الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أزمة النقد والنقاد

أزمة النقد والنقاد
أزمة النقد والنقاد




عاطف بشاى

اختفى الناقد الحقيقى اختفاء مريبًا فى الوقت الذى تنفجر فيه سيول المسلسلات التليفزيونية الرمضانية فى وجوهنا. بالإضافة إلى أفلام العيد كل عام اختفى الناقد الذى يلقى الضوء على النص الدرامى.. ويحلله فكريًا.. وسياسيًا واجتماعيًا ونفسيًا وفلسفيًا وفنيًا.. ويفسر مغزاه ويستخلص منه العبرة والهدف ويفك رموزه ويضع يده على مفاتيحه ويكشف ملامح شخوصه وعلاقتهم بهموم الواقع المعاش.. وصراعاتهم المتعددة.. ويكشف منطقية الأحداث وتصاعدها وصولاً إلى الذروة الدرامية.. اختفى الناقد الذى يشتبك مع المؤلف والمخرج فى الجدل المثمر حول الغرض من الدراما وسلبيات وإيجابيات الحبكة الدرامية بعناصرها المختلفة.
اختفى ذلك الناقد.. وظهر ناقد.. العلاقات العامة.. وناقد «العمود الانطباعى» والناقد بالصدفة و«الناقد بالإحراج.. والنقاد بالإلحاح والإكراه.. والناقد الحاقد والشتام «وهو الذى فشل أن يكون مبدعًا فأصبح كارهًا للمؤلف والمخرج والدراما والفن والحياة كلها».. وتحول إلى ناقد.
ونتيجة لاختفاء الناقد الحقيقى المثقف والأكاديمى تنتشر التعبيرات والاكليشيهات الجاهزة.. مثل «إفساد الذوق العام» حينما يصفون فيلمًا مبتذلاً.. وهى جملة مطاطة تتكرر منذ وقت طويل وتعميم لا يجوز استخدامه أو إطلاقه دونما تدقيق أو بحث موضوعى.. ذلك إن المتلقين للأعمال الدرامية سواء كانت أفلامًا سينمائية أو مسلسلات تليفزيونية هم يمثلون كتلة هلامية من البشر.. مختلفى الأعمار والثقافات البيئات والاتجاهات والميول والأذواق والأخلاقيات.. والتصورات ووجهات النظر.. والتركبيات النفسية والاجتماعية والخبرات الحياتية.. وبالتالى فإنهم يستقبلون ويتفاعلون وينجذبون وتؤثر فيهم تلك الأعمال تأثيرات مختلفة بالسلب والإيجاب بناء على تلك الاختلافات بينهم.. بل إنه من الملاحظ أنه حتى لو اتفق مجموعة من المتلقين على أن هناك فيلمًا أو مسلسلاً مثلاً يساهم فى افساد الذوق العام فإنه يختلفون فى أسباب ذلك الإفساد.. هل لأن السيناريو متدن أو لأن الحوار رخيص أو الإخراج متواضع.. أو أداء البطلة مبتذل.. مثلما يختلفون أيضًا فى نجاح أو فشل عمل درامى آخر.. ومن هذا المنطق فإنى لا أستريح لتلك الأحكام العامة المبتسرة التى توصم مسلسلات درامية أو أفلام سينمائية بتهمة «إفساد الذوق العام» رغم اعترافى بانحطاطها شكلاً وموضوعًا.. بسبب احتوائها على حوار بذىء.. وألفاظ نابية وأحداث تشمل سلوكيات وضعية وقبيحة.
وتنشر أيضًا فى قاموس النقد السريع المريع أكليشيهات مثل: «تفوق الممثل الفلانى على نفسه فى تأدية الدور» أو «ارتفعت العلانية إلى قمة الأداء فى تجسيدها لشخصية البنت اللعوب وعمايلها البطالة» أو «كانت الموسيقى معبرة» أو «سيناريو رائع».. وفى أحيانًا أخرى لا يتورعون أن يصفونه بـ«السيناريو الحلو».. أو يتصف «بالمط والتطويل والإيقاع البطىء أو الإخراج المبهر» وهكذا.
كما تتخذ بعض تلك الأكليشيهات شكل العبارة المأثورة أو الحكم الخالدة مثل «الوصول إلى القمة سهل.. لكن الاحتفاظ بها صعب» أو «ينبغى أن يكون النقد بناء وليس هدامًا».. إلخ.
ومما لا شك فيه أن الانحدار المؤسف فى مستوى السينما المصرية راجع فى المقام الأول إلى التراجع الملحوظ فى مستوى كتابة السيناريو والحوار.. وفن الإخراج.. لكن من المؤسف أيضًا أن يتماهى ذلك بشكل واضح مع سوء مستوى النقد والنقاد.. فمنهم من يدعوك إلى أن تغض البصر عن المساحة الفارغة من الكوب.. فلماذا لا تكون متفائلاً وتولى اهتمامك بالازدهار الكبير الذى تعيشه السينما المصرية الآن فى ظل «الهيمنة السبكية». كمنتج يواجه الكساد بالإنتاج الغزير فى ظل ظروف تسويقية صعبة.. فيصبح الوحيد الذى يغامر لتدور العجلة. فيوفر فرص عمل للفنيين والفنانين. وبذلك تظل الصناعة قائمة.. وبالتالى يجب علينا أن نبجله.. وأن نشكره.. وأن نشيد به كمنقذ أريب للصناعة التى كادت أن تندثر.. بعد أن كانت مثل العائد القومى الثانى بعد القطن.