الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

جهل الأطباء بـ«الهيموفيليا» يدمر أطفال الصعيد

جهل الأطباء بـ«الهيموفيليا» يدمر أطفال الصعيد
جهل الأطباء بـ«الهيموفيليا» يدمر أطفال الصعيد




تحقيق - حسن الكومى

لا تزال محافظات الوجه القبلى تشكو الاهمال ونقص الخدمات الطبية،  فالعجز صارخ فى الأطباء، فضلا عن أن المستشفيات العامة والأطباء ليسوا على الدراية الكافية بجميع الأمراض، حيث ينقصهم الخبرة إذا ما قورنوا بأطباء الوجه البحرى.
يعانى أكثر من 20 ألف طفل من مرض الهيموفيليا، بمحافظات الصعيد، ويعيشون حياة مأساوية ورحلة من العذاب شبه يومية، بسبب نزيف الدم لا تتوقف فى ظل ضعف الإمكانات الطبية، وغياب الوعى الطبى، وارتفاع تكاليف العلاج، ونقص المتخصصين، وقلة عدد بنوك الدم.


تستطيع أن تشعر بمدى المعاناة والمرارة التى يعيشها هؤلا المرضى عندما يحدثك طفل لم يتعد السابعة من عمره عن المرض وينطق باسمه وأعراضه فى الوقت الذى يعجز فيه الأطباء والممرضون بالوحدات الصحية، والمستشفيات العامة، ونظيرها التكاملية بقرى الصعيد عن تشخيص المرض فى حالته الأولى أو التعامل معه، فهو مرض خطير يتسبب فى تدهور حالة المريض فيصاب بالشلل أو الموت.
فى لمسة إنسانية التقت «روزاليوسف» عددًا من المرضى وأسرهم لمعرفة المرض اللعين ومدى المعاناة التى يعانيها أصحابه.
بداية يقول عبد السميع فؤاد محمود، 42 سنة، مقيم بقرية الزوايدة، مركز نقادة: «أعانى منذ الصغر أنا وأشقائى الثلاثة من نزيف الدم أو الهيموفيليا، ننزف بالأسبوع والاثنين ولا نجد العلاج، حتى الحقنة مش بنلاقيها، لدرجة إن مفاصلنا اتدمرت»، مستنكرا من غياب الحقن الخاصة بالمرض من الوحدات الصحية والمستشفيات العامة.
وبنبرة من الأسى والحزن أضاف: «الأطباء غير متخصصين ولا يعرفون معنى الهيموفيليا، وحينما نذهب للتأمين الصحى يقولولنا روحوا مستشفى الهلال الأحمر، المريض هناك خارج الحسبان، وعندما نطلب من الدكتور أكياس بلازما يخبرنا مسرعا: هاتولى متبرعين».
ويوضح عبدالسميع أن مريض الهيموفيليا يحتاج لمعاملة ورعاية خاصة، فى الوقت الذى يسكن فيه جميع المرضى فى قرى ومناطق نائية بعيدة عن مراكز العلاج، الأمر الذى يعرض حياتهم للخطر، ناهيك عن التعرض إلى الكدمات والسحجات من خلال وسائل المواصلات ما يتسبب فى نزيف.
ويطالب بضرورة توفير سيارات خاصة مجهزة مثيل المعاقين لمرضى الهيموفيليا لتخفيف المعاناة وعمل حصر كامل بأسماء المصابين بالمرض وتسجيلهم الكترونيا، وتجهيز مركز خاص بعلاج مرضى الهيموفيليا بجنوب الوادى، ووحدة خاصة بكل مركز من مراكز المحافظة، بالإضافة الى عمل مؤتمر طبى يحضره كبار الأطباء فى تخصص أمراض الدم.
وشدد عبدالسميع فى نهاية حديثه على ضرورة توعية المرضى والأطباء والممرضين بالمرض وكيفية التعامل معه، مختتما: «أنا خلاص كبرت مش باقى فى عمرى كتير، رجاء وفروا أطباء متخصصين يعرفوا يعنى إيه هيموفيليا من أجل الأطفال الصغار».
أحمد عبدالباسط طاهر إسماعيل، من مركز أرمنت بمحافظة الأقصر، حاصل على ثانوية أزهرية، يقول: «أعمل مبيض محارة ومصاب بمرض الهيموفيليا التى تؤلمنى بشكل يومى، ولا استطيع الاستغناء عن العمل رغم الألم الشديد، لأتمكن من توفير ثمن حقنة الفيكتور، والتى تصل إلى 1200 جنيه، ومفيش رعاية ولا تأمين صحى، وبسبب العمل الشاق أحتاج الى عملية فى ساقى الأيمن، وأنا مش قادر على المصاريف، ولو ما عملتش العملية فى أسرع وقت فمصيرى الشلل، مطالباً بضرورة توفير عمل مريح، وتأمين صحى، وإجراء العملية.
وتوضح والدة الطفل عبدالله سيد أحمد، من محافظة الأقصر، أن ابنها عمره عامان، مصاب بالمرض، ومنذ 7 اشهر سقط على الأرض وأصيب فى رأسه، وتحولت الإصابة بعد النزيف إلى مايشبه الإعاقة الدائمة، مشيرة إلى أنها تجد صعوبة فى العلاج فهى تذهب للتأمين الصحى بالأقصر الذى يكتفى بتحويلها إلى مستشفى الأقصر الدولى ليحصل على البلازما، منوهة إلى حاجتها إلى توعية حتى تتعرف كيف تتعامل مع المرض فى حالة تعرض ابنها للنزيف.
ويروى على مسعود أحمد، بمركز قوص بمحافظة قنا، قصته ويقول: «ابنى كريم طالب بالصف الثالث الابتدائى، اصيب بالهيموفيليا وعمره 40 يوم، حيث اكتشفت المرض عندما توجهت به لاجراء عملية طهارة واثناء العملية نزف دم بشكل كبير، بعدها نقل للحضانة ولم يعرف أحد أن عنده هيموفيليا، وفى يوم استمر النزيف من الصبح لآخر النهار.
وتابعت: تم تحويله إلى مستشفى أبوالريش، والذى اكتشف المرض وتم تسجيله فى جمعية أصدقاء مرضى الدم، وبدأ يأخذ الفيكتور والتى يصل ثمنها لـ1200 جنيه، مطالبة بتوفير التوعية والعلاج الكامل للمرضى وتسجيلهم إلكترونيا، ومعرفة العلاج البديل فى حالة عدم توافر العلاج الرئيسى، على أن يتم تخصيص وحدة فى كل مركز مجهزة بأطباء وطاقم تمريض أكفاء.
ويشكو السيد أحمد شحات، والد الطفل محمود، عمره 8 سنوات يعانى من مرض الهيموفيليا المزمن، المعاملة فى التأمين الصحى وعدم توافر العلاج، لافتا إلى رحلة كعب داير بين المستشفيات الحكومية والتأمين الصحي، متسائلا: «ليه الحكومة ما توفرلناش كارنيهات طالما المرض مزمن، ليتم التعامل معاه مباشرة مجرد دخول الحالة المستشفى وإعطائه العلاج بدلًا من المماطلة والروتين اللى بيتسبب فى شلل أبنائنا.
ويحكى السيد سعيد عبد الفتاح، فنى بمترو الأنفاق بالقاهرة، معاناتى مع ابنى سعيد، المصاب بالمرض دفعنتى لأكون ناشط فى جمعية أصدقاء مرضى النزيف، خاصة أن ابنى عبارة عن كائن زجاجى ممنوع لمسه، محروم من اللعب مع أصدقائه فى المدرسة، الأمر الذى دفعنى إلى المناقشة سويا حول المرض وخطورته حتى أصبح عنده وعى بالمرض.
وتابع: ذات مرة وأثناء حقن التلاميذ فى المدرسدة بالحقن الثانوية التابعة لوزارة الصحة، وحينما جاء دوره قال للطبيبة: «أنا ممنوع من الحقن يادكتورة عشان أنا مريض هيموفيليا، فقالت الطبيبة له: يعنى إيه هيموفيليا ياحبيبي؟، فأجابها: يعنى سيولة فى الدم.. إنتمتعرفهاش يادكتورة؟!».
وأوضح عبد الفتاح أنه يشارك فى قوافل التوعية الطبية بالمرض وخطورته وكيفية التعامل معه، والإجراءات الطبية التى يقوم بها كعلاج وقائى بالمنزل والذى يحتاج إلى الدعم الحكومى، بحيث يكون هناك مندوب فى كل مستشفى يمثل مرضى الهيموفيليا.
وكشف عبد الفتاح عن أن عدد المصابين بمرض الهيموفيليا المسجلين بمعامل وزارة الصحة 6475 مريضًا على مستوى الجمهورية، منوها إلى أن ذلك لم يكن العدد الحقيقي، علاوة على أن العدد الحقيقى يفوق ذلك بكثير، ولا يوجد حصر شامل للمرضى.
وأضاف أن قرارات العلاج على نفقة الدولة محدودة و2500 جنيه التى يحل عليها المريض لا تكفى ومن الممكن أن يستهلكها المريض فى أسبوع، فضلا عن أن الـ6 أشهر يمكن أن تنتهى دون أن يتم صرف أى علاج للمرضى خلالها لعدم توافره، مطالبا الحكومة بضرورة توعية الاطباء والممرضين فى المستشفيات الحكومية والخاصة وتوفير الدعم الكامل للمرضى.
وكشف مصدر طبى أنه بعد اغلاق المصنع المنتج لعلاج المرض بعد ثورة يناير أصبح العلاج غير متوافر بالمستشفيات خاصة بالصعيد، ناهيك عن أن البدائل غير متوافرة وفعالة لسوء تشخيص الحالات المرضية والخطأ فى احتساب مقادير الجرعات البديلة من البلازما بسبب عدم وجود طبيب دم مختص.
ولفت المصدر الطبى إلى أن الاعطال المتكررة فى الأجهزة الطبية تجعل مرضى الدم فى حالة من الألم المتواصل، إلى جانب إصابتهم بنزيف خارجى أو داخلى فى المفاصل والعضلات، بالإضافة إلى تعطلهم عن الدراسة أو العمل بسبب الإقامة شبه الدائمة والمتكررة على المستشفيات وعدم القدرة على الحركة والمكوث فى المنازل بالأسابيع.
وفى بيان صادر عن منظمة العدل والتنمية لحقوق الأنسان كشف أن حياة اكثر من 20 ألف طفل مصابين بالهيموفيليا فى خطر بسبب عدم توافر علاج الهيموفيليا بمحافظات «قنا - سوهاج - أسيوط» لاختفاء الأدوية الخاصة بالمرض داخل مستشفيات التأمين الصحي، حيث يتم صرف علاجه عبر التأمين، وليس داخل مستشفيات وزارة الصحة أو المستشفيات المركزية.
 وأشار البيان إلى أن بنوك الدم الإقليمية بالمحافظات تساهم فى علاج الهيموفيليا بعمل حصر كامل لأسماء المرضى وصرف الدم لهم إذا كانت فصائل دمهم متوافرة لدى البنوك، وإذا كانت غير متوافرة يتم تحويلهم لمستشفيات أخرى.
فيما كشف بيان صادر عن المركز المصرى للحق فى الدواء أن هناك 152 مستشفى حكوميًا تابع لوزارة الصحة دون أدوية للطوارئ، و24 مستشفى أخرى دون أجهزة لقياس ضغط الدم، و12 غرفة عمليات مغلقة منذ أشهر، إلى جانب أن هناك 116 مستشفى دون معمل تحاليل، و116 أخرى خالية من أجهزة الأشعة، فضلا عن أن 69 مستشفى لا يوجد به أطباء تخدير.
وقالت ماجدة رخا، مديرة جمعية أصدقاء مرضى النزيف، إن الجمعية تحاول من خلال القوافل الطبية التعريف بكل ما هو جديد من وسائل علاج مرضى الهيموفيليا وكيفية الوقاية من المرض، وذلك من خلال بروتوكول تعاون بين الجمعية ومؤسسة نوفرديسك العالمية، وهى مؤسسة خيرية غير هادفة للربح لتحسين الرعاية الطبية لمرضى الهيموفيليا وتقديم كتيبات توعية بالأدوية المسموح بها، والعلاج التعويضى، وتسجيل المصابين، وتقديم بطاقات إسعافية.
وأضاف شادى سيدهم، مسئول مؤسسة نوفرديسك العالمية لرعاية مرضى الهيموفيليا، أن المؤسسة تسعى جاهدة لتوصيل الرعاية المتكاملة للمرضى، موضحا أن أى دولة لابد أن يكون لديها خدمة طبية متميزة، بها خبراء وأطباء متخصصين، ومرضى على قدر عال من الثقافة، بالإضافة إلى الأجهزة الحديثة وتوافر الأدوية اللازمة للعلاج، مشيرا إلى أن المؤسسة نجحت فى رفع مستوى التوعية بالمرض بعدد من الدول من بينها «كينيا اليمن الضفة الغربية بفلسطين».
واكدت الدكتورة شيماء عبدالله، مدرس مساعد أمراض الدم بجامعة جنوب الوادى، أن مرض الهيموفيليا من الأمراض التى تحدث نتيجة خلل فى الجينات التى تنتج من البروتينات، ويورث من أحد الوالدين، ويتسبب فى حدوث نزيف فى المفاصل والعضلات ومفاصل الركبة والكاحل، وينتج عن النزيف تيبس المفاصل المصابة والعضلات.
ولفت مدرس مساعد أمراض الدم بجامعة جنوب الوادى إلى أن عدم السرعة فى تلقى العلاج ينتج عنه عاهة مستديمة تؤدى لعدم القدرة على الحركة، علاوة على أنه لو كان النزيف فى المخ أو أحد الأعضاء الحساسة بالجسم أو كان حادا ولم يتلق المريض الإسعاف السريع، فمن الممكن أن يتسبب ذلك فى الوفاة.
وتابعت: بحسب مستويات المرض الثلاثة فإن النسبة الطبيعية لعوامل تجلط الدم هى أكثر من 50% ويمكن أن يكون مريض الهيموفيليا نسبته أقل من 1% «شديدة الحدة»، مشيرة إلى أن أعراض المرض تتمثل فى النزيف المتكرر دون سبب معلوم، وتظهر الأعراض فى الأشهر الأولى، منوهة إلى أن هناك حالات مصابة بالمرض تنزف أثناء إجراء العمليات الجراحية لها، علاوة على أن المرض غالبا ما يتم اكتشافه فى سن متأخرة.
وأوضحت شيماء أن المشكلة تكمن فى أن عدد اطباء أمراض الدم قليلون، فالمريض يعانى من ارتفاع تكلفة التشخيص والعلاج، منوها إلى أنها ستعمل جاهدها من خلال وجودها بمستشفى جامعة جنوب الوادى على تقديم جميع الرعاية الطبية المتكاملة للمرضى، مطالبة بضرورة توفير معامل للمرضى بمستشفى الجامعة والعلاج الكافى حتى تم تقديم الخدمة كاملة لابناء قنا والمحافظات المجاورة.
وأشار الدكتور أحمد محمد خضرى، مدير الشؤن الطبية بمنطقة الأقصر للتأمين الصحى، إلى أن الهميوفيليا مرض وراثى يصيب الذكور أكثر من الأناث، وأشهر أنواع مرض الهيموفيليا «أ ب»، مشيرا إلى أن المسجلين بمحافظة الأقصر حوالى 30 مريضًا، فى الوقت الذى قد يكون هناك حالات لم يتم تسجيلها حتى الآن.
وتابع: أن هيئة التأمين الصحى لا تتأخر عن تقديم الخدمة للمرضى فى حدود الإمكانات المتاحة، مشيرا إلى توفير البلازما والفيكتور لمرضى الهيموفيليا، فضلا عن توعيتهم من خلال القنوات والقوافل الطبية وبروتوكولات التعاوان مع المستشفيات الجامعية ومنظمات المجتمع المدنى.
من جانبه أكد الدكتور عباس منصور، رئيس جامعة جنوب الوادى، أن الجامعة تبذل قصارى جهدها لتوفير جميع المستلزمات الطبية للمستشفيات الجامعية، وتحرص دائما على تقديم خدمة طبية متكاملة لجميع أبناء الأقليم من أجل تخفيف العبء على المواطنين، موضحا أن المستشفى الجامعى بجنوب الوادى فى تطور مستمر وأنه يهدف الى توفير جميع الخدمات والرعاية الصحية لمرضى جنوب الصعيد حتى لا يتكبدون العناء فى السفر إلى الخارج.
وأشار منصور إلى أن المستشفى الجامعى يعانى من عجز صارخ فى بعض الخدمات، منوها إلى أنها ستكون كاملة فى وقت قريب بجهود وتبرعات ابناء المحافظة والمحافظات المجاورة، مرحبا بوجود قوافل التوعية الطبية بمرض الهميوفيليا وغيرها من الأمراض بجامعة جنوب الوادى، موضحا أن الجامعة على استعداد تام لاستقبال جميع الأفكار التى من شأنها أن تخدم المواطنين وتساعد على حل مشاكلهم وتخفيف اعبائهم.
وكشف رئيس جامعة جنوب الوادى أن الجامعة بصدد انشاء مجمع مستشفيات الطوارئ بقنا ليقدم الخدمة للمواطنين البسطاء، شريطة أن تكون اسعاره فى متناول الجميع، بالإضافة إلى ذلك تبحث الجامعة خلال السنوات المقبلة إنشاء كلية للعلاج الطبيعى بما يوفر الخدمة المتكاملة لابناء الجنوب، بل ومحافظات الوجه القبلى أجمع.