الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الوكسة الكروية والاستديوهات التحليلية

الوكسة الكروية والاستديوهات التحليلية
الوكسة الكروية والاستديوهات التحليلية




لا أعرف من قال عبادة «الحاجة أم الاختراع»!
ولا أعرف من هو الجهبذ والعبقرى أو الناشط الكروى الذى اخترع فكرة الاستديوهات التحليلية الرياضية التي تقام قبل المباريات بساعات وتستمر بعد المباريات بساعات!!.
عشت زمن الكابتن «محمد لطيف» الأب الروحى للتعليق الرياضى فى مصر ومؤسس مدرسة التعليق الكروى، كان أستاذًا قديرًا بخفة دمه وثقافته وسرعة بديهته وابتكاراته فى التعليق، وما زلت أذكر تعليقه الشهير عندما أحرز لاعب البرازيل الشهير «ابدو» هدفًا بقدمه وراح الكابتن لطيف يقول مندهشًا: ياسلاام  «ابدو» جاب جون «برجله» و «الجون بيجى فى ثانية» و «الكورة أجوان»!.
ولا أنسى بالطبع قامات من نوعية الكباتن «على زيوار» و«الحامولى» و«حسين مدكور» وعفت وميمى الشربينى وحمادة إمام ومن جاء بعدهم وما زلت أشاهد ما يتاح لى مشاهدته من تسجيلات لمباريات قديمة فيها الفن والمهارة والمتعة وفوق ذلك كله ذلك الأدب الجم من كل أطراف اللعبة.
وما أكثر الأخطاء التحكيمية التي ارتكبها الحكام فى تلك المباريات وكان الاعتراض على الحكم مقبولا وكانت الجماهير تهتف فى المدرجات إذا لم يعجبها قرار الحكم: شيلوا الرف شيلوا الرف..
ولم يكن المذيع يجرؤ على انتقاد حكم، ولا المدرب ولا اللاعب إلا فيما ندر، لقد كان الحكم - حكم المباراة - بمثابة القاضى فى هيئة المحكمة، وكما لا يجوز لأحد التعليق على أحكام القاضى، فكان من المنطق عدم التعليق على قرارات وأحكام حكام الملاعب.
تبدأ المباراة وتنتهى وخلاص خلصنا، لازيطة ولازمبليطة ولا نشطاء كرويين يتبادرون فى اللت واللت والعجن والهجص والخبص الكروى.
وكان الإذاعى الكبير «فهمى عمر» وعبر ميكروفون الإذاعة يقدم برنامجًا لايزيد على خمس دقائق- كل يوم جمعة - يستعرض فيه كل نتائج المباريات التى أقيمت عصر ذلك اليوم.
وفى نهاية نشرة أخبار التاسعة فى القناة الأولى ملخصًا سريعًا لهذه المباريات..
لكن جاءت هوجة الفضائيات وانفتحت وانفجرت فى وجوهنا مئات البرامج الرياضية التحليلية «محليا وعربيا»، ولا بأس فى ذلك، فقد أصبح المجال الكروى كما المجال الإعلامى والصحفى مهنة من لا مهنة له..
وكل ذلك يهون ويمكن التغاضى عنه، فأنا وأنت أصبحنا من خبراء التدريب وحضرتك تفهم أكثر من جوارديولا، كما أننى أفهم أعمق واكثر من «جوزيه مورينيو» مدرب تشيلسى أو حتى «جوزية» المدرب السابق للأهلى، حضرتك تفهم أكثر منهما فى تطوير الأداء الهجومى بفاعلية أو تطوير الأداء الدفاعى بإيجابية، حضرتك وحضرتى ساهمنا فى العودة بطريقة اللعب من 4 - 2 -4 إلى 3 - 4 - 2 - 1 عند اللزوم فلا داعى لوجود «ليبرو» أساسًا.. وهكذا!!
لكن المصيبة التى لا يمكن السكوت عليها هى جناية الاستديوهات على الكرة المصرية عمومًا وعلى التحكيم خصوصًا، فكل برنامج واستديو رياضى يخصص فقرة لمناقشة وانتقاد وابراذ أخطاء الحكم فى المباراة وكأن الحكم نزل المباراة لكى يتعمد الخطأ ويحتسب عشرات الفاولات والتسللات وضربات الجزاء.
كل من هب ودب ينتقد الحكام، بل ويتمادى البعض فى شتمهم واهانتهم كما كان يفعل المدعو «علاء صادق» الذى أصبح بقدرة قادر ثورجى ومقاوم وممانع!!
هذه المذبحة التى يقيمها كل من هب ودب لحكام الكرة على مدى سنوات طويلة هى التى شجعت الجماهير واللاعبين والمدربين والإداريين بل والإعلاميين أنصاف المواهب على التقليل من شأن التحكيم والحكام وأصبح  شتيمة الحكم أو الاعتداء عليه لفظيًا أو بدنيًا شيئًا عاديًا ومن متطلبات اللعبة.
وعندما يرى المواطن العادى والمشجع العادى هذا التطاول على الحكام قضاة الملاعب، فما الذى يمنعهم أو يردعهم عن التطاول على قضاة المحاكم، كما فعل ويفعل بعض أعضاء الجماعة الإرهابية أثناء محاكمتهم وتطاولهم على القضاة دون خجل!!.
إن هذا الصراخ والنواح الذى نشهده فى حياتنا من بعض النخبجية تجاه بعض أحكام القضاة لأنهم يريدون أحكامًا على مقاسهم، وأحكامًا جاهزة ترضى نزعتهم، هو نفس الصراخ والصياح من الجماهير والمشجعين تجاه حكم مباراة جاءت قراراته ضد فريقهم.
وفى زمن مضي وانقضى كان من المستحيل أن ترى وتسمع حكمًا ينتقد زميله الحكم، الآن صار نجوم التحكيم القدامى الذين اعتزلوا هم أول من ينتقدون ويهاجمون زملاءهم الحكام..
وهذه العدوى انتقلت أيضا إلى أحكام القضاة، ففى زمن مضى وانقضى كان من المستحيل أن تقرأ أو تسمع لقاض أو مستشار ينتقد أحكام زميله القاضى الجليل، الآن أصبح هذا يحدث وعلى الهواء مباشرة..
لقد حولتم «كرة القدم» إلى تجارة مشبوهة الكل يستفيد منها إلا اللعبة نفسها، هل معقول بعد كل هذه السنوات من الرغى واللت والهجص والخبص والكلام عن تطوير الكرة المصرية، وملايين الجنيهات رميناها تحت أقدام لاعبين نصف «لبة» لم نصل لكأس العالم إلا مرتين فقط، مرة عام 1934 ومرة عام 1990 فى زمن «الجوهرى» العظيم.. وعلى رأى أستادنا وسيد النقد الرياضى.. نجيب المستكاوى أقول لكم: جاتكوا القرف.. فعلا ياعم نجيب: حاجة تقرف!!.