ليل نهار على مهاجمة الأوطان وزعزعة الاستقرار، وقد ظهر مؤخراً على الساحة تنظيم داعش، الذى نادى بالخلافة الإسلامية، وقبله وبعده ميليشيات طائفية أخرى قاتلة، تملك قوة دعائية هائلة، عادت - للأسف - بأسوأ العواقب على الإسلام والمسلمين فى العالم كله».
وأضاف: إن «داعش» ليس الفصيل المسلح الوحيد على الساحة، بل هناك ميليشيات أخرى طائفية تذبح وتهجر قسراً فى العراق وسوريا واليمن، وهناك طوائف مذهبية تحاول جر الأوطان إلى ولاءات إقليمية خارجية باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان»، مضيفاً إن الذى يجمع هؤلاء جميعاً قاسم مشترك وهو «تكفير المسلمين واستحلال دماءهم».
كما أكد أن مفهوم الجهاد عند هذه التنظيمات المسلحة المتطرفة والطائفية قد تم تحريفه، مشيراً إلى أنه «لم يشرع الجهاد فى الإسلام إلا للدفاع عن النفس والدين والوطن»، كما أن إعلان الجهاد «لا يجوز أن يتولاه أحد إلا ولى الأمر، ولا يجوز لأفراد أو جماعات أن تتولّى هذا الأمر بمفردها مهما كانت الأحوال والظروف، وإلا كانت النتيجة دخول المجتمع فى مضطرب الفوضى وهدر الدماء وهتك الأعراض واستحلال الأموال، وهو ما نعانيه اليوم من جراء هذا الفهم الخاطئ المغلوط لهذه الأحكام الشرعية».
الدكتور حسين مجاهد أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر قال إن الأزهر دينه الوسطية ومنهج أهل السنة والجماعة، وكل من استقبل القبة وصلى صلاتنا لكنه فعل المنكرات والموبقات لا يكون مساوياً للكفر.
وأضاف أستاذ الفقه المقارن خلال حديثه لـ«روزاليوسف» إن ديننا قائم على الوسطية لا إفراط وتفريط، وكلمة تكفير داعش أو غيرها كلمة كبيرة جداً ليست سهلاً أن نكفّر أحدا لأننا نريد فتح باب الإيمان وغلق باب التكفير، مشيراً إلى أنه ممكن أن يكون المسلم متطرفا أو سارقا لكن لا يمكن أن نقول عليه كافر.
وأشار إلى أن وسطية الأزهر ضد الجماعات المتطرفة يحاربها بفكره ولا يكفرها،لكن كلمة الكفر كبيرة لا يمكن قولها على أهل السنة ومن يشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، موضحاً أن ما تفعله داعش ليس من الإسلام.
بينما أوضح عمرو عبد المنعم الباحث فى الإسلام السياسى أن الأزهر على مدار سنوات لم يكفر أحدا ولا يحكم على الموحدين بالكفر، ولا يخرج من الإيمان إلا بجحد ما أدخله فيه، مضيفاً إن حال داعش تكفر الممارسة السياسية وتكفر مرسى وجماعته وكفروا مبارك وأعوانه.
وأشار «عبدالمنعم» خلال حدثه لـ«روزاليوسف» إلى أنه لا يمكن أن يتعافى مجتمع أو تتعافى دولة وتتقدم وتبنى وتطور إلا باستنشاق نسيم الحرية وأن يكفل القانون والدستور أمن المواطن وسلامته النفسية والجسدية والروحية والمادية والفكرية طالما كان وظل سلميا أما غلق كل الطرق وغلق الفضاءات أمام المواطن يخلق جوا سياسيا غير صحى من خلاله يصاب الإنسان بالإحباط وفقدان الأمل وامتهان الكرامة ولجم الإرادة والحجر على أفكاره. وأضاف إنه لو مرت فتوى مفتى نيجيريا بسلام دون تعديل الأزهر لكان سيحدث كارثة مشيراً إلى أنه لو كفّر الأزهر داعش سيكفر داعش الأزهر فالفكر لن يواجه إلا بالفكر،ولو تعامل داعش على أساس أن تنظيم داعش كافر سيطبق عليها أحكام الملاحدة والمرتدون واليهود وهذا غير صحيح، موضحاً أن داعش أهل غلو وتطرف وليس أهل كفر. وأشار إلى أن داعش تنظيم متطرف يستنبط من الآيات والأحاديث ما يخدم أغراضه وأهواءه، فيستخدم أحكام الشريعة فى غير محلها،موضحاً أن عقيدة الأزهر وسطية بإيمان أهل السنة والجماعة تنقص بالإيمان وتقل بالمعصية، ومعالجة أهل الغلو والتطرف تكون على قدر غلوهم وتطرفهم ورد الشبهات التى يثيرونها لذلك قامت دار الإفتاء بإنشاء مرصد الفتاوى التكفيرية للرد على التنظيمات المتطرفة.
وقال الباحث فى الإسلام السياسى إن شيخ الأزهر الدكتور احمد الطيب لم يسيس قضية داعش فى تناولها ولكنه عالجها دينياً وليس سياسياً،موضحاً أن هذا الأمر يحسب لشيخ الأزهر، كما كان منذ القدم الخوارج بدأت حربهم سياسية وانتهت دينية، مشيراً إلى أنه على مدار التاريخ وقع المسلمون مواثيق احترام حقوق الإنسان والعقد شريعة المتعاقدين.
الدكتور حامد أبو طالب عميد كلية أصول الدين الأسبق بجامعة الأزهر الشريف وعضو مجمع البحوث الإسلامية قال إن الأزهر الوسطى يبنى دائماً آراءه على العلم وعلى الأصول العلمية وليست على الانفعالية والكراهية، مشيراً إلى أن سبب عدم تكفير داعش يعتمد على الأصول العلمية.  وأضاف «أبوطالب» لكن جرائمهم ومصائبهم لها حكم آخر وهو وجوب محاربته وينطبق عليهم حد الحرابة بأن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف بالرغم من كونهم مسلمين.
وعلى صعيد متصل حذرت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية من عزم بريطانيا ارسال المئات من جنودها إلى العراق لتدريب القوات الحكومية والكردية على مواجهة تنظيم «داعش» واصفة إياه بأنه تهديد قاتل لكل آمال السلام. وذكرت الصحيفة أن الولايات المتحدة ومن ورائها بريطانيا كان حلمهما احياء عصر الامبريالية الغربية دون ثمن يذكر، لكن اكتشفوا انه على الرغم من انه ليس صعبا تدمير دولة ضعيفة فإنه من الاصعب بكثير استبدال دولة أفضل بها.