السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

دراما واقعية فى باريس

دراما واقعية فى باريس
دراما واقعية فى باريس




كتب: د. حسام عطا

تأتى شاشة أون تى فى طوال يوم الجمعة الأخير، حتى إعلان الشرطة الفرنسية تحرير الرهائن وقتل المشتبه بهم الخاطفين، شاشة قادرة على تقديم الحدث بشكل مباشر كفعل مضارع يحدث الآن، وهو تعبير عن قدرة على الحركة السريعة وتعاون احترافى مع مراكز نقل الصور العالمية، إنها دراما واقعية بين قوتين غير متكافئتين، تأتى مثيرة للغاية لأن الشرطة الفرنسية المحترفة فى صراع مع أفراد مصدر خطورتهم ورغبتهم الشديدة فى الموت، أما ما يزيد إثارتها بالنسبة للمشاهد العادى فهو وجود رهائن أبرياء، ذلك رغم مرراة الجريمة وإرهابها.
أما حيوية الفرنسيين واستجابتهم فى هيئة وقفات احتجاجية ضد الإرهاب، فقد تابعتها ON TV بمهارة، حتى لحظة اقتحام المصنع والمتجر معًا وتحرير جميع الرهائن وقتل الخاطفين، وهى اللحظات التى توقف فيها بيع وتسويق الصور التليفزيونية لفظاعة فعل القتل، ولأن إنهاء الاحتجاز بالتصفية الجسدية مسألة تعرف الشرطة الفرنسية أنها الحل الأخير الصعب، ذلك أن الاختيار المهنى هو إلقاء القبض عليهم وتحرير الرهائن، ولأنها شرطة مهنية وذات كفاءة ظلت النهار كله تعلن أن المشتبه بهم فى حادث شارلى إبدو الإجرامى أعلنوا أنهم مستعدون للموت ولن يتفاوضوا على الاستسلام أبدًا، وهكذا صنعت الشرطة الفرنسية رأيا عاما عالميا لأن الرهائن فى عداد الموتى، ولذلك جاء فعل تصفية الخاطفين مقبولا على المستوى الأخلاقي، رغم أنهم مجرد مشتبه بهم، ولكن حماقتهم فى فعل الاحتجاز والمطاردة ومقاومة الشرطة هى الفعل الذى وثق من صحة الاشتباه فى كونهم قتلة الصحفيين فى شارلى إبدو، هذه هى احترافية الصور وقدرتها على تأكيد عدالة القضية واستحقاق العقاب، وهو الأمر الذى أدى لتعاطف كبير من المسلمين قبل غيرهم فى مصر والعالم مع الرهائن المحتجزين، وضحايا الأربعاء الأخير فى باريس.
ثم يأتى جمال فهمى فى برنامجه نصف ساعة ليقدم نموذجا لصفحة الرأى التليفزيونية المدعومة بالمعلومات الموثقة ليفض الالتباس عن صراع نهار الجمعة المثير، وأهم ما فى فهمه للقضية تحديد تاريخ نشر شارلى إبدو للرسوم المسيئة منذ خمس سنوات مضت، فى إطار رد الفعل الضخم والغضب  الكبير إزاء نشر مجلة دنماركية لتلك الرسوم، وقد أرادت شارلى إبدو محدودة الإصدار غير المشهورة فى فرنسا إعادة نشر تلك الرسوم الدنماركية لرفع توزيعها، لاستخدام الضجة التى حدثت آنذاك فى كل أنحاء الدنيا.
أما ما فعلته إبدو مؤخرًا وهو الأمر الذى جدد روح الانتقام حولها أنها قامت بنشر رسوم ساخرة لأبى بكر البغدادى وتنظيم داعش، وهى المعلومة التى تجعل ذلك الأمر هو السبب القريب والمباشر للهجوم الوحشى وقتل العاملين بشارلى إبدو الأربعاء الماضى، ليس السبب إذن هو الرسوم المسيئة للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بل الإساءة لأبى بكر البغدادى وتنظيمه، وإلا لماذا تأخر الانتقام سنوات خمس كاملة؟!
لاشك أننا نرفض الإساءة للرسول الكريم الذى كانت عظمته تكمن فى أحد أهم تجلياتها فى ثقة كبرى بالذات وبالرسالة دفعته لضرب أمثلة متعددة فى ضبط النفس والعفو عن الناس، لاشك أن نظرة الرفض والغضب من تجاوز شارلى ابدو مع الأديان السماوية الثلاثة مسألة لا نقاش فيها، لأن احترام العقائد ضرورة لا علاقة لها بحرية التعبير، أما قطع الصلة بين الفعل الإجرامى والثأر لرسول الإسلام فهو أيضا ضرورة كى لا يتعاطف البسطاء مع الفعل الآثم الذى أدانه الأزهر الشريف، وإظهار تعاطفنا مع أشقاء الإنسانية وشركاء حوض البحر الأبيض المتوسط الفرنسيين الأكثر ولعا بين شعوب الأرض بالحضارة الفرعونية، ضرورة للدفاع عن جوهر الإسلام القائم على حفظ النفس البشرية والتسامح والعفو عند المقدرة، وتبادل الحجة بالحجة والرأى بالرأى والعين بالعين، مع ضرورة التأكيد على البعد عن إثارة الآخرين ووجود قوانين تعاقب وتجرم الإساءة للأديان السماوية، وهذا ما نسى جمال فهمى التأكيد عليه.
ولذلك خيرا فعلت نقابة الصحفيين المصرية بالدعوة لوقفة احتجاجية أمس الأحد الساعة الثانية، للتضامن مع ألم الفرنسيين الذين سيخرجون للتظاهر تلبية لدعوة الرئيس الفرنسى لهم بالخروج فى ذات اليوم، حتى يبدى المصريون استنكارهم لذلك الوجه المصطنع الإرهابى المتوحش الذى ينسب نفسه للإسلام دين العقل والرحمة. أما مهنية جمال فهمى الأنيقة عندما يحافظ على عقله محايدا، فيمكن ملاحظتها بوضوح.