الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

المنشطات الجنسية بين العلاج و«المزاج»

المنشطات الجنسية بين العلاج و«المزاج»
المنشطات الجنسية بين العلاج و«المزاج»




تحقيق - عمر حسن
امتلاك قدرة جنسية فائقة والحصول على أكبر قدر ممكن من المتعة الجنسية أصبحتا غاية مبررة الوسيلة لدى معظم الرجال خاصة الشباب الذى ينظر إلى القدرة الجنسية المبالغ فيها على أنها دليل الرجولة المكتملة، ويتم ذلك من خلال الاستعانة بالمنشطات الجنسية التى تروج بشكل مستمر على القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعى والمواقع الإباحية المنتشرة على شبكات الانترنت والتى تؤكد لمستخدميها أنها السبيل إلى حياة زوجية أفضل.
ربما تكون تلك المنشطات هى الحل الوحيد فى حالة العجز الجنسى الشديد لدى بعض الرجال، إلا أنها أصبحت مثل قطعة «الشيكولاتة» يتناولها الرجال فى أى وقت ودون أى اشراف طبى رغبة منهم فى الحصول على أداء جنسى أفضل وهنا تكمن الخطورة، فسوء الاستخدام هذا ربما يكلف الرجل حياته فى بعض الأحيان.
ستصدم حينما تعلم أن مصر تحتل المركز الثانى عالميا من حيث نسبة استهلاكها للمنشطات الجنسية بواقع مليار دولار سنويا حسبما ذكرت عدة مراكز بحثية تهتم بصحة الرجل، وستصدم أكثر حينما تعلم أن عدد من يعانون من مختلف أشكال العجز الجنسى هو 152 مليون رجل حول العالم.
وتعد «الفياجرا» أو «الحبة الزرقاء» كما يسميها البعض هى الأشهر من بين تلك المنشطات والتى يبدأ مفعولها فورا بعد تناولها والذى  يدوم  حتى 4 ساعات تقريبا، و«سيالس» الذى يبدأ تأثيره  فى غضون 30 دقيقة من الابتلاع ويدوم مفعوله لمدة 36 ساعة ،لذلك يفضله الأكثرية من الرجال.
يمكن لكل شخص أن ينظر إلى هذه الظاهرة من زوايا مختلفة ،ربما تكون طبية أو نفسية أو اجتماعية، ناقشناها جميعها باستفاضة لمحاولة الوصول إلى جذور الاسباب والحل فى مواجهة هذه المنشطات التى اختلفت عليها الآراء ما بين مؤيد ومعارض لمدى ضررها أو نفعها.
كيف يرى الشباب تلك المنشطات وما هى معرفتهم بها وهل يمكن لأحدهم أن يلجأ لها اذا استدعت الضرورة ذلك؟
يرى «عمر شوقى» 21 سنة، أنه لا ضرر من تناول هذه المنشطات تحت اشراف طبى وطالما أنها تعالج العجز الجنسى فلا بأس ولا حرج من ذلك، أما أن تؤخذ باستمرار  من أجل تفريغ شهوة زائدة فقط وبدون اشراف من الطبيب فهذا بالتأكيد ضار ومن المحتمل أن تؤثر على الشاب فى المستقبل إضافة إلى هدم كل المعانى والقيم وازدياد حالات التحرش والاغتصاب.
بينما يجد «محمد جابر» 34 سنة «متزوج» أن المنشط الجنسى ما هو إلا «بنزين صناعي» يدخل إلى الجسد لتحفيز بعض فى أجزاء الجسم على الأداء بشكل أعلى وهو ما يدعو لتوقف توليد «البنزين الطبيعى» الذى ينتجه الجسم عن طريق الغذاء وممارسة الرياضة.
واختتم قائلا «مفيش أحسن من الطبيعى».
أما «ماركو ميلاد» 20 سنة يقول «من خلال قراءتى حول الموضوع اعتقد أن تلك المنشطات ليس لها فائدة كبيرة لراغبى المتعة الزائدة مثلما يتخيل البعض وأن الاستعانة بأطعمة طبيعية يمكن أن تحل محلها وتعطى نتائج أفضل أيضا مثل الكافيار والبلح والجرجير غيرها من الأغذية».
وأضاف: إنه اذا كان العرض مرضياً وتجب الاستعانة بها فلا ضير فى ذلك طالما أنها تعالج قصوراً معيناً لا يمكن معالجته إلا عن طريق استعمال هذه المنشطات.
ربما تعتقد أن الرجال وحدهم هم من يستخدمونها إلا أن النساء قد أصبح لهن نصيب أيضا وهو ما انتشر فى الآونة الأخيرة على فضائيات «بير السلم» كما اسمتها «ليلى ناجى» 26 سنة التى تجد أن استعمال المنشطات بدون سبب كارثة فى حد ذاتها، بينما استعمال المنشطات مجهولة المصدر التى تعرض اعلاناتها بشكل مكثف على تلك الفضائيات كارثة أكبر بكثير فهى خير دليل يوضح فقد وزارة الصحة سيطرتها على سوق الدواء فى مصر خصوصا بعد ان اصبحت تباع على الأرصفة.
أما «آيات عصام» 32 سنة، فهى لم تسمع عن منشطات جنسية للسيدات تباع فى الصيدليات وإنما تعرف بعض الوصفات «البلدى» التى سمعتها عن والدتها أو عن بعض المقربين لتحفيز الغرائز الجنسية والتى تتلخص فى أكلات معينة وإضافة بعد الوصفات الممزوجة من عند العطار.
بينما يرى المتخصصون فى هذه المنشطات أنها ليست منشطات من الأساس، فيقول الدكتور «شوقى الحجار» أستاذ أمراض التناسلية والذكورة بطب قصر العينى أن هذه العقاقير ما هى إلا أدوية علاجية أسيئ  استخدامها.
كما أنها روجت اعلاناتها  بشكل خاطئ وأعطت صورة ذهنية مخالفة للحقيقة عن تلك العقاقير التى هى فى الأساس دواء شأنه شأن أى دواء يؤخذ لعلاج عرض مرضى لفترة معينة.
وأضاف الحجار: هناك سببان رئيسيان للعجز الجنسى عند الرجال، فهو إما عجز ناتج عن مرض عضوى متمثلا فى عدم وصول قدر كافِ من الدم إلى العضو الذكرى بسبب ضيق بعض الشرايين الذى يعمل بدوره على انتصاب ذلك العضو بما يؤهله لاتمام العلاقة الجنسية، أو نتيجة لضعف الأعصاب الناتج عن حادث كسر الحوض أو حالات الشلل، وكذلك أمراض السمنة وكثرة التدخين، أو حتى حالة نفسية أو خلافه من الأسباب التى تؤدى إلى اختلال العمل العصبى داخل الجسم.
وبناء عليه فإن العلاج الجنسى الذى يسميه البعض خطأ باسم «المنشط الجنسى» هو عبارة عن موسع لشرايين العضو الذكرى الضيقة  للسماح بضخ كمية أكبر من الدم لعلاج ضعف الانتصاب عند بعض الرجال، ويؤخذ هذا العلاج تحت إشراف طبى كامل وهو مرخص من وزارة الصحة المصرية و هيئة الأدوية الأمريكية.
وعن الآثار الجانبية التى تسببها تلك العقاقير، يقول الحجار إنه لا توجد آثار جانبية ضارة بشكل مبالغ فيه بالنسبة لمتعاطى هذا العقار ممن لا يعانون من الضعف الجنسى فهى لا تتعدى صداعاً واحمراراً فى الوجه، فمثله مثل دواء الانفلونزا إذا اخذه من لم يعان من الانفلونزا لن يضره فى شىء، ولكن بالطبع هذا الدواء يتعارض بشكل كلى مع مرضى القلب لأنه يوسع شرايين القلب مما يؤدى إلى هبوط ضغط الدم خاصة عند مرضى الضغط لذلك فإن الاشراف الطبى هنا مهم فى مثل هذه الحالات أما الأصحاء فلن يؤثر عليهم بشكل سلبى كبير.
أما عن الجرعات المسموح بها - الجرعة المسموح بها لمرضى الضعف الجنسى - فهى تتفاوت من مريض لآخر حسب درجة خصوبة الشرايين لديه، فهى تبدأ  من  25 ملم  بالنسبة للفياجرا ومشتقاتها التى تحتوى على مادة «سيلدينافيل» وهى المادة الفعالة فى معظم «المنشطات» الجنسية المتوافرة فى الأسواق، وتتدرج الجرعة إلى 50 ملم ثم 100 حتى تصل إلى أقصى حد ممكن و هو 200 ملم إذا تطلب الأمر ذلك فى بعض الحالات المستعصية.
واستنكر الحجار هناك نوع من أنواع «النصب» العلنى  الذى يحدث على كثير من  الفضائيات والتى تروج إلى عقاقير مجهولة المصدر وغير مرخصة من وزارة الصحة على أنها «منشط جنسي» و تعطى نتائج فائقة، وذلك جاء نتيجة لحالة الفوضى التى تتخلل المجال الإعلانى على قنوات «رخصية» همها الأول والأخير حصد الأموال بأى شكل كان.
وأشار إلى أنه يوجد عجز جنسى لدى النساء ولكنه يأخذ شكلاً آخر يكمن فى عدم الوصول إلى النشوة الجنسية الكاملة نتيجة لاقتطاع الجزء المسئول عن الاستثارة الجنسية لدى بعض الفتيات عند ولادتهن فيما يعرف  «بختان الاناث»، وهذا لا يوجد له علاج أو منشط يعمل على زيادة الاستثارة كما يدعى البعض، كما أنه نفى وجود أية وصفات طبيعية أو وصفات تجلب من عند «العطار» تحل محل الفياجرا وقال: إنها لا تتعدى الاجتهادات الشخصية من البعض.
واختتم حديثه بأن وزارة الصحة كانت تمنع تصنيع هذه الأدوية فى مصر منذ فترة طويلة إلا أنها منذ 5 سنوات سمحت للشركات المصرية  بتصنيعها وهو ما أجبر الشركة المحتكرة المصنعة للفياجرا خارج مصر إلى خفض ثمن القرص الأزرق من 40 جنيهاً إلى 10 جنيهات ،فى حين أن الشركات المصرية تصنعه وتبيعه بثلاثة جنيهات ولكن  بخامات أقل جودة من خامات تصنيع الفياجرا الأصلية.
وكما ذكرنا فإن من أسباب الضعف الجنسى عوامل نفسية ،فيقول الدكتور «عادل مدنى» رئيس قسم الطب النفسى بكلية الطب جامعة الأزهر إن الجنس عبارة عن علاقة نفسية تنتهى بالجماع فهو مرتبط بالحالة المزاجية لدى الرجل التى تنعكس على الاداء الجنسى، فبتحسن الحالة المزاجية عند الرجل يتحسن أداؤه الجنسى وبسوء حالته المزاجية يسوء أداؤه الجنسى، وهذا أمر طبيعى إلا أن الرجال يتساهلون فى علاج السبب الرئيسى ويسرعون إلى المنشطات الجنسية ظنا منهم أنهم يعانون من ضعف جنسى وفى الحقيقة هم يعانون من حالة نفسية سيئة ناتجة عن سوء الأحوال الاقتصادية أو ضغط العمل.
وأضاف مدنى: إن الرجال يهدفون فى علاقاتهم الجنسية إلى الفحولة وليست الرجولة أى الرغبة فى إظهار قدرات جنسية عالية أمام الزوجة كى يثبت رجولته على حد تعبيره، وهذا يعتبر السبب رقم واحد لارتفاع مبيعات الشركات المنتجة لمثل هذه المنشطات خاصة أنهم يركزون فى اعلاناتهم على هذا الجانب الذى يستفز الرجل إلى تجريبها بشكل أو بآخر.
كما أنه نفى شائعة أن أدوية الاكتئاب تستخدم بشكل مباشر لعلاج الضعف الجنسى  وأن الموضوع يتلخص فى أن هذه الأدوية الخاصة بمعالجة الاكتئاب مثل باقى الأدوية لديها آثار جانبية ومن هذه الآثار تأخير سرعة القذف أحيانا عند الرجل ولكن الغرض الرئيسى منها هو علاج الاكتئاب فلا ينبغى أن يستعمل الدواء استغلالا لأثر جانبى ربما يكون مضرا على المدى البعيد لوظيفة أخرى داخل الجسم.
وشبه مدنى استعمال مثل هذه المنشطات بشكل مفرط بأنه مثل الحصان الذى يضرب لطلوع مطلع شاهق أى أنه يتحمل فوق طاقته، فهذا هو حال العضو الذكرى حينما يدخل عليه المنشط الجنسى بشكل دورى فإنه يجبره على استقبال كمية كبيرة من الدماء لحدوث عملية الانتصاب بشكل قوى مما ينتج عنه ارهاق الأوعية الدموية وإضرارها بشكل كبير على المدى البعيد.
وأشار إلى أن الفئة الأكثر إقبالا على تعاطى هذه المنشطات هى فئة البسطاء وكبار السن وفى الغالب يتناولونها بشكل عشوائى كنوع من أنواع الحماس إلى علاقة جنسية أفضل غير مبالين بالآثار الجانبية التى قد تودى بحياتهم اذا كانوا مرضى قلب أو ضغط ،لذلك يجب التنويه إلى ذلك بشكل مستمر تجنبا لحدوث عواقب وخيمة.
على جانب آخر أطلق عدد من طلاب كلية الإعلام بجامعة القاهرة حملة جديدة تحت عنوان «أضرار بلا حدود» لتوعية الرجال وخاصة فئة الشباب بأضرار المنشطات الجنسية وخطورة الاستخدام العشوائى لها وتصحيح الصورة الذهنية للشباب عن الأثر الحقيقى لتلك العقاقير التى صنعت خصيصا لغرض طبى وليس لغرض شهوانى أو تجارى.
يقول «محمد الشامى» مطلق الحملة «أطلقنا هذه  الحملة بسبب انتشار الإعلانات المروجة للمنشطات الجنسية غير موثوقة المصدر بشكل فج على عدد من القنوات التى يفترض أنها تقدم إعلاما يحرص على صحة المواطنين».
وأضاف قائلا: «بناء على ذلك قررت أنا ومجموعة من زملائى أن ندشن هذه الحملة لمحاولة المقاومة ولو بشكل بسيط لتلك الاعلانات وكذلك مقاومة الاستخدام الخاطئ لهذه المنشطات، كما قمنا بعمل صفحة على موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك بعنوان حملة للتوعية ضد أضرار المنشطات الجنسية ونأمل أن تحظى حملتنا باهتمام المسئولين فى مجال الاعلام لايقاف هذه المهذلة الاعلامية، كما نأمل أيضا أن يعى الشباب خطورة الاستخدام العشوائى لتلك العقاقير التى تمثل  سلاحًا ذو حدين.