الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«البترول» حلم الثراء فى بلد «القراصنة»

«البترول» حلم الثراء فى بلد «القراصنة»
«البترول» حلم الثراء فى بلد «القراصنة»




ترجمة وإعداد - وسام النحراوى

نشرت صحيفة «ناشيونال إنترست» الأمريكية تقريرا مفصلا تناولت فيه صناعة الغاز والنفط الناشئة فى «الصومال»، مشيرة إلى أن نتائج دراسات المسح الزلزالى المبشرة تؤكد أنها ستكون قوة نفطية لايستهان بها، إلا أنها حذرت من أن التحديات الأمنية والسياسية تقف عائقًا أمام أى استثمارات ضخمة فى هذا المجال لتلك الدولة الفقيرة.


وذكرت الصحيفة الأمريكية أن الصومال ليست مستعدة لتطوير النفط لكن مع توافر إمكانية الوصول إلى الممرات الملاحية والثروة الضخمة غير المستغلة، والتى قد تصل إلى حوالى 110 مليارات برميل، فليس من المستغرب أن نرى اندفاع شركات النفط متعددة الجنسيات نحوها.
وكانت شركة «سوما» للغاز، وهى شركة طاقة مقرها لندن وتقوم بعمليات تنقيب قبالة سواحل الصومال، أعلنت الشهر الماضى أنها انتهت من إجراء مسح زلزالى للتأكد من مكامن النفط والغاز القابلة للاستخلاص، مؤكدة أن النتائج مشجعة للغاية.
وأشارت «ناشيونال انترست» إلى أن التنقيب عن النفط فى شرق أفريقيا، وفى الصومال على وجه التحديد، ليس سرا، حيث تعمل شركات طاقة مثل «رويال داتش شل» و«إكسون موبيل» فى الصومال قبل انهيار الحكومة فى عام 1991، لكن المكاسب الحربية الأخيرة ضد حركة «الشباب المتمردة» فى الجنوب، وانخفاض القرصنة قبالة السواحل الصومالية، أدت إلى انتعاشة فى الصناعة، وأشاد الرئيس الصومالى بالدفعة فى هذا المجال مشيرًا إلى أن البلاد «مفتوحة للأعمال التجارية».
ونوهت الصحيفة إلى أن التمرد المحلى والقرصنة هى التحديات التاريخية التى تقيد فرص العمل فى الصومال، ولم تختف هذه التهديدات حتى الآن.
وفيما تم طرد حركة «الشباب» بشكل كبير من جنوب الصومال على يد القوات متعددة الجنسيات، إلا أنه ثبت أخيرا أنها ما زالت قادرة على العمل فى شمال كينيا، ومع مهاجمة كينيا لحركة الشباب بقوة فى الداخل، فقد تقرر حركة الشباب العودة إلى معاقلها السابقة فى الصومال، وحتى مع توقف القرصنة إلى حد كبير، فمن المتوقع أن يكون ظهور ناقلات النفط العملاقة فرصة لعودة نشاطها أيضا.
وفيما يتعلق بالتحديات الأمنية، أكدت الصحيفة أن هناك توترات سياسية تعيق تطوير قطاع النفط والغاز فى الصومال، حيث إن الاضطرابات السياسية قد تؤدى إلى تفاقم الخلافات حول النفط، ومن المرجح أن تواجه شركات النفط الأجنبية درجة عالية من عدم الاستقرار السياسى.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية فى تقريرها  أن الشروط القانونية والدستورية فى الصومال غامضة بشأن تحديد من يمكن أن يتدخل أو يتفاوض حول العقود مع شركات النفط.
وبدون توافر بيئة تنظيمية واضحة المعالم لموارد النفط والغاز، يمكن أن تقوم مناطق الولايات الفيدرالية التى تتمتع بحكم شبه ذاتى والحكومة المركزية بالتفاوض، كل على حدة، وإبرام اتفاقيات متضاربة مع الشركات الخاصة، ومن المرجح أن يؤدى كل هذا إلى مزيد من الاضطراب، وربما الصراع حول المجالات المربحة وتوزيع الإيرادات.
وخلصت الصحيفة فى تقريرها إلى أن الصومال ليست مستعدة على الأرجح لتطوير النفط، لكن مع توافر إمكانية الوصول إلى الممرات الملاحية والثروة الضخمة غير المستغلة، فليس من المستغرب أن نرى اندفاع شركات النفط متعددة الجنسيات، لكن يجب أن يتحلى المستثمرون بالحكمة والتروي، لأن عدم استقرار الأمن والتحديات السياسية الكامنة قد تمنع إقامة هذه المشروعات والتربح منها على المدى الطويل.
وفى محاولة منها للتغلب على المشكلة الأمنية، عرضت الصومال إنشاء وحدة حماية النفط فى أكتوبر 2013 بعد تلقى شكاوى أمنية من شركات النفط التى تقوم بالتنقيب والمسح الزلزالي.
ويدعو مخطط وحدة «حماية النفط»، الذى أعدته شركة الاستشارات الأمنية البريطانية «أسايي» للمخاطر، إلى تجنيد 420 فردا كدفعة أولى، ثم استكمال العدد ليصبح 580 فردا، وسيتم تقسيمهم إلى ست وحدات متنقلة تدار من قبل لجنة تابعة لوزارة الداخلية، التى ستتولى التنسيق مع شركات إدارة المخاطر التى تتعاقد معها شركات النفط.
ووفقا لتقديرات المخطط، ستتراوح تكلفة وحدة حماية النفط بين 20 و25 مليون دولار سنويا، ومن المرجح أن تغطيها شركات النفط التى ستدفع الرواتب الشهرية للموظفين.
يذكر أن الصومال تنفق بالفعل 54% من ميزانيتها السنوية التى تبلغ 212 مليون دولار على الأمن، وعلى الأرجح لن تكون قادرة على تحمل المزيد من التكاليف، ونظرًا لعدم الاعتراف بها من قبل الحكومات الدولية، فسيكون من الصعب عليها اجتذاب مساعدات دولية كبيرة أو أى شكل من أشكال التمويل.
وعلى الرغم من أن وحدة حماية النفط موجودة حاليا على الورق فقط، وليس لديها موظفون ولا مقر ولا وعود تمويل واضحة تسمح بتأسيسها، فإن الحكومة تأمل فى بدء تشغيلها خلال العام الجارى.
وفى حين أن دور وحدة حماية النفط المتصور هو فقط حماية المنشآت النفطية - لاسيما من حركة الشباب الإسلامية المتمردة - فإن إدخال مسلحين فى مثل هذه البيئة المتقلبة مدعاة للقلق.
وقال أحد المراقبين المقربين من هذه التطورات والذى فضل عدم الكشف عن هويته، أنه عندما تكون هناك ثلاث جهات لديها تفسيرات مختلفة عن ما يحدث، يصبح نشر «وحدة حماية النفط «بمثابة التلويح بـ(ثوب أحمر أمام ثور)، وإرسال إشارة على أنها تستبعد المنافسين، مما قد يؤدى إلى تفجير الوضع برمته.
من جانبها، تنفى الحكومة ما يتردد عن أن وحدة «حماية النفط» ستعمل خارج إطار الرقابة الرسمية، وتقول أنها ستضم أفرادا من وحدات الجيش والشرطة القائمة، وبالتالى فإنها ليست قوة جديدة، ولا يتطلب تشكيلها موافقة البرلمان.
وعلى الصعيد نفسه، أشار دومينيك بالتازار من معهد التراث للدراسات السياسية فى مقديشو، وهو مؤلف دراسة جديدة عن آفاق إنتاج النفط فى الصومال، إلى أن البديل هو السماح لشركات النفط بتوظيف مقاولين أمنيين خاصين لن يكون بمقدور أحد مساءلتهم.
وأضاق بالتازار أن  الوحدة ستكون مسئولة أمام الحكومة التى لديها مصلحة فى السيطرة عليها فى ضوء استمرار سعيها للحصول على اعتراف دولى.
وفى نظرة سريعة على الأحوال فى الصومال ، توجد مؤشرات واضحة عن ملامح عودة الدولة بعد انهيارها لربع قرن، معولة على الشباب الثلاثينى الذى يعى معنى الدولة وهيبتها.
المطار فى العاصمة مقديشو يشهد الآن ثلاثين رحلة يوميا والصوماليون يرجعون من دول الجوار بعد لجوء طويل، بينما تعود الاستثمارات بعدما كانت فى السابق تهرب من بيئة الصراعات الطاردة.
والصومال الذى كان مسرحا لصراعات داخلية منذ انهيار الدولة عام 1991 وصراعات أخرى دخلت فيها الدول الإقليمية طرفا وحتى الولايات المتحدة، ينتظر وفاقا سياسيا داخليا لإعادة الحياة إلى مجراها الطبيعى.
بدوره قال الأمين العام لمنتدى الفكر العربى الصادق الفقيه إن الشواهد تشير إلى تفاؤل بعدما توقف الصومال عن أن يكون أزمة للجوار وللعالم، فلم تعد هناك قرصنة بحرية وسواها من المشكلات العابرة للحدود.
وأضاف أن ثمة بشائر يعيشها الصومال ذو الأهمية الإستراتيجية، تمثل عامل استقرار له وللقرن الأفريقى والمنطقة العربية.
وفى مقارنة بين دول انهارت واستعادت عافيتها ونموذج الصومال، قال الفقيه إن ما يجعل هذا البلد حالة خاصة لا تقارن ببلد كالعراق مثلاً، أن فترة ربع قرن من الانهيار طويلة، حيث لم يشهد بلد فى العالم ما شهده الصومال من دمار وإهمال من الأسرة الدولية ومن الأشقاء.
ومضى الفقيه يقول إن كل من تدخل فى الصومال تدخل لأجندته الخاصة ولمكاسب يقتنصها من بلد محطم.
وختم بأن الصومال يتجه نحو الاستقرار وإن ببطء وصعوبة فى سبيل استعادة الدولة، ولكن لا بد من تدخل أشقائه وأصدقائه، متسائلا: أين العهود والتبرعات التى وعدت بها دول العالم، فالبلاد لا تستطيع أن تجابه التحديات وحدها دون إسعافات دولية؟