السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

د. حسام عطا يكتب: الشاشات الملونة.. كرامة الفقر الغائبة

د. حسام عطا يكتب:  الشاشات الملونة.. كرامة الفقر الغائبة
د. حسام عطا يكتب: الشاشات الملونة.. كرامة الفقر الغائبة




عودى كما كنت بهية قوية الإرادة، ليس مهمًا ما معك من أوراق مالية، فأنت مهد الحضارة الإنسانية، ستعودين بإذن الله تعالى، وسيختفى تمامًا عن وجهك الجميل هذا الإرهاق الطارئ يا مصر، لقد تملكنى ذلك الشعور عندما تأملت على فضائية دريم الثانية الإعلان المحترم الذى يقدمه بشخصه فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف د. أحمد الطيب، وهو إعلان عن بيت الزكاة والصدقات الذى يشرف عليه بنفسه، وفيه يدعو أهل الخير لدفع الزكاة، وهى ركن من أركان الإسلام الصحيح، وهى حق معلوم لا منة ولا تفضلاً ولا تعبيرًا عن الرقة، بل هى فرض يعزز السلام الاجتماعى ويحفظ كرامة الأمة ويحقق العدل الإلهى بين الغنى والفقير، أما الصدقات فهى أمر مشترك بين جميع الأديان، وبنى الإنسانية الكرماء، وما أسعدنى فى هذا الأمر هو أمل فى توقف عرض آلام الفقراء والمرضى والمتعطلين عن العمل من أهل مصر على شاشات الفضائيات، فلا تكاد تخلو فضائية مصرية خاصة برامج الحوار من فقرة الاتصال الهاتفى، الذى يعرض فيها الناس آلامهم عرضًا مكشوفًا مما يجرح كرامة الفقر والمرض، والحق الأصيل للمواطن فى فرص العمل، خاصة أن بعض مقدمى البرامج يبدون تأففا ومللا غير صريح عند الاستماع لمطالب الناس، ولاشك أن هذا الدور الاجتماعى الإنسانى للفضائيات هو دور جديد فى انتظامه الكثيف على الشاشات، كان موجودا ولكن ليس بهذه الكثافة، وهو أحد الأدوار التى اتخذها المذيعون لأنفسهم فدور أهل الخير هو أحد أخطر الأدوار بجوار دور الجندى ودور المناضل ودور محارب الفساد الشرس وأحيانًا دور القاضى والجلاد معا، وهى أدوار على أهميتها تحتاج لإعادة صياغة حتى يلعب الإعلام دوره فى مراقبة ومحاسبة ومساعدة الدولة والمجتمع معًا، ولكن بطريقة موضوعية بعيدة عن شخصنة هذه الأدوار.
والرسالة المهمة التى أرسلها الشيخ الطيب فى هذا الإعلان أنه لو أدى الناس الزكاة المستحقة، لما عاد هناك محتاج واحد فى مصر، وعندما يذهب صاحب الحاجة لبيت الزكاة فهو يذهب كريما يطلب حقا شرعيا مشروعا دون حاجة لأن يعرض جرحه مكشوفا أمام الناس، ولاشك أن تحول بعض البرامج إلى جمعيات خيرية تتلقى التبرعات أو وسيط للحصول على السكن  والعمل وتسديد الديون لهو أمر طيب، ولكنه يحتاج لرقابة من الجهاز المركزى للمحاسبات حول تلقى الأموال وأوجه صرفهما وهو جهد مشكور، لكن شريطة ألا ينمى مشاعر كشف الجراح، وتصوير الناس فى أردأ حال، فالمساعدة الإنسانية يجب أن تتوخى السرية ووجوه هؤلاء وبياناتهم الكاملة يجب منع ظهورها على الشاشات، كان أهل مصر يتعمدون البعد عن الأنظار عندما يأخذ أحدهم أدوية المرض المزمن فى مكان عام، وكان اختفاء النقود من يد المصرى البسيط سببًا لتقليص المطالب، وترك الأمر للنساء لتداول الاحتياجات البسيطة لحين انفراج الأزمة، وكان بقاء الرجل بالدار كارثة يفضل أهل البيت على حدوثها جنازة يعقبها ثأر، أين كرامة الفقر التى تسيل كل ساعة على شاشات الفضائيات المصرية؟
بالتأكيد هذه ليست دعوة للمنع فممارسة الخير أمر يستحق التقدير، لكن بضوابط أهمها الحفاظ على إنسانية البشر، كما أنها ليست دعوة لشاشات ملونة تعرض الأناقة والصحة والثراء، ولكن معالجة الفقر والمرض والعوز فى صياغات إجمالية تؤكد الانحياز للفقراء من أهل مصر تحتاج لمعالجات أكثر مهنية، لتؤكد ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية، بلا شخصنة ولا اتجار بالبؤس الإنسانى.