الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إضلال الأمة بفقه الأئمة











 
 
عقوبات الحدود يطنطن بها كثير من دعاة السلفية ويصورون للناس بأن الله سيبارك في أمة تقيم الحدود وفق فهم السلفية، وأن السماء ستمطر، والضرع سيمتلئ، واللحم سيزيد، ويعم الخير، حين نبتر يد السارق، ونرجم الزاني، ونصلب ونقطع يد ورجل قطاع الطرق، إنهم يتخذون من الحدود العقابية هدفا.. بينما هي وسيلة إصلاحية، فذلك فهمهم الذي يعبر عن عدم فهم كتاب الله إلا من خلال مرويات ما يعلمون فقهها، وسأبين للقارئ الكريم كيف أن القرآن نصه ثابت ومعناه متطور ليخدم كل جيل بما ينصلح به أمره، وليس الأمر تقليدا أعمي بلا عقل يعي، وسوف نتناول بعض هذه العقوبات وكيفية تطور المفهوم حولها، لعل من يتصايحون بتطبيق الشريعة يقفوا علي حقيقة فقههم الغريب عن الشريعة.
تطبيق الحدود في الشريعة هدفه الإصلاح وليس العقوبة

الحد الشرعي عن الزني ليس عن الجريمة في حد ذاتها لكن علانية الفاحشة

مرويات كثيرة نٌسبت زورًا وبهتانًا للرسول وعمر بن الخطاب حتي اختلطت شريعة التوراة بشريعة القرآن

الإسلام لم يسمح بوطء المرأة خارج الزواج ولم يسمح بنكاح الإماء كما يعتقد البعض جهلاً

قطع يد السارق لا يعني البتر لأن الله لو أراده لذكره.. والمراد بالقطع الكف عن السرقة
أولاً: في عقـوبة الزني
أبدأ بسم الله بأني مؤمن أن الزني حرام، لكن الحد الشرعي في الدنيا ليس عن الزني في حد ذاته، لكن علي علانية الزني، وآية ذلك قوله تعالي: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}(النور4)، ويقول سبحانه بذات السورة: {لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ }النور13؛ بما يعني أن أصل الحد أن يشاهد الزني أربعة شهود، فالزني عندي لا يثبت بالوشاية ولا بالاعتراف.
1ـ يقول تعالي في سورة النور: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ}النور2.
2ـ لكن الأئمة يقولون إن الزناة المحصنين عليهم رجم حتي الموت، وإذا قارعتهم بقوله تعالي عن الأَمَة التي تم إحصانها: {...... فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَي الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }(النساء25).. بما يعني أن المحصنات عليهن عذاب وليس عليهن إماتة [مِنَ الْعَذَابِ]، وبما يعني أن الأَمَة التي تزوجت عليها نِصف ما علي الحُرَّة من العذاب، وحيث إن القتل المزعوم رجما لا يتم تصنيفه، لذلك فالجلد الوارد بسورة النور هو العقوبة علي المحصنة وغير المحصنة، لأن الحد يخص العلانية كما أسلفنا ولا ينصرف إلي فعل الزني بذاته، تراهم يتلونون ويتلقفون الكلام من هنا وهناك ليضمضوا جراح الهزيمة ولينتصروا للفقه القديم.
والأَمَة المُحصنة التي قامت بالفحشاء المعروفة عليها خمسون جلدة، لكنك تري أشياع الحديث والبُعد عن كتاب الله يسُبون ويلعنون، ويقولون إنهم يفهمون في المقيد والمطلق والعام والخاص، وأن درايتهم التخصصية فاقت حدود عقلنا البشري.
وهؤلاء قد ألجمهم الصحابي الجليل ابن أبي أوفي بصحيح البخاري باب رجم المحصن حين ذكر بأن النبي رَجَم لكنه لا يدري أَرَجَمَ قبل سورة النور أم بعد سورة النور.
فهل يقيم الفقه والفقهاء هدمًا وقتلاً للنفس البشرية تحت ذمة عبارة [لا أدري] قيلت من صحابي!!، كما تفعل حركة طالبان بأفغانستان، وبعض شيعة إيران، وسُنّة السعودية؟!، حيث ورد بباب رجم المحصن بالحديث رقم[ 6428 ] حدثني إسحاق حدثنا خالد عن الشيباني سألت عبد الله بن أبي أوفي: هل رجم رسول الله صلي الله عليه وسلم؟ قال نعم، قلت: قبل سورة النور أم بعد قال لا أدري. يعني قبل نزول حكم الجلد أم بعده قال لا أدري.
ولابد أن نعلم أن هناك فرقًا بين العذاب والإماتة، فيقول تعالي علي لسان سيدنا سليمان في شأن الهدهد: { لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ}النمل21؛ ألا يدل ذلك أن العذاب الوارد بسورة النور عن الزني، هو ذاته العذاب الذي قال به سيدنا سليمان، وأنه أمر غير الموت الذي تقول به أفكار القدماء وأشياعهم!!؛ وما ذلك إلا للخلط بين العذاب والذبح في فهمهم.
وإذا ما أضفنا فوق ذلك كلَّه أن الله سبحانه قد استهل سورة النور بأنها كلها فريضة فقال: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النور1؛ فهل نعبث بالفريضة!.
وحجة القائلين بالرجم في الإسلام تبلغ من العار ما يندي له جبين العقلاء، إذ يقولون بأن هناك قرآنا بسورة الأحزاب التي كانت عندهم تعدل سورة البقرة لكنها نُسخت تلاوتها وبقي حكمها، ويذكر ابن ماجه في صحيحه بالحديث رقم2553-حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ..قال: قال عمر بن الخطاب: لقد خشيت أن يطول بالناس زمان، حتي يقول قائل: ما أجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة من فرائض الله. ألا وإن الرجم حق إذا أحصن الرجل وقامت البينة، أو كان حمل أو اعتراف. وقد قرأتها ((الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) فقد رجم رسول الله ورجمنا بعده.
بل من العار الأكبر أن يقال: إن الرجم كان آية لكن دخلت ماعز فأكلتها إبان مرض رسول الله الذي توفي فيه، وراجع صحيح بن ماجه وهو يروي هذا الهراء عن السيدة عائشة انها قالت: لقد نزلت آية الرجم، ورضاعة الكبير عشرا. ولقد كان في صحيفة تحت سريري. فلما مات رسول الله صلي الله عليه وسلم وتشاغلنا بموته، دخل داجن فأكلها.
وكل هذه الأهازيج منسوبة زورا وبهتانا لرسول الله ولعمر بن الخطاب وغيره من الأجلاء حتي تختلط شريعة التوراة بشريعة القرآن.
وإني لأري هؤلاء وكأنهم لم يقرءوا قوله تعالي: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ }ق29؛ أو كأني أراهم يعبثون بالقرءان لحساب السُّنَة النبوية تحت مظلة إفك ما أسموه بالناسخ والمنسوخ داخل القرآن، وهو ما أفردنا له تفصيلا بهذا الكتاب فيتم الرجوع له.
والرجم أمر توراتي تم نسخه بالقرآن لكن الفساد الفقهي أعمل أثره، وإليك ما هو مدون بالتوراة سفر اللاويين «1».
سفر التثنية: إصحاح 22: فقره -21: يخرجون الفتاة إلي باب بيت أبيها ويرجمها رجال مدينتها بالحجارة حتي تموت لأنها عملت قباحة في إسرائيل بزناها في بيت أبيها.. إذا وجد رجل مضطجعا مع امرأة زوجة بعل يقتل الاثنان.. إذا كانت فتاة عذراء مخطوبة لرجل فوجدها رجل في المدينة واضطجع معها فأخرجوهما كليهما إلي باب تلك المدينة وارجموهما بالحجارة حتي يموتا «2».
فما رأيك أيها القارئ المتدبر؟ إن الأمر غير مخيف كما يصورونه لك بأنك عاجز عن الفكر والفهم، وأن هناك أمورا خافية لا تعلمها أنت ولا قومك؛ إن الحقيقة بأن الزني في الإسلام عقوبته الجلد مائة جلدة للمحصن وغير المحصن، وليشهد عذابهما بعض الناس، بشرط أن يكون زناهما في علانية تجرح شعور المجتمع ويشهد أربعة علي أنهم شاهدوا الفاعل والمفعول بها، أما الرجم المزعوم فكان من شريعة اليهود وقد حكم به سيدنا رسول الله قبل أن ينزل تشريع سورة النور، لأن الجلد ورد بسورة النور وهي سورة مدنية نزلت إبان فترة الدعوة بالمدينة المنورة، لكن هيهات لمن يتصورون الحديث النبوي القولي صالحا لكل زمان ومكان أن يفهموا.
فهم لم يدرسوا شيئًا عن أسباب ورود الحديث وأثرها في الفقه الإسلامي، لذلك فهم يتناولون الأحكام من الحديث القولي الظني الثبوت والدلالة تماما وكأنهم يتناولون الأحكام من الآية من القرآن، بل يعتبرونه (الحديث) صالحا لكل زمان ومكان، وهذا حضيض التردي الإدراكي والجناية علي المسلمين، بل تُعَدُّ من دلائل الإشراك.
ومما يندي له جبين الحر خجلا أن الفقه القديم مع تشدده وفساد استنباطه لجريمة الزني لكنه من الوجه الآخر فقد صرح بالزني وذلك بالمخالفة لكتاب الله، فليس بالإسلام وطء لامرأة خارج مؤسسة الزواج، سواء أكانت هذه المرأة حرة أو أمة من ملك اليمين، وشاع هذا الفساد في الأمة وشاع عنها، فتجدهم وقد استساغوا نكاح الإماء بأي عدد، ولو أنهم أجهدوا أنفسهم قليلا لعلموا بتحريم ذلك في كتاب الله، وللأسف توارثت الأمة هذا الجهل واعتبرته شريعة.
ثانيا: لا شريعة بالإسلام تُجيز بتر اليد عقوبةً للسرقة
يقول تعالي:{ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ }المائدة38.
لقد فسر الفقهاء القطع علي أنه بتر، وبتر اليد هو تطبيق فقهي لا ينتمي بحال لإدراك سوي، إنما هو إدراك شيطاني لمعاني ومرامي آيات كتاب الله، فلو أراد الله البتر لذكره، كما ذكره في سورة الكوثر قائلا:[ إن شانئك هو الأبتر ]، فالبتر يعني الفصل، لكن القطع يعني بقاء الأمر علي حاله مع وجود حالة من التباعد، لكن كم ارتكب الفقهاء جنايات بفهمهم الخاطئ علي مر العصور. ولنبدأ بشرح الأمر.
 فالقرآن يقول: [ تبت يدا أبي لهب وتب ] فدل هذا علي أن الله يتكلم عن كلتا يدي أبي لهب، وليست يدا واحدة.
فحين يقول الله [ فاقطعوا أيديهما ] فإنه يتكلم عن كلتا يدي السارق، وكلتا يدي السارقة، يعني كل الأيادي وليست يدا واحدة لكل منهما، لأنه إن أراد يدا واحدة لكل من السارق والسارقة لقال [ يديهما ]، لكن لأنه قال [ أيديهما ] فهو يعني 4 أيادٍ.
لذلك فالأمر يعني أولا أن نكفّ أيديهما الأربعة [ للسارق والسارقة ] عن السرقة، وذلك بحبسهما أو تعليمهما حرفة، لأن القطع يعني المنع أو ما شابه ذلك,,,...ودليل آخر يدل علي أن القطع بمعني المنع حيث يقول تعالي:{ وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ }الرعد25«3»؛ الأمر الثاني: ما العمل فيما إن تبين بعد البتر أن اللص بريء؟، من سيعيد إليه كفه المفصول؟، وماذا لو بترت يد عامل في مصنعه كيف سيبرئ نفسه من مظنَّة أنه سارق عند من لا يعرفه..
الأمر الثالث: لم يوقف سيدنا عمر حد السرقة [ السجن ]، كما زعم بذلك من زعم، إنما نفذ مقتضيات حد السرقة، لأنه لا يجوز تنفيذ الحد علي جوعان محتاج ولا معتوه ...إلخ، كما أنه لا يحق لأحد وقف حد من حدود الله.
الأمر الرابع: إننا بعقوبة البتر نمنع اللص عن الصلاة بل عن التوبة، ونقيم محفلا لمضارين حوله، فمن ذا الذي سيتزوج ابنة اللص؟، ومن الذي سيقبل أن يعمل عنده ابن اللص؟، وغير ذلك من المضاعفات كثير.
الأمر الخامس: يقول تعالي بالآية التي تلي القطع مباشرة { فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{39}؛ فكيف بالله سيتوب من تقطع يده ويتم تعرية شرفه بين الناس، وكيف سيكون وقتها الله غفور رحيم، أين الرحمة فيمن تم الحكم عليه ببتر يده فيظل عاجزا طوال حياته حتي وإن تاب، وقد يذهب بعض المجادلين بأنها مغفرة ورحمة بالآخرة، فلست أدري من أين جعلوها رحمة للآخرة فقط؟!.
ويتعلل القائلون بالبتر بأن الله تعالي قال: [جزاءا بما كسبا نكالا من الله] فهم يعنون أن التنكيل بالسارق وارد بالقرآن، لكن إن فهمنا أن كلمة [نكالا] وردت بعد فعل [كسبا] وليس بعد فعل [فاقطعوا] لعلمنا أن النكال يخص ما كسبه اللص نكالا عن أمر الشريعة التي وضعها الله، ولا يخص التنكيل بالسارق الذي ينتظر الله منه التوبة.
 ويروي البخاري في صحيحه باب الحدود بالحديث رقم [ 6401 ] حدثنا عمر بن حفص.. عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده «4».
بينما بشرح صحيح البخاري مدون الحديث التالي: [ليس علي خائن ولا مختلس ولا منتهب قطع]  رواه الزبير عن جابر ورفعه وصرح بن جريج في رواية النسائي، فهذان الحديثان أهديهما لكل الفقهاء الذين تخربت عقولهم من فقه الأقدمين، وهم يتخذون أحكاما من مدسوسات السُّنَة القولية. وهل يا تري سنبتر اليد لسرقة بيضة أو حبل ولا نبتر يد مختلس، أتكون هذه سوية فكرية؟!؛ أيمكن أن تصدقوا بأن رسولكم يتسامح في الاختلاس ويبتر لسرقة بيضة؟!، أيمكن أن نستخلص الأحكام مما تقولون عنه سُنّة نبوية قولية صحيحة بينما هي تحمل الأمر ونقيضه؟!.
لذلك فمن كل الأوجه كلمة القطع لا تعني أبدا البتر، لذلك وجب تجديد الفقه وتعليم الجهلاء الذين يطالبون بتطبيق الشريعة وهم لا يفهمونها، وقد يكون ذلك الفهم مستساغا بعصور كانت المدارك العقلية أقل مما هي عليه الآن لذلك يجب أن نتعامل مع النص بعقل وإمكانية اليوم.