الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الانتخابات «الكنسية» تشعل الصراع القبطى.. وتفضح التناقضات

الانتخابات «الكنسية» تشعل الصراع القبطى.. وتفضح التناقضات
الانتخابات «الكنسية» تشعل الصراع القبطى.. وتفضح التناقضات




تحقيق - روبير الفارس
 

كشف الأنبا بولا أسقف طنطا وتوابعها أن البابا تواضروس الثانى قد أصدر قرارا بأنه تم اختيار نيافته ليكون ممثلا للكنيسة الأرثوذكسية فى جميع المجالات السياسية والقانونية فى التعامل مع الدولة مثل قانون الأحوال الشخصية الذى يتم الإعداد له من قبل الحكومة والكنيسة.
ولفت الأنبا بولا فى تصريحه إلى أن القرار كان معمولا به ضمنيا من قبل لكنه اتخذ شكله الرسمى فى الكنيسة بعد قرار بطريرك الكنيسة، وذلك لمنع تكرار الشخصيات التى تقدم آراء خاصة باسم الكنيسة فيما يخص الأمور السياسية والقانونية فى الوقت الذى تكون فيه غير ممثلة لها ولا تعد آراؤها آراء الكنيسة.
فضلا على أن الأنبا بولا يقوم باعداد قائمة المرشحين الأقباط لمجلس النواب باعتبارهم ممثلين للكنيسة فى المجلس، وبالتالى هم من ترضى عنهم الكنيسة أو يعملون لكسب الرضاء بأى شكل، كل هذا الامر المعلن والمستفز، ليخرج علينا قداسة البابا تواضروس قائلا بأعلى صوت: إن الكنيسة لا تعمل فى السياسة، ظنا منه أن معشر الناس لا يعلمون ما هى السياسة.

أصبح الأنبا بولا ينافس الدكتور الجنزوى فى تشكيل القوائم الانتخابية، والأنبا ارميا أصبح يكتب فى الصحف مقالات شبه يومية وأسبوعية بعضها منقول بالحرف من مدونات أخرى، وعلى سبيل المثال مقاله «مين السبب» المنقول حرفيا من مقال «أساس المشكلة هو الأهم» للدكتور عبد الله العمادى بمدونته أطياف، أى أن العمل العام يخرج الآباء الروحيين من الوقار المفروض، وتسبب ممارسة السياسة الكثير من المشاكل للكنيسة والأقباط.
يقول الكاتب مدحت بشاي، أحد مؤسسى التيار العلماني، إن الأمر يقلل من مصداقية الكنيسة امام الرأى العام لانه يتناقض تماما مع تصريحات البابا تواضروس التى يرددها ليل نهار ويفعل عكسها، خاصة أنه «لا سياسة فى الكنيسة»، وسبق أن رأينا من قبل اختيارت الكنيسة فى مجلس الإخوان ولم نجد لهم أى تأثير ولا أى دور لان معظم هؤلاء يتم فقط ترشيحهم بناء على مدى درجة الولاء للكنيسة فقط.
وأوضح بشاى أن هناك مشكلة اثارة الغضب لدى أصحاب الأدوار السياسية الحقيقية والفعالة، لظنهم أن الكنيسة ستقدر دورهم فكان الإحباط، موضحا حكاية أن الرهبان ورجال الدين يختارون مرشحين وينشغلون عن دورهم الروحى رسالة للمواطن المسيحى بشكل خاص غير طيبة، وهو الذى ينتظر دورهم الروحى والتعليمى والإنسانى فى زمن الإلحاد والانتحار والهجرة من الكنائس.
وأشار عيد سعد، باحث، إلى أن الأقباط يعانون من التعصب الذى انتقل إليهم بالفطرة وطبيعة الاوضاع باضطهاد الأقباط انفسهم وتسلط بعضهم على الاخر، فنجد الاباء الاساقفة لهم اتباع يدافعون عن اخطائهم ويسترونها لهم ويرعون مصالحهم وهم يحصدون نتيجة هذا القرب من الترشيحات والمناصب وبالتالى نجد أن عامة الأقباط من الفقراء والمحتاجين والمعوزين يقعون تحت سلطة الكهنة الذين يختارون لهم كل شىء بدءا من النائب حتى مكانه فى السماء، متسائلا: كيف نرفض الاحزاب الدينية وقد اصبحت الكنيسة بالفعل حزبا دينيا طائفيا يتحكم فى الأرض والسماء؟ فضلا على أنه سبق أن رشح الأنبا ارميا من قبل ماريان ملاك، معدة برامج فى قناته دون أن تقدم أى منفعة للأقباط.
القس فادى فوزى، يقول: أثرت ثورة يناير فى فتح المجال السياسى عامة وفى خروج المسيحيين من رحم الكنيسة واستقلاليتهم فى التعبير عن حقوقهم كمواطنين خاصة، وكانت هذه البادرة مؤشرا لتحرر المسيحيين فى التعبير عن حقوقهم وفى ذات الوقت رفع الحرج عن الكنيسة فى إلصاق صفة الطائفية فى طريقة تعبيرها عن مطالب المسيحيين نتيجة عوامل كثيرة حدث ارتداد عن هذه الحالة، ورجعت الكنيسة وقياداتها للحل الأسهل وهو أن تتحدث عن لسان كل الأقباط فى تعبيرهم عن حقوقهم واتخذ ذلك شكل أعداد الكنيسة لقوائم المرشحين لها، وبذلك الشكل فالكنيسة نفسها تهضم حقوق أعضائها لأنها ليست دولة أو معزولة عن باقى الوطن، مطالبا بغلق المجال السياسى للمسيحيين مرة اخرى.
ولفت صفوت سمعان، ناشط حقوقي، إلى أن الدولة بذلك ستحقق مكاسب مهمة تتمثل فى إدخال الأقباط لسور الكنيسة سياسيا مرة أخرى، وبذلك تضرب عصفورين بحجر ترد الجميل للكنيسة فى صورة قبول مرشحيها، وتضمن عدم وجود معارضة للأقباط فالخارجون عن هذه القائمة المباركة مخالفين لبركة الكنيسة، لافتا إلى أن الكنيسة دائما ما تضع المرشحين وهم مستأنسون للدولة طيعون مطيعون وهو ما لا يصلح للسياسة مرة كمعارضين ومرة كمناقشين لمواضيع ذات أهمية.
وأشار سمعان إلى أن الغريب هو أن الأقباط الليبراليين هم من يتقدمون للكنيسة بطلبات ترشحهم عندما علموا أن الكنيسة صاحبة الاختصاص فى منح ومنع حق الترشح دون غيرها، مشيرا إلى أن هذا ليس فى صالح الأقباط، حيث ينطوى على دخول الأقباط سور الكنيسة كتيار تابع لرؤساء الكنيسة مكمن خطر فحينما تغضب الدولة من الكنيسة ينطوى ذلك على الأقباط وحياتهم الخاصة، فضلا على أن من يقدم للترشح عن طريق الكنيسة سكون فاقدا لجزءا كبيرا من استقلاليته لأنه يكون مدينا لمن وضعه على القائمة، وأيضا سيغضب الكثيرون من المرشحين لعدم قبول الكنيسة ترشيحهم وهو ما سيفتح النار على الكنيسة، ناهيك عن أنه قد يتم الدفع بمرشحين متشددين حينها ستدخل مصر نفس النفق المظلم الذى كان يتلاعب به مبارك، فضلا على أن أى مرشح ذى استقلالية وكرامة يجب أن يترشح من القاعدة العريضة من المصريين جميعا. وأوضح ماجد أن فترة الرئيس الراحل أنور السادات «1970-1981» بدأت بملحمة وطنية بنصر أكتوبر 1973، وانتهت بحدوث «أزمة الكنيسة والدولة»، وبعدها حدثت الفتنة الطائفية وكانت ذات الفترة فى البرلمان صعبه بالنسبة للأقباط فلم ينجح أحد بالانتخابات ومن كان وقتها فى البرلمان كان بالاختيار أى برغبة الرئيس، والدليل على ذلك خطاب السادات الأخير أمام المجلس الذى أعلن فيه «عزل البابا شنودة من سلطته البابوية» وشاهد الجميع كيف هلل الجميع وكأنه نصر، واستمر الرئيس المخلوع حسنى مبارك على سياسة السابقين يتم انتخاب اثنين أو ثلاثة ويختار اربعة أو خمسة ليصبح عدد الأقباط ما بين 5 - 7 أعضاء وهذه السياسة هى سياسية «ترضية محلية ودولية».
وتابع: فكان طبيعًا أن تكون الكنيسة سندهم ولكن ضعف الإدارة البطريركة والقائمين عليها فضلوا المصلحة الشخصية على المصلحة العامة للشعب القبطى وكانت بداية دمار واختراق لدور الكنيسة الرئيسى وهو التعليم الدينى والنصح والإرشاد وتقديم الوجبة الروحية التى تجعل من الإنسان القبطى أو أى شخص عطوفا على الفقراء محبا للآخرين كما علمنا السيد المسيح.
ولفت: أما فترة ما بعد 25 يناير 2011 وحتى حكم الرئيس المعزول محمد مرسى فحاول الإخوان تقديم الكنيسة للمجتمع كحزب وليس شعبا وهذا كان سياسة فاشلة، وبدأ التقارب الشكلى أو المصلحى ما بين الكنيسة والإخوان، والدليل هو أن هناك أساقفة معروفين بأساقفة الإخوان، وبدأت الزيارات لجماعة الإخوان للكتدرائية بالعباسية، والإخوان يصدرون الزيارات للإعلام الإمريكى والغربى ونجحوا فى الوصول للحكم واختراق الكنيسة.
وأضاف ماجد: وللأمانة التاريخية كان ذلك فى ظل مرض قداسة الراحل البابا شنودة الثالث 1971 - 2012، واعتقد أنه كان من الرافضين لسياسة أساقفته ولكن المرض والظروف والتغييرات والأحداث كانت أصعب منه بمراحل، وبعد رحيله بدأ تسرب وانحراف الكنيسة نحو السياسية والبرلمان مرة أخرى أثناء وضع دستور 2012 المعروف بدستور الإخوان، وكان لابد للكنيسة أن تختار من يمثله من رجال القانون وليس رجال الدين، ولكن حدث ما حدث، وعقب وصول مرسل للسلطة كان لا يهمه إلا التصديق على اختيار البطريرك الجديد قداسة البابا تواضروس الثانى منذ 2012 وتحققت أمنيته.
ونوه: وفى ملحمة 30 يونيو 2013 لعبت الكنيسة دوراً وطنياً وهنا ليس من أجل نفسها ومصالحها ولكن من أجل الوطن الكبير «مصر»، وكان لموقفها مع الأقباط وكل المصريين دور فى الاطاحة بحكم الإخوان المسلمين بجانب دور الأزهر الشريف، فأيدوا الجيش، وفى الانتخابات الرئاسية كان للأقباط كشعب- الكنيسة مؤسسة- دور فى انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيسا لمصر، منوها إلى أن فكرة الكنيسة تشكل حزب وقائمة غير منطقى ولا يوافق عليه تواضروس الثاني، خاصة أن البابا رجل إدارى بارع يدرك دور الكنيسة كمؤسسة لها مكانتها فى العالم.
واختتم ماجد أنه يرى تشجيع الأقباط على الاشتراك فى الأحزاب السياسية وليس الدينية، ويشاركون فى الانتخابات ويترشحون على قوائم حزبية، كل ذلك حق مشروع للجميع، مختتما: لا ننسى أن الكنيسة مؤسسة روحانية تقدم محبتها للكل، وليست حزبا سياسيا بعينه، ولكن قد تجبر فى بعض الأحيان على مشورته عند اختيار عضو من الأعضاء فى البرلمان.
أما مارى رمسيس، الاخصائية التربوية، قالت: تعلمنا أن لكل مقام مقالا وأن للسياسة رجالها وللكنيسة ابناءها ونظامها وطقوسها، واعتقد أن لا علاقة للكنيسة بالسياسة، خاصة أن الكنيسة مؤسسه دينية نذهب إليها لتأدية الصلاة وسماع العظات الروحية، وكثيرا ما سمعنا عن عدم خلط المقدسات بالمدنسات، والثوابت بالمتغيرات، ومن الممكن أن تساعد الكنيسة الناس فى استنارتهم ومشاركتهم فى المجتمع بوجه عام دون طرح أسماء أو قوائم للانتخابات.
واستاءت مارى فى الآونة الأخيرة من أن كل من يريد تزكيته من الكنيسة يسعى للتصوير بجوار قداسة البابا، بجانب كلمتين حلوين عن مكانته ودوره، معتبرة أن ذلك استخفاف بعقول الأشخاص، قائلة: وعلى من يريد الترشح فلينزل إلى الشارع ويعمل ويجتهد لنرى شخصيته فى أفعاله وليس دون ذلك، منتقدة بشدة من يحاول إبراز شخصيته من خلال التمسح فى الكنيسة أو التصوير مع قداسة البابا تواضروس، وكل من يفعل هذا يسقط من نظرى ومن نظر الجميع، فما بنى على النفاق والباطل فهو باطل كيف نصدق شخصا سيمثلنا امام البرلمان ويبدأ مشواره بالنفاق والمصالح؟ إذًن فهو شخص يبنى لنفسه مصالح ولا يسعى للمطالبة بحقوق الشعب.
وتساءلت: لماذا يقحم البابا الاساقفة الذين هم دورهم بالاحرى متابعة امور الكنيسة والامور الروحية؟ ولماذا فعلا لا نطبق قول المسيح «أعطِ ما لقيصر لقيصر وما لله لله»؟، أو المثل الشعبى الشهير القائل «أعطِ العيش لخبازه»؟، منوهة إلى أن الكنيسة تدار ايضا بنفس عقلية مبارك القديمة والطرق الادارية الفاشلة وهو اذا لم ينجح شخص فى ادارة سابقة نكلفه بادارة اخرى لعله ينجح! فلا بد من تقصير طريق الفشل وإعطاء الامر والمهام لاصحابها، وضرورة اعادة النظر فى مثل تلك الامور.
المفكر عادل جرجس يقول: علينا بداية أن نسمى الاسماء بمسمياتها فكوتة الأقباط هى فى الحقيقة «كوتة الكنيسة» فى مجلس الشعب المقبل وتم إقرارها مكافأة للكنيسة على دورها فى ثورة 30 يونيو، فضلا على أنها المغالطة الكبيرة التى وقع فيها النظام وتسير من خلفه جميع القوى السياسية، فالكنيسة لم تقم بحشد أبنائها فى الثورة فالأقباط نزلوا بكثافة للمشاركة فى تلك الثورة نتيجة تعاظم الحس الوطنى عند جميع المصريين والاحساس بالخطر الداهم الذى سوف يقع على الجميع اذا ما كانت الامور استقرت على ما كانت عليه فى حكم الإخوان، ولكن كل ما فعلته الكنيسة هو ركوب التيار الشعبى القبطى لتتصدر الكنيسة المشهد الثورى ضمن الرموز التى تصدرت المشهد لتحصد المنافع السياسية بوصفها الوكيل الحصرى للأقباط فمن الطبيعى إذن أن تدفع الكنيسة بمن تريد وصولهم ضمن تلك الكوتة.
وتعجبت مارى من أن الأمر هنا هو أن البابا لن تكون له ناقة أو جمل فى هذه الانتخابات، فلقد تم الاتفاق بينه وبين رجاله على أن يترك لهم أمر السلطة السياسية نظير تمكينه من مصادر التمويل التى يسيطرون عليها فى الخارج، وهو ما يفتقده البابا ويحتاج اليه مرحليا لتكريس دعائم نظامه الجديد، وبالطبع لن يصدق رجال البابا فى اتفاقهم معه ولكنهم سوف يلقون له ببعض الفتات لإلهائه مرحليا عن الملف السياسى وتمرير مؤامراتهم الانتخابية والتى هى جزء من خطة سحب البساط من تحت ارجل البابا حتى يصبح بابا شرفيا للكنيسة.