الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عودة نفوذ «الدب الروسى» إلى الساحة الدولية أبرز مفاجآت 2014

عودة نفوذ «الدب الروسى» إلى الساحة الدولية أبرز مفاجآت 2014
عودة نفوذ «الدب الروسى» إلى الساحة الدولية أبرز مفاجآت 2014




 ترجمة ـ سيد مصطفى


كشفت المحللة السياسية الإسبانية بيلار بونيت أن سنة 2014 وضعت نهاية لحقبة الفراغ السياسى التى عاشها الاتحاد السوفيتى بعد انهياره، حيث عادت روسيا إلى المشهد السياسى العالمى من جديد، وذلك بعد ضمها شبه جزيرة القرم ودعمها للانفصاليين شرق أوكرانيا، وتدخلها فى الأزمة السورية.
وأوضحت بيلار أن الانتصارات الروسية سلطت الضوء على ضعف الحدود المعترف بها للدول التى انبثقت من الاتحاد السوفيتى عام 1991، فضلا عن أن تغييرات كبيرة ستطرأ على خريطة هذا الجزء من العالم، مع عودة الدب الروسى للعبة من جديد.

وأشارت المحللة إلى أنه فى 2014 قام جزء كبير من المجتمع الروسى بالاستغناء عن 23 عاماً منذ سقوط الاتحاد السوفيتى وتفككه، وإعادته فى مرحلة الإمبراطورية القديمة، وبعد أن تحولت هذه الفكرة فى وقت سابق إلى أسطورة مطاطية مريحة لأولئك الذين يتذكرون الحنين إلى الماضى، إلا أنه أعيد بناؤها بالتكنولوجيين السياسيين كأدوات فى خدمة الطبقة الحاكمة الروسية القوية مع فيلاديمير بوتين.
ولفتت بيلار إلى أن السنة الماضية انتهت بعد الاعتقاد فى مناسبات عدة بأن العالم على شفا صراع عالمى سينتج عنه عواقب لا حصر لها، مشيرة إلى أنه انطباع لم يتبدد بعد، سواء فى مجالين السياسة أو الاستراتيجية، حيث إن حجز موقعه فى معظم تنبؤات عام 2015.
وتابعت: فى الاقتصاد جاءت التوقعات سلبية بالنسبة لكل من روسيا وأوكرانيا، كما أن العواقب ظهرت فى سياسة الانكماش والتقشف التى اتبعها البلدان بعد تطور الصراعات بينهما، ومنها انخفاض سعر الروبل الذى ارتبط بانخفاض أسعار النفط.
وأفادت بيلار أن الحرب الأوكرانية الروسية أربكت المحللين، حيث إن أداء كل من الروس والأوكرانيين، جعل التوقعات متباينة، تتراوح بين الاقتراب من الحل، وذلك بعد أن أدت المواجهة مع اﻻنفصاليين فى الشرق إلى تكثيف الحرب، فى الوقت الذى تنبأ البعض الآخر بحالة من عدم الاستقرار الاجتماعى فى اوكرانيا الذى يمكن أن يتحول إلى عمليات لتقطيع أوصالها، وهو ما سيكون استمرارا لما يحدث بالفعل لها الآن، حيث ما قامت به روسيا فى أوكرانيا فى 2014 يفوق ما ارتكبته فى الشيشان من عمليات عسكرية.
ووصفت المحللة تلك الحرب بأنها مليئة بالدروس، حيث اظهرت بوضوح هشاشة ما يسمى بهويات المواطنين السوفيت، كما كشفت أيضا عن قوة الدعاية الروسية على عقول مواطنيها، لا سيما أن جميع القنوات التليفزيونية فى الدولة تابعة للرسالة السياسية للكرملين، الذى يفرض رقابة صارمة على منظمات المجتمع المدني.
وعلى جانب آخر أشار استطلاع لمركز يفادا إلى أن دمج شبه جزيرة القرم قد دعم من 86% لـ88% فى مارس، و90% فى أبريل من الروس، حيث إن غالبية السكان 67%، يعزى هذه الخطوة إلى عداء الدول الغربية لبلدهم والجزاءات المفروضة ضدها، وأقلية فقط لم تزد على 12% هى من عارضت الضم عندما لاحظت انخفاض سعر النفط، مشيرا إلى أن الدول الغربية زادت من عقوباتها ضد روسيا، وهو بالفعل ما أثر فى القوة الشرائية للروس.
وكشفت بيلار أن روسيا تعتبر عودة القرم يعتبر تغلباً على ظلم تاريخى لها، وهو قرار لا رجعة فيه وغير قابل للتفاوض، وتحولت الاتفاقات الدولية والتى تعهدت فيها موسكو باحترام سيادة جارها إلى حبر على ورق، حيث استفاد الدب الروسى من الحجة القائلة بأنه إذا كان يمكن للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى أن يخرقا القانون الدولى الذى لم يعد بالصرامة المطلوبة، فعلى البلدان الغربية أن تدعم انتهاكات أخرى من جانب روسيا وأن يقوم كل منهما بتحييد بعضهما البعض فى هذه المنافسة.
ودللت المحللة على ذلك التوازن الدولى التى استغلته روسيا، بأن له سوابق فى بعض الأحداث الأخرى، مثل حالة كوسوفو التى لم تعترف بها روسيا أو أوكرانيا كدولة، حيث أثيرت القضية من قبل بوتين فى اتجاهين مختلفين، حيث أعلن فى بلجراد عن التضامن مع صربيا واستخدامها لصالح موقفه، ودعما لقيامه بضم شبه جزيرة القرم.
ونوهت بيلار إلى أن مشكلة القرم قد تظل خامدة لفترة طويلة انتظارا لعناصر جديدة، كما هو الوضع فى شمال قبرص، أو كما كان منذ عقود الحالة من جمهوريات البلطيق الثلاث التى ضمها ستالين، والتى لم تعترف بها الولايات المتحدة كجزء من الاتحاد السوفيتى، وتتضح القضية بشكل أكثر سخونة هو أنه بحلول عام 2015 قد ترك له 2014 حرباً ثقيلة مع أوكرانيا، حيث كون اﻻنفصاليون ما يسمى بالجمهوريات الشعبية مثل جانسك ودونيتسك والتى تدعمها روسيا.
ونبهت المحللة إلى أن ملايين الأشخاص قد تتضرروا من النزاع الروسى الاوكرانى وبات الحل معقداً، منوها إلى أن موسكو لن تتنازل عن دعم الاستقلال، بالرغم من أن له فى الواقع تداعيات اقتصادية مكلفة لروسيا، وجزئيا لهذه الأسباب، موسكو لا يمكنها ضم منطقة دونباس.
وأرجعت بيلار القضية إلى أن سياسة بوتن لم تتوقف على الجوانب السياسية والاقتصادية، وإنما تخللتها عناصر نفسية وفردية، وأيضا قد تكون نتيجة مطالب مشتركة للروس، بغض النظر عن أن هذا المنطق عفا عليه الزمن أو استعمارى، لافتة إلى أن فى فبراير وعندما عقدت دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية فى سوتشى وكان فيكتور يانكوفيتش لا يزال رئيس جمهورية أوكرانيا، جمع بوتين لجنة ضمت مجموعة من الخبراء واستفسر منهم عن عواقب وتكاليف دمج من شبه جزيرة القرم إلى روسيا، مبينا أنه لم يكن يعرف سوى القليل عنها.
ونبهت: أن استمرار بوتين فى أدلته وحججه المستمدة من التاريخ يسبب ذعرا لأنه أيضا يمكن أن يطمح إلى استرداد العاصمة الحالية لأوكرانيا ودمجها فى الإمبراطورية، حيث توجد قائمة إبداعية من مجموعة متنوعة من منتجات تاريخية مختلفة ومع تواريخ انتهاء مختلفة قد تتيح له ذلك.
وأظهرت المحللة أن بوتين قام بمجهود مبهر بعد العملية الروسية فى شبه جزيرة القرم، إلى جانب أنها أثارت قطاعات الناطقين بالروسية فى المناطق الشرقية بأوكرانيا واستغلالها فى التوتر مع كييف، حسب الاختصاصات، وتخصيص الموارد المالية واللغة، ليقوم عمليا بعملية مماثلة لعملية ضم القرم فى مناطقها.
ووصفت بيلار اﻻنفصاليين بأنهم كانوا مواطنين هامشيين نسبيا على الساحة السياسية قبل سقوط نظام فيكتور ينكوفيتش، حيث لم يكونوا قادرين على الاستيلاء على المدن من الحكومة المركزية ومواصلة الصراع حتى الآن دون المعونة الاقتصادية والعسكرية والتنظيمية من روسيا، وقبل كل شىء، دون الوصول إلى الحدود الروسية.
وأظهرت المحللة أن بوتين ربما للمشورة التى تلقاها، وربما لإفلات بلده من خطر زعزعة الاستقرار لا يرغب فى فتح الباب لروسيا، حيث تغيرت سياسة الكرملين فى نهاية أغسطس وسبتمبر مع الكثير من التناقضات والتردد، فضلا عن أن روسيا تبحث الآن عن الصيغة التى تسمح بترك قضية أوكرانيا الشرقية الشائكة رسميا، دون أن يتم اعتبار بوتين خائناً للانفصاليين والروس الذين يدعمونهم، حيث اظهر استطلاع مركز يفادا أنه لا يرغب فى إدماج جنوب شرق أوكرانيا لروسيا سوى 13% من الروس.
وأكدت بيلار أنه من الصعب أن تتخيل أن عام 2015 يوفر ما أسمته «الصلب» حلول لمشاكل أوكرانيا وروسيا، ولكن الصراع فى الشرق يمكن وربما يبرد شيئا وأن تحدث عملية حد من التكاليف فى الأرواح البشرية التى أزهقت فى هذه الحرب، والتى وصلت إلى ما يقرب من 5 آلاف حالة وفاة معترف بها، وأكثر من 800,000 من المشردين، ومئات الآلاف من اللاجئين فى روسيا.
ولفتت المحللة إلى أن الرئيس الأوكرانى بيترو بوروشينكو يعلق آماله فى منتصف يناير، لحين اجتماع بالأطراف الرئيسية التى تدير الصراع، وهما الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس فرنسا فرانسوا هولاند فى مدينة أستانا، عاصمة كازاخستان، مع نوستورلين نازارباييف كمضيف، وهو ما يعتبره بصيص من الأمل لا ينبغى أن يضيع.
وتتوقع المحللة أن واحدة من الأشياء التى يمكن أن تحل المشكلة هو ما يجب القيام به مع القادة اﻻنفصاليين والمقاتلين الذين يدعمونهم، والذين يشكلون أزمة بالنسبة للرئيس الأوكرانى بوروشينكو، ويمكن أن تكون لصالح بوتين، وهو أن ترحب بهم روسيا كمنفيين على افتراض لو كانوا على استعداد التخلى عن قضيتهم واللجوء فى روسيا كما فى الماضى.
وأوضحت بيلار أن روسيا لجأت لهذا الحل مرات قبل ذلك، وكان أبرز مثال لهذا الحل الناجع هو ما حدث مع قادة الدولة التى تسمى جمهورية أذربيجان المستقلة فى الاتحاد السوفيتى، وهى كيان سريع الزوال، تم إنشاؤه شمال إيران مع دعم من ستالين، فى نهاية الحرب العالمية الثانية، والذى تم ضمه إلى اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، ولكن تحت ضغط من قوات الحلفاء، انسحب الجيش الأحمر من أراى تلك الدويلة الناشئة، وقامت طهران على الفور استعادت سيطرتها على الإقليم المتمرد.
وفسرت المحللة سياسة بوتن الحالية بأنها وراثة لإرث الاتحاد السوفيتى، والذى كان يعتمد على اللجوء لأولئك الذين يشتركون معه فى قضيته الأيديولوجية، وهكذا شهد «الشيوعيين اليونانيين» وتم نفى «الشيوعيين الإسبان» إلى الاتحاد السوفيتى عام 1949 بعد الحرب الأهلية فى بلادهم، ومع ذلك فقد كان اليونانيون والإسبان هم من الأجانب فى الاتحاد السوفيتى، ولكن القادة والمقاتلين فى «RPD أر بى دى» والروس «RPL أر بى إل» يشعرون أنهم قد عوملوا كالروس بموسكو، وعلى هذا النحو قد يرغبون أيضاً فى المشاركة الكاملة فى الحياة السياسية للبلد.
وأكدت بيلار أن شعبية بوتن التى أنعشت فى 2014، باتت ضعيفة جداً، على الرغم من أن هناك الذين يعتقدون أن غزوة الرئيس ينبغى أن تشمل جميع أنحاء أوكرانيا، و القطاعات القومية الروسية الموجودة بشبه جزيرة القرم، مؤكدة أن بوتين اليوم رهينة لهذه القطاعات والمزاج الناجم عن الدعاية الخاصة بهم.
وأشارت المحللة إلى أن الأزمة يمكن أن تكون مصدرا للفرص أو إمكانية لفتح الباب على مصراعيه للمشاكل الاقتصادية التى تلوح فى الأفق فى 2015، ويحاول الجميع بما فى ذلك الدول الغربية، أن تجد بوابات الطريق الذى يمكن يمر من خلاله عملية تبريد الصراع دون تجميد، من خلال البحث عن حل أنيق لمجموع الناخبين، حيث يعتبر الروس بوتين «متردد» والأوكرانيون الذين يعتقدون أنهم «يستحقون» محنة دونباس كعقاب على «دعم الإرهابيين، ولكن لا تزال كييف والدول الداعمة لسيادة أوكرانيا تفضل بالفعل الفوز بالحرب وقبول المخاطر التى قد تصل للاعتماد على الزر النووى.