السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مصداقية أمريكا فى الشرق الأوسط على «المحك».. وسياستها المتبعة «فشنك»

مصداقية أمريكا فى الشرق الأوسط على «المحك».. وسياستها المتبعة «فشنك»
مصداقية أمريكا فى الشرق الأوسط على «المحك».. وسياستها المتبعة «فشنك»




إن احترام القوانين الدولية المتعلقة بالتعذيب أمر منطقى، ولكن من غير المنطقى أن تندرج الولايات المتحدة الأمريكية بلاد العدل والحرية تحت قائمة الدول المنتهكة لحقوق الإنسان، ففى الوقت الذى تطالب فيه الدول العربية بشكل خاص باحترام حقوق الإنسان وتفرض العقوبات السياسية والاقتصادية على من يخل بذلك، تنتهك أشهر مؤسساتها حقوق الإنسان بشكل مبالغ فيه وبطريقة مخزية.
انتقدت صحيفة «الجارديان» البريطانية كثرة الحديث فى كل مناسبة عن القيم الأمريكية التى تم تكريسها فى أذهان العامة والمثقفين وبعض الكتاب على مدى العقود الماضية على أنها تمثل قيما إنسانية عليا يجب أن تحتذى وتكون نموذجا للشعوب والأمم الأخرى، دون النظر إلى ما تفعله الولايات المتحدة نفسها.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن الإعلام الغربى عامة والأمريكى خاصة إضافة إلى مراكز الدراسات لعبوا دورا مهما فى إعطاء القيم الأمريكية صفة التفرد والتميز التى تطغى على سواها من القيم وإعطائها المضمون الشمولى العالمي.
وتساءلت «الجارديان» هل الولايات المتحدة فعلا حارسة ومؤتمنة على الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان فى العالم؟، بينما تنتهك فى مؤسساتها حقوق الإنسان وتمارس أشد أنواع التعذيب.
وطالبت صحيفة «الجارديان» البريطانية فى تقرير لها واشنطن باحترام واجبها تجاه العالم بشكل عام ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص وان تلتزم بالموازنة بين سياستها فى التعامل مع الأمور وبين قيمها التى تعلن عنها وتدعو بقية دول العالم لتحذو حذوها.
وقد أعدت الدكتورة نسيبة يونس، باحثة مشاركة فى مركز مشروع الديمقراطية فى الشرق الأوسط، تقريرا مفصلا لمناقشة صدى الإعلان عن التقرير الصادر من اللجنة المنتخبة المعنية بشئون الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ بشأن أعمال التعذيب وإجراءات التسليم التى اتبعتها وكالة الاستخبارات المركزية «سى آى إيه»، فى ظل إدارة جورج دبليو بوش، وكيفية تعامل وسائل الإعلام الرسمية التابعة للدول العربية مع هذه الانتهاكات.
فبينما تخوف كيرى وغيره من المسئولين فى الإدارة الأمريكية من أن التقرير سيعقد علاقات واشنطن مع دول العالم فى وقت حساس، ويخلق مخاطرة غير مقبولة لمواطنى ومنشآت الولايات المتحدة بالخارج، حيث رفعت البعثات الدبلوماسية الأمريكية فى العديد من البلدان خاصة فى الشرق الأوسط من إجراءاتها الأمنية تحسبا لوقوع هجمات محتملة جراء «الفظائع» التى يحتويها التقرير،  بعد ثلاث سنوات من التحقيق من قبل لجنة من الكونجرس ترأستها السيناتور الديمقراطية دايان فاينشتاين.
وبدأت السلطات الغربية باتخاذ التدابير اللازمة خوفا من وقوع هجمات خاصة فى منطقة الشرق الأوسط فى ظل الأوضاع الأمنية غير المستقرة فى بعض البلدان وانتشار أفرع لتنظيم القاعدة وتنظيم «داعش» فى العديد من المناطق.
على الجانب الآخر، كان رد فعل وسائل الإعلام الرسمية فى بعض الدول العربية «صامت» وانتهجت سياسة التعتيم والتهوين من الحقائق التى يكشفها التقرير للتعتيم على ما تمارسه هذه الحكومات من انتهاكات بحق سجنائها.
فى حين استغلت «داعش» تلك الجرائم لتشويه سمعة التحالف الذى تقوده واشنطن ضد التنظيم فى سوريا والعراق، وأيضا لتقويض جهود الولايات المتحدة للقضاء على التنظيم.
يذكر أن كلًا من الرئيس أوباما ونائبه جو بايدن أبديا رغبتهما فى إصدار تقرير موجز فى قرابة 500 صفحة للتقرير المكون من 6700 صفحة، والذى يحمل اتهامات لـ«سى آى إيه» باستخدام أساليب قاسية فى التحقيقات دون موافقة البيت الأبيض، ما تسبب فى تضليل البيت الأبيض والكونجرس بخصوص إجراءات التسليم السرية للإرهابيين المشتبه بهم، وإحباط محاولات اللجنة فى التحقيق.
جدير بالذكر أن التقرير يقع فى 6 آلاف صفحة، ويحتوى على الوسائل التى اتبعتها «سى اى ايه» فى استنطاق واستجواب «الإرهابيين المشتبهين»، وتشمل تلك الوسائل الترحيل غير العادى والاستجواب باستخدام الايهام بالغرق والتهديد بالعنف الجنسى والكهرباء وغيرها من الأساليب التى ترتقى إلى جرائم تعذيب.
وكشفت الصحيفة البريطانية عن الحقيقة التى تتخوف واشنطن من مواجهتها وهى أن الولايات المتحدة قد بدأت تخسر بالفعل سلطتها الأخلاقية  فى منطقة الشرق الأوسط ليس فقط بسبب هذا التقرير المخزى ولكن أيضا بسبب تدخلها إلى حد كبير فى الصراع العربى الإسرائيلى فى المنطقة ووقوفها بجانب إسرائيل، إلى جانب دعمها للحكومات الاستبدادية فى العالم العربى.
وسلطت الصحيفة البريطانية الضوء على مواقف الإدارة الأمريكية مما حدث ويحدث فى المنطقة العربية فهى تكيل بمكيالين، فقد شنت واشنطن هجوما ضاريا على الحكومة المصرية واتهمتها بالإساءة لمنظمات المجتمع المدنى وللنشطاء السياسيين، وبنت على ذلك تعليق مساعداتها المالية والعسكرية لمصر، وفى بعض الأحيان وصلت إلى التهديد بقطع المعونات تماما.
فيما تعلن الإدارة الأمريكية فى كل المناسبات بأن مسئوليتها فى المنطقة تتمركز حول إرساء الديمقراطية وحماية منظمات المجتمع المدنى.
فى حين فشلت الولايات المتحدة فى محاسبة البحرين على الحملة الشرسة التى قادتها ضد الحركات التى طالبت بالديمقراطية فى البلاد، بل على العكس منعت السلطات البحرينية عضو الكونجرس جيمس ماكجوفرن من دخول البلاد، ولم تكتف بذلك بل قامت أيضا بطرد مساعد وزيرة الخارجية لشئون الديمقراطية وحقوق الإنسان توم مالينوفسكي، بالإضافة إلى القيام بحملة شعواء لتشويه سمعة السفير الأمريكى توماس كراجسكي.
والنتيجة كانت أن الولايات المتحدة فشلت فى إرضاء أي من الطرفين، فكل من أنصار النظام والمعارضة سواء فى البحرين أو مصر أصبحوا يضمرون الكراهية والعداء لأمريكا ، وأكدت «الجارديان» أن دراسة أكاديمية أجريت فى مصر كشفت عن أن الجانبين سواء المؤيدين للعسكر أو الإخوان أصبح لديهم وجهات نظر معادية بشأن واشنطن.
وأضافت الصحيفة البريطانية: إن صدور التقرير المهين من شأنه أن يقوض مكانة الولايات المتحدة الأخلاقية فى الشرق الأوسط، خاصة بعد الاعتراف المثبت بالأدلة عن الأضرار الكبيرة والجسيمة التى تمت بالفعل، مشيرة إلى أن مواقف أمريكا متناقضة مابين سعيها لتحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان فى المنطقة، بينما تنتهكها مؤسساتها بأبشع الطرق.
يأتى كل ذلك تزامنا مع تأجيج المشاعر المعادية لواشنطن فى الشرق الأوسط من قبل الصحافة ووسائل الإعلام التى تديرها الدول التى لديها صراعات مع واشنطن تصل إلى حد السخرية العميقة من نوايا الولايات المتحدة فى المنطقة والتشكك بشانها والبحث عن الدوافع الخفية وراء كل مواقفها.
ووصفت الصحيفة  تبريرات المسئولين دفاعا عن جرائم «السى آى ايه» بأنها نفس «القمامة القديمة» التى تمخضت قبل الكشف عن صور سجن أبوغريب الفاضحة، والتى ستضع الأمريكيين حول العالم فى خطر، حيث قمنا بإغلاق سفاراتنا ووجهنا شعوبنا فى حالة تأهب قصوى أو أى إجراء لإرعاب الأمريكيين وأصدقائهم، واختلقنا كذبة أن العالم العربى سيكون غاضبا جدا عندما يعلم بالفظائع التى ارتكبت باسم الحرية والغرب.
وأكدت الجارديان أن البنتاجون والسى أى إيه لا يخشون غضب العرب وصدمتهم مما ورد بالتقرير، بل إن قلقهم هو الشعور بالخزى لدى الشعوب الغربية نفسها مما فعلوه باسمهم، وأنهم سيعتبرونهم مجرمى حرب وربما يحاكمونهم.
واختتمت «الجارديان» تقريرها بتقديم نصيحة لواشنطن تمثلت فى الآتي: «إذا أرادت أن تحسن صورتها وتستعيد مكانتها من جديد، وهى أن تتفق مع ما تدعو إليه من قيم، فمن غير المنطقى أن توقع العقوبات على الدول التى تنتهك حقوق الإنسان بأى شكل من الأشكال، بينما تقوم مؤسساتها بتعذيب السجناء، فيجب عليها محاسبة المسئولين.
وأضافت الصحيفة البريطانية: إنه على واشنطن أن تعيد توجيه سياستها الخارجية من أجل إخضاع الحكومات الأخرى لمحاسبة أى تجاوز فى انتهاك حقوق الإنسان، ورفض تقديم أى مساعدات عسكرية للدول التى تستخدم العنف لقمع المعارضة، مضيفة: إنه لو التزمت واشنطن بتنفيذ ذلك على المدى البعيد فسوف تستعيد مصداقيتها فى المنطقة والعالم أجمع.
وتمنت كاتبة المقال أن يأتى اليوم الذى تستطيع واشنطن فيه أن تفرض سياسة عدم التسامح بشأن تعذيب السجناء وسوء معاملة المعتقلين، ثم بعدها حتما سيأتى دور الشرق الأوسط.