الإثنين 23 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

جامعة بين السرايات السرية

جامعة بين السرايات السرية
جامعة بين السرايات السرية




د.حسام عطا

كلما تأملت أحاديث القيم والأخلاق وعودة الثقة المتبادلة بين المواطنين وهى رأس المال الاجتماعى بتعبير د.أحمد عكاشة عضو المجلس الاستشارى للرئيس، أسأل نفسى كيف يمكن حدوث ذلك الإصلاح الأخلاقى؟
ومتى تعود تلك الصيغة الاجتماعية التى كانت بمثابة ضمير جمعى يحكم أخلاق المهن المختلفة، ويعلى من شأن الكفاءة والمهارة، ويستهدف تحقيق جدوى العمل ومعناه وليس فقط ما يأتى به من أرباح مادية.
أتأمل الحرمان الحسى والنفسى لشباب وشابات فى عمر الزهور، وأتأمل مساراتهم المهنية الصعبة وطريقها الوعر.
وأسأل كيف يمكن لهؤلاء الالتزام بحسن الخلق فى ظل كل تلك التقاطعات والتداخلات بين المتناقضات اليومية وتعارضات التفسير السياسى والشعبى للحلال والحرام، والخير والشر، والحسن والضال، والجميل والقبيح، أتأمل ذلك بينما كنت أتردد خلال الأيام الماضية على مجمع بين السرايات المهنى المتخصص فى الكتابة السريعة على أجهزة الكمبيوتر، وإعداد الكتب والترجمة وإعداد الرسائل العلمية.
وفى كل مهنة بعض من محبى الليل والسهر، وأبناء الليل فى معظمهم يهربون من زحام النهار يختارون تفردهم الليلى لأسباب عديدة، وعلى اختلاف مشاربهم تربطهم زمالة السهر، وفى القاهرة التى لا تنام تسمع من الليليين ما لا تسمعه من النهاريين وهناك اكتشفت عالما خاصًا لكتابة الرسائل العلمية لا أقصد كتابتها من خط اليد إلى أبجدية الكمبيوتر بل إعدادها تماماً، قال لى واحد من أهل السهر أن طالب الماجستير والدكتوراه يأتى للمكتب بخطة البحث ويدفع مبلغاً من المال ثم يأتى لاستلام الرسالة، وأن لديهم أساتذة وخبراء فى هذه المسألة، وأنها هى مصدر الدخل الرئيسى لمعظم المكاتب، وليس الكتابة على أجهزة الكمبيوتر.
كما أن لديهم مراكز لإعداد ملخصات لطلبة الجامعة، ولتقديم الدروس الخاصة لهم، وهكذا امتدت يد الاختراق للتعليم الجامعى كما حدث مع التعليم العام، وكما فهمت فالأمر يحدث على نطاق أوسع مع مراكز كتابة مشابهة مجاورة للجامعات الإقليمية.
وأن معظم عملهم الآن أصبح مع المصريين وليس فقط مع الوافدين العرب.
أما استئجار المعرفة وانتحالها وتزويرها لصالح الحصول على بعض الأموال، فسبب حدوثها الأول هو هوان تلك المعرفة فى نظر أصحابها لهوانهم على المجتمع، ولعدم حصولهم من ناتج علمهم على ما يضمن لهم الحياة الكريمة، لاحظ معى أن تأليف الكتب وأعمال الكتابة والفكر لا تدر لأصحابها عائداً يقيهم حر الصيف وبرد الشتاء.
وتنتشر تلك الظاهرة بشكل أوضح بين التخصصات النظرية لا العلمية لأن الانتحال فيها يكون أسهل ولهذا يفقد اللقب العلمى مصداقيته، بل ويصبح سببا من أسباب السخرية، لاشك أن التحولات الأخيرة فى مصر ما قبل 25 يناير ساهمت فى جعل قبول بعض من الفساد فى كل مناحى الحياة بمثابة مرونة أخلاقية وضرورة لإنجاز العمل وللتواجد وللحصول على الفرص، ولأن قليلاً من الفساد يفتح طرق النجاح المختلفة، فى مجتمع كانت معظم طرقه المشروعة مسدودة فى الحب والزواج والعلم والعمل، فقد أصاب قلب إنتاج مؤسسات القيمة والأخلاق ذات المرض، قليل من الفساد لا يؤذى فى عالم الدرجات العلمية، وكن رحيما ولا تكن معقداً، ولأن قليلاً من الفساد يمكن له الإنجاز فى المؤسسات البيروقراطية المنهارة ذات الطابع العبثي، فهو فى عالم المعرفة يؤدى إلى الانهيار التام وغياب الدور والمعنى والقيمة.
ولأن محاسبة الفساد مؤجلة منذ 25 يناير وحتى الآن، ولأنها بطيئة، ولأن مواجهته مسألة شديدة الصعوبة، لأن أفسد ما أفسده أهل الفساد هو إقصاء الكفاءات، وتغيب إنتاج الصف الثانى والثالث، وحرمان معظمهم من التدريب والتجربة والتقديم المهنى الطبيعي، فالمواجهة معه شديدة الصعوبة ولكنها ضرورية فى الأيام المقبلة، حتى تعود للقيم مرونتها وتعود الاستقامة هى أقرب الطرق للاستقرار النفسي، ويتم فتح باب الأمل أمام طاقة مصر الثابتة حتى يمكننا الحديث عن الأخلاق، ولا شىء بلا أخلاق، صناعة، زراعة، تجارة وما إلى ذلك، وأول باب لمواجهة الفساد هو استعادة قيمة المعرفة فى المدرسة والجامعة، أما أهل السهر فى بين السرايات فمحبتى لهم لأنهم أكدوا لى وجود تلك المؤسسة السرية للتزييف العلمي، لم استطع أن أحدثهم عن الأخلاق كثيراً ولا أنهم يساهمون فى هدم رأس المال الرمزى العلمى فى مصر، ولكننى رحت أفكر كيف يستطيع أهل العلم تزوير علمهم، لاشك أن استعادة القيمة الرمزية للجماعة ودورها الأخلاقى ضرورة كبداية لمسألة الإصلاح الأخلاقى ككل... ولذلك فتؤكد مطالب حركة 9 مارس ضرورة إصلاح الفساد التخصصي، فى اطار إصلاح الفساد العام، فإصلاح حال أهل العلم بلا شك هو بوابة الإصلاح العام فى مصر.