الخميس 19 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

اتهام «الموساد» بتدبير حادث «شارلى إيبدو»

اتهام «الموساد» بتدبير حادث «شارلى إيبدو»
اتهام «الموساد» بتدبير حادث «شارلى إيبدو»




ترجمة وإعداد- أميرة يونس
أعد المحلل السياسى الإسرائيلى «عكيفا ألدار» تقريرا مهماً فى صحيفة هاأرتس العبرية يهاجم فيه سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتانياهو» ويتهمه فيه بتضليل شعبه و تضليل نفسه عن الكثير من الحقائق التى طالما حاول إنكارها أو تفسيرها وفقا لما يحلو له ولسياسة بلاده، مشيرا إلى تقرير الهيئة الأمريكية لمكافحة التشهير والتى أعتبرت إسرائيل هى المستفيد الرئيسى من الأعمال الإرهابية التى ينفذها مسلمون متطرفون ضد الأهداف الغربية مما عزز الشعور عند البعض بوجود مؤامرة يهودية خلف تفجيرات 11 سبتمبر فى أمريكا.

وأضاف الكاتب الصحفى فى تقريره أن ثمة شواهد تاريخية على قيام الموساد بتفجير بعض المصالح الغربية فى القاهرة سنة 1954 لتحريض الغرب ضد عبد الناصر، ناهيك عن وجود شواهد أخرى تشير إلى ضلوع الموساد فى تخطيط وتنفيذ العديد من العمليات الارهابية، لكن من الواضح ان حالة الانفلات والفوضى والتفكك والعنف والارهاب التى تسود منطقة الشرق الأوسط ووصل مداها إلى أوروبا فى ألمانيا على وجه الخصوص وفرنسا مؤخرا، أصبح ينطبق على الإسرائيليين الحكمة اليهودية التى تقول «يقوم الغرباء بواجبات الطيبين» أوضح ألدار أن حكام تل أبيب وجنرالاتها « القتلة» وجدوا فى أحداث باريس ضالتهم، فخرجوا عن اللياقة الدبلوماسية للبرهنة أمام الأوروبيين على مصداقيتهم وجدية تحذيراتهم من الخطر الإسلامي، ومن مخاطر أسلمة أوروبا ديموغرافيا، ومدى خطورة الإرهاب الإسلامى الذى بات يهدد نمط حياة الأوروبيين واستقرارهم الاقتصادى،الثقافى، بل والديمقراطية الغربية أيضا، من خلال تحريضهم الفج والوقح على عشرات الملايين من العرب والمسلمين، وصل الى حد النقد العلنى لكل ما يتعلق بسياسات الحرية والتسامح والانفتاح الأوروبى، فى محاولة منها إلى فرض تجربتها الإرهابية الأمنية الإسرائيلية على منظومة الأمن الأوروبية.
فيما لفت ألدار فى تقريره إلى تصريحات رئيس حزب « البيت اليهودى» نفتالى بينيت فى بيان رسمى لحزبه والذى طالب فيه بضرورة استغلال إسرائيل لهذه « الفرصة الذهبية» وتفعيل وتكريس وسائل الإعلام الإسرائيلية لشرح وتوضيح الحادث للعالم، وإثبات أن الإرهاب الإسلامى يشكل خطراً على العالم كله.
كما دعا الدبلوماسية الإسرائيلية لتبنى نفس الموقف أما بالنسبة لنتانياهو فقال أن اسرائيل تقف مع أوروبا فى مواجهة الإسلام المتطرف، وعلى أوروبا ان تقف الى جانب إسرائيل فى مواجهة الإرهاب الذى يحمل أسماء كثيرة منها «حماس،حزب الله، داعش والقاعدة».
وأضاف ألدار أن نتانياهو لم يكتف فقط بنشر الخوف من الإسلام وخلق جبهة ضد ما أسماه «الإرهاب» بل استغل الفرصة أيضا لتحريض اليهود على الهجرة لأرض إسرائيل لاستكمال المشروع الصهيونى باعتبار أن الهجرة اليهودية تشكل قاعدته الأساسية، محرضا اليهود على الهروب من خطر الإرهاب الى موطن اللجوء الآمن، ويريد حسب تصريحات وزير إسكانه أريئيل ان يوطن غالبيتهم فى مستوطنات الضفة، ليحولهم بذلك من مواطنين أحرار فى أوروبا الى قتلة ارهابيين ومجرمين، أو إلى «درع واق» فى مواجهة الهجمات الفلسطينية، مع احتفاظهم بمواطنتهم الأصلية.
وتابع ألدار أن وقاحة دولته وصلت إلى ذروتها عندما احتفلت اسرائيل بدفن المواطنين اليهود الأربعة الذين قتلوا فى باريس، فقد قتلوا كمواطنين فرنسيين ودفنوا كمواطنين إسرائيليين فى حشد رسمى وشعبى كبير، فى الوقت الذى قامت فيه وزيرة العدل السابقة «تسيبى ليفنى» بانتقاد نتانياهو ليس لجوهر خطابه؛ بل لأنه حسب وصفها ويضيع على اسرائيل فرصة سانحة لجعلها جزءاً من جبهة عالمية فى محاربة الإرهاب، فهو ملتزم بخطاب يمينى لا يتيح له المرونة للتلاعب بالألفاظ لدس السم فى الخطاب المعسول.
وأشار ألدار إلى محاولة وزير الدفاع الإسرائيلى الأسبق وأحد أهم زعماء «الليكود» سابقاً «موشيه آرنس» فى شرح صدق نبوءة صدام الحضارات للغرب والتى روج لها مؤرخ «محافظى أمريكا الجدد» صمويل هنتنجتون أستاذ العلوم السياسية والذى أشتهر بتحليله للعلاقة بين العسكر والحكومة المدنية، وبحوثه فى انقلابات الدول، ثم أطروحته بأن اللاعبين السياسيين المركزيين فى القرن الحادى والعشرين سيكونوا الحضارات وليس الدول القومية، على اعتبار ان الأعمال الإرهابية التى ينفذها مسلمون ضد المصالح الغربية هى جزء أصيل من رسالة الاسلام التى بدأت منذ رسالة النبى محمد، وهى الحرب على كل ما هو غير إسلامي، على حد زعم موشيه أرنس فى مقالته «صدام الحضارات» والتى نشرها عقب حادث شارلى إيبدو.
ويقول عكيفا ألدار المحلل السياسى الأكبر والأشهر فى صحيفة هاأرتس أن التحريض على العرب والمسلمين لم يقتصر فقط على السياسيين، وإنما قام أشهر الإعلاميين فى إسرائيل بفرد مساحات واسعة لجنرالات الأمن فى تحليل التهديدات الأمنية التى تشكلها الجاليات الإسلامية فى الدول الغربية، والحلول الأمنية الممكنة التى يوصى بها خبراء الأمن الاسرائيليون من واقع كونهم الأكثر خبرة بالعالم فى «التصدى للإرهاب»، قائلا فى منتهى السخرية أن هؤلاء الخبراء كما يسمون أنفسهم يشعرون وكأن وقت الحاجة إليهم والى خبراتهم الكبيرة قد حان، وأن أوروبا ستتوسل إليهم لمساعدتها بتلك الخبرة الهائلة والتى لن يجدوها سوى فى بلد أعتادت على اتخاذ هذه الإجراءات أمام الحركات الإرهابية التى تتعامل معها فى الضفة الغربية وغزة.
وتابع ألدار سخريته تجاه الخبراء الإسرائيليين أنه من واقع تجربتهم أجمعوا على تشخيص الوضع الأوروبى فيما يخص المجال الأمنى الداخلي، بأنه يتمثل فى حساسيتهم المفرطة تجاه حقوق الانسان، والنظر لجميع المواطنين على أنهم سواء من حيث الحقوق، وتقديم حقوق الانسان على أولوية أمن حياة الانسان، ناهيك عن انفتاح الدول الأوروبية دون مراعاة الرقابة والضوابط الأمنية على الحدود بين الدول.
وفيما يخص نصائح هؤلاء الخبراء فهى وفقا لألدار تنطلق من قاعدة تقول أن كل الإرهابيين مسلمون، وبذلك فهى تقسم المواطنين الأوروبيين إلى فئتين هما مسلمون وغير مسلمين، والمسلمون هم الفئة المستهدفة التى تستهدفهم الإجراءات والتوصيات الأمنية الإسرائيلية، والتى تطالب بـتقديم حق تأمين الحياة على حقوق الخصوصية الشخصية والحرية وحقوق الانسان الأخرى، و تشريع قوانين للتعامل مع الجرائم الإرهابية تختلف عن تلك المتعلقة بالجرائم الجنائية، بما يتيح تنفيذ اعتقالات إدارية ضد مشتبه بهم، ولا يمكن إثبات التهم ضدهم وإدانتهم فى المحكمة، وذلك كإجراء وقائى مسبق.
 وأضاف ألدار أنه بتلك التوصيات أصبح من السهل تشكيل هيئة أوروبية لمكافحة الإرهاب تختص فى تصفية مواطنى الفئة المستهدفة «المسلمين»، وتفعيل شبكة تنصت على مواطنى تلك الفئة عملاً بقاعدة «لن تعرف إن لم تتنصت»، وتفعيل شبكة واسعة من العملاء لتوفير قاعدة معلوماتية كبيرة، ناهيك عن تشغيل أنظمة وإجراءات خاصة فى المطارات والموانئ والمعابر الحدودية والأماكن الحساسة، لتفتيش الفئة المستهدفة.
وأختتم الكاتب الإسرائيلى تقريره بأن إسرائيل وجنرالاتها يدوسون بأقدامهم على مواثيق وشرائع حقوق الانسان بهدف تخليد «دولة إسرائيل» وإحتلالها الغاشم على الأراضى المخصصة للفلسطينين، فى الوقت الذى يتغنون فيه بالقيم والأخلاق وطهارة السلاح والحرية والديمقراطية، فهم يريدون أن يسمموا روح العالم بتحريضهم ويثيروا فيه الحقد والكراهية، ويفرضوا عليه أساليبهم فى القتل والإرهاب وسحق الحريات.
وفى سياق متصل ذكر المحلل الإسرائيلى الكبير بصحيفة معاريف «مزال معلم» تحت عنوان «فى باريس تنازل نتنياهو عن العملية السياسية» أنه عندما تلمس بنيامين نتانياهو طريقه إلى الصف الأول فى مسيرة القادة فى باريس يوم 11 يناير الحالى اختار ان يصافح الرئيس المالى «إبراهيم كيتا»، وسار معه وشابك ذراعه بذراعه فى شوارع العاصمة الفرنسية.
وأشار «مازال» إلى أن الإعلام الإسرائيلى كتب بعدها بيوم واحد الكثير من المقالات التحليلية الطويلة، تولت أوصافاً ملونة قبيحة لرئيس الحكومة الإسرائيلى نتانياهو الذى لم يكن فقط شخصا غير مرغوب فيه فى الواقعة، وإنما دفعته وقاحته الى مقدمة الصف الأول، حيث سار بجانب فرنسوا هولاند وأنجيلا ميركل، مضيفا أن الأمر الذى خفى فى مشهد نتانياهو الاندفاعى، ولم يحظَ باهتمام كبير، هو اختياره المعلوم لإيجاد المكان الأبعد فى الصف من رئيس السلطة الفلسطينية أبومازن، الذى شارك هو الآخر فى مسيرة تأبين ضحايا الإرهاب ومن بينهم القتلى اليهود.
وأضاف أنه كان بإمكان نتانياهو إستغلال الفرصة ويصافح الزعيم الفلسطينى فى هذا الحدث العالمى المناهض للإرهاب، ولكن صورة كهذه كما تعلمون كانت آخر أمر يضطر ان يفعله فى ظل ذروة المعركة الانتخابية، حيث يقاتل من أجل الحصول على أصوات اليمين المتطرف.
بالنسبة لنتنياهو فإن مذبحة اليهود فى باريس هى ضالته بالتحديد، كما أنه حادث يناسبه مثل قفاز فى اليد فى أيام الحرب السياسية على فترة حكم رابعة لرئاسة الحكومة، مدركا انه بسبب هذا الحادث الإرهابى أصبح يمتلك الفرصة للسيطرة على جدول أعمال العالم فى غزوته على الإرهاب، وبهذا سينظر إليه من قبل الناخب على انه سيد الأمن، وأنه واجه الإرهاب بكل ما أوتى من قوة.
واستطاع نتانياهو من تحقيق هدفه من المسيره بشكل كامل غير مباليا بالوصف القبيح الذى ورد بعضه فى الاعلام الاسرائيلى حول آثامه فى باريس فقد بلغ الهدف واحتله حينما استطاع التسلل إلى الصف الأول الى جانب ميركل وهولاند فى المسيرة، ونجح أيضاً فى استغلال الوضع للربط بين الصراع الاسرائيلى الفلسطينى وبين الإرهاب الذى يضرب أوروبا، وألقى نتانياهو خطبه فى الكنيس الأكبر فى باريس، وقوبل بحميمية من قبل اليهود هناك، ولكنه تحدث مباشرة الى الجمهور الاسرائيلى الذى سيقرر فى الـ17 من مارس إذا ما كان سيواصل الجلوس فى مكتب رئيس الحكومة فى السنوات القادمة أيضاً، لذلك لم يهم نتانياهو انه فى حقيقة الأمر فرض نفسه على أوروبا.