الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

رشاد كامل يكتب: «الست» فى فضائيات «التت»!

رشاد كامل يكتب:   «الست» فى فضائيات «التت»!
رشاد كامل يكتب: «الست» فى فضائيات «التت»!




ما أكثر الكلام الفارغ والتافه الذى تمتلئ به قنوات التليفزيون سواء كانت أرضية أو فضائية!
وما أكثر البرامج التى تستضيف أشباه المواهب الغنائية، فلا صوت يطربك ولا كلام عليه القيمة!
أبحث عن نجوم الغناء العربى وعلى رأسهم سيدة الغناء العربى الست «أم كلثوم» فلا أجدها إلا نادرا.
أبحث عن برنامج واحد - ولو مرة كل شهر - كما كانت حفلات الست يقدم روائعها فلا أجد، وهو ما تفعله فضائيات أخرى تضع روائع أم كلثوم وغيرها من نجوم الغناء الحقيقى فى مكانة مهمة ومحترمة!
مرت أربعون سنة بالتمام والكمال على غياب أم كلثوم منذ أن رحلت فى فبراير 1975، لكن صوت الست لا يزال باقيا شامخا عبقريا يتحدى بلطجية غناء هذه الأيام!
لا تزال أغانى الست صامدة وتكتسح وتمسح من طريقها ظواهر شاذة طفت وطغت على الغناء.
ولعل أكبر ما يثير الدهشة أن فضائيات التت والرقص يمكنك أن تشاهد من خلالها أروع وأجمل أغانى الست يتراقص على أنغامها راقصات - على كل لون يابا تستة - من الشمال والجنوب ومن الشرق والغرب، راقصة روسية تتمايل طربا على رتم وإيقاع «أنت عمرى» و«الحب كله» و«فات الميعاد» أما الراقصة البرازيلية فلا تنسجم إلا مع «ألف ليلة وليلة» و«فكرونى ازاى أنا نسيتك» و«بعيد عنك حياتى عذاب».
ولأن هؤلاء الراقصات لا يفهمن كلمة واحدة من اللغة العربية، فهن يرقصن على اللحن والإيقاع والرتم لعباقرة الموسيقى والتلحين الأساتذة محمد عبد الوهاب، محمد الموجى، بليغ حمدى، زكريا أحمد والقصبجى.
وهنا جريمة اغتيال «الست» أم كلثوم فقد استبدلوا صوتها المعجزة بأصوات قبيحة ومنفردة لا تصلح حتى لإحياء «سبوع» و«طهور» أحد الأطفال.
لماذا يغيب صوت أم كلثوم عن شاشات القنوات المصرية وما أكثرها - بذمتك هل تشاهدها؟!
فى زمن ما كان هناك محطة كاملة لإذاعة أغانى «الست» على مدار اليوم كله كان مصدر متعة وسعادة وبهجة لكل مستمعى العالم العربى!
وما أكثر ما اختلفت الأنظمة العربية، وانقطعت علاقات، وتم سحب سفراء وغلق سفارات، لكن كان كل العرب ينسون خلافاتهم العميقة أو العبيطة ليستمتعوا إلى صوت وأغانى «الست»!
وبعد هزيمة 1967 المروعة قامت أم كلثوم بأعظم عمل وطنى عندما أحيت عشرات الحفلات الغنائية فى عواصم العالم العربى وخصصت دخلها بالكامل الصالح المجهود الحربى.
لم تظهر أم كلثوم فى برنامج لتعلن وتصرخ كما يفعل أغلب بتوع الغناء هذه الأيام: بحبك يا مصر! أفديكى يا مصر، إلخ.
احتاجت أم كلثوم أكثر من عشر سنوات من التدريب والغناء فى كل قرى مصر وهى تمتطى الحمار بصحبة والدها وأخيها حتى تبوأت دون حزب رائد أو منشور ثورى أو كلام زاعق لا يودى ولا يجيب!
لقد كانت «الست» سيدة الغناء فى زمن الملكية - الملك فؤاد ثم نجله الملك فاروق - وكانت سيدة الغناء أيضا فى زمن الجمهورية وليس سرا أن الرئيس جمال عبد الناصر كان يعتبرها قيمة فنية لا تمس، وهو الذى حماها وأنقذها من حماقة أحد ثوار ثورة يوليو 1952، عندما فوجئ لعدة أيام بأن الإذاعة المصرية لا تذيع أغانيها؟! وعندما سأل عن السبب؟! قال له المسئول «الثورى» بحماقة نادرة:
لقد منعنا أغانيها لأنها من الفلول وغنت للملك فاروق وهو ما لا يصح بعد قيام الثورة وطرد الملك فاروق نفسه!
كان ذلك الناشط السياسى بتاع 23 يوليو جادا فى كلامه، فقال له جمال عبد الناصر متسائلا: إذن ينبغى على الثورة أن تهدم الأهرامات وأن تكف الشمس عن طلوع لأنها كانت تشرق أيام الملك!
وعلى الفور عادت الإذاعة لبث أغانى أم كلثوم، بل بادر البكباشى جمال عبد الناصر، بالاتصال تليفونيا واعتذر لها عن هذه الحماقة التى ارتكبت باسم الثورة!
وما أكثر الحماقات التى ترتكب باسم الثورات ويدفع ثمنها الثورات نفسها! وكادت أم كلثوم أن تدفع هذا الثمن لكنها تجاوزته وغنت لمصر الوطن والناس أعذب أغانيها الوطنية «مصر التى فى خاطرى وفى دمى» و«الله يا زمان يا سلاحى» و«راجعين بقوة السلاح» و«ثوار لآخر مدى ثوار» و«على باب مصر».
 وابتداء من أواخر عام 1973 بدأت معاناة أم كلثوم مع الألم والمرض، لكنها قررت أن تغنى أغنية وطنية بمناسبة مرور عام على انتصار أكتوبر سنة 1973، وكتب الأغنية «صالح جودت» شاعرنا الكبير ولحنها الموسيقار الرائع «رياض السنباطى» لكن الألم وتداعياته لم يمكنانها من ذلك، وتقول كلمات الأغنية الرائعة فى صف وجنود جيش مصر:
ياللى شبابك فى جنود الله
والحرب فى قلوبهم صيام وحلاوة
 ودمهم عند الشهادة زكاة
زى اللى عزوا الدين فى غزوة بدر
طول عمرهم أحرار ولاد أحرار
متسلحين بالعزم والإصرار
ساعة ما ناداهم منادى التتار
قاموا فى شهر الصوم
وعدوا البحر وقالوا
ده احنا نموت وتحيا مصر
الله يزيدك منزلة يا مصر
ورحلت أم كلثوم وبقى فنها وأغانيها ليس على قنوات تليفزيون بلدها، بل للأسف على محطات وفضائيات «التت».
الله يرحمك يا ست!