الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«التصلب المتعدد» أسباب مجهولة وعلاج فى علم الغيب

«التصلب المتعدد» أسباب مجهولة وعلاج فى علم الغيب
«التصلب المتعدد» أسباب مجهولة وعلاج فى علم الغيب




تحقيق - نشوى يوسف
 

تصلّب الأنسجة المتعدّد، أو التصلبات النثرية، يعرف علميًا بـMS، مرض التهابى  مزمن يأتى على شكل هجمات، يقف الطب أمامه عاجزًا، فأسباب الإصابة مجهولة، والعلاج فى علم الغيب، وأدويته تدخل فى نطاق مسكنات باهظة التكاليف، فالمريض يشعر بالضعف والقسوة لمعاناته عندما تهاجمه أعراض المرض، التى تؤثّر على النظام العصبى المركزى وتتسبّب فى تغيّر فى الإحساس، مشاكل بصرية، ضعف عضلات، كآبة، صعوبات بالتنسيق والخطاب، إعياء حادّ، ضعف إدراكى، مشاكل بالتوازن، ارتفاع درجة الحرارة وألم، كما يسبب أيضا ضعفًا فى قابلية الحركة وعجزًا فى الحالات الأكثر حدة.

ويرفض المريض أن تتحطم صورته أمام عائلته وأصدقائه، فيحاول كتمان ما بداخله بشتى الوسائل، بعد أن يفشل الطبيب فى مساعدته ويجد نفسه محاطًا بآهات الآباء وعجزهم، وقد تزول الأعراض بين الهجمات بالكامل، لكن المشاكل العصبية تستمرّ فى أغلب الأحيان، خاصة إذا كان المرض فى مراحله المتقدمة، فلا يوجد حاليا علاج تام ولكن عدّة علاجات قد تبطئ ظهور الأعراض الجديدة.
سُجلت حتى الآن عدة ملايين من حالات التصلب المتعدد، فى كل دول العالم تقريبًا، إذ يتركز المرض فى الفئات العمرية ما بين 20 و45 سنة، وكغيره من أمراض المناعة الذاتية يزيد فى النساء عن الرجال حيث تبلغ نسبة الأناث إلى الذكور فى الفئات العمرية المنخفضة 1:3 وسرعان ما تتقارب هذه النسبة بين الجنسين بعد الخمسين، كما تزداد نسب الإصابة طرديًا كلما ابتعدنا عن خط الاستواء.
ووفقا لتقديرات منظمة الصحة العالمية، فإن التكلفة المباشرة وغير المباشرة لعلاج مرض التصلب المتعدد تصل إلى 51 ألف دولار.
الزوج آخر من يعلم
حالة مرضية واحدة وافقت على الحديث حول مرضها لـ«روزاليوسف»، وطلبت إخفاء اسمها والاكتفاء بالحروف الأولى، للحفاظ على كيان أسرتها لأن الزوج آخر من يعلم رغم أنه لاحظ عليها فشلها فى السير بطريقة متزنة بعد إنجابها طفلهما الأول.
وتصور ش .ف 33 سنة، رحلة معاناتها مع التصلب المتعدد الذى بدأت أعراضه عام 2008، حين حدث لأول مرة أنها لا تشعر بقدميها إلا أنها لم تأخذ حالتها على محمل الجدية، وبعد عام آخر أصبحت لا تقدر على المشى بصورة سليمة وزاد الإرهاق عليها شيئا فشيئا، وبعرضها على طبيب باطنة أكد أنها لا تعانى من شىء.
وتقول ش .ف: فى عام 2010 شعرت بالإعياء الشديد لدرجة أفقدتنى اتزانى داخل المواصلات فى طريقى للعمل فظننت أنه الإرهاق، ذهبت بعدها إلى طبيب مخ وأعصاب وعندما لاحظ عدم قدرتى على السير بطريقة صحيحة طلب أشعة لفحص المخ، وحدثت الفاجعة، بعد أن وجد نقاطًا بيضاء منتشرة فى المخ، فهى ليست بجلطات وأورام بل أسوأ، مرض حديث يسمى التصلبات النثرية، ونقلت على أثرها مباشرة لمستشفى المنصورة الجامعى، لأوضع تحت الملاحظة لأربعة أيام متواصلة باشرت فيها العلاج بمحاليل الكورتيزون.
وتتابع: وبعد عامين من الأدوية، فوجئت باهتزاز فى العين وعدم القدرة على الرؤية بصورة طبيعية، فذهبت لطبيب رمد فأخبرنى أن الجهاز البصرى ليس له علاقة بما يحدث وإنما نتيجة لاصابتى بالمرض الذى تسبب فى ضمور جزئى بالبصر، لأنه يؤثر على كل جهاز يتحرك فى جسم الإنسان، اضطررت إلى التوقف عن العمل فلم يتم تعيينى ولم أدخل مظلة التأمين الصحى لتوفير القليل من تكلفة العلاج الباهظة غير المتوافر سوى فى المستشفيات الجامعية، حيث يصل ثمن الحقنة الواحدة أسبوعيا إلى 1500 جنيه، كما يوجد علاج شهرى يتركز فى السلوجريد والكورتيزون وبعض الأدوية الاخرى الخاصة بعلاج الدوار وأدوية لتقوية أعصاب العين يصل ثمنها إلى 2000 جنيه وكل هذا على نفقتى الخاصة، وأتمنى ضم مرضى التصلبات النثرية خاصة من غير العاملين بالقطاع العام إلى التأمين الصحى.
المتصلب الحميد والخبيث
تحدثت «روزاليوسف» مع الدكتور حسن سلامة أستاذ مساعد المخ والأعصاب جامعة المنصورة حيث كانت رسالة الماجستير الخاصة به عن الـMS «اختصارًا للمصطلح الانجليزى Multiple Sclerosis»، فقال: إن هناك نوعين من المرض، الأول «التصلب المتعدد الحميد» وهو أخف الأنماط وأقلها ضررا، حيث لا يترك المرض أى أعراض دائمة، والثانى «التصلب المتعدد الخبيث» وفيه تحدث الانتكاسة ثم تتدهور حالة المريض بشكل سريع حيث يكون المرض عنيفا جدا منذ البداية وفى اقل من 5 سنوات يعانى المريض من إعاقة شديدة.
وبعد سنوات عدة من الانتكاسات المتعددة، يصبح المريض عاجزا وتصبح الأعراض متواجدة معظم الوقت من شلل وتقلصات فى أطرافه الأربعة إلى ضمور فى الأعصاب البصرية، وسلس بولى دائم وخرف وتتكاثر الالتهابات على المريض وهنا غالبا ما تحدث الوفاة بسبب فشل كلوى أو تنفسى بعد التهاب حاد فى الكليتين والرئة.
نسبة الشفاء صفر
أما عن سبل العلاج فيؤكد الدكتور أحمد عبدالعليم أستاذ مساعد المخ والأعصاب بقصر العينى وعضو الجمعية المصرية للأمراض العصبية والنفسية وجراحة الأعصاب أن العلاجات المتاحة للمرض ما هى إلا للسيطرة على المرض فقط ولا يوجد علاج شاف منه حتى الآن سواء فى مصر أو العالم وأنه هيئة التأمين الصحى تحملت بالفعل جزءًا من العلاج لكن ليس كله.
مراكز الإصابة مختلفة
ويقول الدكتور رأفت مسعد، ماجستير المخ والأعصاب جامعة المنصورة: إن مراكز الإصابة تختلف من شخص لآخر، فمن الممكن أن يصاب مريض بشلل فى قدميه، ويصاب آخر بفقدان البصر، وآخر بشلل فى يديه، وقد يصاب المريض الواحد بكل هذه الأعراض، مشيرا إلى أن المصابين دائما ما يفضلون عدم معرفة أهلهم أو أصدقائهم حتى لا تضطرب العلاقات بينهم.
المرض ليس وراثيا
ويضيف مسعد أن هذا المرض لا يورث، ويتعلق باضطرابات جهاز المناعة، ولا يوجد له تطعيم، ونادر حدوثه فى الأطفال، حيث يستهدف فئة الشباب خاصة المرأة ولا يؤثر على قدرتها على الإنجاب.
تكلفة الحقن بعيدة
 عن إمكانات المرضى
وعن التكلفة المادية للعلاج يقول مسعد أنها تتعدى آلاف الجنيهات مثل حقن الانترفيرون والكورتيزون التى تعطى فقط كبديل عند عدم توافر العلاج الأصلى والذى يتعدى ثمن الحقنة الواحدة فيها الألف جنيه، بينما توصلت الأبحاث الحديثة إلى ابتكار علاج بالأقراص، وثمن الجلسة الواحدة تبدأ من 150 ألفًا إلى 250 ألف جنيه، وهو الأمر الذى يعد خارجا على طاقة وإمكانات المريض.
أعداد المرضى تتضاعف
ولمنظمات المجتمع المدنى دور أيضًا، فى التخفيف عن المصابين، فيقول الدكتور محمود فؤاد مدير المركز المصرى للحق فى الدواء: إن المركز بدأ متابعة هذا المرض منذ عام 2009 استجابة لمناشدة منظمة الصحة العالمية، وبعد البحث رصد ارتفاع عدد المصابين فى الوقت الحالى إلى 100 ألف مريض، بمثابة أربعة أضعاف معدل المرض منذ عام2000، حيث كان عدد الحالات 30 ألف مصاب، ورغم أن المرض يصيب الشباب من سن 20 إلى 45 سنة، فقد تم الكشف عن أولى إصابات الأطفال فى سن الثانية عشرة منذ ثلاث سنوات.
وتكمن المشكلة الأكبر فى أن ما يتم إعطاؤه للمريض على أنه جرعة مسكنات، تعمل على تدهور الحالة وتصيبه بالإعاقة كلية كانت أو جزئية.
الطلاب المصابون يتعمدون الرسوب للحصول على العلاج
وأضاف فؤاد أن المركز قام برفع دعوى قضائية على هيئة التأمين الصحى حتى يندرج علاج هذا المرض تحت مظلة التأمين الصحى وبالفعل نجح فى أن يتحمل التأمين جزءًا من النفقات وصل إلى 1000 جنيه كمرحلة أولى ثم وصل المبلغ بعد ذلك إلى 2000 جنيه كجزء من جملة ما يتكلفه علاج المريض شهريا وهو 4800 جنيه، لذلك لا يوجد مريض واحد فى مصر يأخذ جرعة العلاج بانتظام فينتظر لحين حدوث هجمة جديدة من المرض ليبدأ العلاج مرة أخرى.
ومن جملة عدد المرضى فى مصر لا يخضع سوى 70 مريضًا فقط للعلاج من خلال التأمين الصحى معظمهم من طلبة الجامعات، وبسبب غلاء العلاج يضطر هؤلاء الطلبة إلى تعمد الرسوب سنة بعد أخرى حتى يمكنهم الحصول على العلاج بصفة شهرية.
المتخصصون يجهلون الداء والأقلية تحكم
أما عن العلاج على نفقة الدولة فيؤكد فؤاد أن المشكلة تكمن فى عدم وجود لجنة خاصة بالمخ والأعصاب وعلاجاتها لتكاليف الميزانية الباهظة، ونظم المركز بعد مخاطبة التأمين الصحى دورتين تدريبيتين للأطباء بعد توفير إمكانيات الدورة من جانب شركة ألمانية، حيث لا يوجد سوى القليل من الأطباء يسيطرون على علاج التصلب المتعدد فى مصر من إجمالى 120 ألف طبيب متخصص فى المخ والأعصاب يجهل طبيعة المرض، ونتيجة لذلك تضيع من المرضى سنوات طويلة فى تناول علاجات خاطئة تتسبب فى تدهور حالاتهم أكثر.
كما يوجد فى مصر جمعيتين أو ثلاث فقط متخصصة فى المرض إلا أنهم ليس لديهم فكرة عن العمل الميدانى أو المجتمعى لذلك تكتفى الجمعيات بتنظيم المؤتمرات التى تمولها شركات الأدوية الخاصة دون عمل حملات للتوعية والتثقيف مثلما يحدث فى الدول المتقدمة.
على الدولة إحالة المريض للجنة خبراء
ويصف الدكتور محمد حسين خليل منسق لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة، قرار وزارة الصحة بتحمل جزء من ثمن العلاج بـ»القرار غير الدستوري»، حيث يرى أنه يمهد لتكييف المواطن على تحمل تكاليف المرض كاملة، حيث ينبغى على الدولة العمل بمؤشر موضوعى يسمى «الدالى» للتعامل مع الأمراض المزمنة والخطيرة لتستطيع تحديد كلفة إبقاء الشخص دون إعاقة مثلما يحدث مع تطعيم شلل الأطفال، وذلك من خلال إحالة المريض للجنة خبراء لتحديد مدى خطورة المرض.
الصحة تتحمل 75% من التكلفة.. فى بعض الحالات
وعن رأى وزارة الصحة ودورها فى علاج مرض الـMS أكد الدكتور حسام عبدالغفار المستشار الإعلامى لوزير الصحة، أن مظلة التأمين الصحى تغطى ما يقارب من الـ50% من تكلفة العلاج، بينما ترتفع نسبة تحمل الدولة من تكلفة العلاج لغير القادرين من المرضى إلى حوالى 75%، وأنه خلال شهر سيتم إضافة حقن «بيتافيرون»، المستخدمة للتقليل من الانتكاسات الصحية للتصلب المتعدد إلى التأمين الصحى.
الدين: المصارحة أساس الحياة
ولأن معظم المصابين بهذا المرض يخفون على أهلهم وذويهم حقيقة الإصابة، بل ويصل الأمر إلى أن تخفى الزوجة عن زوجها طبيعة المرض خاصة أثناء فترة الخطوبة، فكان لا بد لـ«روزاليوسف» أن تتعرف على رأى الشرع، ويقول دكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر: إنه طبقًا للأخذ بقاعدة «لا نقدر البلاء قبل وقوعه»، وطالما أن المرض يأتى فجأة ودون مقدمات، فنأخذ بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تتمنوا لقاء العدو ولكن اسألوا الله العافية»، وهذا يعنى أنه طالما لم يصب الإنسان بالمرض فلا يفكر به، وإنما إذا كان الشخص مصابًا من البداية وسيؤثر ذلك على الحياة الزوجية كالمعاشرة أو غيرها من المتطلبات الأسرية، فهنا يجب المصارحة من الطرف المصاب، وذلك حتى لا تبنى الحياة الزوجية على الغش، ولنفترض أن أحد الزوجين ليس لديه مقدرة مالية لتحمل كلفة العلاج، أو حتى لتحمل الظروف والعوامل المصاحبة للمرض، فالمصارحة هى أساس الحياة الأسرية، وأيضا لتجنب أزمات ومشكلات لا يمكن حلها، قد تحدث بعد اكتشاف إخفاء المرض من قبل الزوج أو الزوجة، مما يفشل الزيجة وتنتهى العلاقة بالانفصال.