الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حادث إرهابى طائفى أم طائفى إرهابى؟!

حادث إرهابى طائفى أم طائفى إرهابى؟!
حادث إرهابى طائفى أم طائفى إرهابى؟!




 

عاطف بشاى

فى ليلة «الكريسماس» وقفت طفلة ترتدى زى «بابا نويل» المعروف على باب كنيسة القديسين بالإسكندرية رافعة لافتة مكتوبا عليها «حقهم فين شهداء القديسين».. بينما نظم شباب ماسبيرو وقفة صامتة أمام تضامنية بالشموع اشترك فيها شباب المسلمين أمام الكنيسة للتنديد وال.... والمطالبة بتقديم الجناة للمحاكم فى تلك الأحداث التى وقعت فى يناير (2011) وراح ضحيتها (24) قتيلا و(79) مصابا، وبهذه المناسبة حضرت ندوة أقامها مركز ثقافى مهتم بأوجاع وهموم الوطن عنوانها (ذكرى مذبحة كنيسة القديسين بين الإرهاب الأسود والطائفية الكريهة.. محاولة لتفسير الحدث الغامض وتحليل الأسباب والدوافع والنتائج فى إطار الأيديولوجيات المختلفة.. وعلاقة السلفيين والمتشددين دينيا بأطياف التطرف المتأسلم وصولا إلى تنظيم القاعدة).
وقد بدأ الصحفى المتحذلق المخضرم الذى ينظم الندوة بسؤال حتمى هو: هل الحادث طائفى أم إرهابى؟! أم هو حادث طائفى يتنكر فى زى إرهابى؟! أم هو حادث إرهابى يتخذ شكلا طائفيا؟! أو هو مزيج معقد ومتشابك من الطائفية والإرهاب معا؟! وهل الفاعل الأثيم مستورد أم أنه صناعة محلية يعيش بيننا.. ويأكل معنا فى طبق واحد.. ويشاركنا بأسنا ويأسنا؟!
انقسم الأصدقاء المثقفون إلى فيالق مختلفة استطعت أن أميز بينها صوتا ناصريا أكد أنه «موضوع إرهابي».. الهدف منه توجيه ضربه قاصمة إلى الدولة المصرية بكل أبنائها دون استثناء.. إنه الاستعمار والامبريالية العالمية وعميلتها «إسرائيل».
عندئذ هتف ماركسى عتيد مستنكرا:
- أى استعمار يا أخ.. الحادث تم فى عام (2011).. وليس فى زمن «عبدالناصر» الذى..
قاطعه «الناصري» فى حماس مواصلا دون أن يتوقف عند اعتراضه:
- إن العدالة الاجتماعية التى حققها أمير الفقراء عبد الناصر ونجاحه فى تذويب الفوارق بين الطبقات والتفاف المصريين حوله فى مشاريع قومية كالوحدة العربية والتحول الاشتراكى.. أو توجه سياسى فكرى لإرساء دعائم «دولة مدنية» لا مكان فيها لتدخل الخطاب الدينى أو الدولة الدينية فى الاعتداء على الدستور الذى يدعم حقوق المواطنة.. فملأ المعتقلات بالإخوان المسلمين وعذبهم عذابا أليما وطارد فلولهم.. ورفع شعار «الولاء للوطن» فى ظل تحالف قوى الشعب العاملة.. إنه بمجرد نظرة خاطفة سريعة إلى الشارع المصرى وقتها سوف تدركون أن الإرهاب صناعة «ساداتية» ولدت ونمت وترعرت فى عهده ثم.. انتفض مثقف «ساداتي» يصيح مقاطعا:
بل إن الإرهاب وليد ديكتاتورية قمعية ضد الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان.. لقد نما الإخوان تحت الأرض فى الحقبة الناصرية وأفرخوا فى عصرنا السعيد هذا كل الأطياف الدينية المتطرفة التى أفرزت إرهابا متناميا.. حادث الكنيسة هو أحد مظاهره.
صاح رجل أنيق «ميتاليك» لامع الوجه ملامحه لا تشى بأى تعبير أو انفعال ويبتسم فى هدوء ابتسامة لزجة لا تتناسب والموقف المحتدم مرددا:
- الحوادث الإرهابية هى حوادث هامشية لا تمس جدار الوحدة الوطنية العتيد الذى سيبقى دائما صامدا.
أما أنا فقد نهضت أستنكر أن نترك جوهر القضية لنتفرغ لحوار عقيم هدفه محاكمة عصور سابقة وقلت:
أما وقد صار الانتماء الدينى أقوى من الانتماء الوطنى.. وباتت المشكلات الاجتماعية والاقتصادية يحيلها الناس إلى المؤسسات الدينية ويلتمسون من خلال رموزها من الفقهاء والكهنة ودعاة الفضائيات من الشيوخ والقساوسة الحل والعزاء والخلاص والرجاء والنصيحة والفتوى فى ظل مناخ فوضوى وعبثى وطبقى تتراجع فيه مبادئ العدالة الاجتماعية وينهار فيه «السلم القيمي» للشخصية المصرية التى تغيرت تماما فى سلوكياتها من النقيض إلى النقيض، بل إن المفارقة الحزينة.. تتمثل الآن بوضوح فى تفشى العنف والرذيلة والانحراف والفساد كلما ازداد الغلو فى الاحتفاء بتلك المظاهر الشكلية.. فى ظل هذا المناخ يبرز الاحتقان الطائفى ويتصاعد.
عاد الرجل اللزج إلى التدخل مرددا بنفس النبرة الرتيبة السابقة مكررا:
- الحوادث الإرهابية مصدرها قلة منحرفة مندسة لن تنال من تماسك وحدة الهلال والصليب ولا تنسوا أن مصرنا الحبيبة مستهدفة.
فجأة يقف مثقف أريب يصرخ رافضا فى حسم كل ما قيل مؤكدا: كلكم تعيشون وهما كبيرا.. تشير أصابع اتهاماتكم إلى جهات هى أبعد ما تكون عن الحادث.. ولا ترون تحت أقدامكم.. الأقباط هم من فعلوها. لقد نفذوا العملية الإرهابية ضد كنيستهم كما «نيرون» الذى أحرق «روما».. أو الملك «فاروق» الذى قيل أنه ضالع فى حريق القاهرة. وذلك بهدف إثارة فتنة طائفية يعتقدون أنها تتيح الفرصة للولايات المتحدة وإسرائيل أن تهب للدفاع عنهم وتمكينهم من طرد المسلمين الغزاة من «مصر»، وطن الأقباط.
ولم تتح له الفرصة ليقول إن «البابا شنودة» نفسه هو المحرض الأول على تفجير الكنيسة.. فقد تطورت الملاسنات بسرعة إلى اشتباكات بالأيدى والأرجل.. ومناضد متطايرة وكراسى متناثرة.. استدعت فى النهاية تدخل الأمن بينما التفت الرجل اللزج إلىّ وقال بهدوء وثقة:
نحن نسيج واحد.. لافرق بيننا. وعنصرا الأمة بخير.. والأمن قادر فى النهاية على تأديب الجميع.