الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

د. حسام عطا يكتب: حزن الشاشات.. وحضور الجماهير

د. حسام عطا يكتب: حزن الشاشات.. وحضور الجماهير
د. حسام عطا يكتب: حزن الشاشات.. وحضور الجماهير




ظلت الشاشات تسأل هل حقا رحلت فاتن حمامة أم أن الأمر شائعة، ثم جاء الخبر المؤكد عبر قناة النهار وبرنامج الإعلامى محمود سعد آخر النهار، الذى ظل يدعو لها مع الشيخ خالد الجندى بالمغفرة والرحمة ومعه كان المصريون يدعون فى حزن معهما فى وداع القيمة التى ساهمت فى إعطاء فن التمثيل تقديره المجتمعى، ثم جاءت شاشة CBC اكسترا فى متابعة غرفة أخبارها لتشييع جثمان الراحلة الكبيرة فاتن حمامة، محتشدة عبر طاقم عملها الخارجى والبث المباشر للوداع الحزين لسيدة الشاشة العربية، وبينما حرصت معظم الشاشات على إذاعة التقارير التقليدية المأخوذة معظمها من الشبكة الدولية للمعلومات، وتكررت أحاديث الذكريات الشخصية، إلا أن الزحام حول مسجد الحصرى من جموع المصريين بدا وكأنه ثورة على الموت الذى غيب القيمة فاتن حمامة.
وكان هو التقدير الواضح من الشعب المصرى بالإضافة للتقدير الرسمى من رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء وسفير المغرب مبعوث الملك الحسن السادس ورئيس جامعة الدول العربية، وقد كان القاسم المشترك فى صياغات نعى الوداع وحديث المتحدثين وهو فكرة الاحترام الذى جسدته الراحلة الكبيرة كنموذج للفن المحترم، وهى الملحوظة التى تحتاج للتفسير، فماذا فعلت فاتن حمامة لتصبح فى تلك المكانة فى قلب مصر الناس والدولة؟، وهو الأمر الذى غاب عن معظم حوارات ومتابعات رحيلها المفاجئ، سر فاتن حمامة أنها أدركت بحساسيتها المفرطة طبيعة المجتمع المصرى وتحفظه فمارست حريتها الفنية وحصدت إعجابه وحبه وقبل ذلك كله احترامه، ذلك أن فاتن حمامة عرفت منذ بدايتها ما يمكن تسميته بطبيعة تفكير المجتمع المصرى، وهو المجتمع الذى ينتخب من بينه أفرادا يغنون ويرقصون ويمثلون بالنيابة عن الجماعة الشعبية، كما قال يوسف إدريس لكنه يقوم بعملية اسقاط اجتماعى لهؤلاء، وهى لم تدخل هذا الفخ المجتمعى، كانت وهى ابنة الطبقة المتوسطة المصرية تفهم تحفظها، وهكذا عرفت كيف تتمتع بمعاناة الإبداع الرائعة، ووهجه الساطع، دون أن تحرق جناحات الفراشة، أما أصالة موهبتها الفنية وحساسيتها الخاصة فهى ما جعلتها تقدم التنوع الشديد فى الشخصيات، ولكن بطريقتها الخاصة، الفلاحة غير البدوية غير الارستقراطية بالتأكيد، وهى تختلف عندما تمثل الزوجة المقهورة عن السيدة الشريرة، لكن تلك الشخصيات الدرامية التى قدمتها كانت تمر بعقل وقلب فاتن حمامة شديد الحساسية، فتخرج بملامح حية حقيقية ولكن بمذاق فاتن حمامة وأصالة موهبتها، وطابعها الشخصى، وهكذا يتحول الممثل من مؤدى إلى مبدع من موهوب إلى مؤسسة، من فنان إلى صاحب طريقة أسلوبية متفردة، وهنا يحدث النموذج المختلف، أصبحت فاتن بهمس مشاعرها شديد النفاذ، وببساطتها وتلقائية إبداعها فى خيال أجيال من المصريين والعرب، فتاة الأحلام أو الأخت أو الأم، فاتن روح المحبة والرقة الأنيقة، التى قدمت جميع الشخصيات النسائية المتباينة، وعرفت على صعيد الوجود الإنسانى الاجتماعى كيف تدير حياتها لتفعل ما تريد بحرية مطلقة وبمسئولية ذات إرادة فى نفس الوقت، هى واحدة من أفراد العائلة فى كل بيت مصرى، هى طاقة الإبداع الحر المنضبط، هى تعبير عن مرحلة مهمة من أجمل مراحل مصر الحديثة، عن زمن موضوعى كان الناس فى مصر أكثر سعادة ورضا وأناقة واتساقًا.
رحيلها كرحيل كل العظماء الذين نحبهم، رحيل مفاجئ مؤلم يذكرنا بقسوة الغياب، وهى ترحل وكأن زمنا كاملا من الجمال والرقة والإخلاص والصدق يرحل معها، ولاشك أن المشروعات الفنية الهامة كفاتن حمامة نجاحها يعود للبيئة الحاضنة للفنان، وللظروف الموضوعية التى أحاطت بعمله فى جميع التخصصات الفنية الأخرى من الكتابة والتفكير إلى الرؤية والإخراج، ولذلك فصورها وضحكها وحزنها وغضبها وروحها الرقيقة ستبقى معنا، ويبقى أجمل مشاهد وداعها الحضور الجماهيرى الكبير وهو ما حرصت الشاشات الفضائية على رصده رغم ملاحظة ضعف مهنيتها فى تكرارية الحوارات واللقاءات وفى غياب النقد المتخصص الذى يبتعد عن رصد التاريخ الشخصى وعدد الأفلام، وما إلى ذلك، لينفذ إلى جوهر دراسة وتحديد جوهر قيمة الفنان، ويسأل لماذا فاتن حمامة سيدة الشاشة العربية وتستحق أن تكون فنانة الشعب؟ كان الحضور للمصريين إذا هو المشهد النبيل المعبر عن حيوية مصر، التى تعرف من الذى يستحق الحب والوداع الحار المهيب.