الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

فضائية فرنسا 24 ... صور استعراض القوة

فضائية فرنسا 24 ... صور استعراض القوة
فضائية فرنسا 24 ... صور استعراض القوة




للحفاظ على هيبة الجمهورية الفرنسية أذاع تليفزيون فرنسا 24 الناطق باللغة العربية خطاب الرئيس الفرنسى هولاند من على متن حاملة الطائرات البارجة البحرية شارل ديجول.
وهو المشهد الجديد على الجمهورية الفرنسية، التى غادرت مشاهد إظهار القوة العسكرية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، فحتى عمليات الجيش الفرنسى المحدودة والمتكررة للحفاظ على نفوذها ورجالها واستثماراتها فى مستعمراتها السابقة بالقارة السمراء، تأتى مباغتة وتحرص فرنسا على إخفاء تداول صورها وأخبارها حرصا على إبعاد صفة الاستعمار الفرنسى القديمة، لصالح فرنسا عاصمة الفن والنور والجمال والعلم والتكنولوجيا الذكية وإدارة الشركات المتعددة الجنسيات، هذا وقد كانت ذات الفضائية الفرنسية الموجهة للناطقين باللغة العربية تحرص طوال الأسبوع الماضى على عرض استنكار الحكومة الفرنسية، وفى يمين الشاشة علامة اليونسكو وهى المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة ومقرها الدائم باريس، كتذكرة للعالم بأن الاعتداء حدث فى عاصمة الثقافة العالمية باريس، المركز الرئيسى للقوى الناعمة فى العالم، مدينة الحى اللاتينى ومتحف اللوفر والموسيقى والأزياء العطور، وهى الصورة التى يحبها العرب والمسلمون والعالم كله لفرنسا الحرة الجميلة.
أما الصور القاسية لطائرات البارجة، ولخطاب طويل استمع له رجال البحرية الفرنسية عن قدرتهم وتفوقهم والغرض من سفرهم لسواحل جنوب المتوسط والخليج العربي، واستهداف داعش فى العراق، فهو مشهد جديد على الجمهورية الفرنسية المعاصرة، وإذا كانت قراءة الصور عملنا، فهل لاحظ صناع الصورة شعار البحرية الفرنسية التاريخى أعلى يمين هولاند وهو يتحدث للعالم من على منصة الخطابة.
الشعار يبدأ من أعلى بالصليب وينتهى بكتلة حديدية على هيئة سهم تلك التى كانت تستخدم فى سفن الأسطول الفرنسى القديمة.
وهولاند يتحدث عن القوة العسكرية كحل أخير لمواجهة الإرهاب، وكأنه يربط بين مشاهد الاعتداء الإجرامى على شارلى إبيدو، وبين مشهد البارجة، وقد كانت الشاشة تعرض أثناء الخطاب مجموعة من الأخبار الدالة والمنتقاة، ويستطيع أى قارئ تأويلها فى إطار صورة القوة العسكرية الواضحة، هذه الأخبار هى إعلان تنظيم القاعدة باليمن مسئوليته محددًا أن الأوامر صدرت من أيمن الظواهرى انتقامًا للرسول الكريم، وكانت الشاشة تحرص على تكرار عرض موقف الأزهر ودار الإفتاء فى مصر، الأول يدعو لتجاهل إعادة نشر شارلى إبدو للرسوم المسيئة لأن مكانة الرسول «صلى الله عليه وسلم» أكبر من أن يناله أحد بالإساءة، بينما يأتى بيان دار الإفتاء بلهجة أكثر حدة إذ يصف فعل إعادة النشر بأنه يدفع لصناعة الكراهية، بينما يؤكد شريط الأخبار أن فرنسا زادت عدد نسخ شارلى من ثلاثة ملايين إلى خمسة ملايين نسخة لتلبية الطلب، ولاشك أن فضائية فرنسا 24 ساعة الناطقة بالعربية محترفة بدرجة تجعلنا نتأكد أنها لا تقيم علاقات اعتباطية بين الصور والأخبار، وتوقيت إذاعتها، وبالتالى فهى رسائل مقصودة على الشاشة الفضائية الفرنسية، والرابط الغائب بين اشتراك فرنسا فى الحرب على الإرهاب بالعراق وتطهيره من الميليشيات الإرهابية، كان أمرًا مقبولاً لدى عدد كبير من العرب والمسلمين فى العالم وربط الأخبار والرسوم المسيئة وصور الطائرات السوداء على متن البارجة البحرية المقاتلة يخفض من ذلك القبول فى الشارع المصرى والعربى والإسلامي، ويقرب صور هى استدعاء من بعيد لصورة الصليب فى خلفية القوة المسلحة، مما يستدعى خلفية الحروب الصليبية القديمة، هذه المرة باسم الحرية، وقد كان الصليب البحرى فى خلفية المشهد، والرسوم المسيئة تتزايد أعدادها الصادرة عن شارلى ابدو، وإعلان القوة لتعزيز هيبة فرنسا ودورها الدولي، وهى الدولة التى نحبها ففيها باريس بلد النور حيث الكوميدى فرانسيس والسوربون والشعر والزهور، قوية بقوتها الناعمة، وهذا المشهد الأخير يذهب للناحية الخاطئة، شىء ما كبير خطأ فى صياغة تلك الصور الأخيرة الصادرة عن فضائية فرنسا 24 ساعة فى علاقتها بشريط الأخبار، كما أن الخطأ الكبير قائم متحول ومتعدد الأوجه فى مسألة دعم وصناعة الإرهاب فيما بعد ثورات الربيع العربي، وفى تحالف الحرب على الإرهاب، أما المدهش أن يصدر هذا الأمر من بلد صناعة الصور وتأويل الأخبار فرنسا، الذى يستمد قيمته الأساسية فى العالم كله من قوتها الناعمة وليس من تلك الصور الجديدة لأدوات الحرب.