الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«التطرف» يربك الكنيسة.. ويرعب الأقباط

«التطرف» يربك الكنيسة.. ويرعب الأقباط
«التطرف» يربك الكنيسة.. ويرعب الأقباط




تحقيق ـ روبير الفارس
أصبح التطرف مرض العصر وآفته، الذى تعانى منه جميع المجتمعات فى مختلف الانحاء، ولم تنج المسيحية من بعض المتطرفين، فكما يوجد تطرف فى الدين الإسلامى توجد أيضا التيارات الأصولية المسيحية المتطرفة، وأصبح العالم يواجه خطرا إرهابيا مصدره ليس الجماعات الإسلامية المتشددة، وعلى رأسها القاعدة وجماعات داعش وغيرها من عصابات التطرف الفكرى فحسب، بل أيضا تنظيمات وجماعات نفخت فى روحها الأفكار العنصرية التى تعتمد فى خطاباتها على العرق والثقافة وحتى الدين، وتشكل حاليا خطرا محدقا بالدول التى اعتمدت فى استراتيجياتها وعقيدتها على زرع عداوة للعرب والمسلمين، فضلا على أن بعض المتطرفين يعتمدون على الإتيان بأفكار تعتمد على تأويل الآيات من الكتاب المقدس بشكل خاطئ وشرير لإيجاد مبررات لاستخدام العنف.
فى البداية يقول الدكتور ماجد عزت، باحث فى الدراسات التاريخية، إن التطرف تتعدد أنواعه ومفاهيمه هناك تطرف رياضى مثل ما يحدث فى مجال كرة القدم، على الرغم من أن الرياضة شىء جميل ويساعد على العديد من التقارب بين الشعوب، وهناك أيضا تطرف علمى مثل نظرية دارون بالرغم من نصوص الكتاب المقدس التى تنص على أن الإنسان خلق على صورته ومثاله.
وأضاف: ففى ظل وجود الإنسان على الأرض سوف يوجد التطرف والصراع لأن مولود المرأة كله أحزان وأتعاب، لافتا إلى أن هناك تطرفًا دينيًا وجدلية التطرف والصراع بين النخب السياسية والدينية، ومن يعتقد بعدم وجود فصل بين ما هو دينى وسياسى عليه أن يعى بأن الحال غير ذلك، فرجال الدين كان لهم دور فى تغيير الكثيرين فى الغرب.
وتابع: «وفى الشرق يستغل الدين لصالح السياسية، ولذلك سوف يظل الصراع، ولم يسدل الستار كثير من الجماعات الدينية، فضلا عن أن الجماعات المتطرفة تبرر وجودها وإرهابها كردة فعل ضد الظلم والاستبداد والتعسف الممارس من قبل السلطة – على حد زعمهم -، فجميع المتطرفين يضعون أهدافا غير مشروعة لتبرير جرائمهم وتطرفهم المخالفة للأديان.
وأوضح الباحث فى الدراسات التاريخية أن علاج التطرف يختلف من مدرسة إلى أخري، فمنهم من يعالج بواسطة تعاليم الكتاب المقدس وآباء الكنيسة حسب «الطائفة الدينية ــ الأعلام الكنسى ـ الإصدرات الدينية»، ومن أبرز أمثلة التطرف منع كتب القديس متى المسكين «1919-2006» من معرض الكتب القبطية، وربما اعتقد أن الكنيسة وقداسة البابا تواضروس الثانى يركزون الآن على نشر ثقافة المحبة لدرجة توقيعه الدائم بــ«المحبة لا تسقط أبدًا»، وكذلك زيادة الوعى بالفضائيات المسيحية.
ثقافة الكراهية
الباحث مدحت بشاى، أحد مؤسسى التيار العلماني، يقول إن التطرف يدعو إلى تطرف مقابل لاشك تاريخيا، وعلى سبيل المثال وعقب مجزرة أوسلو وجهت الشرطة النرويجية تهمة ممارسة الإرهاب إلى نرويجى مسيحى فى الثانية والثلاثين من العمر بالمسئولية عن المجزرة التى شهدتها العاصمة النرويجية أوسلو، والتى راح ضحيتها أكثر من 90 شخصا، عندما قام بتفجير عبوة ناسفة فى قلب العاصمة أوسلو، وقام بإطلاق النار على مئات الشبان فى معسكر لـ«شبيبة» حزب العمال الحاكم فى إحدى الجزر القريبة من أوسلو.
وتابع: وأشارت الشرطة إلى أن المشتبه به نشر على موقعه عبر الإنترنت تعليقات تشير إلى أن لديه اتجاهات مسيحية متطرفة، وقد تبين لاحقًا أن المشتبه به قد وضع رسالة على حسابه عبر موقع تويتر تنص علي: «مؤمن واحد أقوى من مائة ألف من الباحثين عن المصالح فقط».
وأكد بشاى أن «ثقافة الكراهية والإرهاب الأعمى لا تعرف دينا ولا وطنا، وأحداث النرويج خير دليل على ذلك»، مشيرا إلى خطر اليمين المتطرف، منوها إلى أن العالم اليوم أصبح يواجه خطرا إرهابيا مصدره ليس الجماعات الإسلامية المتشددة، وعلى رأسها القاعدة وجماعات داعش وغيرها من عصابات التطرف الفكرى فحسب، بل أيضا تنظيمات وجماعات نفخت فى روحها الأفكار العنصرية التى تعتمد فى خطاباتها على العرق والثقافة وحتى الدين، وتشكل حاليا خطرا محدقا بالدول التى اعتمدت فى استراتيجياتها وعقيدتها على زرع عداوة للعرب والمسلمين.
وأوضح أحد مؤسسى التيار العلمانى أن أوراق التاريخ المعاصر تبرز أن حزب الجبهة الوطنية فى فرنسا الذى تقوده مارين لوبان، ابنة جون مارى لوبان، الذى انفرد بقيادة المنظمات المعادية للأجانب، خصوصا العرب المهاجرين من الجزائر وتونس والمغرب، فضلا عن انضمام لوبان إلى لواء اليمين المتطرف أو ما يعرف بخلايا النازيين الجدد، ناهيك أنهم تبنوا عمليات تدنيس قبور الجالية المسلمة فى فرنسا عامى 2009 و2010.
وأضاف: كما يبرز أيضا حزب «الحرية» فى هولندا الذى يقوده خيرت فيلدرز، النائب فى البرلمان الهولندي، صاحب أزمة حرق المصاحف التى نتجت عن شريط محرض ضد الإسلام والمسلمين، والغريب أن فيلدرز ملحد، لكنه يعتز بالتاريخ المسيحى اليهودى الذى بنى عليه المجتمع الأوروبى، منوها إلى أنه ورث اليمين المتطرف بإيطاليا نظريات الفاشيين القدامى بزعامة موسولينى فى إيطاليا، وحاليا لا يوجد حضور قوى للأحزاب اليمينية المتطرفة فى الساحة السياسية الإيطالية، لافتا إلى انتشار اتباع اليمين المتطرف فى جماعات الضغط  القوية، فى ألمانيا، مهد النازية، حيث شهدت ألمانيا حادثة مقتل مغتربة مصرية تدعى مروة الشربينى على يد يمينى متطرف.
وأشار: وخارج أسوار القارة الأوروبية، يرتع اليمين المتطرف فى الولايات المتحدة، لكنه يظهر بشكل لافت للانتباه فى إسرائيل، حيث توجد قوى شعبية وأحزاب تدعو صراحة إلى عدم التسامح مع العرب والمسلمين، بل تدعو إلى قتلهم، وبرز جليا ذلك فى الحرب على غزة فى العام 2006.
وقال بشاي: «وعلى المستوى المحلى هناك للأسف البعض من المسيحيين يدعون ويبشرون بأفكار متطرفة تدعو لهجر دعوة الدين المسيحى وتعاليم السيد المسيح التى تدعو للتسامح والتعايش السلمى، بدعوى أننا نعيش أزمنة الصراعات الوحشية الدينية والمذهبية، وأن لاعيش للحملان وسط الذئاب، معتمدين على الإتيان بأفكار تعتمد على تأويل الآيات من الكتاب المقدس بشكل خاطئ وشرير لإيجاد مبررات لاستخدام العنف، أو التقوقع والهروب إلى دنيا الرهبنة والعزلة عن المجتمع، وأفكار تدعى أن المواطن المسيحى ينبغى الالتزام بالحشمة والذهاب إلى إطلاق فتاوى تتعلق بمواصفات محددة للملابس والصيامات والتعامل مع الآخر وفق فتاوى لم تعرفها أو تقرها المسيحية نصا أو ما جاء حتى على لسان الرسل».
وتباع: «وعليه فإن دعوة السيسى لتطوير الخطاب الدينى معتمدا على إدانة فكر التطرف القائم على التأويلات الخاطئة للأديان أمر بالغ الأهمية وعبر موقف رائع للرئيس قرر أن يرفض فكر البعض وفتاواهم برفض تهنئة المسيحيين بأعيادهم، ولايكتفى بالاحتفال بالمولد النبوى الشريف، ويكفى مقولته الشهيرة: «هل مليار ونصف المليار مسلم فى العالم لو انتهجوا الفكر المتطرف يمكنهم مواجهة مليارات البشر فى العالم ؟»
سلطة الكنيسة
عيد سعد، باحث، يقول: التطرف هو أن تنتزع من البشر حقوقهم الطبيعية فى معرفة الله بطريقتك وتفسير الايات، وأيضا الحياة المسيحية التى تريدها دون سلطة من الكنيسة ودور على البشر واتباع سياسة القطيع البديل لسياسة العبيد، منوها إلى أن التطرف فى المسيحية يتمثل فى تطرف فكرى فى التفسير وشرح بعض الآيات اللاهوتية الممنوع لأى شخص أن يفسرها سوى رجال الدين، ومثال لذلك منع بعض كتب أبونا متى المسكين التى قد تم منعها فى وقت البابا شنودة ووقت البابا تواضروس الثانى مؤخرا.
واستنكر الباحث من تطرف وضع السلطة الكهنوتية فى مكان عال لا يمكن أن تثور عليه لأنه يمثل صورة الله على الأرض وفى بعض الأحيان نجد الدفاع المستميت عن الكهنوت اكثر بكثير عن الدفاع عن الله نفسه، قائلا: «التطرف هو إرهاب العقول لعدم معرفة الله وأن ينظر كل فرد لله بالطريقة التى يراها بعينه هو وليس بعيون الآخرين.
وتابع: التطرف من ناحية الكنيسة يظهر  فى تسلط الكنيسة على البشر  بل التدخل فى حياتهم وتفاصيلها بسر الاعتراف حتى تصل فى بعض الأحيان إلى التدخل  فى اختيار شريك الحياة هناك قوانين تساعد على التطرف مثل ابن الطاعة تحل عليه البركة وهناك أيضا قانون الإرهاب الحل والبركة  كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا فى السماء، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا فى السماء، وهذه الآية وضعت ليست للكهنة ولكن وضعت لضمائر البشر وليس لاستخدام الكهنوت لها.
ونوه سعد إلى أن هناك تطرفاً من ناحية أخرى من وضع قانون الزواج عن طريق السلطه الكنسية ولا لوجود بدائل يتحمل نتائجها البشر مثل «رفض قانون للزواج المدني.. والكنيسه تكتفى بشريعة الزوجه الواحدة فقط» مثل الكاثوليك، لكن الكنيسة تمارس كل أوجه التطرف والإرهاب ووضع الاقباط دائما فى حالة الخنوع الدائم للسلطه الكهنوتية والطاعة العمياء لهم، فضلا عن أن هناك تطرف كثير لا حصر له داخل الكنيسة يحتاج إلى ثورة تصحيح وعدم اعطاء صفة التائهة للأشخاص ولا يكون هناك سلطان على أحد، ووضع الأقباط كمثل العبيد والخراف تنثاق وراء القطيع وعصا الرعاية.
مفهوم البشر
الكاتب باهر عادل، يقول إن جوهر رسالة المسيح «خلاص الانسان» والذى يمثلها ـ من وجهه نظرى - «الكتاب المقدس - التقليد المقدس - الليتورجيات - المجامع - الاباء كتابات وحياة - الفن الكنسى»، أما الفكر المسيحى: هو مفهوم مجموعه من البشر أو شخص فى زمان ومكان معين لرسالة المسيح.
وتابع: الفكر المسيحى هو كيف يرى البشر رساله المسيح؟، ومن هنا تتدخل عناصر أخرى تختلف عن رساله المسيح، فمثلا العقل والمشاعر والثقافة المحيطة، وبذلك المسيحية تختلف عن الفكر المسيحي، ومن هنا  يكون الفكر المسيحى كأى فكر يمكن أن يتدخل فيه أمراض البشر الثقافية ينتج عنه افكارا متطرفة بل ومتخلفه، رغما من عظمة المسيحية، متسائلا: كيف نتعامل نحن معاها؟، موضحا أن التطرف فى الفكر المسيحى.
وذكر الباحث أمثلة: من يركزون على ايات المحبة فقط فهؤلاء متطرفين بالتأكيد، فليس معنى التطرف العنف فقط، لافتا إلى أن من يختارون آيات معينة لتأكيد رؤيتهم للحياة وليس رؤية الله متطرفين، فالبعض يقدمون رؤى باسم المسيحية والمسيحية منها بريئة، فالتركيز على المعجزات فقط تطرف، والترويج لأفكار تدعو إلى الانعزالية وكراهية الحياه تطرف، مختتما بأن التطرف فى الفكر المسيحى هو أن ننتقى بعض الأفكار ونترك الأخرى التى لا تعجبهم.
جرجس بشرى، إعلامى وحقوقي، يوضح أن التطرف داء موجود لدى كل اتباع الديانات والمعتقدات والأيدولوجيات وحتى المسيحيين لم يسلموا من هذا الفكر البعيد عن الاعتدال إلا أنه يجب التنويه إلى أن التطرف الذى يصيب بعض المسيحيين لم يصل لمرحلة التطرف الذى يدفع للإرهاب والعنف والكراهية فى الغالب، إلا أنه فى بعض الفترات فى العصور الوسطى أدى إلى الحروب والصراعات واستغلال واستعباد الشعوب باسم الدين  الذى هو براء من هذه الافكار المتطرفة.
وأشار جرجس إلى أن التطرف الفكرى فى المسيحية رأيناه فى الهرطقات والبدع ومحاولة إيجاد تفسير خاص وشاذ بعيد كل البعد عن التعاليم المسيحية والإنجيل وقواعد العقيدة الراسخة، فخطورة هذه الافكار أنها تجد لها بعض المؤيدين ولكن هؤلاء تصدت لهم الكنيسة، كما أن التطرف فى الفكر لا يقتصر أبدا على التطرف فى التعاليم الدينية بل التطرف فى السلوك والمعاملات بل وفى القوانين، أو التطرف فى موالاة الحاكم مهما كان ظالما، وكل تلك الأفكار تحتاج إلى إصلاحيين حكماء من الكنيسة ومن المفكرين، فضلا عن أنها تحتاج إلى طرح القضية وإجراء حوارات مجتمعية بشأنها فى محاولة للوقوف على كل أسبابها ومنع نتائجها الكارثية التى من الممكن أن تطول الجميع وأولهم القادة الدينيين.
ويضيف: بعض رجال الدين المسيحى يتطرفون فكريا فى التعاملات ودفع الشعب المسيحى لرفض من هو ليس على مذهبه مثل التحريض على عدم التعامل مع «الارثوذوكسى  الإنجيلى ـ الكاثوليكي» بل يصل التطرف الفكرى لاخراج المذاهب الاخرى من الإيمان المسيحى وهذه محاولات وأفكار متطرفة لا تتفق ابدا مع تعاليم المسيح ومحبته.
المسيحية الصهيونية
أكد القس فادى فوزى، أن كل فكر له وجه متطرف ومنها الفكر المسيحي، لكن الاختلاف يبقى فى معنى وصور التطرف، فليس بالضروره كل تطرف هو دموى أو مرتبط بالقتل، مستشهدا بأن التطرف فى الفكر المسيحى يتمثل فى تدعيم دولة اسرائيل على أسس دينية، وذلك بإقامة دولة إسرائيل، فضلا عن أن رجوع اليهود اليها يعجل بالمجىء الثانى للمسيح، ما يعرف بالمسيحية الصهيونية المرفوضة من المسيحيين تماما، أما الخطر الأكبر من التطرف فهو عدم إيمانه ورؤيته للتعددية، لافتا إلى أن المتطرف لا يرى أى ابعاد «اجتماعية ـ نفسية ـ علمية».
أما القس أيمن محروس، فقال: بالطبع يوجد تطرف فى الفكر المسيحى فيما يختص بالعقيدة والكتاب ولاهوت المسيح، ويبقى التطرف فى الفكر مرتبط بوجهات النظرة لتفسير النصوص الكتابية، ولكن يبقى التطرف الفكرى داخل حدود الفكر المسيحى ولا يتعدى أكثر من الفكر، لافتا إلى أن التطرف أخذ فى القرون الأولى موقف الدفاع بالقوة ولكن اختلفت الآن تلك الطريقة فى الدفاع إلى مواجهة الفكر بالفكر ليس إلا، وهى إحدى طرق العلاج لدى كل صاحب فكر أو عقيدة.