الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

هجوم «باريس» حائر بين «داعش» و«القاعدة»

هجوم «باريس» حائر بين «داعش» و«القاعدة»
هجوم «باريس» حائر بين «داعش» و«القاعدة»




ترجمة ـ وسام النحراوى
 

تساءلت صحيفة الإندبندت البريطانية بشأن ما إذا كان الهجوم على مجلة شارلى إيبدو الفرنسية السياسية الساخرة نتيجة أول تعاون ما بين تنظيمى القاعدة وداعش الإرهابيين؟.
وتجيب الصحيفة البريطانية عن هذا السؤال فى 6 نقاط رئيسية فى محاولة جادة منها للوصول إلى استنتاج منطقى لما حدث، حيث أشارت إلى أن الاتصالات والروابط بين الرجال الثلاثة المشاركين فى الهجوم تعود إلى عام 2005 على الأقل عندما سجن كوليبالى وشريف كواشى معا بقرار المحكمة الفرنسية.

وتابعت الصحيفة: كما أن الشرطة تعتقد أن شقيق شريف قد سافر إلى اليمن للتدريب فى معسكر تابع لتنظيم القاعدة فى جزيرة العرب، مضيفة أنه على الرغم من أن المهاجمين الثلاثة يمثلون التنظيمين إلا أن خبراء يقولون، إن ذلك لا يعنى بالضرورة أن هناك تنسيقا تنظيميا بينهما.. فيما أكدت الاندبندت أنه ليس من الضرورى أن إدارة هجوم باريس كانت من كهف فى الشرق الأوسط، فالمقطع المصور لكوليبالى الذى يبايع فيه تنظيم داعش لم ينشر من قِبل الذراع الإعلامية للتنظيم ويبدو أنه صور ونشر من قِبل هواة، كما أن الموسيقى فى البداية واختيار الكلمات وطريقة الإلقاء تعكس أسلوبا بعيدا كل البعد عن أسلوب داعش.
وتخلص الصحيفة إلى أن كوليبالى ربما كان فى الغالب من المتعاطفين من التنظيم وليس من الأعضاء النظاميين، مشيرة إلى تصريحات الشرطة الفرنسية بأن  الخطر مازال موجودا ويلوح فى الأفق من قبل جهاديين بفرنسا، فهناك ما يصل إلى 6 أشخاص كانوا على صلة بالخلية الإرهابية التى ضمت منفذى هجوم باريس.
وتناقلت الصحيفة البريطانية تصريحات مسئولين ومحللين متعددة ترجح أن يكون الهدف التالى فى الولايات المتحدة الأمريكية، كما تشير إلى أن أجهزة الأمن البريطانية رفعت مستوى التأهب بعد تحذيرات من إمكانية قيام جهاديين بقتل عناصر فى الشرطة، مؤكدة أن الهجوم له تأثير طويل الأمد على الأمن البريطانى أيضا.
وذكرت الاندبندت أن اجتماعا بين رئيس الوزراء وقيادات الأجهزة الاستخباراتية البريطانية أشار إلى ضرورة رفع حالة الاستعداد بين رجال الأمن لمواجهة هجوم مماثل لهجوم باريس، كما استخدم كاميرون وأعضاء آخرون فى حكومته الهجوم للحصول على المزيد من الصلاحيات الأمنية والاستخباراتية بحجة حفظ الأمن العام.. وتساءلت الإندبندت بشأن قدرات السلطات الفرنسية وفشلها في  إحباط الهجوم؟، مؤكدة أن المسئولين الفرنسيين أنفسهم أقروا بوجود ثغرات فى النظام الأمنى أتاحت تنفيذ العملية وأنه كان من الممكن إحباطها.
فيما انشغل الإعلام فى السؤال عما إذا كانت القاعدة هى التى حفزت الجهاديين الفرنسيين على تنفيذ العمليات أم تنظيم داعش، وعلى الرغم من أنه يبدو فى الظاهر أن الحركتين تعيشان منافسة قوية على النفوذ والصدارة، إلا أن التعاون بين الأخوين كواشى، شريف وسعيد، واميدى كوليبالى، يثبت شيئا آخر، وهو أن المشترك بين داعش والقاعدة يغلب التنافس، خاصة فى أذهان جهاديين مستقلين يعملون على عاتقهم، وأن التنافس بين زعيم القاعدة، أيمن الظواهرى، وزعيم تنظيم الدولة، أبو بكر البغدادى، يتلاشى فيما يتعلق برفض الغرب ومحاربته واتباع التفسير الجهادى للقرآن.
أما الحديث عن الفرق بين التنظيمين، فيتفق متابعون للحركات الجهادية المتطرفة فى إسرائيل على أن الخلاف بين التنظيمين لا يعدو لأن يكون سياسيا أو شخصيا، فمن جهة، يأبى زعيم القاعدة، أيمن الظواهرى أن يبايع ابو بكر البغدادي، خليفة للإسلام، رغم نداءات متكررة من جهته للمصالحة بينهما، وبالمقابل يرفض البغدادى الاعتراف بالظواهرى أنه وريث أسامة بن لادن.
وعدا عن ذلك، ثمة منافسة بين الفصيلين على الموارد والتبرعات التى تذهب لغايات جهادية، ويبدو أن داعش يحقق نقاطا أكثر من القاعدة فى الوقت الراهن، فالحرب التى يديرها فى العراق وسوريا تشد إليها الشباب الذى يقاتل مع القاعدة فى اليمن وصوماليا، لكن هذا لا يعنى أن الاختلاف بين الحركتين يؤدى بالضرورة إلى خلاف فهما يسعيان إلى هدف واحد، محاربة الغرب وقتل الكفار وفرض الإسلام المتطرف فى مناطق سيطرتهما.
من جانبها، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن الهجوم الذى استهدف صحيفة شارلى إيبدو الساخرة فى باريس أثار تكهنات حول تورط تنظيم داعش الارهابى المنظم، حيث دعا زعيمه المؤيدين للتنظيم إلى شن هجمات حيثما تمكنوا.
وأكدت نيويورك تايمز أن تلك الهجمات التى توصف بتعبير الذئب المنفرد، وهو رمز الأشخاص الذين يقدمون على تنفيذ عمليات عنفية من دون أن يكون لهم ارتباط مباشر أو تنسيقى بجماعات تعتبر إرهابية، تضمنت حصار مقهى فى مدينة سيدنى الاسترالية فى ديسمبر الماضى وهجوماً على متحف يهودى فى بروكسل فى مايو فضلا عن حملة مسلحة استهدفت مبنى البرلمان الكندى فى مدينة أوتاوا فى أكتوبر.
ووفقا للصحيفة، فقد أظهر الهجوم درجة من التطور والحنكة تفتقدها الهجمات التى نفذت على أيدى مؤيدى تنظيم داعش، مثل حصار سيدنى الذى تم تنفيذه بقيادة شخص أحضر علم الجهاد إلى موقع الهجوم بالخطأ ولكنه طلب فى وقت لاحق من الشرطة الاسترالية إحضار علم تنظيم داعش.
ونقلت الصحيفة عن بيتر نيومان، خبير قضايا الإرهاب فى كينجز كولدج لندن، قوله: إن الهجوم فى باريس كان يبدو أكثر تنظيما من هجمات الذئب المنفرد السابقة، وأن أحد أفرع تنظيم القاعدة قد يكون المسئول عنها.
ونسبت نيويورك تايمز إلى جان بول رويلر، مدير مركز جنيف للتدريب وتحليل الإرهاب، قوله إنه كان يتم اختيار الأهداف فقط لكونها غربية فى الهجمات السابقة، إلا أنها كانت تفتقر إلى المعانى الرمزية التى لطالما كانت تحملها الهجمات التى يتزعمها تنظيم القاعدة.
وأشارت الصحيفة إلى أن المسلحين تحدثوا بالفرنسية أثناء شن هجومهم، ما يعيد السؤال الذى نما بصورة أكثر إلحاحا وعلى نحو متزايد فى فرنسا عما اذا كان المواطنون الفرنسيون الذين يعودون من سوريا والعراق بعد أن ألهمتهم الجماعات الجهادية قد دربوا على شن هجمات، أم أنهم يستجيبون إلى دعوات جماعات جهادية للهجوم على أهداف محددة.
وأوضحت الصحيفة أنه من بين أصابع الاتهام التى تشير إلى تنظيم القاعدة، حقيقة آخر إصدار لمجلة انسباير، وهى مجلة دعائية تنشرها الجماعة التابعة لتنظيم القاعدة فى اليمن، أنها قامت بوضع اسم رئيس تحرير صحيفة شارلى إيبدو، ستيفان تشاربونيير، على قائمة اغتيالات مقترحة تضم أسماء الغربيين الذين أساءوا إلى الإسلام، حيث ظهر اسمه فى صفحتين تحت عنوان «رصاصة يوميا تبقى الكافر بعيدا – دافعوا عن النبى محمد صلى الله عليه وسلم».
واختتمت نيويورك تايمز تقريرها بالاشارة إلى الخلاف المستمر، على الانترنت، بين أنصار تنظيم داعش والقاعدة، حيث يحاول كل منهما ادعاء مسئوليته عن الهجوم، فضلا عن أن المؤيدين لتنظيم داعش أشاروا إلى شريط فيديو مدته سبع دقائق صدر فى نوفمبر الماضى من انتاج مركز الحياة الإعلامى التابع لـداعش، يظهر فيه ثلاثة من المقاتلين الفرنسيين وهم يحرقون جوازات سفرهم ويدعون أبناء وطنهم الى ان ينتفضوا.. وأكدت الصحيفة الأمريكية أن من نفذ هذا الهجوم الأخير على الصحيفة الفرنسية قد استوحى فكره وتخطيطه من أحداث الحادى عشر من سبتمبر، مطلقة على ماحدث بأنه  11 سبتمبر الفرنسية.
وأوضحت الصحيفة أن تشبيه الهجوم بما حصل فى 11 سبتمبر أمر منطقي، بسبب تشابه أبعاد الحدثين بصورة كبيرة، حيث كان الهجوم الأخير موجها لإحدى أهم المدن المركزية فى الثقافة الغربية، وهى مدينة باريس الفرنسية، ومع ذلك، فإن هناك اختلافاً جزئياً بين الحدثين من ناحية طريقة التنفيذ وخطورة الهجوم.
فالهجوم الأخير لم يكن عملية انتحارية، فالمنفذون نجحوا فى الفرار بعدما قتلوا 12 شخصاً، وهذا ليس شيئاً جديداً على ما تقوم به القاعدة من الارهاب العالمي، حيث إن التحدى هنا أقوى والرسالة أهم، وما يزيد حدة هذا التحدي، ادعاء المنفذين بأن هذا الهجوم هو رد على الرسوم المسيئة للرسول «ص»، وأن يتم هذا الهجوم فى عقر باريس، وفى أكثر ساعات النهار ازدحاما.. بينما الهجوم على الصحيفة الساخرة تشارلى إيبدو، قد أثار فى أذهاننا فورا أولئك الذين يقطعون الرؤوس، وهم تنظيم داعش.
لا شك أن المنفذين يملكان من الحقد والكراهية بقدر تلك التى يمتلكها داعش على صعيد فكره وإعلامه، لكن الأخير لا يستطيع القيام بمثل هذا الهجوم فى قلب فرنسا وباريس، فيداه مكبلتان، ولا نستطيع القول إنه يستطيع تحدى الغرب.. داعش يثير الاشمئزاز والحقد فى العالم الغربى، لكن الهجوم الانتحاري، والهجوم الأخير فى باريس على صحيفة شارلى إيبدو، إلى جانب أنه يثير رعبا وذعرا حقيقيين فى البلاد الغربية، والسبب الأساسى لذلك، هو وجود تنظيم داعش منحصرا فى منطقة الشرق الأوسط، وليس فى الغرب.. فالأعمال القاسية التى يقوم بها داعش، أدت إلى ارتفاع مستوى الرعب والذعر لدى الغرب بصورة منظمة ومتعاقبة، بحيث كانت تزداد يوما بعد يوم، لكن الغرب مع الوقت أصبح معتادا على مثل تلك المشاهد والأعمال.. كان من المتوقع أن ينقل تنظيم داعش الأعمال الإجرامية التى يقوم بها إلى البلاد الغربية، وربما يكون هجوم 7 يناير الأخير أول الأمثلة على ذلك، إن كان من صنيعه.
واختتمت الصحيفة القول إن الهجوم الأخير أقرب لتنظيم القاعدة منه لتنظيم داعش، ولا بد للدول الأوروبية كلها أن تحذر، فمن المتوقع أن تكون هناك عدة هجمات أخرى فى مراكز الدول الغربية.. من جهته، رأى نوح فيلدمان، أستاذ القانون الدستورى بجامعة هارفاد، إنه إذا كان هجوم باريس هو حقا من تنفيذ تنظيم القاعدة فمن المؤكد غالبا أن هدفه هو استعادة انتباه الرأى العام من داعش وتذكير العالم بأن النموذج الإرهابى القديم لا يزال فعالا وأنه الأصل.
ونوه أستاذ القانون الدستورى بجامعة هارفاد إلى أن فرنسا ليست لديها أية قوات فى الشرق الأوسط حاليا، ولذا فإن الهجوم فى حاجة إلى سبب آخر، فالصحيفة كانت مجرد سبب ملائم لعودة نهج القاعدة مرة أخرى إلى العناوين الرئيسية.. وتابع: أما إذا كان الهجوم مرتبطاً بـداعش فإن سيكون دليلا على أن التنظيم أراد الاستيلاء على سوق الإرهاب التقليدية للقاعدة لمصلحة العلامة التجارية الخاصة به، ومن شأن هذا أن يكون مثيراً للاهتمام، لأنه سيعنى أن داعش كانت تحاول احتكار الامتياز العالمى للإرهاب.