الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حفيد سرجيوس: «رسامة كاهن» «أربكت» الأساقفة.. و«شلحته» الكنيسة 5 مرات.. وباركه البابا «كيرلس» السادس

حفيد سرجيوس: «رسامة كاهن» «أربكت» الأساقفة.. و«شلحته» الكنيسة 5 مرات.. وباركه البابا «كيرلس» السادس
حفيد سرجيوس: «رسامة كاهن» «أربكت» الأساقفة.. و«شلحته» الكنيسة 5 مرات.. وباركه البابا «كيرلس» السادس




دائما ما يتم استدعاء شخصية القمص سرجيوس، مواليد 1882 ورحل عام 1964، وذلك عند وقوع حوادث طائفية فقط كرمز للوحدة الوطنية باعتباره الخطيب الشهير لثورة 1919، ويظنه البعض مجرد ماض عابر بلا أثر..
وسعت «روزاليوسف» إلى لقاء أدوار حلمى جيد، حفيد القمص سرجيوس من ابنته جوزفين، مدير عام الخدمة الاجتماعية بالمنيا سابقاً، بالمعاش حاليا، والذى عاصر  بعض من عظات القمص سرجيوس  بكنيسة الملاك بطوسون..وإلى تفاصيل الحوار..

■ بداية كيف ترى القمص سرجيوس؟
ـ دائما كنت أرى فيه الهيبة والورع حينما كان عمرى لا يتجاوز سوى 10 سنوات، وكنت أنام قريبا منه وأراقبه عندما يكون نائما بالليل ويستيقظ فجأة لتدوين فكرة، كان شكله كالأسد الجالس فى عرينه،  بمثابة نسخة فريدة فى ذاتها ليس من السهل أن تتكرر، كان خطيبا مفوها وكاتبا ألمعيًا، عظيما فى شجاعته الفذة فى الدفاع عن الوطن والعقيدة، ولد ثائرا وعاش ثائرا ومات ثائرا، وأطلق عليه الزعيم سعد زغلول خطيب الثورة 1919، وخطيب المنبرين الكنيسة والمسجد، فكان أول كاهن يخطب بالجامع الأزهر وجامع أحمد بن طولون متحديا الانجليز، قائلا قوله المأثور «إذا كان الاستقلال موقوفا على الاتحاد، وكان الأقباط فى مصر حائلا دون ذلك فإنى مستعد لأن أضع يدى فى يد إخوانى المسلمين للقضاء على الأقباط لتبقى مصر أمة متحدة مجتمعة الكلمة»، فلم تعرف الكنيسة كاهنا ثوريا وغيورا وطنيا مثله لدرجة أنهم لقب بـ «الكاهن المسيس».

■ الجيل الصاعد قد لا يعرف عنه الكثير.. فما هو ملخص حياته؟
ـ حياة جدى يمكن أن تلخص فى كلمة واحدة «سفر مفتوح» منذ أن خرج من مسقط رأسه مدينة جرجا إلى أن التحق بكلية اللاهوت الكلية الأكليريكية، وقام بأول ثورة طلابية فى تاريخ مصر سنة 1903 لتطوير مكان إقامة الطلاب بالاكليريكية حينما رأى المكان «حقير» فقام بإشعال النيران ليتم تجديده، ولد ثائرا وبدأ بالكنيسة قبل الوطن وليس العكس، ومنذ تلك الواقعة قربه حبيب جرجس، مؤسس مدارس الأحد والكلية الاكليريكية إليه وتلمذه على يده، وبعد تخرجه رسم كاهنا فى ملوي، وانتقل وكيلا لمطرانية أسيوط ومنها إلى القللى بالقاهرة، ثم استدعاه شعب الخرطوم، والأنبا صرابامون الإسناوى عام 1912، وتم تعيينه وكيلا لمطرانية الخرطوم، وهناك بدأ كفاحه الوطنى ضد الانجليز فأصدر مجلة المنارة المرقسية، ما جعل المدير الإنجليزى يأمر بترحيله، فخاطبة سرجيوس: إننى سواء كنت فى السودان أو فى مصر لن اصمت حتى تتحرر بلادي، ومكث هناك 3 سنوات، وفور مغادرة السودان حاول الشعب هناك إرجاعه ولكن دون جدوى، وأقام بالقللى وبنى كنيسة مارجرجس بمعاونة أقباط الحى عام 1915، وفى 1919 غير اسم المنارة المرقسية إلى «المنارة المصرية»، ولدوره الوطنى البارز فى الثورة نفى إلى رفح مع الشيخ القاياتى ثمانين يوما.

■ الكثير أشاد بدوره الوطنى.. فماذا ترى؟
ـ أؤيد بالطبع وظهر ذلك من خلال تكريم الدولة له فى إطلاق اسمه على شارع كبير بمصر الجديدة والإشارة الدائمة، فضلا عن أن التاريخ لم ينس اسمه عندما يذكر ثورة 19، ولكنى أتمنى أن تحول وزارة الثقافة منزله بجرجا إلى متحف يضم كتبه ومجلاته ومقتنياته كرمز ومعنى حقيقة لكلمة الدين لله والوطن للجميع، واستنكر من أن الكنيسة تتنكر دوره وبطولاته، وقد مرت هذا العام الذكرى الخمسون لرحيله دون اهتمام، إلى جانب أنها لم تهتم بإعادة طبع كتبه التفسيرية والعقائدية وهى كتب تدرس وتخدم المسيحية وفكرها بصورة لا مثيل لها.

■ وماذا عن دوره الكنسى وغضب الكنيسة عليه؟
ـ فى عام 1920 استأنف القمص سرجيوس نشاطه لإصلاح الكنيسة القبطية فاصطدم مع البابا كيرلس الخامس رقم 112 لمطالبته بسلطات كبرى للمجلس المللى وكشفه الكثير من العيوب والأخطاء بلا هوادة فى مجلة المنارة، وحكم عليه المجمع المقدس غيابيا بتجريده من رتبته الكهنوتية أى شلحه ونفيه إلى جرجا ولشعبيته الطاغية، فتحدى المجمع المقدس وواصل الوعظ فى كنيسة مارجرجس القللى حتى أغسطس 1921، فحرمه البابا مرة أخرى فاستأجر قاعة فى الفجالة وواصل الوعظ وتقديم أهدافه الإصلاحية، وبعد رسامة البابا يؤانس الـ19 رقم 113 عقدت مصالحة معه، ورفع عنه الحرم وأعطاه رتبته الكهنوتية، ثم عين مستشارا للمجلس الملى سنة 1935، فيما كانت علاقته قوية مع البابا مكاريوس الثالث البطريرك الـ114 وجعله وكيل البطريركية 1944 لدرجه أنه كان من أشد المعجبين به وبغيرته الكبيرة على الكنيسة، وقال له مكاريوس الثالث: أنت عالم من علماء الكنيسة، ولكن عندما أصبح الأنبا يوساب مطران جرجا بطريركا والبابا رقم 115، وأحضر معه خادمه ملك جرجس وكان جدى يعرفهما لأنهما بلدياته، وأثارت علاقة البابا يوساب بالخادم جدلا كبيرا لخضوع البطريرك له فكان القمص سرجيوس من المنددين بهذه العلاقة وظل فى خلاف مستمر معه بسبب تلميذه ملك، فأصدر البابا قرارًا بفصل القمص سرجيوس من كنيسته، كما شلحه من رتبته الكهنوتية فى أوائل الخمسينات وهنا قام القمص الثائر بمظاهرة ضخمة ضمت أتباعه واتجه للبطريركية، فأغلقت أبواب البطريركية أمام المظاهرة واستدعى البابا الشرطة التى عجزت عن إيقاف القمص سرجيوس الذى استخدم ذكاءه الخطابى فى هتاف جذب العساكر معه، حيث أخذ يهتف «يسقط ملك - ويحيا الملك» فأمرت الشرطة  بفتح الأبواب ودخلت الجموع وهتفوا وراءه، ثم جاء البابا كيرلس السادس البابا رقم 116 وتم الصلح مع القمص سرجيوس على أن يعود لكنيسته مقابل التنازل عن راتبه لمدة 7 سنوات ووافق وكتبا مع البابا كيرلس القديس اتفاقًا هذا نصه «بما أن غبطة البطريرك الأنبا كيرلس السادس رأى أن يرد الحق إلى نصابه بإعادة القمص مرقس سرجيوس بالقللى.

■ إذا لم يمت القمص محروما من الكنيسة كما هو شائع؟
ـ بالطبع لقد حله البابا كيرلس السادس وتمت الصلاة الكنسية عليه فى جنازة شعبية بالكنيسة المرقسية بكلوت بك وأرسل الرئيس جمال عبد الناصر العقيد عبد المسيح غبور نائباً عنه فى تقديم واجب العزاء للكنيسة ولأسرة الراحل الذى أبت الجماهير مسيحيين ومسلمين إلا أن تحمله على أعناقها من شبرا شارع القريز إلى الكاتدرائية بكلوت بك.

■ لكن لماذا هاجمه البابا شنودة أيضا بعد رحيله؟
ـ فوجئنا فى الثمانينيات بقداسة البابا شنودة الثالث يهاجم جدى فى إحدى العظات، قائلا: إنه ملأ الدنيا صياحا وتشهرا ولم يصل إلى شيء ورفض الاعتذار.

■ وماذا عن رد فعلكم تجاه تصريحات البابا شنودة؟
ـ قمنا برفع دعوى قضائية  على البابا شنودة باعتباره صاحب ورئيس تحرير مجلة الكرازة، ولكن عندما أصدر السادات قرارات سبتمبر والتى اعتقل فيها البابا بدير الأنبا بيشوى تنازلنا عن القضية، وعندما رأى البابا هذه المحبة منا غير رأيه وقال عن سرجيوس إنه بركة عظيمة وأحد مشاهير الوعظ والكهنة الاكليريكيين وكان له عقليه فذه وذكاء نادر روح عجيبة مرحة، صاحب قدرة فائقة على الإقناع ما زاد به إعجاب الناس.

■ لكنى أجدك لا تريد التحدث عن أكبر مشكلة سببها القمص سرجيوس للكنيسة عندما قام برسامة كهنة؟
ـ عن قراءة لاهوتية لوضع اليد فى الكنيسة ومن خلال رؤيته أن الكاهن الذى بصلاته يمارس كل الأسرار الكنسية من تحويل القربان وعصير الكرامة إلى جسد ودم ويقوم بالمعمودية والزواج ومسحة المرض رأى أنه يمكن أن يرسم أيضا كاهن فقام برسامة قس هو الدكتور تودرى وكان ذلك عام 1933، وقد أدركت الكنيسة الأمر بسرعة بإرسال أحد الأساقفة لوضع اليد وإكمال المراسم، والقلق الذى سببه للكنيسة هنا هو الخوف من عدم النظام فلو فعل كل الكهنة مثله لكن التاريخ القديم يذكر أن الكاهن كان يشترك مع الأسقف فى رسامة الكهنة أيضا.

■ حددت ثورة 23 يوليو إقامته لمدة عام..فلماذا؟
ـ بعد قيام الثورة جاء إلى بيت جدى بشبرا  كل من  زكريا محيى الدين، وأنور السادات، وحسين الشافعى، وطلبوا منه أن يلقى كلمة تمثل الأقباط تتضمن تأييدهم لحركة الضباط المباركة، وحينها وجد الضباط الآلاف تسد الشوارع بشبرا فشعروا بشعبيته الطاغية وقوة تأثيره الخطابى على الجماهير فقاموا بتحديد إقامته لمدة سنة لأن الثورة كانت فى مهدها وشعبيته تمثل خطرا كبيرا.

■ دخل القمص فى معارك ضارية مع الشيخ حسن البنا.. وتكشف مقالات سرجيوس عن فضحه لأفكارهم مبكرا.. فكيف ترى ذلك؟
ـ بالفعل إذا كنا نقرأ التاريخ لأدركنا مبكرا حقيقية هذه الجماعة التى كشف عنها القمص الوطنى سرجيوس وأطلق عليها منذ أكثر من سبعين عاما ألقابًا واقعية مثل «العصابة»، و»تجار الدين»، كما أنه كشف عن خطورة هذه الجماعة على الوحدة الوطنية وقال جملته الشهيرة «الموت ولا حكم عم حسن»، وقد حدثت كل تنبؤاته فى 2012، حيث حكم الإخوان وظهرت خستهم  وعدم حرصهم على الوحدة الوطنية وكيف أنهم بالفعل عصابة، فضلا عن أن مقالات جدى فى المنارة تمثلت فى تحذيره المتكرر للنقراشى باشا من هذه العصابة.

■ ما آخر مشروع كان يفكر فيه سرجيوس؟
ـ على لسان ابنه -اليد اليمنى له- وليم سرجيوس، قال: فكر والدى قبل وفاته بعام أن يستأجر مكانًا يلقى فيه محاضراته اللاهوتية على من تتلمذوا له أمثال القمص بولس باسيلي، وآخرين ليجعل منهم مدرسة تذيع تعاليمه وتدعون إلى تنفيذ مبادئه.

■ والآن ماذا يبقى من خطيب ثورة 19؟
ـ لقد ترك القمص سرجيوس تراثاُ فكرياً خالداً وثروة روحية نذكر منها مؤلفاته فى الدفاع عن الإيمان المسيحى واللاهوت المقارن فى الأديان ومبادئ الإصلاح الكنسى والمواعظ التى ألقاها فى السنوات الأخيرة من أيامه، وكتابه تفسير الأناجيل مع تعاليم ومواعظ ويقع فى 24 جزءاً أصدر منها 3 أجزاء فقط، ومؤخرا أصدر بيشوى البسيط العاكف على جمع تراث جدى مجلد عام 1937 من مجلة المنارة.

■ وماذا عن مواقفه الخالدة للوطن والكنيسة؟
ـ أقول أنه ثورة وإنجيل ومن هذه المواقف أذكر دعوته إلى الاتحاد بين المسلمين والمسيحيين فى السودان بين 1912- 1915، ولما خشى الانجليز تأثير روحه النزاعه إلى الحرية طلبوا إليه مغادرة البلاد خلال 24 ساعة، إلى جانب مناداته بالاتحاد بين الأقباط والمسلمين عام 1919، ومهاجمته للاستعمار فى خطبته النارية التى كان يلقيها فى الجامع الأزهر والمظاهرات العامة، وكان يلقى خطابا أمام الكونتننتال فى جماهير الشعب استهله بقوله: اهتفوا معى ليحى الانجليز!، لأنهم بظلمهم واستبدادهم علمونا أن نطالب بالاستقلال والحرية، وصوب ضابط انجليزى مسدسه لصدر سرجيوس فطلب منه جمهور الحضور أن يبتعد فقال لهم: هل مثلى يهرب؟ إن مسدسه محشو بالملبس، علاوة على شجاعته فى محاربة  الإخوان وإدراكه المبكر لمطامع هذه الفئة التى دعت إلى التعصب الدينى والتمييز العنصرى وانتصاره عليها رغم قوة بطشها وخطورة أسلحتها وقد سجلت له صحائف مجلته المنارة المصرية ومنبر كنيسة القللى مواقف بطوله فذة، ناهيك عن حماسته فى الدعوة إلى الوحدة المسيحية بكتاباته وخطبه التى ألقاها فى الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية.

■ هل تذكر أقوالاً مأثوره له؟
ـ نعم أحفظ إحدى مقولاته عن ظهر قلب وهى «عندما دخل ذات مرة أحد المساجد بصحبة الشيخ أبو العينين واعتلى المنبر قائلاً: بسم الله الرحمن الرحيم.. بسم الأب والابن والروح القدس.. إننى مصرى أولاً ومصرى ثانياً ومصرى ثالثاً والوطنية لا تعرف مسلماً ولا مسيحياً، بل تعرف مجاهدين فقط بغير تمييز بين عمامة بيضاء وعمامة سوداء، وأيضا «لو قيل لى أن الموت يتجول فى الشوارع لنزلت لأتفرج عليه، و»إنى لن أموت إلا مرة واحدة أما الجبناء فأنهم يموتون فى اليوم الواحد عدة مرات»، وأيضا «إن أيامى كلها مملوءة بالآلام».