الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

أولياء الرحمن في رمضان بنود إصلاح عقيدة المسلم




فرق كبير بين أن تؤدى طقوسا أو عبادة، فصاحب الطقس مجرد مقلد لا يرتوى من الموضوعية قدر ما يرتوى من الموضعية، وهذا ما تناولناه من طقوس البعض فى تعاملهم مع القرآن واهتمامهم به فى شهر رمضان فقط، واحتسابهم القراءة بنظام البنط، بينما قمنا بارشاد المسلم الرمضانى ليتحول ليصبح من عباد الرحمن عبر منظومة تدبر القرآن، فى شهر القرآن، فتلاوة القرآن فريضة وتدبر القرآن فريضة بينما ختامه بشهر رمضان سنة لذلك فلابد أن نكون من الموضوعيين الذين يفهمون معنى القرب إلى الله حتى نكون المخصلين له سبحانه، ولابد أن يكون القرآن منهج حياة طوال العام.
 
واليوم نستكمل ذات أمر المسلم الرمضانى الذى له تهوكات رمضانية يظن بها التقوى فى نفسه، فنجلى هذه التهوكات ونصلح ما أعوج من أمر رمضانياتنا البعيدة عن الموضوعية الفقهية الرشيدة، حتى نكون من عباد الرحمن فى شهر رمضان، ولتستمر بنا الحال لنكون هكذا طوال العام.
5ـ وهناك من ارتووا بحديث: {من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه}، ومن وجهة نظرى أن من ترصد قيام رمضان فقط لغفران سيئاته، فهو ضال مُضلّل عليه، لأن المسألة فى إجمالها حسابية بحتة، فتعداد السيئات والحسنات يكون من خلال منظومة وردت بإحكام فى كتاب الله الذى يقول فيه: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }الأنعام160؛ لذلك يقول تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}الأنبياء47؛ نعم إن الحسنات يذهبن السيئات، لكن من أدراك أن حسناتك أكثر من سيئاتك؟، وهل من قام رمضان بغير إيمان بيقين سيغفر له؟، هل سينفع ذلك الإيمان الهش الهزيل؟ هل إيمانكم الذى أنتم عليه هو ذلك الإيمان الذى يعنيه النبي؟، وهل من قام رمضان غير محتسب الأجر عند الله بل يصليه ليغفر له الله خطاياه أيكون من المغفور لهم؟، لذلك تَرَى العبد يصلِّى وكأنه ضامن على الله القبول والمغفرة وما أراه يقوم الليل بعد ذلك، وما تراه يصطبغ بصبغة الله بعد ذلك، إن مثله يحتاج إلى دروس فى إخلاص الإيمان وصدق العقيدة.
 
وتراهم وهم يختزلون الإسلام، فإذا كان حديث {من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه} يشق عليك تنفيذه، فهناك حديث {من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه}، فإن شق عليك حتى قيام ليلة واحدة فلا تحزن، لأنه يمكنك بالصوم إدراك ذات النتيجة لحديث عندهم {من صام رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه}، ففى الأمر متسع لكل متخاذل، وليذهب الإخلاص إلى الجحيم، طالما أنهم لا يُدركون معنى {إيمانا واحتسابا}، فهل يعقل مسلم أن الله يقبل من اختزل العمل الصَّالح فى شعيرة، يقيمها طوال ليلة واحدة أو ثلاثين ليلة، ثم يعود إلى ما كان عليه من بطالة أو شبه بطالة شعائر؟
 
أترك الإجابة للمسلم الرمضاني، فقد يكون للحياء من الله مكان.  
 
6ـ ومن طقوسهم لقيام الليل أن يتزاحموا على المسجد ذى الإمام صاحب الصوت الحسن، دون النظر إلى مدى تقوى ذلك الإمام، رغم أن الإمامة عبارة عن وكالة فى الخطاب مع الله، لكن لأن اهتماماتهم بالتلاوة انحصرت ثم انحشرت فى حُسن الصوت فهم أسرى لأفكارهم، وكان عليهم أن يتخيروا التقوى قبل أن يتخيروا الصوت الحسن.
 
7ـ وترى منطقهم فى سوء رائحة أفواههم ينبعث من حديث يتناقلونه: {...ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك}، لذلك فقد حرَّم فقهاؤهم غسل الأسنان بمعجون الأسنان فى نهار رمضان، وما أرى ذلك حراما ولا مُفطرا كما يزعمون، كما أنهم لم يُرشدوا النَّاس إلى أن مضغ الشمع فى نهار رمضان لتغيير رائحة الفم أو لتجفيف الإحساس بالعطش، فهل يصلح مثل ذلك السلوك إلا لدعم التخلف الحضارى والاجتماعي؟ وأين نحن من قوله تعالى: {.... إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}البقرة222؛ قد يكون للفقير الذى لا يجد ما ينظِّف به فمه العذر ـ لكن فقه الشظف والخشونة بلا معنى لا أراه صوابا.
 
8ـ وترى معظم النَّاس وقد هجرت المساجد فى صلاة مغرب شهر رمضان، وما ذلك إلا لأن عندهم حديثًا فهموه بهواهم يقول فيه راوية:{ ما زال النَّاس بخير ما عجلوا الفطر ..}، لذلك فهم يتعجلون بالفطر كُلّه وهو سُنَّة، بينما يتركون فريضة صلاة المغرب إلى ما بعد أن يقوموا بسُنَّة طعام الإفطار، مع أن الله تعالى قال: {....... إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً } النساء103؛ وهم يقومون تغذيه الجسد قبل تغذيه الروح، ولست أدرى هل فقد المسلمون التعايش مع كلمات الأذان؟، إنه يقول حى على الصَّلاة، ولا يقول حى على الطَّعام، نعم يمكنك الإفطار على شربة ماء أو لقمة عيش لكن لا تُقم لبدعة هجر المساجد فى شهر رمضان قائمة بسلوكك فى هجر المسجد.
 
إننى لست ضد تلك الأحاديث المنسوبة لرسول الله، لكنى ضد الانحراف بها، وضد من يبتعد ويكتفى بها دون فقه من كتاب الله، وضد سلب العقول وإرغام النَّاس على الفقه البدوى القديم، وضد عدم تمازج الفقه مع العلم الحديث، وضد عدم تفاعل الفقيه مع واقع النَّاس، وعدم معالجته الثغور الشيطانية لتغيير الهوية القرآنية ليحل محلها غيرها كأساس لعلم وعمل المسلم.
 
9ـ إن القيمة الحقيقية والأصلية ليست فى الزَّمان سواء أكان شهر رمضان أم غيره، وليست فى المكان حتى وإن كان الكعبة المشرفة، لكن القيمة الحقيقية الأصيلة فى الإنسان صاحب العلاقة الدائمة مع مولاه، وتكون ذروة القيمة حال إخلاص ذلك العبد إخلاصًا يحمل كل وأقصى الطاقة لرضوان الله، فلو أقام العبد الإخلاص لصلاته، فخشع فيها وسار خارجها على صراط الله المستقيم، فهو خير ممن يصلى أمام الحجر الأسود بالكعبة بلا إخلاص، فالأمر أمر علاقة بين العبد وربه، لا يزيد منها المكان ولا الزَّمان إلا أن توافر الإخلاص، وصدق من روى الحديث عن رسول الله فى سنن ابن ماجة باب الفتن حديث رقم 3932 حيث قال: حدثنا عبد الله بن عمرو؛ قال: رأيت رسول الله يطوف بالكعبة، ويقول: {ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذى نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك؛ ماله ودمه، وأن نظن به إلا خيرا}، لكننا لا ندرك قيمة الإنسان قدر اهتمامنا بقيمة المكان والزَّمان، ونزعم أننا على حقيقة العلم بالدين.
 
10ـ لم أذكر النساء وما يفعلنه فى شهر رمضان من ارتداء الحجاب خلال الشهر، أو ترى كثيرًا منهن يمتنعن عن وضع الأصباغ على وجوههن خلال الشهر، فإذا ما انصرف الشهر عدن إلى مناهج الفتنة بكل صنوفها، فلست أدرى أى عبادة هذه، بل ترى من الدعاة من يُزيِّن ذلك ويستحسنه بقوله إن من يفعلن ذلك إنما يستحين، فهن أفضل ممن لا يستحين فى فقهه، وما أرى ذلك إلا منطق دعم نفاق العمل فى قلوب لم تتشرب الإيمان.
 
11ـ وتراهم وهم يتسابقون لإطعام الفقراء فى شهر رمضان، وكأن الفقير لا يحتاج للطعام إلا فى شهر رمضان، لأنهم لا يأبهون لذلك الفقير باقى أيام العام، كما تراهم وهم يترصدون أداء أموال الزكاة بشهر رمضان، وتتسم أيديهم بالسخاء لأداء الصدقات فيه، وما ذلك إلا لاعتقادهم بكثرة الثواب فى رمضان، فهم لم يرتووا برى الإخلاص إلا من أجل تصورهم أن الله يقبل كل الأعمال، من المخلص وغير المخلص، بل إنهم يتصوَّرون خُلُق الله كأخلاقهم، فهو سخى فى رمضان، وليس كذلك فى باقى الشهور، ولست أدرى ألا يستحون؟.
 
 
لذلك فإن الإخلاص من علائم المسلم الحق، ويجب أن يكون إخلاصك فى كل الأشهر والأيام، فإخلاصك بشهر رمضان ليس عملا صالحا إنما هو عمل خير، وشتان الفرق بين العمل الصالح وعمل الخير، ولا يمكن لمن له عقيدة إلا أن يكون مخلصا لها بكل الأوقات، فلا يجب ولا يصح التعامل مع الله بالقطعة وبالوقت ولا نحسب لزلاتنا، فنحن فى حاجة ماسة للإخلاص حتى يهدينا ربنا عز وجل ويجعلنا من المقبولين عنده سبحانه.