الأربعاء 17 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إسرائيل: «الغرب» لن يتحرك عسكريا ضد «الإرهاب» رغم التصريحات«الحماسية»

إسرائيل: «الغرب» لن يتحرك عسكريا ضد «الإرهاب» رغم التصريحات«الحماسية»
إسرائيل: «الغرب» لن يتحرك عسكريا ضد «الإرهاب» رغم التصريحات«الحماسية»




كتب - إسلام عبد الكريم


بعد الهجوم الإرهابى الذى ضرب صحيفة «شارلى ايبدو»، والذى أعقبه هجوما على شرطيين أمام محطة مترو، ثم قتل أربعة رهائن فى متجر للأطعمة اليهودية فى فرنسا، يبدو أن طارئا جديدا استجد على جدول الأعمال الغربي، خاصة بعد أن أعلن رئيس الوزراء الفرنسى أن هناك تقصيرا استخباراتيا فرنسيا أدى لتلك الهجمات المتتالية التى ضربت فرنسا وهزت أوصال المجتمع الغربى كله.
وكعادة إسرائيل، التى تنسب نفسها دائما للعالم الغربى المتقدم، أقحمت نفسها فى الأمر، وسارعت فى استغلال الأمر لمهاجمة الإسلام والدول العربية، فقد هرع الساسة الإسرائيليون لتقديم التعازى للمجتمع الغربى عامة، والفرنسى خاصة، فى ضحاياهم جراء الهجمات الإرهابية. على نفس الصعيد شغل الأمر بال الساسة والخبراء الإسرائيليين كيفية ترويج «إرهاب المجتمع الإسلامى والعربي» للعالم أجمع، فى محاولة بائسة منهم لتحسين صورتهم، خاصة بعد الاخفاقات التى منيت بها السياسة الخارجية الإسرائيلية، وهو ما تجلى لنا فى التصويت الأخير بمجلس الأمن على مشروع قرار فلسطينى بإنهاء الاحتلال، فرغم عدم تمرير مشروع القانون إلا أن الأمر كان بمثابة صدمة للساسة الإسرائيليين بعد أن أتضح لها تخلى حلفاؤها فى أوروبا عنها.
لذا، فإن التوجه السائد حاليا دخل الدولة العبرية هو ترسيخ مفهوم «الإرهاب الإسلامي» لدى الغرب، لعل هذا الأمر يجدى ويؤتى بثماره سياسيا لها، وأن تجد من يؤيدها فى سياستها القمعية الإرهابية تجاه الفلسطينيين، كما سيعزز من موقفها حالة توجيه هجمات وحشية ضد قطاع غزة لإضعاف حركة حماس، فى ظل تجاهل دولى واسع لإدراج حماس وحزب الله ضمن القوائم الإرهابية.
وفى هذا السياق، أعد الباحثان الإسرائيليان «يورام شفايتسر» و«عوديد عيرن» تقريرا فى معهد أبحاث الأمن القومى يحمل عنوانا مقصود به بث القلق فى المجتمع الغربي، ويحمل عنوان: «الهجمات المتزامنة فى باريس - أول الغيث أم سحابة صيف عابرة؟». وأوضحا من خلاله أن الهجمات المتزامنة التى نفذتها خلية إرهابية إسلامية ضد الصحيفة كان تطبيقا لأحد «أفلام الرعب» المزعزعة لدول العالم خلال السنوات الأخيرة، لافتين إلى أن التهديد بموجة إرهاب واسعة النطاق بدأ منذ هجوم «مومبايى، والذى نفذ فى نهاية العام 2008 من قبل خلية إرهابية إسلامية وحصدت أرواح 166 ضحية، وكان بمثابة تحذير لسلسلة من هجمات يعد لها على نفس النمط.
وأشار التقرير إلى أن التهديد بتجديد الأعمال الارهابية فى أوروبا تصاعد فى العام المنصرم خوفا من عودة مئات المسلمين الأوروبيين من سوريا إلى أرض الوطن، مزودين بدوافع مواصلة العمل الكفاحى فى بلدانهم وهو المستوحى من الدعوة إلى الجهاد. ونوه الباحثان إلى أنه فى إطار مشاركتهم فى الحرب الأهلية السورية، مر هؤلاء المتطوعين بتدريبات واكتسبوا خبرة قتالية، وتلقوا تعبئة «راديكالية» تعتبر الغرب عدوا للإسلام، ومن واجبهم محاربته نصرة لدينهم، هذه الظاهرة وضعت أجهزة الأمن فى أوروبا أمام لافتة تحذيرية من وجود خطر داهم وفورى لقدوم الإرهاب من ناحية الشرق الأوسط إلى مدن القارة.
وأضاف أن مقتل أعضاء طاقم تحرير صحيفة «شارلى ايبدو» الذين أساؤوا إلى شخص النبى محمد - حسب مفاهيم المهاجمين - يعد موجه فى الأساس ضد مبدأ ديمقراطى غربى أساسى وهو «حرية التعبير»، وبعدها تمت مهاجمة هدف يهودي، حيث منح المهاجمين أنفسهم منصب القاضى والمدعى والشاكي، وبغض النظر عن هوية التنظيم الجهادى الذى انتمى اليه المهاجمون («قاعدة الحجاز» أو «داعش»)، فإنهما يمثلان نفس النظرة للعالم ونفس الأيديولوجية الراديكالية التى يتبناها هذان التنظيمان الإرهابيان.
وأمعن الباحثان فى ترسيخ مفهوم التطرف وارتباطه بالاسلام، إذ كانا حريصين على إلحاق كلمة «إرهاب» بـ«الإسلام»، حيث استفاضا فى التقرير زاعمين أنه فى إطار موجة الهجمات «الإرهابية الإسلامية» الحالية على غرب أوروبا، نفذت عدة هجمات من قبل «ذئاب منفردين» فى مدن مختلفة داخل فرنسا قبل حوالى نصف عام، وفى بروكسل أيضا، وهى الهجمات التى استهدفت يهودا.
وطرح الباحثان تساؤلا، هل هذه الموجة هى أول الغيث الإرهابى الذى قد يتواصل على الغرب أم أنها سحابة عابرة لن تؤدى إلى إحداث تغيير فى سياسة هذه الدول تجاه «الارهاب الاسلامي» - وفقا للوصف الذى أصرا على استخدامه - رغم الفزع الذى أحدثته تلك الهجمات فى فرنسا ودول المجتمع الأوروبي، وانه ومع مرور الوقت يتلاشى الانطباع السيء الذى رسمته؟
ورأى التقرير أن العمليات التى تنفذها «الذئاب المنفردة» - بحد وصفه - تضامنا مع الجهاد العالمى تشكل تحديا أمنيا بالنسبة للأجهزة الاستخباراتية وأجهزة فرض القانون فى أوروبا، والتى تحاول إحباطها قبل أن تتسبب فى حمام دماء، الفشل فى منع انتشار موجة الإرهاب الإسلامى فى دول القارة من شأنه أيضا أن يؤدى إلى رد عنيف من قبل عناصر يمينية متطرفة ضد المسلمين، يحتمل أن تستغل هذه العناصر الخوف من الإسلام الراديكالى لتبرير أعمال إرهابية سيقومون هم بها مبنية على أساس «بغض الآخر» و«الاسلاموفوبيا» و«معاداة السامية»، العمليات التى يقوم بها متطرفون اسلاميون ستمثل بالنسبة لهم تربة خصبة لأعمال عنف قد تغرق دول أوروبا كلها فى دائرة العنف، حيث سيصعب على القوى الأمنية وقفها، وستزيد من وتيرة التحدى المعقد الذى سيواجه المستوى السياسى فى الدول الأوروبية نتيجة التوتر المتصاعد بين الجاليات المختلفة.
مشيرا إلى أنه خلال الأعوام الأخيرة، وعلى طول ما يقارب العقد، سجلت الأجهزة الأمنية الأوروبية الكثير من عمليات إحباط تخطيطات للقيام بعمليات كثيفة من قبل تنظيم القاعدة وشركائه، وهذا دليل على أن بالإمكان مواجهة القدرة التنفيذية لمساعى العناصر الإرهابية المساس بنمط الحياة فى أوروبا، رغم تسجيل إخفاقات استخباراتية إثر الهجمات الأخيرة فى باريس، معلومة مسبقة حول العمليات تم نقلها إلى الجهات الأمنية الفرنسية لم تحظَ باهتمام كافٍ لمعالجة مناسبة، ورغم هذا يجب الأخذ بعين الاعتبار انه ليس بإمكان قوات الأمن الفرنسية والدول الغربية عامة أن تمنع بشكل قطعى حدوث أعمال إرهابية.
علاوة على أن الكثير من مدن القارة الأوروبية سجل تردد فى استخدام «القبضة الحديدية» ضد «الأقليات الانعزالية»، بما فى ذلك ضد ظهور العنف والإرهاب من قبل مجموعات أقلية مقاتلة، ربما يعكس هذا المعطى تخوفا من أن المواجهة المباشرة مع تلك المجموعات تتطور لتصبح أعمال شغب واسعة مثل تلك التى وقعت فى العام 2005 فى باريس عندما تحولت الأطراف البعيدة للمدينة إلى ساحات حرب بين أبناء الأقليات، ولا سيما من أصول شمال إفريقية، وبين قوات الأمن الفرنسية.
كذلك هناك خشية من اندلاع معركة معقدة ذات أبعاد قضائية وشرطية وثقافية ضد الأقليات، والتى سينظر إليها من قبل الكثيرين، ولا سيما الأقليات ذاتها، على أنها مساس بحرياتهم وحقوقهم الفردية.
وأشاروا إلى أن أوروبا تضربها موجة من كراهية الأغراب، والأحزاب التى انتهجت هذا المبدأ قد فازت العام المنصرم بنجاح لا بأس به فى الانتخابات البرلمانية الأوروبية، ومن جهة أخرى يجب القول إن الأقليات فى أوروبا ومن ضمنها اللاجئين الذين قدموا فى السنوات الأخيرة من مناطق تعانى من ضائقة اقتصادية وحروب فى الشرق الأوسط لا يشكلون عبئا على خدمات الرفاهية فحسب، وإنما يشكلون أيد عاملة رخيصة، لذلك فإن تواجدهم فى القارة التى تهرم أوساطها السكانية له قيمة اقتصادية إيجابية.
وافترضا الباحثان إن الكثير من الدول الأوروبية تفضل أن تكون مؤسسات الاتحاد الأوروبى هى من تبادر بالتحركات القضائية وغيرها من التحركات ضد مفاهيم معينة فى موضوع الهجرة، ولا سيما غير القانونية، وكذلك أن تتخذ وسائل تهدف لتخفيف العبء الاقتصادى المرتبط بالمهاجرين والأقليات، هذا رغم أن جزءا كبيرا من الآثار الإشكالية للهجرة ما زال يكمن فى مسئولية الدولة ولم ينتقل إلى مجال مسؤولية الاتحاد ومؤسساته، بسبب الحساسية المتفهمة القائمة فى ألمانيا على وجه الخصوص، وقد خرجت المستشارة الألمانية «ميركل» ضد الحركة المعارضة للأقليات فى الدولة، ولذات السبب فيتوقع أن تفضل ألمانيا التحرك فى إطار الاتحاد.
ولكن هناك أسئلة لا بد من طرحها: أى تحركات وضد من؟ سبل محاربة الإرهاب موجودة فى الاتحاد الأوروبى منذ سنوات، من بينها قرار المجلس الأوروبى فى الـ 28 من نوفمبر 2008 والتى تعتبر من بينها الأعمال الإرهابية، أو الخطة الأوروبية فى العام 2005 لمحاربة الأصولية وتجنيد الإرهابيين، فى أوساط المؤسسات الأوروبية فى بروكسل، أنشئ مجموعة مناهضة الإرهاب.
وأضاف سؤالا أساسيا آخر متعلقا بإمكانية أن يحدث تغييرا على الأرض الأوروبية فى سياسة فرنسا والدول الأوروبية المركزية الأخرى بخصوص شكل وجوهر تدخلها فى المعركة ضد «داعش» و«القاعدة» فى سوريا والعراق، فى هذه المرحلة ورغم الاستنكارات الشديدة التى صدرت عن القادة الفرنسيين والألمانيين والبريطانيين والأمريكيين على إثر الهجمات فى باريس، من الصعب الافتراض أن الخطب الرنانة شديدة اللهجة ستقود إلى مضاعفة التدخل العسكرى البرى فى العراق أو إلى تغيير فى سياسة التحالف المقاتل ضد داعش فى سوريا.
تحدٍ آخر، وهو مشترك لقادة الدول فى الغرب ولشركائهم أيضا فى دول العالم الإسلامي، وهو إدارة فاعلة لمعركة إيديولوجية ثقافية مضادة بهدف وصم الفهم الذى تمثله عناصر الجهاد العالمي، رؤساء الجاليات الإسلامية ورجال الدين المسلمين الأساسيين فى الغرب لهم أهمية كبرى فى قيادة الكفاح المنهجى الرتيب والعلنى لوصم التفسير العنيف للدين الإسلامى والدعوة إلى مقاطعة حاملى راية الجهاد، وحده النفى القاطع لمنظومة التبريرات والأدلة المبنية على الشريعة الدينية التى تحرك الشباب من جميع أنحاء العالم للانضمام وتأييد الأعمال الإرهابية الإسلامية ويمكنه أن يسهم فى تقليص أعداد المتطوعين لخدمة التنظيمات الجهاد العالمي.
ورأى كل من «شفايتسر» و«عيرن» فى تقريرهما أن الفزع الذى طال فرنسا سيذوب مع مرور الوقت، وكذلك سيضعف الاندفاع المتعلق بمعالجة فاعلة للخطر الداهم المهدد للديمقراطية الغربية، والذى مصدره ساحات القتال فى سوريا والعراق، الحاجة إلى مواجهة التحدى ستؤجل إلى وقت لا يكون فيه أمام القادة الغربيين مناص من مواجهة مباشرة معه، وبشكل واسع النطاق وربما عنيف جدا، يمكن القول أن سلسلة من العمليات النوعية فقط من نوع العمليات اللافتة التى يسقط فيها الكثير من القتلى ستظهر الخطر المتأصل الواضح لعدم مضاعفة الكفاح المسلح فى مواجهة هذا التحدى الذى يمثله تنظيم الدولة الاسلامية للدول الغربية.
مضيفين أن الهجمات الإرهابية التى نفذتها «القاعدة» على أراضى الولايات المتحدة عام 2011 كانت حدثا زعزع أسس البنيان وحرك عملية حازمة ضد التنظيم، هذا على ما يبدو سيحدث أيضا فى الحرب على داعش والقاعدة وشركائهم فى الغرب ما لم تتخذ مسبقا خطوات تنفيذية قانونية قضائية وأخلاقية ضد تلك التنظيمات.