الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إحسان الحب والحرية

إحسان الحب والحرية
إحسان الحب والحرية




مديحة عزت

إلى أغلى الحبايب أستاذ عمرى إحسان عبد القدوس هذه الأبيات لزميل العمر صلاح جاهين:
الكاتب المصرى صحّى شعبنا النعسان
وعلمه كلمة الحرية والإنسان
وكلمة الثورة أهداها لكل لسان
عاشت وعاش الكاتب المصرى
 وعشت للشعب كاتبًا مصريًا يا إحسان
إليك يا أعز الحبايب أستاذى وأستاذ الصحافة والأدب إحسان عبد القدوس التى تمر ذكرى رحيله هذا الأسبوع الخامسة والعشرين يا إحسان وأنت الغائب الحاضر فى قلبى وفى قلوب كل من عاشرك وعمل معك وعملت معه يا إحسان عبد القدوس الذى علمتنا الحب والحرية.. علمتنا نكتب الحب. علمتنا نعيش الحب والحرية، علمتنا نتنفس الحب.. علمتنا نلتقى على حب علمتنا نفارق على حب ونصبح على حب، فلك يا أستاذ الحب والحرية مع ذكرى رحيلك الدعاء بالرحمة والغفران أنت والذين معك من الحبايب والزملاء والأهل فى رحاب الله عليكم رحمة الله.
وبعد.. مع الذكرى التى أيقظت ما نام من الذكريات وما بقى من صور الحبايب والأصحاب فى ذاكرتى.. إلى آخر يوم رأيت فيه أستاذى إحسان عبد القدوس، كان فى آخر عيد ميلاد له ذهبت لأعيد عليه قبل سفره فى رحلة بحرية نظمها أحمد عبد القدوس ابنه بمناسبة احتفاله بعيد ميلاده وجلست إلى جانبه وهو راقد فى سريره وتناولت فنجان القهوة الذى أصر أن أشربه وأنا بجانبه وقبلت يده وهو يودعنى وودعته ورجعت وكان أول من التقيت به فى «روزاليوسف» صلاح حافظ الذى سألنى كنتى فين باين عليكى إنك مش مبسوطة، قلت له: يا صلاح كنت عند الأستاذ إحسان وطريقة كلامه معى ونظراته وسلامه وتوديعه لى شعرت أنه يودعنى الوداع الأخير.. ونفس الكلام لكل من سألنى مالك نظرات إحسان لى وسلامه يقول إنه آخر وداع وأنه يودعنى الوداع الأخير وقد كان وفعلا عاد إحسان من الرحلة فى غيبوبة ورحل فى مثل هذه الأيام منذ خمس وعشرين سنة بعد عشرتى معه أربعين سنة عليه رحمة الله وغفرانه بإذن الله، وتتدفق الذكريات مع الأستاذ والمعلم أربعين سنة حتى بعد أن ترك «روزاليوسف» لم نفترق واستمرت علاقة التلميذة بأستاذها ومعلمها يزيدنى علما ويرفع من شأنى برأيه فيما أكتب، دائما يرشدنى ويحذرنى من اندفاعى ويشجعنى ويبارك حماسى وانطلاقي، ويوم ترك إحسان عبد القدوس «روزاليوسف» وعين فى «أخبار اليوم» قال لى: يعز عليّ جدا ألا أراك كل يوم وأسمع «سرسعتك» لكن أنا عارف أنك مديحة «روزاليوسف» ولن أسمح لأحد أن يلقبك بغير «روزاليوسف».. رحم الله أستاذى الحبيب.. ومن الذكريات العزيزة أنه كان دائما يقول لى ناقشينى راجعينى اقنعينى أو أقنعك.. وأذكر يوم سقط فى الإسكندرية وكُسرت يده ووضعت فى الجبس وقد كان لابد أن يملى علىّ ما يكتب، كان كل من يمر أمام المكتب يسمعه يقول لى حسنى خط، خط ده ولا نكش فراخ.. وكان يعتذر للحاج حسن مدير المطبعة عن سوء خطى.. وكان يملى على اعتذارًا للقارئ العزيز الخط الوحش ده خط مديحة ومع ذلك أملى علىّ ثلاثة فصول من قصة «لا أنام» طيلة الثلاثة أسابيع! واسمحوا لى أن أعتذر إلى العزيزة الدكتورة فاطمة سيد أحمد رئيسة التحرير عن خطى الوحش الذى يزيده وحاشة إطفاء النور الذى عاد بدرى.
ونرجع للذكرى وأستاذنا إحسان عبد القدوس وكيف كان يتعامل معنا تلاميذه وزملائه.. مثلا.. كنت أقرأ كل ما يكتب قبل أن يترك المطبعة وكان يكتب قصة «الله محبة» وهى قصة فتاة مسلمة أحبت شابًا قبطيًا وكان كاتب.. وخرجت تتأرجح بين الجنة والنار، فقلت إنك بهذه الكلمة تحدد ين مكانا، قال لى اشطبى هذه الجملة وامضى جنبها، قلت له أنا أشطب وأمضى كمان، قال مش أنت اللى صححتى الخطأ.. هذا هو إحسان.
وقصة أخرى مشابهة وهى أنه عندما كان يكتب قصة «لا أنام» كتب أحد الزملاء أن إحسان أخطأ فى قوله «لا أنام» وكان لازم يكتب «أنا لا أنام» ورفض إحسان تغيير الاسم ولكنه سمح بنشر رأيه فى المجلة.. وهذه قصة من بعض ما كان يتكلم معى فيما يفكر فيه.. فقد كان يقول.. قصص الحب فى رواياتى ليست قصصا حقيقية لكنها قد تكون من وحى قصص حقيقية.. فمثلا قصة «وعاشت بين أصابعه» قالوا إنها قصة أستاذ كبير مع إحدى المطربات ولكنه كان يقول قد تكون من وحى حكاية هذا الأستاذ الكبير والمطربة ولكن كل أحداث القصة وشخصياتها وتحليلها بعد ذلك لا علاقة لها بالأستاذ الكبير! ومع ذلك أعلن أن هذه القصة ستتحول إلى فيلم، اتصلت بى المطربة أطال الله عمرها، اتصلت بى تطلب منى أن أرجو الأستاذ إحسان أن يسمح بعمل الفيلم وفعلا رفض أستاذنا إحسان جميع العروض والمبالغ من جميع من تقدموا ومن بينهم إحدى الراقصات!
هذا هو إحسان الكاتب الوحيد الذى عرضت إحدى قصصه على «البرلمان» كانت قصة «أنف وثلاث عيون» ووقتها اتصل به الرئيس أنور السادات الذى كان يومها رئيسا للبرلمان وقال له إن هناك سؤالا مقدمًا من أحد النواب وأنا مضطر أعرضه، قال له إحسان لماذا تعرضه؟ هذا ليس موضوعًا سياسيًا هذه مهمة مجلس الفنون الأعلى، فأجابه أنور السادات وكان صديقه يا إحسان أنا أفضل عرض الاستجواب حتى تكون هناك حرية للنواب فى توجيه أى نوع يشاءون من هذه الأسئلة! كان يحب وعودنى أن نقعد مع بعض فى أيام السهر فى المجلة يحكى لى ما يريد وأحكى له ما يريد أيضا منى فى أحوال الدنيا.
كان يقول كتابة القصة هى متعة شخصية لى لدرجة كبيرة وهى تغطية لاحتياج داخلى كبير، فطوال كتابتى للقصة أنسى كل ما حولى.. وعندما أتلقى رد فعل القراء أسعد كثيرا.
وعندى الكثير من حكاياته وحكاويه لا يتسع لها المكان ولنا معها لقاءات قادمة بإذن الله لو كان فى العمر بقية.. وأخيرا لا أنسى يوم وفاة عميد الأدب العربى طه حسين وأقيمت له سرادقات العزاء فى كل مكان يومها، قلت لأستاذى العزيز إحسان لما أموت عايزة تعملى جنازة وعزاء مثل طه حسين كد أربعين يوما، قال لى رحمه الله.. طيب روحى اكتبى نعيك علشان أعمل لك اللى أنت عايزاه.. قلت يا أستاذ أنا بقول بعد موتى.. قال بعد موتك حتعرفى ازاى وينفعك بإيه كل ده بعد موتك!
رحم الله أستاذنا إحسان أستاذ الصحافة والحب والحرية هل يا أستاذنا إحسان تشعر بما يكتبه لك تلاميذك وقراؤك الباقون المعتزون بقيمتك الأدبية والصحفية الرفيعة.. وإليك أستاذى الحبيب فى رحاب الله والذين معك الدعاء بالرحمة والمغفرة مع هذه الأبيات
أيها الراحلون عنا سلاما
 قد صحونا وما لبثتم نياما
أصبح الصبح والخواطر حيرى
كيف نمتم يا ساكنين الرغاما
صاحب بعد صاحب يتوارى
 فى صباه ويسبق الأياما
وإليكم الحب كله وتصبحون على حب