الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

المعتقدات المتخلفة.. وإمكانية التغيير

المعتقدات المتخلفة.. وإمكانية التغيير
المعتقدات المتخلفة.. وإمكانية التغيير




 

عاطف بشاى

كنت قد كتبت تحت عنوان «يا عزيزى كلنا سلفيون» مقالاً نشر على أحد مواقع التواصل الاجتماعى حظى بسيل من التعليقات الحادة واللإذعة من بعض القراء الذين يمثلون فى أغلبيتهم الشباب.
أتعرض فى المقال لبعض المظاهر المتخلفة الملتصقة بالدين والدين منها براء من خلال الفتاوى الشاذة التى يصدرها لنا كهنة وشيوخ التحريم مثل فتوى أسقف بعدم جواز نقل دم مسيحى إلى مسلم بعد التناول حيث إن الدم بعدها يكون دم المسيح.. وجواز حمل امرأة بالاتصال بالشيطان.. وفتوى الشيخ يعقوب بمثلها مفادها أن جلوس الفتاة على كرسى هى دعوة صريحة بترغيب الشيطان ان يعابثها.. ويراودها عن نفسها.. واستنكار جلوس رجل مكان امرأة فى وسيلة مواصلات لنجاستها لكونها عورة.
وأشرت إلى أن «الاخوان المسيحيين» لا يختلفون عن الإخوان المسلمين فى ذلك.. بل للدقة فإن العامة بصرف النظر عن دينهم ما زالوا أسرى خزعبلات مقيتة فالأدمغة تم تفريغها وتسطيحها من خلال ثقافة الحلال والحرام التى تفشت واستشرت فى مجتمعنا خلال السنوات الثلاثين الماضية تفشيا سرطانياً.. فأصبح هناك خلط شائن بين العقيدة وبين المسلمات المرتبطة بتعاليم وطقوس ووصايا ومحظورات الكهنة والشيوخ.
فى ظل سيطرة كاملة ومتأصلة للغيبيات والخرافات على الأدمغة والعقول حيث الاهتمام بالقشور لا الجوهر.. السطح لا المضمون.. الارتداد للخلف لمئات السنين حيث أصولية بغيضة «انظر مثلاً إلى معاودة إثارة قضية عذاب القبر.. وإلى تصريح البابا الأخير بوجوب فصل الأولاد عن البنات فى المدارس».
الأزمة الحقيقية إذا تكمن فى أن الشارع المصرى – بمسلميه وأقباطه – اصبح شارعاً طائفياً تحكمه نزعة سلفية وشيوعاً لتدين شكلى ومرجعية عنصرية متشددة تؤمن بالدجل والشعوذة وذات مزاج رجعى متخلف وكئيب يسيطر على افكار الناس وسلوكياتهم وجميع امور حياتهم الاجتماعية.
بعد ان قرأت التعليقات على ما كتبت أصابنى الاحباط بل انى فقدت حماسى وتفاؤلى بإمكانية التغيير وتحقيق رسالة التنوير – ان وجدت – لاهدافها فى القريب العاجل.. خاصة أننى لاحظت ان الأغلب الأعم من الذين تباروا فى الهجوم عليّ واستنكار ما اعرضه من أفكار اؤمن بها هم كما اشرت من الشباب.. ذلك لانهم اضطرونى – دون تعمد أو قصد – أن أقارن بين أبناء جيلى وبينهم عندما كنا فى مثل أعمارهم.. حيث كنا نحلم بتغيير العالم من حولنا بنسف المقدسات الزائفة وإحراق الكتب القديمة واللغة القديمة.. والتابوهات القديمة.. والأوراق الصفراء العتيقة.. والمسلمات البالية والمعتقدات المتخلفة.. وإشعال النار فى خرافات السلف العبثية.. والتمرد على قوالب الاصوليين الجامدة.. وازدراء الطقوس المتهافتة.. والثورة على كهنة المنع والمصادرة وسلاطين التحريم والتجريم وفرض الوصاية باسم الدين.. وشيوخ الحسبة وفتاوى التضليل وكراهية العلم وفقه الخرافة والتكفير.
كنا نتسابق إلى المكتبات العامة لنستعير مؤلفات «الطهطاوى» و«الافغانى» والشيخ «محمد عبده» و«قاسم امين» والشيخ «على عبد الرازق» و«لطفى السيد» و«طه حسين» و«سلامة موسى»، ولولا ضيق ذات اليد لاشتريناها لتبقى فى حدقات العيون وقلب القلب.
كنا نتنسم رحيق عصر النهضة فى عشرينيات القرن الماضى فى كتاباتهم ومؤلفات تلاميذهم أمثال «العقاد» و«الزيات» و«المازنى» و«مى زيادة».. وصولاً إلى «لويس عوض» و«سهير القلماوى» و«زكى نجيب محمود».. ومن خلال أحرف النور التى سطروها تفتح وعينا وترسخت قناعاتنا بمعانى الحرية.. حرية الرأى وحرية التعبير.. وحرية الحب.. وحرية الاختلاف.. وحرية الاعتقاد.. ورحابة الفكر.
وتعمدنا فى مياه التمرد وجدل الفكر وتحطيم اوثان الجمود والجهالة.. وانطلقنا نحلم بعالم مختلف وانسان مختلف ودنيا جديدة.. اتذكر الآن الماضى الجميل واتحسر عليه.. واسترجع ما قرأته عن صالون «مى» الذى كان يضم عباقرة ورواد الفكر والثقافة والأدب والفن من كل التيارات.. وكانت تشتعل فيه المناقشات والمساجلات والمناظرات.. وتنشب فيه المعارك الفكرية بين أصحاب الفكر الجديد.. والمدارس التراثية.. المحافظون والثوريون.. المتشددون عقائديا.. والمتطلعون إلى آفاق العلم اللا نهائية.. وكان «شبللى شيميل» العالم والشاعر واول من ترجم «اصل الأنواع» «لدارون» ينحاز للعلم ويعادى الجميع.. ويجاهر بإلحادة.. وكانوا يسخرون منه فيغضب تاركا الصالون صائحاً: يا أدباتيه يا أولاد الكلب.. فتداعبه «مي» قائلة: ولماذا لم تقل يا أولاد القرود؟!
لكنه لما مرض مرض الموت زاروه جميعاً.. ولما مات أقاموا له حفل تأبين وألقى فيه «حافظ إبراهيم» قصيدة رثاء اشاد فيها بعلمه وعبقريته.
فسلام عليك أيها الزمن الجميل.