الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«خطاب دينى».. فى الأوكازيون!

«خطاب دينى».. فى الأوكازيون!
«خطاب دينى».. فى الأوكازيون!




وليد طوغان

بعد أقل من خمسين عاما على وفاة النبى، كانت تسعة أعشار الرزق فى التجارة بالدين.  قاتل الأمويون صحابة نبى المسلمين وقتلوهم حفاظاً على دين  المسلمين، ونبش العباسيون قبور الأمويون، وأخرجوا جثثهم وصلبوها.. صونا لدين الله!
أدخلت السياسة الدين المجمعات الاستهلاكية، وانزلته بالصراعات،  والحروب فى  الأوكازيون .. كلوا باع واشترى.. باسم الله وبسنة رسول الله.
تطورت «التجارة بالإسلام»،  وتشعبت.
 تضخم اباطرتها سعيا  للحكم باسم الإسلام، واستند ولاة المسلمين إلى حقهم فى الحكومة لمجرد قرابتهم لنبى  المسلمين!  
هاجم الأمويون، العباسيين، رغبة فى حكم المسلمين.  وأخرج  العباسيون جثث موتى الأمويين كرامة لدين المسلمين.  ولما قفز الفاطميون على الحكم، شككوا فى نسب العباسيين،  وابتكروا  أحاديث نبوية، فى فضائل أئمة الفاطميين، وفضائل السيدة فاطمة (رض)، وزوجها على ابن أبى طالب (رض)  رغبة فى الاستئثار بالحكم!
كانت أزمات.. وملمات.  
ركبت التجارة بالرسول على ظهر التاريخ. فجاءت الجماعات الدينية فى الهند وباكستان، ومصر، وتونس، وجزر المالايو، برغبات محمومة فى السلطة، ووصفوا أنفسهم باهل  الله وأحبائه، بعدها بسنوات ارتفعت لافتات «الإسلام هو الحل» على الحوائط، وعلى أعمدة النور فى الشوارع، فى المواسم والاعياد، وفى مناسبات الانتخابات والاستفتاءات.
توسعت التجارة بالرسول،  بدءا من مقار الأحزاب وعلى أبواب لجان الانتخابات، مرورا بفضائيات «الصلاة على النبى»  وتفسير الأحلام بكتاب الله.. وانتهاء بسلسلة  محلات  شهيرة قيل ان  صاحبها «الحاج»  يتزوج مع تدشين كل فرع جديد.
و«الحاج»  يفتتح فرعا كل شهر!
لم يختلف الواقع عن التاريخ. فلم يعد لدينا فرق بين الدين وبين الجغرافيا وبين حساب المثلثات. سكارى وما نحن بسكارى.
يُعرف الإمام  أبوحنيفة المخمور بالذى لا يعرف رجلاً من امرأة، ولا أرضًا من سماء.
عام 20 هجرية ، وقف عمر بن الخطاب (رضى) على منبر رسول الله بالمدينة، واعدا المسلمين بالعدل والقسطاط.  فقال اعرابى: والله لو وجدنا فيك اعوجاجا لقومناك بسيوفنا . «قال عمر:  أحمد الله  الذى جعل فى المسلمين  من يقوم اعوجاج الخليفة بسيفه».
عام 45 هـ وقف  الخليفة معاوية، خطيبا، فوعد بالعدل.  فقام رجل  قال: «لو وجدنا فيك اعوجاجا لقومناك». فسأل معاوية غاضبا: وبما تقوموننى؟ رد الرجل  خوفا: بالخشب.
ضحك معاوية خبثا: ان كان بالخشب.. فلنستقم!
لكن  عام 75 هـ، صعد الخليفة الاموى عبدالملك بن مروان، منبر الرسول (ص) بالمدينة مخاطبا المسلمين: والله لا يأمرنى احدكم بتقوى الله بعد مقامى هذا الا ضربت عنقه بسيفى.. ثم نزل.
فى  الكامل لابن الأثير:  أوصى  الخليفة عبدالملك بن مروان ولى عهده، الوليد قال: ادع الناس إلى بيعتك إذا أنا مت، فشمر وائتزر (استعد) والبس جلد النمر، وضع على عاتقك سيفك، فمن ابدى ذات نفسه (عارض)  اضرب عنقه، ومن سكت عنك، مات بداء نفسه « (غيظا)!  
حكم الأمويون المسلمين، باسم الدين، ثم قتلوهم، وسبوا حفيدات  الرسول (ص) باسم الدين أيضا،  واعاد التاريخ صوره، ولقطاته ، ومشاهده ،  أمام قصر الاتحادية فى  مصر الجديدة  بعد 1434 عاما.
حكى الدينورى فى الأخبار الطوال ان بنتى الحسين (رض) دخلتا سبايا على الخليفة يزيد بن معاوية بعد مقتل الحسين (رض)  فى كربلاء.  
سألت السيدة سكينة باكية: «أبنات رسول الله سبايا يا يزيد؟» فلم يرد. ثم تقدم احد وزارء الخليفة مشيرا إلى السيدة زينب  مخاطبا الخليفة: «هب لى هذه يا أمير المؤمنين». صاحت رضى الله عنها: «ما ذلك لك ولا له». فرد يزيد غاضبا  وقال للسيدة  زينب: «كذبت والله .. فلو شئت انا لفعلت».
ثم قال: «إنما خرج من الدين أبوك وأخوك»!    
تحت سطوة الخلافات السياسية،  كفّر يزيد  «خليفة المسلمين»  الحسين (رض)  ثم كفّر على (رض) ..  وأخرج أحفاد رسول الله .. من دين رسول الله !
هذا ما حدث.
ثم تطورت الملمات.. والأحداث.. والكوارث. عدنا الآن، نريد تجديد الخطاب الدينى. نسعى لمزيد من التنوير.. كيف يمكن ان نصل إلى ذلك «التجديد»  ولدينا كم هائل من التراث نتجاهله ونصور لأنفسنا أنه لم يحدث.
كيف «التجديد» وأعظم مشكلاتنا، كم سنناً وأحاديث وقصصاً غير مؤكدة، اشتهرت عن النبى؛ حولها التراث الشعبى إلى مسلمات لا تحتمل التأويل أو الرفض.. نحفظها كلها.. وندرسها فى الأزهر.. فلا نفحص ولا ننقد.. ولا لدينا حتى القدرة على اعادة «الفحص».  
إليك مثالا بسيطا: روى أبوهريرة عن النبى (ص) قال: من حمل جنازة فليتوضأ. وصل الحديث السيدة عائشة، فرفضته قالت: ماذا يضير لو حملنا عيدانًا يابسة؟!
وشهر عن النبى (ص) بعد وفاته أنه قال: «من مس عضوه فليغتسل».. أو: «من نام ثم قام فليتوضأ فهو لا يدرى أين باتت يده».
بعض أهل الفقه تمسكوا، وشكك قليلون فى الحديث.. قالوا: عضوك بعض منك.. فمن مس عضوه فلا يغتسل!
كيف التجديد فى خطاب دينى غارق حتى الآن فى تاريخ.. وتراث؟!