الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

المنطقة «الضبابية» فى حياة الأقباط

المنطقة «الضبابية» فى حياة الأقباط
المنطقة «الضبابية» فى حياة الأقباط




كتب: روبير الفارس

تعد سيّر الأباء جزء من حياة القبطى اليومية، فهناك قراءات تاريخية تقرأ فى القداسات والصلوات إلى جانب الاحتفاء بالمناسبات التاريخية لكن هل هذا التاريخ دقيق، وهل عبرت الكتب عن الحقائق المعاشة سواء كانت سيئة أو وجيدة ولماذا أصبح التاريخ المعاصر يزيف لدرجة الاستسهال فى منح كل رجل دين يموت القاب القداسة؟ هل يحتاج التاريخ الكنسى للكتابة من جديد هذا ما نبحث عنه.


 يقول الدكتور ماجد عزت - أستاذ التاريخ بجامعة ياخوم بألمانيا - التاريخ القبطى لا يدرس إلا فى الجامعات ضمن تاريخ الدولة البيزنطية، والآن توجد نبذة لا تتعدى «مقالة» عن «أقباط مصر» وهذا شىء معيب فى حق الوطن، أن يتم القضاء على 21 قرنًا من الذاكرة التاريخية المصرية، كما لا تتم دراسة اللغة القبطية، بالإضافة إلى تعرض الأرشيف القبطى (الوثائق والمخطوطات) للضياع، من حسن الحظ ان الكنيسة تحتفظ ببعض المخطوطات والوثائق التى نجت من أيدى العابثين بالتاريخ، وللأمانة التاريخية لم يحدث اهتمام بالدراسات القبطية إلا بفضل الدكتور «عزيز سوريال عطية» (1898 - 1988م) الذى أسس جامعة الإسكندرية، وبعدها هاجر إلى امريكا وفى جامعة يوتا كتب الموسوعة القبطية.
وفى منتصف القرن العشرين بدأت تظهر الدراسات القبطية من جديد داخل الجامعات المصرية بفضل الدكتور «رءوف عباس حامد» الذى دفع أحد تلاميذه دكتور «محمد عفيفى» الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة إلى دراسة التاريخ القبطى فى العصر العثمانى والأن يقوم ذات الدكتور بتشجع طلابه على دراسة التاريخ القبطى، ولا ينكر أحد دور الدكتور «عاصم الدسوقى» فى طرح كثير من المشاكل التى يعانى منها الأقباط وتوجيه طلابه لدراسات الرموز القبطية. أما كتابة التاريخ القبطى أو إعادة صياغته إذا جاز التعبير، فهذا شىء جيد ويتساءل ماجد كيف كتب التاريخ والأرشيف القبطى غير موجود، وأرشيف الكنائس والأديرة لا يمكن أن يسمح بالاطلاع عليه، وإن حدث ذلك لابد من موافقة البابا شخصيًا، والدولة فى الأصل لا تشجع على تسجيل الرسائل العلمية عن الأقباط. كما ان الكتابة تحتاج لوعى بالتاريخ وفنون وعوامل مساعدة، وهل تكتب من منظور دينى أو قومى أو اجتماعى أو اقتصادى أو سياسى، ومن تسمح لهم الظروف بكتابة التاريخ ربما عدد قليل جدا للبحث والدراسة فى تاريخ الأقباط.
كما لا يهتم معهد الدراسات القبطية الذى اسس منذ 60 عامًا لتخريج طلاب من الكلية الاكليركية إلا بالنواحى «الدينية والعقائدية والطقسية» كم أن المعهد يحتاج لتجديد وإصلاح فى منظومته وإدارته.
واشار ماجد إلى ان الكنيسة القبطية المصرية تعد أول كنيسة فى العالم، والتاريخ القبطى هو امتداد للتاريخ الفرعونى ولذلك لابد من الدعوة لأنشاء جامعة قبطية تضم أكثر من 15 قسماعلمى فى كل شىء يأتى على رأسها اللغة القبطية، والفنون والموسيقى والألحان وسير الآباء فى ألمانيا يوجد قسم يعرف بالدراسات الآبائية واضاف انه عند زيارته الجامعة الكاثوليكية فى بلجيكا فى مدينة بروكسل وجد كل الأقسام تهتم بالدراسات الدينية والاقتصادية والدينية، والغريب انه وجد مكتبة قبطية وكتب ومخطوطات باللغة القبطية والعربية لا تعد ولا تحصى! والسؤال الذى يطرح نفسه أين نحن من كل ذلك. فلابد من أن تسعى الكنيسة المصرية لإصلاح نفسها بنفسها ولا تنتظر العون لانه لم يأت إلا عندما نبدأ

منطقة ضبابية
عادل جرجس - باحث وكاتب - يقول ان كتابة التاريخ داخل الكنيسة يعد من المناطق الضبابية فحتى الآن لم يتم التدقيق فى تاريخ الكنيسة بشكل علمى على الرغم من انتشار الكليات والمعاهد الاكليريكية والتى تحتوى على أقسام متعددة للتاريخ الكنسى والقبطى.
واضاف انه عندما نرصد التاريخ لا بد ألا نجهل ان تاريخ الكنيسة فى الكثير منه كتب تحمل وجهة نظر آباء الكنيسة ولم يكن رصدًا لأحداث بقدر ما كان رصدا لتطور العقيدة وهو ما يحيلنا إلى كتابات الآباء ومدى اتساق التراث الآبائى مع التاريخ الإنسانى فالكنيسة لم تهتم بتحقيق تراث الآباء بقدر ما حافظت على «رسولية» هؤلاء الآباء حتى تكون عقيدة الكنيسة وطقوسها مستمدة من تراث الأولين المعاصرين للسيد المسيح. ويرى جرجس انه على الكنيسة البدء فى انشاء مشروع كبير بالاشتراك مع كل الكنائس فى العالم لإعادة كتابة وتنقيح التاريخ الكنسى وما يحتويه من تراث آبائى مما علق به من شوائب.

بين المعلن والحقيقة
 وقال القمص مرقس عزيز خليل انه من الصعب تزييف التاريخ رغم مرور السنوات خاصة تاريخ الكنيسة. ولا يصح كتابه تاريخ اى حقبة فى نفس الوقت لأسباب عديدة منها ان الأمور المعلنه شيء والحقائق قد تكون شيء آخر، لذلك الكنيسه لا تعترف بقداسة احد قبل مرور فترة فى حدود 50 عاما ويستثنى من شرط السنوات من كانت قداسته ثابتة بكل الطرق مثل قداسة البابا كيرلس السادس والقديس اثناسيوس الرسولى وغيرهم. مشيرا إلى ان الكنيسة يمر عليها بطاركة واساقفه واكليروس واراخنة وشعب والرب يستخدم الجميع ممن يكونون على دراية ببواطن الأمور الحقيقية وذلك من اجل اعادة تقييم التاريخ وتدوينه فلا داعى للقلق فالرب تعهد كنيسته بالحماية، اما فيما يخص القديسين الذين ارتكبوا اخطاء فهذا شيء طبيعى، بل يندر ان نجد قديسا لم يخطيء، والكتاب المقدس يعلمنا ان الجميع زاغوا وفسدوا واعوزهم مجد الله.
واضاف انه لابد من ألا ننسى انه كان من بين تلاميذ المسيح الذين اختارهم رب المجد بنفسه من كان لصا وقام بتسليم السيد المسيح (يهوذا) ومن انكر المسيح (بطرس) وهناك لجنة فى المجمع المقدس تتولى تنقيح كتاب سير القديسين المعروف بـ«السنكسار» ويرأسها نيافة الحبر الجليل الأنبا متاؤس رئيس دير السريان العامر وامامها عمل شاق يحتاج لمجهودات جبارة. لأن هناك امور تحتاج إلى تنقيح او حذف او توضيح وهكذا.

المنهج والنموذج
 وأكد باهر عادل أن منهج الكتاب المقدس فى السرد التاريخى محايد وعلمى وواقعى، فيذكر لنا الكتاب الاحداث كما هى «الايجابى والسلبى». وعلى هذا النهج تسير كُتب تاريخ الكنيسة، فالقارئ لتاريخ الكنيسة القبطية مثلا يجد بطاركة حياتهم سيئة مثل :البابا فيلوثاؤس (البابا 63) (970 - 995م) الذى لم تكن له حياة روحية ولم يعارض الشعب فى عادة اجتماعية سيئة وهى عاده التسرى، وكان مكروها ومنبوذا «حتى وان ارضى شهوات البعض بالتسرى!!
والبابا شنودة الثانى (البابا 65) سنة (1024 - 1038 م) فكان مشهورا ببيع الرتب الكنسية، وقد ثار ضده الاساقفة وكبار الاعيان الاقباط، وكان قد اتفق مع كهنة الاسكندرية ان يدفع لهم 500 دينار سنويًا كرواتب لهم ولكنائسهم فلما صار بطريركًا خالف هذا الاتفاق، فقدموا شكوى للمجمع المقدس. وظل مكروها طيلة حياته! وغيرهما.
وهذا دليل ان التاريخ يكتب كما هو ولا يُجمل أحد الاحداث ولا يتدخل أحد ليظهر بطاركة ملائكة تطير وتظهر لهم القديسين فقط!
وأوضح باهر أن القبطى الآن أصبح يُغذى بقصص اسطورية وخيالية عن قداسة كل من هو كاهن أو أسقف أو بطريرك (ساعد على ذلك افلام القديسين سيئة الجودة، وكتب معجزات القديسين التى تزيد لكل قديس عن مائة كتاب!!). فهؤلاء قديسيون من البطن! ونحن اشرار من البطن! هم جنس ونحن جنس اخر!! وهذا عكس مايُعلم به الكتاب المقدس وعكس عدالة الله وعكس التاريخ الكنسى المدون الذى يذكر لنا اخطاء قادة كنسيين!
ومن عيوب هذه الطريقة الانتقائية ايضا انها تجعل الشخص المسيحى الآن لايمكن ان يصدق ان الاسقف او البطريرك الفلانى يمكن ان يخطئ!! (فكيف يصدق هذا وهو عقله يُغذى دائمًا بصورة وهمية عن القداسة والظهورات والأيادى المنورة) وهذا ليس ايجابيا إطلاقًا، فهذه صورة غير واقعية لكل رجال الدين! وبذلك عندما يثبت بالادلة فساد او خطيئة أحد هؤلاء رجال الدين، فيهتز ايمان الشخص البسيط الذى كان يعتقد انهم لايخطئون!! فالبعض ايمانهم برجال الدين اشد من ايمانهم بالله للأسف نتيجة تعاليم غير صحيحة! فالتعليم الصحيح والواقعى هو الذى يخدم الايمان وليس تصوير صورة خيالية مزيفة! ولذلك يجب علينا الآن أن نكتب التاريخ كما هو، فالتاريخ ليس مقدسًا، والمسيحيون بشر، وليسوا ملائكة، فالملائكة لا تسكن الأرض!

أبو التاريخ الكنسى
قال المفكر مدحت بشاى - من مؤسسى التيار العلمانى - انه يتحتم على كاتب التاريخ الكتابة الموضوعية الأمينة غير المتسرعة أو الانطباعية الجاهلة أو تلك التى يحكمها الهوى أوالانحيازات الفكرية والايديولوجية. واتمنى أن يكلف المجمع المقدس (ونحن نعيش عهدًا نأمله للتطوير والإصلاح) لجنة من أهل الفكر والمؤرخين والمترجمين وعلماء اللغات، تعكف على مراجعة البارز والأهم والمؤثر من كتب تاريخنا الكنسى، وأن تسخر للجنة كل الامكانيات المادية والمرجعية، وأن يتم توفير مناخ الحرية الكاملة المؤهلة لمراجعة تاريخ عظيم لايجب أن ينحصر فى مرجعياته على مصادر محدودة، بل العمل على تنقيحها إذا لزم الأمر بإضافة ما يدعم منطقية روايتها بروايات عالمية غير مشكوك فى مصداقيتها، أو حذف ما يشوب مصداقية الرواية حتى لو كان يقر أى مسار سلبى لشخوص وأحداث أى حقبة، فالكنيسة فى النهاية مؤسسة يديرها وضحى من أجل مسيحها وناضل من أجل رسالتها على مدى القرون شهداء ورسل دين وحضارة وأصحاب قداسة ولكنهم فى النهاية صدقونا هؤلاء ناس مثلنا قد يصيبون ويخطئون، لقد وصل الأمر ببولس الرسول أن يقول «آية (1 تى 5: 20): اَلَّذِينَ يُخْطِئُونَ وَبِّخْهُمْ أَمَامَ الْجَمِيعِ، لِكَيْ يَكُونَ عِنْدَ الْبَاقِينَ خَوْفٌ» نعم ينبغى أن يكتب التاريخ بدقة الخائف على تاريخ وتراث عظيم، ونحن نقدم للأجيال القادمة بكل أمانة تاريخ أجدادنا من البطاركة والقديسيين والرهبان والمصلحين من الإكليروس والعلمانيين.
وأضاف أنه يجب ألا يعيد الأدباء كتابة التاريخ القبطى والكنسى بذات شخوصه وأحداثه وزمنه ولكن بتأويلات تزيف الوقائع بدعوى أنهم إنما يكتبون روايات أو حتى مقالات معاصرة تستلهم أحداث التاريخ وهم يسردون ماحدث لتحميله ماليس فيه بنية خبيثة واستثمارًا لحالة النقص الحادة لدى القارئ فى المعلومات التاريخية الصحيحة (ود. زيدان وما أدراك ما الدكتور زيدان ومافعله بدعوى أنه الأديب والحارس على ود. زيدان وما أدراك ما الدكتور زيدان ومافعله بدعوى أنه الأديب والحارس على مخطوطات مصر المحروسة.. الدكتور زيدان تحدث عن لاهوت مسيحى، وتحدث عن هراطقة فى تاريخ المسيحية مثل اريوس ونسطور وانحاز لهم فى رأيه، ذاكرا إياهم بأسمائهم وأحاديثهم التاريخية) من ناحية اخرى يقول بشاى ان بعض المراجع الكنسية اعتبرت أن التأريخ الذى استمر حتى بدايات القرن الرابع عملاَ وثنياَ، ففيما عدا سفر أعمال الرسل وما يشابه من الأسفار المنحولة، لم يكن هناك أى محاولة لتسجيل تاريخ الكنيسة المسيحية، وفى مستهل القرن الرابع، أدرك الكاتب يوسابيوس القيصرى أهمية كتابة تأريخ يتضمن وصفاَ وسرداَ كاملاَ لتاريخ الكنيسة حتى أيامه، ولذا لُقب ويحق بـ»أبو التاريخ الكنسي»، ولأن عمله كان كافياَ وشاملاَ لمعاصريه ولمن بعده مباشرة، لذا لم يفكر أى منهم فى كتابة تاريخ آخر، وكانوا يوقرون شمولية وكمال هذا العمل جداَ، ولكن احترامهم هذا، بعث فيهم أيضاَ الرغبة فى محاكاته. وهكذا نشأت مدرسة من المؤرخين، وكُتب عدد من الأعمال المُكملة لتاريخ يوسابيوس.
التنوير الغائب
 عيد سعد - كاتب - يقول ان تاريخ الكنيسة يعتمد على الكتب الاولى التى سجلها الاباء الاوليين بم فيها من وجهة نظر أحيانا تكون أحادية بدون سرد الاخطاء ولكن الكتاب المقدس كان واضحا ونقل أخطاء الانبياء العظام دون اخفاء لهذا أو كما يقال الآن كيف تدين أحدا.
فلماذا إذا نضع حول الجميع هالة من النور ولا يظهر الجانب الحقيقى لهم او أن يكون هناك جانب تنويرى ونجد فى هذا العصر النقد البناء للشخصيات المهمة. وأضاف اننا نعيش تاريخًا حديثًا من الظلمة وطمس وتزوير الحقيقة والعصر الآن أكثر من ظلمة العصور الوسطى مع مزج السياسة بالدين وهكذا نجد أن «السياسة تقود الدين» نصل إلى عصر أكثر ظلاما ومع وضع رجال الدين فى موضع الذين بلا خطيئة.