الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«القرقشندى» والعدالة الثقافية.. مؤتمر أدباء مصر

«القرقشندى» والعدالة الثقافية.. مؤتمر أدباء مصر
«القرقشندى» والعدالة الثقافية.. مؤتمر أدباء مصر




د.حسام عطا

يأتى أدباء مصر بمؤتمرهم العام فى أسيوط فى نهاية ديسمبر من عام 2014 الذى غادرنا منذ قليل، ليتجمعوا معبرين عن إصرار واضح على الاستمرار فى فعل الكتابة والإبداع، إنه مؤتمر أدباء الأقاليم، الذى تغير اسمه ليصبح هذا العام المؤتمر العام لأدباء مصر، فى إطار سعى نحو إدماج أهل الاختصاص معا فى وصف واحد، وفى محاولة لتقليص فكرة العاصمة كعلامة مميزة فى الأدب، وهو سعى لإلغاء التمييز لصالح المركز الثقافى على حساب الأطراف «الأقاليم».
وهو أمر يتسق مع مشروع عام يهتم بجعل كل عاصمة محافظة من الشمال للجنوب «عاصمة ثقافية» كل شهر تنتقل إليها الإدارة الثقافية ككل لتقديم الخدمة الثقافية يسمى بمشروع العواصم الثقافية، وهى محاولة نتمنى السعى الجاد لتأكيدها عبر إنهاء التمييز التاريخى فى دعم إنتاج الثقافة وتوزيعها بين العاصمة والأقاليم.
ولكن يتبقى العمل الجاد المؤسسى على نجاح هذا التوجه، لدعم التعبير الثقافى نحو عدالة ثقافية جديدة تستهدف الاتصال الثقافى المباشر فى القرى والنجوع.
وقد كانت أطراف مصر، هى المكان المثالى لتفاعل الثقافات، وللدفاع عن الثقافة الوطنية، سواء بالحفاظ على المسرح الجاد، أو بالحفظ الحيوى للتراث عبر الإنشاد الدينى والغناء الشعبى ضد موجات تجارية تستهدف صياغة بلا ملامح ولا معنى للفن المصرى فى الآونة الأخيرة.
إن مؤتمر أدباء «الأقاليم» سابقاً والذى أصبح نسبة لمصر الآن فى دورته التاسعة والعشرين يحمل تاريخا طويلا فى إعلان المواقف المبدئية التى تحافظ على الثوابت الوطنية، ومنها هذا العام تجديد التأكيد على رفض التطبيع الثقافى مع الكيان الصهيونى والدعوة للحفاظ على الهوية المصرية، وتوصيات أخرى هامة تأتى فى إجمالها فى إطار سعى لاستعادة العمل الثقافى الجاد الذى قدم المؤتمر عددا من نماذجه بتقديم لقاءات شعرية بمدارس أسيوط مثل مدرسة ممتاز نصار بالبداري، وندوات بالمقاهى الشعبية، واحتفال موسيقى خارج المبنى الفخم لقصر الثقافة، فى سعى لاستعادة الاسم القديم الثقافة الجماهيرية وهو الاسم الذى غاب بمعناه لسنوات طويلة.
ولعل د.سيد خطاب الرئيس الجديد للهيئة العامة لقصور الثقافة يسعى لعودة الأنشطة الثقافية اليومية خارج العاصمة كعمل منتظم اعتيادى خارج نطاق الاحتفالات والمؤتمرات وهى على أهميتها لا تعتبر مقياساً جاداً على انتظام العمل الثقافى، وتوفير البيئة الحاضنة للإبداع خارج المركز، حتى تعود مؤسسات الثقافة الرسمية خارج العاصمة قادرة على التأثير الفعلى فى محيطها العام.
هذا وقد جاءت تلك الدورة من المؤتمر بعنوان الأديب قاسم مسعد عليوة «الأدب وثقافة الاختلاف»، وحاولت فتح دائرة جديدة للتعايش وقبول الآخر رغم الاختلاف، كما أكدت أهمية أدب المقاومة الذى يمثله عليوة، كما أطل مفهوم الاختلاف قليلاً خارج مصر نحو الحوار العربى والإفريقي، ونحو السعى للحوار مع الهامش المجتمعى وثقافته المسكوت عنها.
كل هؤلاء الأدباء وأهل الفكر والفن كانوا هناك فى ضيافة كريمة من محافظة أسيوط، حيث أبدى اللواء إبراهيم حماد اهتماماً ملحوظاً وحفاوة بالغة بدعم حضور المشهد الثقافى فى زهرة الجنوب، أسيوط الحادة الواضحة القاسية الحنون، حاضنة القيم، الحيوية التى قدمت لمصر وللعالم العربى أعلاما رائدًا فى جميع مناحى الحياة، أتذكر الأدباء الذين حضروا من كل حدب وصوب وأتأملهم فى ضوء موجات الرواية الجديدة على سبيل المثال، وجمهور متعطش يقرأ لكاتب ظاهرة مثل أحمد مراد، ومحاولات لاستعادة جماهيرية الكتابة عبر دعم ناشر محترف مثل دار الشروق.
لأسأل أين النشر المحترف لكل هؤلاء الرائعين الموهوبين نشر يضع إبداعهم فى دائرة الضوء ولا يصنفهم حسب الموقع الجغرافى للعيش خارج القاهرة.
العواصم بالتأكيد غنية فى كل الدنيا لكنها عواصم متعددة ومراكز متنوعة، تدعم التجارب الإبداعية الثرية التى تحافظ على الهوية الوطنية، ولا تبدأ من عالم عام يلجأ للغرائبية والإبهار وتختطفه الدراما ليصبح عنواناً لامعاً بلا عمق وبلا اتصال مع تاريخ الأدب المصرى والعربى الحديث.
بلا شك ونحن فى مصر معاصرة وفى ظل الشبكة الدولية للمعلومات، وفى ظل تعاطى انتشارها بين المهمشين والأميين ثقافياً الذين وظفوا التكنولوجيا لصالحهم، وفى ظل استنهاض عام لقوى مصر علينا أن نطل بحب وصدق وعمل مؤسسى خارج العاصمة.
أما من عجائب وطرائف الذائقة الشعبية المصرية ما أكتشفه بالمصادفة فى حوار خاص خلال المؤتمر مع الشاعر الكبير يسرى الغرب الذى منح عمره للقرى والفلاحين والمهتمين، أنه حدثنى عن أهل العلم والأدب وكونهم من أهل الاعتزال خارج العاصمة عبر تاريخ مصر الطويل،  مثل جلال الدين السيوطي، وغيره، ومثل عالم أديب مجهول قضى عمره فى قريته «قرقشانده» مركز طوخ ليؤلف مجلدات عديدة اشتهرت بعنوان «صبح الأعشى فى صيانة إلانشا» لأبى العباس القرقشاندى.
ترى هل هو ذات القرقشندى الذى ذبح كبشه، وغنى لاسمه الغناء الشعبى المصرى المعاصر، إنه ليس اسماً غرائبياً بل هو واحد من أدباء قرى مصر ومثله كثيرون، فقط الدعم المؤسسى والاعتراف بهم، سعياً لفتح آفاق متنوعة حيوية للثقافة المصرية، وكل عام جديد وأنتم بخير وسعادة.